الحقوق محفوظة لأصحابها

بثينة الإبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، في لقاء جديد متجدد مع شعار ونداء يا رب، في هذه الحلقة نتكلم حول معنى جميل، كنا سبق وتكلمنا عن الأخوة وحسن العشرة ومن الأشياء التي ذكرناها أن يكون هناك ألفة ولطف وتحبب بين الإخوة بعضهم وبعض، وهناك أمر هام جدا في هذه العلاقات ألا وهو الابتسامة، البشاشة، ولذلك حلقة اليوم مع حلقة سهم القلوب، سهم القلوب ودواء الجروح هي الابتسامة، هي ثوان، لا تأخذ هذه الابتسامة سوى ثوان ولكن يبقى أثر هذه الابتسامة الدهر، هذه الابتسامة وهذه البشاشة في الوجه ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:"تبسمك في وجه أخيك صدقة" وكان صلى الله عليه وسلم هو أكثر الناس تبسما في وجوه أصحابه، وكان عبد الله بن الحارث يقول: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جابر بن سمرة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدثون في أمر الجاهلية وكانوا يضحكون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معهم ويبتسم، الابتسامة فيها التعبير عن المشاركة، الابتسامة فيها التعبير عن الارتياح، الابتسامة فيها تعبير عن القرب، فيها تعبير عن الألفة، فيها تعبير عن المودة، عن المحبة، وسبحان الله.. بعض الدعاة اليوم يعتبرون عدم البشاشة وعدم التبسم هو من السمت.. هذا سمت الداعية، هذا سمت رجل الدين، وبعض الدعاة- سبحان الله- بالعكس، يعرفون بأنهم أصحاب الابتسامة، وقد قالوا عن الابتسامة أنها سهام لصيد القلوب، والابتسامة من الفضائل التي تستعطف بها القلوب وتستر بها العيوب، وقالوا عن الابتسامة: هي كالملح في الطعام، نقف قليلا على هذه المعاني، الابتسامة لما تصدر من إنسان من أمامه يشعر أن هذا الشخص يعرفه، أن هذا الشخص يتذكره، في موقف من المواقف يشعر أنه قريب منه، فكانت كأنها هي الرابطة في بداية العلاقات وكأنها هي المفتاح التي تفتح التعارف بين الناس بعضهم ببعض، ولكن لما يقولون: الابتسامة كملح الطعام.. لا غنى في العلاقات عن هذه الابتسامة: ويقال إن الابتسامة أسرع سهم تمتلك به القلوب، أحيانا نقابل بعض الناس ونجدهم لعدم وجود علاقات سابقة أو تعارف سابق نشعر أنهم- نقول مثل العامية- كاشين لا يعلمون من هو هذا الشخص، ما هي صفاته؟ هل سيألفهم؟ أحيانا نقول بالعامية: يسقط التكلفة، يسقط الكلفة بينه وبينهم أم أنه سيترفع عنهم؟ أنه لن يتقبلهم لن تعجبه هذه الشخصية، فسبحان الله.. لما تأتي الابتسامة في بداية لقيا أي إنسان يشعر الشخص الآخر كأنني امتلكت قلبه، الله! شو ها الوجه السمح؟! ما هذا الوجه الجميل؟! أول مرة أراها فيها وأراها مبتسمة وكأنها تعرفني من زمان، شوف الأثر اللي هتتركه، ما نشعر بها، لكن اللي أمامنا يشعر بهذه الأمور، الابتسامة هي عبادة وصدقة وذلك مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم- وهذا كررناه في البداية- "تبسمك في وجه أخيك صدقة" كأنك تخرج صدقة، فسبحان الله.. الابتسامة ليست فقط تمنع عدم وجود الألفة، تزيد الألفة، تزيد المحبة، تسهل العلاقات، إنما هي أيضا فيها صدقة، الابتسامة صدقة، وقالوا عن الابتسامة: إن البشاشة في سرور يظهر للوجه ويدل على ما في القلب من حب اللقيا والفرح بالمقابلة، إذا لا نتخيل دائما خلي شعورنا نشوف وإحنا نلقى شخصا أمامنا ونبدأ بالسلام وبالابتسامة ونظهر البشاشة ونظهر البشر والحرارة في اللقاء وبننظر ما هو الأثر على هذا الشخص ولنتخيل العكس حين نقابله بتهكم، حين يكون هذا الوجه فيه من الغضب، في أحيانا يكون الإنسان حزينا فيقابل الناس بهذا الحزن، نتخيل ما هو الأثر على الشخص الذي يقابلنا؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق، هذه أمر بسيط: أن تلق أخاك بوجه مبتسم.. وجه فيه البشاشة، فيه سعادة حتى لوكان في المقابل شخص عنده مشكلة واللا عنده حزن واللا عنده هم، هذه الابتسامة ليس فقط أخذ بها صدقة ولكن أيضا أنسي من أمامي الحزن الذي هو به، أنسيه الهم لأنه عندما يجد هذا الوجه المبتسم يشعر أن هذا يخفف عنه، وأرجع وأقول: نحن لا نشعر بها ولكن كل هذه المعاني يشعر بها الشخص الذي أمامنا، قال أحد الصالحين عن الابتسامة.. قال: البشاشة إدام العلماء وسجية الحكماء لأن البشر يطفئ نار المعاندة ويحرق هيجان المباغضة وفيه تحطيم من الباغي ومنجاة من الفاعل، إذا كان هناك أي سوء تفاهم.. أي خلاف.. أي أمر يقدر هذه العلاقة الأخوية والعلاقات بشكل عام، إذا تقابل الناس بابتسامة تبتسم على الوجوه تجد أن هذا يخفف ما كان من سوء الخلاف، على الأقل يسهل فتح الحوار، يسهل عودة النقاش في الموضوع مرة ثانية، لكي يكون النقاش بوجه سمح، كيف نتقابل حتى ننهي الخلاف والوجوه عبسى والهم طاغ عليها، الواحد يشعر.. يقول: أنا ليش أفتح الموضوع؟ لماذا نتحاور في هذا الموضوع؟ الموضوع مسكر، مسكر، لعل وجه هذا الإنسان يدل أصلا على أن الموضوع لا ينفتح أصلا لأنه لو انفتح هذا الموضوع سنعود للجدل لأنه من وجهه يبدو عليه أنه لا يزال يريد أن يثبت رأيه أو أن يصل الانتصار لنفسه، قال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: البشر مؤنس للعقول ومن دواعي القبول والعبوس ضده، وعليه فالأجدر بالعاقل الذي يعلم بآثار البشاشة أن لا يرى إلا هاشا بشا متهللا، العاقل يرى هاشا بشا متهللا، ولذلك-

سبحان الله- في ناس من سجيتهم ومن طبعهم الابتسامة، وجوهم دائما مبتسمة، هؤلاء الناس ليحمدوا الله على هذه النعمة أنها كانت بطبعهم، دائما وجوهم مبتسمة، وهناك من نجد دائما وجهه عبوس، هؤلاء الناس ليجاهدوا، ليجاهد من لم تكن طبعه الابتسامة وليحاول في البداية أن يتكلف الابتسامة ويتجنب العبوس حتى يجد نفسه يألفها الابتسامة ويأنس بها، لما يبدأ الإنسان أن يجبر نفسه على هذه الابتسامة.. حين يرى الأثر من استجابة الناس، قبول الناس، حب الناس، مكانة بين الناس، تجمع الناس حوله، عند ذلك تبدأ نفسه تألف هذه الابتسامة، قال أبو جعفر المنصور: إن أحببت أن يكثر الثناء عليك من الناس بغير نائل فالقهم ببشر حسن، يعني تحصل على ثناء الناس بغير أمر، بغير عطاء، بغير تكلف في أمر لهم، فأفضل شيء تكسب به هذا الثناء هو أن تلقهم ببشر، تلقهم بابتسامة، وقد قيل لأحد الصالحين: إنك تلقى الناس كلهم ببشر، قال: دفع ضغينة بأيسر مؤونة واكتساب إخوان بأيسر مبذول، أي أنه حين يلقى الناس بالابتسامة والبشاشة سيبعد عنه الأحقاد ويكسب ود الناس ويكسب صداقتهم وذلك دون أن يتكلف بشيء، وقال أحد الصالحين: صاحب البشر محبوب على حسن بشره ولن يعدم البغضاء من كان عابسا، وقال آخر: البشر يكسب أهله صدق المودة والمحبة والتيه يستدعي لصاحبه حب المذمة والمسبة، كثير من الناس من لا نراه إلا عابس الوجه مقطب الجبين لا يعرف التبسم ولا اللباقة ولا يوفق للبشر والطلاقة بل نراه ينظر للناس شذرا ويرمقهم غيظا وحمقا، يظهر عليه أنه في داخله شيء وقد يكونون لم يرتكبوا ذنبا ولا خطأ ولكن هذا هو طبعه وهذا ما تدعوه إليه نفسه، وهذا الخلق- سبحان الله- له سبب، أحيانا من كبر النفس وغلظة الطباع، ولذلك يجب أن يعود الإنسان نفسه على ترك مثل هذه الطباع ويحاول التطبع بالتبسم والبشاشة في وجه الناس، قيل لحكيم: من أضيق الناس طريقا وأقلهم صديقا؟ قال: من عاشر الناس بعبوس وجه واستطال عليهم أي تكبر عليهم، وللابتسامة والبشاشة فوائد، فهي تثمر المحبة بين المسلمين وتبعث اطمئنانا عند اللقاء، فيها مرضاة الله سبحانه وتعالى وفيها الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، الابتسامة تعين وتسهل أمر النصيحة بين الناس، يقول علي كرم الله وجهه: من الدهاء حسن اللقاء، الإنسان حين يصعب عليه أن يوصل أمرا أو نصيحة إلى الناس إذا بدأ بالابتسامة سهل كل الأمور، نختم ونقول: يا رب ارزقنا حسن البشاشة والتبسم والتزام بالابتسامة وود قلوب الناس وافتح لنا بها مغاليق القلوب لنجتمع معها على مرضاتك، وألقاكم في حلقة قادمة في نداء: يا رب.

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=886_0_2_0