الحقوق محفوظة لأصحابها

بثينة الإبراهيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أكرم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

يا رب هذا النداء الذي نردده في بداية كل حلقة يا رب سبحانك رب الكون ومنشأه والعالم والمحيط بكل ما فيه عرضت على السموات أن تكون خليفة عنك على كونك تدبره وتتصرف فيه بقوتك وبإذنك فأبت وعرض سبحانك على الأرض هذه المهمة فامتنعت، وعرضها على الجبال فضعفت عن حملها واعتذرت عن الإتيان بها، وعرضها على الإنسان فقبلها فرحا مسرورا... غير عالم بما تكلفه حمل هذه الأمانة من أعباء وما تحمله هذه الأمانة من مشاق، إنه كان ظلوما جهولا، كانت هذه هي الأمانة الأولى التي أشار إليها القرآن الكريم في الآية، يقول الله عز وجل {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} ما هي هذه الأمانة.. وما حقيقتها؟ الأمانة في تعريفها هي حرية الاختيار وهي أداء الحقوق وإعطاء كل ذي حق حقه هي المسؤولية التي نتحملها، والتكليف أنا نكلف بفعل أمر معين أو ترك أمر معين، وذاك يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} أي أن لهذا الأمر إعطاء الأمانة إلى أهلها، وهذه الآية تدل على أن أداء الأمانة هنا هو أمر واجب ويقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

ربط الله سبحانه وتعالى كذلك بأهمية الأمانة ربط بينها وبين الإيمان فيقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَْ} ويقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} هذا ما جاء في القرآن الكريم ثم حث النبي صلى الله عليه وسلم على الأمانة بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمان له ولا دين لمن لا عهد له"

الأمانات تنوعت وشيء من هذه الأمانات ما تكون مع الله وما تكون البشر، وأريد أن أقف على أهم هذه الأمانات وهي الأمانة مع الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل: {وَقِفُوْهُمْ إنَّهُمْ مَسْؤُوْلُوْنَ} عن ماذا سنسأل يوم القيامة.. سنسأل عن هذه الأمانات، عن هذه الواجبات التي ائتمننا الله سبحانه وتعالى عليه وذاك يقول الله عز وجل س{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} فنعود إلى الله سبحانه وتعالى هو خلقنا في هذه الأرض لخلافته عز وجل ولأداء هذه الأمانات، فالصلاة أمانة والصيام أمانة، وكل ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى وكل ما نهانا عنه الله عز وجل أمانة، ولذلك نقف في يوم نسأل عن هذه الأمانات.

النوع الثاني من الأمانات الأمانة مع الناس، وتتمثل في جوانب كثيرة منها أمانة الودائع وربما هذا أمر الكثير يعرفه، ووضح لنا هذا معنا في خلق النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس، فبرغم عداء المشركين ومحاربتهم للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم كانوا يأتمنونه على أموالهم ويتركونها عنده صلى الله عليه وسلم يحفظها لهم.. على ماذا يدل؟ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد عرف بالأمانة وكان يؤدي الأمانة إلى أهلها، الأمر الثاني هناك أمانة في الحديث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حدث الرجل أخاه حديثا ثم التفت فهي أمانة" يعني ما وصى.. فقط التفت، ماشي فأصبح ما بلغه من كلام أو ما إعطاه من سر هو أمانة، نتأمل هذا الحديث ونرى كيف المقصود فيها الالتفات يعتبر أمانة وسر، وهو يعلم أنه لن يحدث به أحد بل وهذا الرجل يكون عنده شعور الاطمئنان، أنه استودع السر هذا أو هذا الحديث من سيحفظه وهذا إن دل على شيء دل على أهمية أن نحترم خصوصيات بضعنا البعض، وأن نحترم أمانة الحديث سبحان الله هذا كان حالهم، نحن اليوم يضطر الواحد منا إذا حدث بالحديث أي يقول أسألك بالله ألا تخبر أحدا ولا تبلغ أحدا وقد ائتمنتك على هذا الحديث، ويبقى يشدد عليه يشدد عليه في الكلام وخلال أيام نجد أن الحديث الذي أسره لصاحبه قد علم أناس كثيرين كلامه.. يسمع الحديث أو هذا السر ويشدد على الذي يخبره حلفتك بالله استأمنتك بالله أسألك بالله ألا تقول نعم، وهذا ينقل إلى الآخر.. الآخر أين الأمانة في الحديث؟ أين حفظ هذه الأمانة؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن من أشد الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها.. وسبحان الله هذا الذي سبب الكثير من المشاكل في الحياة الزوجية؛ لأنهم هتكوا سترا مع الله سبحانه وتعالى، وكشفوا ما كانت الأمانة في العلاقة بينهم، وهناك أمانة هامة جدا وهي التي نرى فيها مستقبل الإسلام..

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه وأن يحسن أدبه".. إنها الأمانة مع الأبناء، علينا أن نحسن تربيتهم ونتقي الله في معاملتهم، فلا نوقع بهم ضررا.. لا جسدي ولا نفسي؛ لأنهم أمانة استودع الله سبحانه وتعالى هذه الأمانة عندنا، ولنستعين بالله سبحانه وتعالى على تربيتهم لا تكفي التربية فقط ولكن أن نواصل الدعاء دائما أن يكونوا هداة مهدين، ثم هذه الأمانة حين نحافظ عليها... وأقصد أمانة الأولاد، يجب أن لا نهون من الأمانة، أن لا نهون عليهم المعصية، وقد نهونها دون قصد منا ونشجعهم عليها، فنعطي مثلا حين يقدم الوالدين المال للأبناء بلا حدود، ومع إعطاء المال لا يوجد هناك زرع لرقابة الله سبحانه وتعالى في داخل نفوسهم، ولا توجد هناك إحسان في التربية ودون أن يوجه ودون أن يعينهم على اختيار الصديق، فتجمعت هذه الأسباب مع وجود المال، كأننا يسرنا إلى الأبناء طريق الضياع فضيعناهم وضيعنا الأمانة، فوقعوا في المعاصي إلا من حجبه الله سبحانه وتعالى... هذا أمر... الأمر الثاني حين يتساهل الوالدين مع الفتاة رفقا بالقوارير، والفتاة ضعيفة ورقيقة ومن باب الرفق بها فيسمح لها بأن ترتدي ما تشاء وتخرج بأي شيء تريد، ليس.. وسبحان الله وحتى لباس الفتيات الآن ما عاد فقط يعين خارج عن الشرع.. بل وحتى يعني خرج عن مقاييس الذوق العام.. فنرى الفتاة يعني يوم تلبس من الملابس ما فيها ليس فقط الخروج عن الشرع إنما فيها بشاعة في الذوق.. هنا أنا نسأل الوالدين أين الأمانة؟ يا أم ويا أب.. الله سبحانه وتعالى استودع عندكم هذه الأمانة، يجب أن تحافظوا عليها وأن تدعوا الله سبحانه وتعالى دائما يا رب أصلح أبناءنا، وهذا الدعاء الكثير يدعون به.. يعني نقول أن الناس تدعوا بهذا الأمر تدعوا الله أن يصلح لنا ذريتنا، ولكن الدعاء لا يكفي، واجب علينا من باب الأمانة أن نعلم أبنائنا أمور الدين وأن نحسهم على طاعة الله سبحانه وتعالى، نذكرهم بفضله عز وجل عليهم، وأن نحبب إليهم السنة النبوية وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما هو فضل الاقتداء بالسنة.. سنة النبي عليه الصلاة السلام، وكذلك نبرز أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله.. كيف كان يحسن لأهله، وكيف كان يحسن إلى جيرانه، وكيف كان يصل أرحامه ويرفق بأهله نجعل لهم نموذج أمامهم هذا النموذج في أخلاقه مع أهله مع ربه مع جيرانه مع الناس بشكل عام، سيجدون أمامهم قدوات يقتدون بها من أنواع الأمانات الزوجة.. الزوجة أمانة عند زوجها، فعليه أن يتقي الله فيها ويحسن إليها، سواء هذا الإحسان من الإنفاق وحسن المعاشرة وعدم إهانتها لا جسديا ولا معنويا، وعليه أن يعلم أن سعادة هذه الزوجة هي أيضا سعادته، والزوجة أيضا يجب أن تعلم أن سعادة زوجها هي سعادتها، والله نحن نسمع في هذا اليوم الكثير من المآسي نحن نستمع إلى البرامج الاجتماعية التي تعرض تلك المشاكل الزوجية وتعرض سوء التعامل بين الأزواج.. أمور.. أقول: ما الذي حدث فعلا، نستشعر بضياع هذه الأمانات.. حين يسيء الرجل التعامل مع زوجته أو العكس وسوء التعامل بين الأزواج.. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".. وعليها هي أيضا أن تتقي الله سبحانه وتعالى في زوجها، نحن نسأل الله سبحانه وتعالى على أن يبصرنا بهذه الأمانات، وأن نؤديها حق الأداء مع الله سبحانه وتعالى.

اللهم ارزقنا حسن آداء الأمانات، وأعنا على هذه الأمانات، وأعنا إن وقفنا في يوم القيامة وسؤلنا أن نجيب: يا رب قد أدينا الأمانة..

وإن شاء الله نلتقي في الحلقة القادمة لنكمل الحديث عن "وأعطي كل ذي حق حقه"... الأمانات.

المصدر: http://www.alresalah.net/morenews.htm?id=877_0_2_0