الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


ندوات تلفزيونية - قناة اقرأ - موسوعة الأخلاق الإسلامية - الدرس (27-28 ) : التعاون

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-02-27

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

الأستاذ أحمد :

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، يسرنا أيها الأخوة والأخوات أن نلتقي بكم في حلقة جديدة من حلقات:" موسوعة الأخلاق الإسلامية"، مع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق، أهلاً ومرحباً بكم دكتور .

الدكتور راتب :

بكم أستاذ أحمد جزاك الله خيراً .

الأستاذ أحمد :

سيدي الكريم حبذا لو نتحدث اليوم عن خلق من الأخلاق الإسلامية ألا وهو خلق التعاون، والتعاون يظنه كثير من الناس بأنه منحصر بصورة واحدة ألا وهي مساعدة الأخ لأخيه في قطع طريق، أو حمل شيء، لكن هذا الخلق العظيم تندرج تحته الكثير من الصور، فعلى سبيل المثال المساعدة بالجسم هي صورة من الصور، لكن المعونة المادية أيضاً هي صورة، بل إن المعاونة في الفكر وما أشبه هي صورة، بل إن هناك نوعاً من التعاون هو التعاون النفسي أو الوجداني، فعندما أشارك أخي المسلم في أفراحه، في أتراحه، في حزنه، هذه أيضاً صورة، ولذلك نرى أن التعاون ينسحب على كثير من صور حياتنا، فالسؤال الآن: هل التعاون هو خلق وفقط أم أن له خلفية عقدية؟

التناقض بين الطبع والتكليف سبب دخول الجنة :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أستاذ أحمد أولاً الإنسان معه طبع ومعه تكليف، وقد ذكرت هذا كثيراً، الطبع يقتضي أن تتابع النوم، والتكليف يقتضي أن تستيقظ لتصلي، الطبع تناقض مع التكليف، الطبع يقتضي أن تأخذ المال، والتكليف يقتضي أن تنفق المال، وهنا تناقض الطبع مع التكليف، الطبع يقتضي أن تخوض في فضائح الناس ـ شيء ممتع ـ والتكليف يقتضي أن تصمت، الطبع يقتضي أن تملأ العين من محاسن المرأة التي لا تحل لك، والتكليف يقتضي أن تغض البصر، يتضح أن مع الإنسان طبعاً، ومعه تكليفاً، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو سبب دخول الجنة:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

[ سورة النازعات الآيات :40-41]

لأن التكليف سمي تكليفاً لأنه ذو كلفة، فيه جهد:

(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ...إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))

[ أحمد عن ابن عبَّاس ]

من اتبع التكليف الإلهي اقترب من الله عز وجل :

التكليف فيه كلفة وهو ثمن الجنة، ألا إن سلعة الله غالية، وأي إنسان توهم أن الجنة تكون بركعتين ودرهمين فهو واهم، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله غالية، أنا حينما أتبع طبعي أبتعد عن ربي، وحينما أتبع التكليف الإلهي أقترب من الله، الآن الطبع فردي والتكليف تعاوني، لو عدت إلى طبعي، أتمنى أن أكون وحدي، أن آكل وحدي، أن أستمتع بالحياة وحدي، أن تكون الأموال كلها لي لا لغيري، هذا الطبع، فالإنسان يكون فردياً ويؤثر مصلحته على حساب مصالح الآخرين حينما يبتعد عن ربه، فأي إنسان بعيد عن الله عز وجل فردي، مصلحته فوق كل شيء، قد يبني مجده على أنقاض الآخرين، قد يبني حياته على موتهم، قد يبني غناه على فقرهم، قد يبني عزه على ذلهم، قد يبني حياته على موتهم، أما أي إنسان يتبع منهج الله عز وجل يتعاون.

التعاون هو السمة الأساسية البارزة للمؤمنين :

التعاون له سمات عميقة في الإنسان، هذه السمات لها اتصال بفهمه بحقيقة الدنيا، وحقيقة الدين، له جانب عقدي، أنا حينما أؤمن أن الله لا يدخلني الجنة التي وعد بها المؤمنين إلا إذا تعاونت مع أخي، لذلك السمة الأساسية البارزة للمؤمنين التعاون، والسمة الأساسية البارزة للشاردين هي التنافس، فالمجتمع المتعاون مجتمع مؤمن، وقد يكون مجتمعاً ذكياً لأن الذكاء يلتقي مع الإيمان في النتائج، يختلف معه بالبواعث، بمعنى لو راقبنا مدير مؤسسة، ينطلق من إيمانه العميق، ومن طاعته لله، ودرسنا تصرفاته خلال فترة من الزمن، ثم راقبنا مدير مؤسسة يحمل أعلى شهادة في إدارة الأعمال، المفاجأة الصاعقة أن كلا الرجلين متشابهان في تصرفاتهما لكن باعث الأول طاعة الله عز وجل واستحقاق الجنة، بينما باعث الثاني امتلاك الدنيا فقط، لذلك الأول يعطي الدنيا والآخرة، والثاني ليس له في الآخرة من خلاق.

التعاون خلق جماعي و الطبع خلق فردي :

العمل العبادي والعمل الذكي العلمي يلتقيان في النتائج ويختلفان في البواعث، معنى ذلك أن كل إيجابيات الغرب إسلامية، لا لأنهم مؤمنون بالله، مؤمنون بالمال، بالمصالح، بالدنيا، المادة تقتضي أن تكرم الإنسان، أن تعطيه حقه، أن تكون عادلاً، طبعاً في مجتمعاتهم فقط، مع المجتمعات الأخرى لهم شأن آخر، ليسوا إنسانيين لكنهم عنصريون، لذلك العمل الذكي العلمي يلتقي مع العمل العبادي في النتائج ويختلف معه في البواعث، فمثلاً النموذج الأرفع في العالم الغربي ما يسمى بفريق العمل، الآن لا يقبل موظف في مؤسسة، في معمل، في دائرة، إلا إذا كان صالحاً للعمل ضمن فريق، هذه توضع في شروط القبول، هناك إنسان لا يتعاون، متفوق، له إنجاز كبير، لكنه لا يتعاون، فردي، يريد أن يبني مجده شخصياً، بينما الإنسان الآخر يتعاون مع أخيه، مثلاً معمل فيه نزعة فردية، لو أخطأ بعض العمال عشرات العمال يذهبون إلى المدير خلسة، ويشتكون على هذا، يشفون صدورهم منه، في مجتمع التعاون إذا اخطأ العامل توجه عشرات إليه ينصحونه فيما بينه وبينهم، التعاون إسلامي، لكن أنا أتعاون بقدر طاعتي لله، وأتنافس بقدر معصيتي لله، لن تجد مؤمناً صادقاً يحمل همّ المسلمين، يبتغي وجه الله عز وجل، إلا ويتعاون مع أخوانه، أما التفرد والتوهم أن الحق معي وحدي، وأن الله لي وحدي، وأن الجنة لي وحدي هذا فهم سخيف، وساذج، وشيطاني، من أجل إثارة الفرقة بين المسلمين.

الأستاذ أحمد :

وهذا معنى قولك بأن التعاون خلق جماعي وأن الطبع خلق فردي.

الدكتور راتب :

الملخص أنا أتعاون مع أخي المؤمن ومع مجتمعي بقدر طاعتي لله، وأتنافس مع أخي بقدر معصيتي لله.

الأستاذ أحمد :

الغربيون ـ كما تفضلتم ـ عندهم مفهوم التعاون متبنى مع أنهم أقوياء، ومع أنهم قد قطعوا أشواطاً في التقدم العلمي والتكنولوجي وغير ذلك، فلماذا يصرون على مفهوم التعاون لأنهم قطفوا ثماره أم لأنهم يعلمون أن المركب لا يمكن أن يسير؟ حتى اليوم نرى أن مراكز الدراسات والبحوث الضخمة في دولهم لا تخرج تقارير ودراسات إلى الناس إلا بعد أن تكون من فريق باحثين لا بفكر شخص واحد فقط.

التنافس تخلف و ضعف :

الدكتور راتب :

السؤال معكوس قلت: هم أقوياء، هم أقوياء لأنهم تعاونوا، بل لأنهم يخططون لأجيالهم الصاعدة ليتعاونوا بدءاً من سن السادسة، لعبهم فيها تعاون، معظم اللعب التي يمارسها الصغار لا تنجح إلا بالتعاون، كأن في دمهم كرية بيضاء وكرية حمراء وكرية تعاون، وكأن في دم المتخلفين كرية بيضاء وكرية حمراء وكرية تنافس، التنافس تخلف، والتنافس ضعف، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 46 ]

تطاوعا ولا تنافسا وصية النبي عليه الصلاة والسلام.

الأستاذ أحمد :

سيدي هل هناك آية تعد أصلاً في خلق التعاون؟

الآية التالية تعد أصلاً في التعاون :

الدكتور راتب :

هناك آيات كثيرة ولكن أحياناً تكون آية واحدة كما تفضلت تعد أصلاً في التعاون، قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا﴾

[ سورة المائدة الآية : 2 ]

كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، على ماذا تعاونوا؟

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

[ سورة المائدة الآية : 2 ]

قال العلماء :

﴿ الْبِرِّ ﴾

صلاح الدنيا،

﴿ وَالتَّقْوَى ﴾

صلاح الآخرة. لأنك مؤمن يجب أن تتعاون لحل مشكلة الأمة، تأمين سكن للشباب، تأمين فرص عمل، حل مشكلة البيئة، المجتمع الراقي إيمانياً أو الراقي حضارياً متعاون، هذه الأرض أرضي، هذا الوطن وطني ، هذه البيئة بيئتي، ينبغي أن أعيش براحة فيها، لذلك أنا أقيس مقياس التقدم الحضاري أو الديني من التعاون.

الأستاذ أحمد :

هذا التعاون على البر في الدنيا والتعاون على التقوى للآخرة كيف يكون؟

النصيحة أساس التعاون على البر في الدنيا والتعاون على التقوى للآخرة :

الدكتور راتب :

بالنصيحة أنا حينما أرى أخي قد انحرف أنصحه، لا أقول: مالي وماله، لا، هذا موقف غير أخلاقي، أنا حينما أتخلى عن أخي المؤمن فهذا موقف غير أخلاقي، لا بد من أنصحه، بل تكون النصيحة أحياناً ضرورة، وهؤلاء الذين كانوا في سفينة أراد أحدهم أن يخرقها، قال: فإن أخذوا على يديه نجا ونجوا وإن تركوه هلك وهلكوا.

الأستاذ أحمد :

ظن أنه حر في الجزء الذي يقف عليه.

الدكتور راتب :

التعاون فريضة الآن، التعاون ضرورة، التعاون حضارة، التعاون دين، التعاون إيمان، لذلك هناك نقطة دقيقة جداً هذا الدين توقيفي، يجب أن يستمر كما بدأ، لا يقبل أن تضيف عليه شيئاً، كما أنه لا يقبل أن تحذف منه شيئاً، إنك إن أضفت عليه جعلت المسلمين شيعاً، وأحزاباً، وفرقاً، ومذاهب، وطوائف، وكان بأسهم بينهم، وتعطل تقدمهم، وقوي عليهم عدوهم، أما إذا حذفت منه جعلتهم في المؤخرة، بالإضافة يتقاتلون ويضعفون، لذلك:

(( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتي ))

[ أخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة ]

لا بدّ من التعاون.

التجديد أن ننزع عن الدين كل ما علق فيه مما ليس منه :

أما ما يطرح الآن من نغمات التجديد في التعريف الجامع المانع الدقيق هو: أن ننزع عن الدين كل ما علق فيه مما ليس منه، الدين توقيفي:

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

[ سورة المائدة الآية : 3 ]

الأستاذ أحمد :

لا أن نجدد الدين بما يوافق هوانا.

الدكتور راتب :

التجديد أن ننزع عن الدين كل ما علق فيه مما ليس منه، فالتعاون والتدين صنوان، والتنافس والتخلف صنوان.

الأستاذ أحمد :

هذا يذكرني بعنوان كتاب اسمه "تجديد في المسلمين لا في الإسلام"، والآية التي ذكرتها سيدي الكريم:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

أردفها تعالى بقوله:

﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

إذاً التعاون ليس دائماً خلقاً إيجابياً، كأنه كما ذكرتم في حلقات سابقة هناك أخلاق حدّية، أيضاً هناك من يتعاون على الإثم والعدوان، ما هي أمثلة هذا التعاون على الإثم والعدوان؟

أمثلة عن التعاون على الإثم والعدوان :

الدكتور راتب :

الإنسان إذا انحرف في سلوكه الوظيفي وجاء موظف آخر انضم إليه، تعاونا على الإثم والعدوان، العدوان على مصالح الأمة، فأنا حينما أكون طرفاً في مشكلة تصيب الأمة أنا متعاون تعاوناً سلبياً، الله عز وجل أمر ونهى،

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾

البر صلاح الدنيا، والتقوى صلاح الآخرة،

﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

أحياناً هناك معاصٍ ليس فيها عدوان، لو أن إنساناً دخل إلى غرفته وشرب الخمر، أو جلس مع أخيه يشربان الخمر، لم يؤذوا أحداً هذا إثم، وهناك تعاون على العدوان، لذلك سيدنا عمر يقول: "لو أن أهل بلدة ائتمروا على قتل واحد لقتلتهم به جميعاً"، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ فعَقَرُوهَا(157) ﴾

[ سورة الشعراء ]

ما قال: عقرها واحد، الذي عقرها واحد، لكن هؤلاء ائتمروا على عقرها فنسب الفعل إليهم جميعاً.

الأستاذ أحمد :

كفار قريش حينما حاولوا أن يفتكوا برسول الله فجمعوا له حتى يضيع دمه بين القبائل، قوله تعالى:

﴿أرأيت الذي يكذب بالدين(1)فذلك الذي يدع اليتيم(2)ولا يحض على طعام المسكين(3)فويل للمصلين(4)الذين هم عن صلاتهم ساهون(5)الذين هم يراءون(6)ويمنعون الماعون(7) ﴾

منع الماعون هل فيه تعاون على الإثم والعدوان؟

منع الماعون تعاون على الإثم والعدوان :

الدكتور راتب :

تعاون سلبي، مثلاً: إنسان أعارك كتاباً، ينبغي أن ترده إليه مجلداً، من أجل تعزيز قيمة التعاون، أما تأخذه تضعه في بيتك أشهراً وسنوات حتى ينساه، تنساه في مركبتك ومعه بضاعة مهربة فتصادر المركبة، الآن الشيء الذي يحصل أن إنساناً يخشى أن يعاون أحداً في ركوب مركبته، يخشى أن يكون مهرباً، أن يكون مخالفاً للقانون، لذلك رجل كان يركب حصاناً، رأى رجلاً في أيام الصيف، والصحراء شديدة الحر، و رجل ينتعل رمال الصحراء المحرقة، دعاه إلى ركوب الخيل رحمة به، لكن هذا الإنسان أحد لصوص الخيل، ما اعتلى متن الخيل وراء صاحبها حتى دفعه إلى الأرض، وعدا بها لا يلوي على شيء، فصاح صاحب الفرس: يا هذا لقد وهبت لك هذه الفرس، ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع الخبر في الصحراء فتفقد الصحراء أجمل ما فيها.

الأستاذ أحمد :

ضحى بفرسه مقابل ألا يكرس عند الناس مفهوم قطاع الطرق. هذا يجعلني أن أسأل عن خلق التعاون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هي أمثلته أو بعض صوره؟

خلق التعاون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم :

الدكتور راتب :

النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه في سفر، أرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم: عليّ ذبحها، وقال الثاني: عليّ سلخها، وقال الثالث: عليّ طبخها، فقال عليه الصلاة والسلام: وعليّ جمع الحطب، قالوا: نكفك ذلك، قال: أعلم أنكم تكفونني، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .

في بدر الصحابة كانوا ألف صحابي وثلاثمئة راحلة، هو قائد الجيش، وزعيم الأمة، ورسول الله، ونبي الأمة، قال: كل ثلاثة على راحلة، وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، سوى نفسه مع أقل جندي، ركب الناقة فلما جاء دوره في المشي توسلا صاحباه أن يبقى راكباً قال: ما أنتما بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر .

هذا تعاون النبي عليه الصلاة والسلام، وكان في مهنة أهله.

الأستاذ أحمد :

التعاون هل هو خلق مجرد أم فيه قهر وإجبار؟

الإنسان إما أن يتعاون فيعلو عند الله وإما أن يتنافس فيسقط :

الدكتور راتب :

أستاذ أحمد، حينما سمح الله للإنسان أن يتقن شيئاً واحداً أو شيئين، وهو بحاجة إلى ملايين الأشياء، أنت بحاجة إلى معطف، إلى ثياب، إلى قميص، بحاجة إلى طبيب، إلى مدرس، بحاجة إلى صانع، إلى خياط، حلاق، خطاط، أنا لا أبالغ أنت بحاجة إلى مليون حاجة، هذا الزر الذي في القميص له معامل، له خبراء، أنت بحاجة إلى قميص له أزرار، فأنت تتقن عملاً واحداً، أنت مدرس لكن بحاجة إلى طعام، بحاجة إلى رغيف خبز، هناك مئات الألوف يزرعون، ويسمدون، ويسقون، ويحصدون، ويطحنون، ويخبزون، هناك مشاركة في الخبرات، لذلك أنت مقهور أن تعيش مع أخوانك، ممر إجباري، فإما أن تتعاون فتعلو عند الله، وإما أن تتنافس فتسقط، لذلك أنا مقهور أن أكون في مجتمع.

الأستاذ أحمد :

هدف التعاون وأن أعلو مع الله يجعلني أسألك هل هناك واجب في الدعوة إلى الله أن يتعاون أهلها فيما بينها؟

الإنسان حينما يتعاون مع أخيه الإنسان يؤكد إيمانه و إخلاصه :

الدكتور راتب :

أستاذ أحمد أقول لك من أعماق قلبي: الدعوة إلى الله دعوتان؛ دعوة إلى الله خالصة، ودعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها التعاون، والدعوة إلى الذات من خصائصها التنافس، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها الاتباع، الدعوة إلى الذات من خصائصها الابتداع، الدعوة إلى الله الخالصة من خصائصها قبول الآخر، أن تعرف قيمته، ما عنده من إيجابيات، والدعوة إلى الذات من خصائصها إلغاء الآخر، رفض الآخر، بناء مجدك على أنقاض الآخر، فلذلك كل من تعاون في الدعوة إلى الله أكّد إخلاصه لله، أكّد انصياعه لأمر الله، النبي عليه الصلاة والسلام ـ وهو قمة في العلم والحكمة ـ بحكمة بالغة بالغة حجب الله عنه الموقع المناسب يوم بدر، حجب عنه الموقع وحياً، وإلهاماً، واجتهاداً، فجاء صحابي جليل الحباب بن المنذر، قال يا رسول الله : هذا الموقع وحي أوحاه الله لنا أم هو الرأي والمشورة؟ قال له: هو الرأي والمشورة ، قال له: والله ليس بموقع، قمة العلم والحكمة بكل بساطة وتواضع، قال: أين الموقع المناسب؟ فدله عليه، فأمر أصحابه بالتحول إليه، الرجوع إلى الحق فضيلة، وقد أراد الله عز وجل من النبي عليه الصلاة والسلام أن يُظهر به هذه الفضيلة حينما حجب عنه الموقع المناسب وحياً، وإلهاماً، واجتهاداً، الإنسان حينما يتعاون مع أخيه الإنسان يؤكد إيمانه، يؤكد إخلاصه، يؤكد أنه حضاري بالمفهوم الحديث.

الأستاذ أحمد :

رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجهنا فيقول: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، وهذه فيها صور من صور التعاون، ثم يسأل أحد الصحابة فيقول: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً كيف إذا كان ظالماً؟ قال: بأن تأخذ على يده، كيف هي صورة الأخذ على يد الظالم؟

التعاون هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

الدكتور راتب :

أحد أسباب هلاك الأمم :

﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾

[ سورة المائدة الآية : 79 ]

(( إنَّما أَهلك الذين قبلكم: أنَّهمْ كانوا إذا سَرقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكُوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ. وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أنَّ فاطمةَ بنْتَ محمدٍ سَرَقَت لقطعتُ يَدَهَا ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]

لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف، ولم تنهوا عن المنكر، قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر، ونهيتم عن المعروف، قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال : وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً؟ ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة]

الحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو التعاون، هو تعاون الإنسان مع أخيه الذي ظلم، لذلك:

(( من أعان ظالما سلطه الله عليه ))

[ أخرجه ابن عساكر عن ابن مسعود ]

(( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ))

[ أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة ]

الأستاذ أحمد :

عندما يقول الله عز وجل

﴿ والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا ﴾

واستثنى منهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات هذه كأنها فردية، إيمان وعمل للصالحات،

﴿ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾

هل التواصي بالحق والتواصي بالصبر فردي؟

التواصي بالحق ربع النجاة وفرض عين على كل مسلم :

الدكتور راتب :

التواصي بالحق ربع النجاة، بل هو فرض عين، لذلك التواصي بالحق ربع النجاة وفرض عين على كل مسلم، أما:

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾

[ سورة الأنفال الآية : 25 ]

معنى ذلك أنا حينما لا أهتم بمصالح المؤمنين، أنزوي في بيتي، أنا أرتكب ذنباً كبيراً، أنا صالح لكن لست مصلحاً وقد قال الله عز وجل :

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

[ سورة هود ]

إن كانوا صالحين يهلكون، لأنهم قصروا في التعاون.

خاتمة و توديع :

الأستاذ أحمد :

جزاك الله خيراً، نسأل الله عز وجل أن يهيئ لنا من أخواننا من يكون صالحاً ومصلحاً، وأن نكون كذلك، وصدق الشاعر إذ قال:

إن أخاك الصدق من لم يخدعك و من يضـــر نفسه لينفعـك

و من إذا ريب الزمان صدعك شــــتت شمل نفسه ليجمعك

***

في ختام هذه الحلقة لا يسعنا أيها الأخوة المشاهدون إلا أن نشكر فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي، وإلى أن نلتقي وإياكم في حلقة أخرى من حلقات موسوعة الأخلاق الإسلامية نستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=3051&id=189&sid=799&ssid=808&sssid=839