الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (23- 27) : العمل-1

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-11-02

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية والموضوع اليوم " العمل ".

الفرق الصارخ بين عمل المؤمن و عمل غير المؤمن:

الله عز وجل في القرآن الكريم حضنا على العمل، العمل حركة، أي إنسان يعمل لأن الله أودع فيه حاجة إلى الطعام، وأي إنسان يعمل لأن الله أودع فيه حاجة إلى الجنس، يريد الزواج، أن يعمل لأن الله أودع فيه حاجة إلى تأكيد الذات، من دون اتجاه ديني، من دون معرفة الله عز وجل الإنسان يعمل، والعالم كله متحرك، الستة آلاف مليون على سطح الأرض كلهم يعملون، يعملون مقهورين، من أجل أن يأكل، من أجل أن يؤسس أسرة، من أجل أن يؤكد ذاته، هذا العمل بدافع الطعام والشراب، ودافع الجنس، ودافع تأكيد الذات، ولكن المؤمن يعمل بدوافع أخرى.

لا بد من أن يكون هناك فرق صارخ بين عمل المؤمن، وعمل غير المؤمن.

﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ﴾

( سورة السجدة )

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

( سورة القلم )

﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

( سورة القصص )

أول مقصد من مقاصد الشريعة أن الجنة ليست بالتمني ولكن بالعمل:

أيها الأخوة، لا بد من أن يكون الفرق صارخاً بين المؤمن في عمله، وغير المؤمن في عمله، فإذا كان موضوع الدرس مقاصد الشريعة من العمل أي من العمل الذي أراده الله من المؤمن، أول مقصد من مقاصدالشريعة أن الجنة ليست بالتمني ولكن بالعمل الدليل:

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾

( سورة الإسراء الآية: 19 )

ارتبطت الآخرة بالعمل.

﴿ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾

( سورة النحل الآية: 32 )

﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾

( سورة التوبة الآية: 105 )

إذاً العمل حياة، وقد جاء الله بك إلى الدنيا من أجل أن تعمل، بل من أجل أن يكون عملك سبباً للجنة، مجمل عملك.

حجمك عند الله بحجم عملك الصالح بعد أن تتعرف إلى الله و تستقيم على أمره:

أيها الأخوة، أنت من خلال العمل ترقى إلى الله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾

( سورة فاطر الآية: 10 )

ولأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 123 )

والعمل أيها الأخوة، يرقى بصاحبه، بل إن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح بعد أن تتعرف إلى الله، وبعد أن تستقيم على أمره، الآن تقيّم جملة وتفصيلاً عند الله من خلال عملك.

العمل لا يقيّم إلا في ضوء نيته ومدى انطباقه على منهج الله:

الحقيقة الأولى: أن العمل يقيّم في ضوء نيته، وضوء مدى انطباقه على منهج الله، العمل الصالح لا يُقبل إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾

( سورة النمل الآية: 19 )

قد تعمل عملاً صالحاً في مقاييس أهل الأرض، لكن الله لا يرضاه، وقد تعمل عملاً صالحاً في مقاييس الدين ولكن النية ليست خالصة لوجه الله، فالعمل لا يُقبل إلا بشرطين متلازمين، إلا إذا كان خالصاً، وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.

أخطر شيء في حياة الإنسان عمله فعليه أن يختاره مطابقاً لمنهج الله عز وجل:

الآن أبرز عمل تعمله هو حرفتك، العمل الذي ترتزق منه، العمل الذي تمتهنه، العمل الذي هو سبب رزقك، هذا العمل البطولة أن تحسن اختياره، لأنه إذا كان هذا العمل غير مشروع حُجبت عن الله عز وجل، فالمؤمن أخطر شيء في حياته زوجته وعمله لأنهما ألصق شيء به، البيت يتغير، المركبة تُباع، أما العمل، أضرب على هذا مثلاً:

إنسان حضر بعض الدروس وتأثر بها تأثراً بالغاً، لكن كل خبرته في الحياة وطبيعة عمله أنه يبيع الأشرطة التي فيها الغناء، هذه خبرته، وأتقنه إتقاناً بالغاً، يحضر ويغيب، بعد هذا أخذ قراراً ألا يحضر إطلاقاً، قال لي: عملي لا يتناسب مع حضور درس علم، وخبرته في هذا العمل، طبعاً كان هناك حلّ، لكن هو ما اختار الحل الأصعب، اختار أن يبقى في عمله.

هناك أعمال أيها الأخوة، تُبنى على إيذاء الآخرين، هناك أعمال تبنى على إلقاء الرعب في قلوب الآخرين، هناك أعمال تبنى على ابتزاز أموال الآخرين، هناك أعمال تبنى على إفساد الآخرين، هناك أعمال تبنى على إلقاء القلق في نفوس الآخرين.

((إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله عباد الله تعالى، وأجملوا في الطلب، واستجملوا مهنكم ))

[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان..]

على الإنسان ألا يقيس عمله بدخله بل بمطابقته لمنهج الله تعالى:

أنا أخاطب الشباب، أي أخطر شيء في حياتك عملك، إذا كان عملاً صحيحاً وفق منهج الله، مشروعاً، عملاً طاهراً، طيباً، التعليم مثلاً أقدس عمل، بين يديك طلاب أطهار على الفطرة، كالعجينة، يمكن أن توجههم إلى الله، يمكن أن تحليهم بالكمال، فالتعليم عمل شريف.

أحياناً العمل العلمي عمل شريف، تتعامل مع العلم، والعلم شيء مقدس، يعني أتمنى أن يدخل في حساباتك أن أخطر شيء تختاره في الدنيا هي حرفتك.

((إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله عباد الله تعالى، وأجملوا في الطلب، واستجملوا مهنكم ))

[حديث صحيح بشواهده، ابن ماجه وأبو نعيم في الحلية والحاكم وابن حبان..]

ابحث عن حرفة ليس فيها إيذاء الآخرين، ليس فيها بث الرعب في قلوب الآخرين، ليس فيها ابتزاز أموال الآخرين، ليس فيها إفساد أخلاق الآخرين، تجد من مكان لمكان تسعين ملهى، لماذا ؟ الأرباح طائلة جداً، يأتي براقصة وبمغنٍّ، ويأتي بخمر، ويستقبل هؤلاء السكارى، والحيارى، والذين شردوا عن الله، هم في غيبوبة، يدفعون المبالغ التي تطلب منهم، ويستمتعون استمتاعاً محرماً بنساء كاسيات عاريات، يحاسبهم الله عز وجل يوم القيامة، هذا عمل دخله كبير.

في أعمال فيها إفساد، يفتح أحياناً دكاناً للانترنيت، يأتي الشباب ويفتحون مواقع إباحية، يعيشون بالوحل، هو ربح، ربح وفتح محلاً، إياك، ثم إياك، ثم إياك أن تقيس العمل بدخله، إياك، يجب أن تقيس العمل بمدى موافقته لمنهج الله، يعني أعلى تجارة في الأرض المخدرات، يأتي بعدها السلاح، تأتي بعدها الأسمدة الكيماوية، هناك أعمال أصحابها كالمجرمين.

من اختار عملاً مشروعاً دخله قليل يتولاه الله بالصحة و العافية:

لذلك أنت درس العلم ماذا يفيدك ؟ يفيدك أن تختار عملاً يرضي الله، هذا العمل سيلازمك حتى الموت، في إنسان ينصرف إلى عمل لا يرضي الله، يكتشف بعد فوات الأوان أنه أخطأ خطأً استراتيجياً، حينما اختار حرفة لا ترضي الله، أنا أعني ما أقول وأنا أخاطب الشباب بالذات، إياك ثم إياك أن تختار عملاً لا يرضي الله، ولو كان دخله كبيراً العمل المشروع قد يكون دخله أقل، لكن هذا الدخل الأقل فيه بركة، معه رضوان الله عز وجل، الله عز وجل حينما تختار عملاً مشروعاً دخله قليل يرزقك بما يسميه العلماء رزقاً سلبياً، يعني أقل غلطة بالجسم تحتاج إلى ملايين، يتولاك بالصحة التامة، اختر عملاً يرضي الله، اختر عملاً فيه نفع للآخرين، تعليم، تجارة مشروعة، شيء متعلق باللباس.

أحياناً يقول إذا ما صنعت اللباس وفق أحدث صرعات الأزياء الفاضحة التي تبرز كل مفاتن المرأة لا أبيع.

مرة في بلد التقيت مع أخ سألته عن عمله، قال لي: ألبسة نسائية، أنا سكت ، سكت إشفاقاً عليه، ثم قال لي: أثواب نوم، قلت له: هذه ما فيها شيء، هذه تلبس في البيت، تلبسها الزوجة لزوجها، قلت له: بارك الله بك، لقد أفرحتني، في ألبسة أخرى مشكلة.

أحد أسباب السلامة مع الله أن تختار عملاً مشروعاً يرضي الله:

أريد من هذا الدرس أن تكتشفوا أن أحد أسباب السلامة مع الله أن تختار عملاً مشروعاً، عملاً طاهراً، عملاً فيه عطاء للأمة.

مرة التقيت مع كاتب عدل، قلت له: والله عملك رائع:

﴿ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 282 )

أنت مهمتك الأولى حفظ الحقوق، شيء مريح، أو الذي يكتب عقود الزواج شيء رائع جداً، يعني كل يوم عنده أعمال صالحة لا تعد ولا تحصى، سجل عقداً بين زوجين، وفي تجارة مشروعة، تجارة الغذاء ما فيها شيء، القماش ما فيها شيء، في أنواع منوعة من التجارة ترضي الله عز وجل، تبيع سلعة جيدة يحتاجها المؤمنون، لكن طاولات النرد عليها طلب كثير، أرباحها جيدة، سيدي الله يغفر لنا ماذا نعمل ؟

(( من لعب بالنرد فكأنما غَمَسَ يده في لحم خنزير ودمه ))

[ رواه أبو داود عن بريدة بن الحصيب]

حديث صحيح عن النبي الكريم.

اختر بضاعة ترضي الله، اختر بضاعة مشروعة، اختر بضاعة تنفع الناس ولا تؤذيهم.

من كان عمله مشروعاً كان كسبه حلالاً:

أيها الأخوة، الحقيقة الدقيقة الدقيقة أن عمل الإنسان حرفته إن كانت في الأصل مشروعة، تجارة أخشاب، تمام، تجارة أقمشة ما فيها شيء، دائماً في عندنا قاعدة:

﴿ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا ﴾

( سورة الأعراف الآية: 19 )

يعني كُلْ من مئة شجرة.

﴿ وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 19 )

نسبة المحرمات إلى المحللات نسبة تكاد لا تذكر، الآن عفواً، ادخل إلى محل لبيع المشروبات، كم نوع من المشروبات التي سمح الله لنا بها ؟ والله في مئات، حرم عليك الخمر فقط، كم شراب مسموح به ؟ كم شراب عصير فاكهة مسموح به ؟ بالمئات، بل بالألوف، حرم عليك الخمر، كم نوع من اللحم مسموح به ؟ حرم عليك الخنزير، كم نوع من الكسب أحلّه الله ؟ مئات ألوف الأنواع، حرم عليك الربا فقط،

﴿ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ ﴾

من تألق بعمله الصالح شعر بسعادة لا توصف:

إذاً أنا أخاطب الشباب مرة رابعة: ابحث عن عمل يرضي الله، ابحث عن عمل ليس فيه إيذاء المسلمين، ليس فيه ابتزاز أموالهم، ولا بث الرعب في قلوبهم، ابحث عن عمل يرقى بك إلى الله، ابحث عن عمل تسعد به.

والله حدثني طبيب، رأيته في أمريكا، ألقيت دروس عديدة أحض الأخوة الكرام هناك أن يعودوا إلى أوطانهم، قلت لهم: لأن لحم كتفكم من خيرات هذا الوطن، ردوا له الجميل، الآن أنت معك دكتوراه، معك بورد، يعني أمتك في المشرق بحاجة إليك، أنت إذا أتيت إلى الشام كأن أمريكا أتت إلى الشام، الإنسان يذهب إلى بلاد بعيدة يدفع ملايين حتى يعالج على يد طبيب درس في أمريكا، فإذا جئت أنت إلى بلدك تكون قد رددت الجميل إلى وطنك، وعالجت أمتك، أمتك المسلمة عالجتها.

والله أنا فوجئت طرق بابي أخ أعرفه في ديترويت في أمريكا، طبيب تفضل إلى البيت، وأنبأني أنه استجاب إلى دعوتي، وعاد إلى دمشق، وأسس عيادة، العيادة زرته فيها كأنك في أمريكا، ست، سبع عيادات، عيادة قلبية، عيادة صدرية، عيادة هضمية وأتى بأجهزة حديثة جداً، أقسم لي بالله، قال لي: وأعالج المرضى المؤمنين أبناء بلدي أبناء أمتي، أشعر بسعادة لا توصف، أحياناً تتألق بعملك، في أعمال صالحة رائعة جداً.

من كان عمله مشروعاً كان طريقه إلى الله سالكاً:

لذلك أيها الأخوة، عد للمليار قبل أن تختار عملاً، هذا العمل ألصق شيء بك ، إن كان هذا العمل مشروعاً كان الطريق إلى الله سالكاً، وإن كان غير مشروع كان الطريق إلى الله مقطوعاً، تكون خسرت خسارة كبيرة جداً، مرة ثالثة:

(( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله عباد الله، وأجملوا في الطلب واستجملوا مهنكم ))

والله هو الرزاق، ودرهم تكسبه من طريق مشروع خير لك من مئة ألف درهم تكسبه في طريق غير مشروع.

من تحرى الحلال أتته البركة من الله عز وجل:

الله عز وجل قادر على شيئين، قادر على أن يبارك لك في هذا الدخل القليل، بالآلة الحاسبة فيها ذاكرة، فيها زائد، ناقص، تقسيم، جمع، ضرب، لكن ما فيها زر بركة، عند الله في بركة، والله معي مئات القصص الواقعية، في دخل محدود الله عز وجل أودع في هذا الدخل البركة لأن المال حلال، أحياناً بدخل فلكي ينزع الله منه البركة حادث يقول لك كلف كذا !.

والله قال لي أخ: ابني استأجر سيارة وعمل فيها حادث غالية كثير، قال لي: ثمانمئة ألف تصليحها، دقائق ثمانمئة ألف.

أحياناً اشتباه بالتهاب سحايا كلفتني سبعين ألفاً.

طبعاً كما أن الله قادر على أن يبارك لك في هذا الدخل القليل قادر على أن يتلف مالك الكثير.

لذلك حينما تتحرى الحلال تأتي البركة من الله عز وجل، أقول لكم دائماً:

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

[ أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن ]

أقول لكم مرة ثانية: من هو الملك ؟ الملك هو الذي له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، ابحث عن عمل يرضي الله، ابحث عن عمل تقدم به للأمة خبرات.

قبل أن يختار الإنسان أي عمل عليه الانتباه إلى آثاره السيئة:

لذلك حرفة الإنسان إذا كانت في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، الإعلان رائج جداً، تمام، هل تستطيع أن ترد إعلاناً لامرأة شبه عارية ؟ لا أستطيع، إذا لم تستطع دعك من هذا العمل، دار نشر ! دار النشر إذا نشرت كتاباً فيه ضلالات لو تبت مليون توبة الكتاب لم يتب، لأنه بيع .

لذلك هناك مفسر، كان عنده انحراف في عقيدته، وألّف تفسيراً، فلما كان على فراش الموت تاب إلى الله من أفكاره التي بثها في كتابه، فعلق بعضهم على أنه تاب ولكن تفسيره لم يتب.

والله يا أخوان، لأن يرتكب الإنسان الكبائر أهون من أن يكون صاحب دار نشر ينشر كتباً فيها ضلالات، الكتب الضالة تطبع منها الآن عشرات الطبع، مريحة لأنه مطبعة تطبع كل شيء، قصص فاضحة، أدب مكشوف، كتاب ضلالات، كتاب فيه إلحاد أنا ما لي علاقة، لا، لك علاقة، أنت السبب.

﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾

( سورة يس الآية: 12 )

قبل أن تختار دار نشر انتبه، هل أنت متأكد أنك لن تنشر إلا كتاباً فيه الحق قبل أن تختار أعمالاً لا تعد ولا تحصى، فيها معاصٍ وآثام.

في مطعم صغير، جيد، لكن قال لي: مستوى رفيع جداً، خمس نجوم أين ؟ قال: بأرقى أحياء دمشق، والإضاءة خافتة، من له علاقة مع فتاة يأتي إلى عنده، الله يعطيك العافية على هذا العمل، عملت المطعم وكراً للقاءات الغير مشروعة، أليس كذلك ؟ أنا صريح معكم، لعل كلامي يكون محرجاً، ابحث عن عمل لا شبهة فيه، لا شائبة فيه.

الحكمة من جعل الحلال صعباً و الحرام سهلاً:

دائماً وأبداً الحرام دخله كبير، والحلال دخله صغير، الحلال متعب، والحرام سهل جداً، الآن تدخل امرأة للبيت تعمل ثمان ساعات أعمال شاقة يعطوها خمسمئة ليرة، في امرأة تأخذ هذا المبلغ بعشر دقائق، ترتزق من ثدييها.

دائماً الله جعل الحلال صعباً، والحرام سهلاً، أحياناً حتى تجمع مصروف السنة تعمل عملاً مخيفاً، يأتي إنسان يغض بصره عن مستودع يأخذ خمسة ملايين، فقط غض بصره، هذا العمل غير مشروع، بضاعة ممنوعة، لماذا مُنعت ؟ لأنها ضارة، فأنت أتيت بها، وعملت طريقة أن تبيعها بخلاف تعليمات القانون التي هي لصالح المواطنين.

من كان عمله حلالاً انقلب هذا العمل إلى عبادة:

لذلك العمل إذا في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، صدق وأمانة، وصراحة، وأسعار واضحة، ومواصفات صحيحة، ما في تدليس، ما في كذب ما في غش، ما في إيهام، ما في، ما في، إذا كان العمل في الأصل مشروعاً وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك، وخدمة الأمة.

السلف الصالح إذا فتح محله التجاري يقول: نويت خدمة المسلمين.

وما شغلك لا عن فريضة ولا عن واجب انقلب العمل إلى عبادة، أنت في عبادة وأنت في دكانك، أنت في عبادة وأنت في عيادتك، أنت في عبادة وأنت في مكتبك، أنت في عبادة وأنت في صفك، أنت في عبادة وأنت في حقلك، لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات وعبادات المنافق سيئات، لذلك قال تعالى:

﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾

أيها الأخوة الكرام، من أبرز مقاصد الشريعة في العمل: أن يكون العمل سلماً ترقى به إلى الله، وحجمك عند الله بحجم عملك.

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=11040&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470