الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (11- 27) : الإيمان بالكتب

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-10-01

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية، وقد كنا في أركان الإسلام، وانتقلنا إلى أركان الإيمان، واليوم موضوع الدرس الإيمان بالكتب.

وقفات مهم بين الحديث عن الإيمان بالكتب:

1 – كمال الخُلق يدلُّ على كمال التصرف:

بادئ ذي بدء، هناك قاعدة أصولية: كمال الخلق يدل على كمال التصرف "، وهذا الكون يشهد لله جل جلاله بالكمال المطلق، لأن أسماء الله الحسنى بادية فيه، بل إن الكون وهو الثابت الأول مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، فهذا الإله العظيم الذي خلق هذا الكون كامل كمالاً مطلق، هو ذات كاملة، فلا يعقل أن يدَعَ خلقه من دون توجيه، من دون تحذير، من دون إنذار، من دون وعد، من دون وعيد، لا يعقل أن يدع خلقه دون أن يعرفهم لماذا خلقهم ؟ وماذا أعد لهم ؟ وماذا ينتظرهم ؟ دون أن يعرّفهم برسالة حملهم إياها، بأمانة أناطها بأعناقهم.

كمال الخلق يدل على كمال التصرف:

إنّ أدنى أب في الأرض إن رأى ابنه الصغير يزحف نحو المدفئة المشتعلة هل يبقى ساكتاً ؟ هل هناك أب على وجه الأرض يرى ابنه يقترب من مدفئة مشتعلة، وهو لا يفهم ما يفعل، هل يبقى الأب ساكتاً ؟ فلذلك من كمال الله جل جلاله ألا يدَع خلقه من دون تعريف به، وتعريفٍ بمهمّتهم، ومن أين أتوا ؟ وإلى أين هم ذاهبون ؟ ولماذا هم في الدنيا ؟ وماذا أعد الله لهم من نعيم مقيم لو أطاعوه ؟ وماذا أعد الله لهم من عذاب عظيم لو عصوه ؟

2 – لكلِّ نبيٍّ كتابٌ:

هناك مبدأ: أن يرسل الله نبياً مع كتاب، والفرق بين النبي والكتاب واضح، أن النبي دعوته منوطة بحياته، أما الكتاب فمستمر، لذلك قالوا: يمكن أن تؤلف القلوب، ويمكن أن تؤلف الكتب، تأليف الكتب أطول أمداً، وتأليف القلوب أعمق أثراً.

على كلٍّ حياة النبي دعوة عظيمة، وأقوال النبي سنة، أفعاله سنة، إقراره سنة، لكن كلام الله عز وجل مستمر، فلذلك كان الإيمان بالكتب، والإيمان بآخرها وخاتمها القرآن الكريم واجبا.

لكن أيها الإخوة، حينما يرسل الله رسولاً يقول للناس: أنا رسول الله، الرسول الذي من عند الله معه منهج، معه نظام، معه مباحات، معه محرمات، معه افعل، معه لا تفعل، معه منهج يقيد حركة الإنسان، وفي الحديث أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

(( إِنَّ الْإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ ))

[ مسند أحمد عن ابن الزبير ]

لذلك الإنسان الذي شرد عن الله عز وجل كالدابة المتفلتة، يتحرك بلا نظام، وبلا مبادئ، وبلا قيم، وبلا خوف، وبلا قلق، أما المؤمن فهو منضبط بمنهج الله عز وجل، فلذلك حينما يأتي رسول، ويقول: أنا رسول الله، الذي ألِف التفلُّتَ، وألِف أن يعبد شهوته من دون الله لا يقبل هذه الدعوة، بل يرفضها، قال تعالى:

﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا (43) ﴾

( سورة الرعد)

كيف يشهد الله لعباده أن الرسول حقٌّ من عنده ؟

الآن كيف يثبت الله عز وجل لخلقه وعباده أن الذي أرسل إليهم صادق من عند الله، وليس بكاذب، لا بد من أن يشهد لعباده أنه رسوله، فكيف يشهد ؟

المعجزات الحسية:

مع الأنبياء السابقين كانت شهادة الله حسية، فكان النبي يلقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين، هذا شيء فوق طاقة البشر، ونبي آخر يحيي الميت، وهذا شيء آخر فوق طاقة البشر، ونبي ثالث يلقى في النار فلا يحترق، هذا فوق طاقة البشر، فلذلك الأنبياء السابقون أرسل الله معهم معجزات حسية تشهد لهم أنهم أنبياءه ورسله.

القرآن معجزةُ النبي عليه الصلاة والسلام:

لكن لأن النبي عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، ودعوته خاتمة الدعوات، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام لكل الأمم والشعوب من دون استثناء، ولآخر الدوران، فلا بد من أن تكون معجزته مستمرة، وكيف تكون مستمرة ؟

ينبغي أن تكون معجزة علمية، لذلك كيف يشهد الله لخلقه أن هذا القرآن كلامه ؟ يشهد لخلقه أن هذا القرآن كلامه ؟ عن طريق ما يسمى الإعجازَ العلمي أو السبق العلمي، وهو حقيقة تم كشفها قبل سنوات، وقد أشار إليها القرآن الكريم قبل ذلك، وحينما أشار القرآن إليها معنى ذلك أن الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن.

أمثلة عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:

1 – الظلام في الفضاء الخارجي:

أن يصعد رائد الفضاء في طبقات الجو، وأن يقطع مسافة خمسة وستين ألف كيلو متر، إلى أن تنتهي طبقة الهواء، ثم يفاجأ أنه لا يرى شيئاً، بل هناك ظلام دامس، إذا أخرج يده لم يكد يراها، فيصيح بأعلى صوته: لقد أصبحنا عمياً.

التفسير العلمي واضح: نحن في جو الأرض فيه هواء، ومع الهواء هناك تناثر للضوء، أي إن أشعة الشمس تسلط على الهواء، وذرات الهواء تعكس أشعة الشمس على ذرات أخرى، فالذرات الأخرى التي تلقت أشعة الشمس انعكاساً تضيء، فصار في الأرض مكان فيه أشعة الشمس، ومكان فيه ضياء الشمس، هذه الحادثة اسمها تناثر الضوء، فلما انتهت طبقت الهواء انعدم التناثر، وأصبح الجو مظلماً، وقال: لقد أصبحنا عمياً، القرآن الكريم يقول:

﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15) ﴾

( سورة الحجر)

هذه الآية شهادة الله لخلقه أن هذا القرآن كلامه.

2 – البعوضة:

وقد أتتْ آية في كتاب الله تتحدث عن أحقر شيء عند الإنسان، وهو البعوضة، ويقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (26) ﴾

( سورة البقرة )

وبعد اكتشاف المجهر الإلكتروني الذي يكبِّر الشيء مئات ألوف المرات تبين بعد وضعها تحت المجهر أن في رأسها مئة عين، و لها ثلاثة قلوب، و في فمها ثمان و أربعون سناً، وعندها أجهزة استقبال حرارية، و جهاز تحليل دم، وجهاز تمييع دم، وجهاز تخدير، و في خرطومها ست سكاكين، وفي أرجلها مخالب لتقف على سطح خشن، و لها محاجم لتقف على سطح أملس، وهذه الآية من آيات الإعجاز.

3 – أعمَقُ نقطة على وجه الأرض:

بعد أن اكتشفت أشعة الليزر، التي تقيس المسافات بالميليمترات، هذه الأشعة تنطلق، فإن وجدت جسماً تصدمه وتعود، بحساب دقيق نكشف المسافة، هذه الأشعة تم بها كشف بعد القمر عن الأرض بالميليمتر، بعد أن اكتشف أن أعمق نقطة في الأرض في اليابسة هي غور فلسطين، حينما تذهب إلى غور فلسطين تصل إلى منطقة اسمها سطح البحر، وتغوص أربعمئة متر تحت سطح البحر، والمعركة التي تمت بين الفرس والروم كانت في غور فلسطين، فإذا بالآية الكريمة تقول:

﴿ غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ (5) ﴾

( سورة الروم)

في أدنى الأرض، اكتشف مؤخراً أن أعمق نقطة في اليابسة هي غور فلسطين، وأعمق نقطة في البحر هو وادي مريانة في المحيط الهادي.

4 – وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ

تركب أحدث طائرة الآن فيه ثمانمئة راكب، كأنها مدينة تطير، وفيها كل ما تشتهيه الأنفس بحسب مقاييس العصر، تفتح القرآن الكريم تقرأ:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ﴾

( سورة النحل)

أنت تركب طائرة فيها مقعد وثير، والجو مكيف، تأكل ألذ الطعام، تطلّ على مناظر الأرض، قال تعالى:

﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً (8) ﴾

( سورة النحل)

إلى هذا الموضع من الآية يمكن لبشر أن يقول هذا، لأنه عاش مع أدوات نقلٍ وحيدة، خيل، وبغال، وحمير، أما لأن فهذا كلام خالق الأكوان، نتابع الآية:

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾

( سورة النحل)

دخل فيها الطائرة والباخرة والحوامة والسيارة.

﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)﴾

5 – وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ

أيها الإخوة الكرام، حينما تنتهي دراستك إلى أن كل شيء في الكون بكل أصنافه مؤلف من ذرات، والذرة فيها نواة، وفيها كهارب تدور حولها، فإذا قرت قوله تعالى:

﴿ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) ﴾

( سورة يس)

كلُّ شيء في الكون في فلك يسبح.

6 – نوع الجنين تحدده النطفة لا البويضة:

وحينما ينتهي علمك إلى أن نوع الجنين لا تحدده البويضة ولكن تحدده النطفة، تقرأ قوله تعالى:

﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) ﴾

( سورة النجم)

7 – الوردة الجورية:

حينما تقرأ القرآن الكريم تقف عند آية، ثم تطالع في موقع معلوماتي صورة لو دققت فيها لا تشك ثانية واحدة أنها وردة، وردة بكل معاني هذه الكلمة، أوراق حمراء داكنة، حولها وريقات خضراء زاهية، في الوسط كأس أزرق، كتب تحت هذه الوردة الجورية، وهي صورة انفجار لنجم اسمه عين القط، يبعد عن الأرض ثلاثة آلاف سنة ضوئية، تفتح القرآن الكريم فتقرأ:

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾

( سورة الرحمن)

8 – سرعة الضوء:

حينما تدرس علوم الفيزياء بالذات، وتدرس في تاريخ هذه العلوم أن عالماً كبيراً جداً قلب مفاهيم الفيزياء، هو إنشتاين، الذي اكتشف السرعة المطلقة في الكون، وهي سرعة الضوء، وأكد أن أي جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً، وأن أي شيء سار مع الضوء يتوقف معه الزمن، فإن سبق الضوء تراجع الزمن، وإن قصر عن الضوء تراخ الزمن، حينما تطالع هذه النظرية النسبية بكل تفاصيلها وأبعادها، ثم تفاجأ أنها مدرجة في آية واحدة:

﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) ﴾

( سورة الحج )

والعرب تعدّ السنة القمرية، الآن القمر يدور حول الأرض دورة كل شهر، لو أردنا أن نحسب كم يقطع من الكيلو مترات في هذه الدورة، الحساب سهل جداً، نأخذ مركز الأرض ومركز القمر، نصل بينهما بخط، هذا الخط طوله نصف قطر الأرض مع نصف قطر القمر مع المسافة بينهما، ضرب باثنين، ينتج القطر، ضرب 3،14 هو المحيط، ضرب اثني عشر بالسنة، ضرب ألف بألف سنة، طالب من طلاب المرحلة الإعدادية بآلة حاسبة في دقائق يحسب لنا كمن يقطع القمر في رحلته حول الأرض في ألف عام، الآية:

﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ ﴾

اليوم كم ثانية ؟ ستون ضرب ستين ضرب أربع وعشرين ساعة، لو قسمنا المسافة التي يقطعها القمر حول الأرض في ألف عام على ثوان اليوم لكانت سرعة الضوء الدقيقة، وهي 299752 كيلومتر.

حينما يقول الله عز وجل:

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا (61) ﴾

( سورة النمل)

9 – استقرار الأرض:

كيف أن الأرض يستقر عليها كل شيء، هذا نظام الجاذبية، متى عرفنا أننا في أمس الحاجة إلى هذا النظام ؟ حينما سافر رواد الفضاء على القمر، ودخلوا في منطقة انعدام الجاذبية، الإنسان ليس له وزن أبداً، الحياة لا تطاق، ينام على السرير في المركبة فيجد نفسه عند استيقاظه في سقف المركبة:

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا (61) ﴾

( سورة النمل)

الطاولة في مكانها، الأثاث في أمكنته، هذه نعمة لا نعرفها، فوازنْ مَن جذب الأرض لك، أنت على القمر وزنك عشرة كيلو غرامات، إذا كان وزنُك في الأرض ستين، فوزنك على سطح القمر ستة كيلوات، فلك وزن بكل كوكب، هذه قوة جذب الكوكب إلى المركز.

10 – البرزخ بين البحرين:

أيها الإخوة، شيء دقيق جداً في خلق السماوات والأرض، وهناك آية كريمة حيرت العلماء من مئات السنين، وهي آية أخرى من آيات الله الدالة على عظمته، وحار فيها المفسرون.

﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ، فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(21)﴾

( سورة الرحمن)

من خلال المركبات الفضائية حينما رصدوا سطح الأرض وجدوا تبايناً بين لونين لبحرين متصلين، كل بحر له لون، وهذا الخط تباين لونين، من خلال الفضاء الخارجي صوِّر في الأرض بين الأحمر والأبيض خطّ في قناة السويس، وبين الأسود والأبيض خطّ في البوسفور، وبين الأبيض والأطلسي خطّ في جبل طارق، وبين الأحمر والعربي خطّ في باب المندب، إنه خط تباين لونين، هذه الظاهرة دفعت علماء البحار إلى البحث فيها، ثم تبين أن لكل بحر مكوناته، وخصائصه، وملوحته، وكثافته، ولا تختلط مياه بحر مع مياه البحر الآخر، بل إن في منطقة اللقاء في بعض الصور تحت الماء كجدار.

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ، فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

11 – من أسرار قلب الإنسان:

أيها الإخوة الكرام، كلكم يعلم، أو بعضكم يعلم أن خلايا الإنسان تتبدل كلياً كل خمس سنوات، لأن أقصر خلية عمرها ثمانٌ وأربعون ساعة هي خلايا بطانة الأمعاء، وأن أطول الخلايا عمراً خلايا العظم، والإنسان بمجمله بكل أجهزته، بكل حواسه، بكل أنسجته، بكل مكوناته يتبدل كلياً كل خمس سنوات، ولحكمة بالغة عدا خلايا الدماغ، و خلايا القلب، ولو تبدلت خلايا الدماغ لخسرت اختصاصك، يقول لك: كنت طبيب، ولنسيت أقرباءك، ولنسيت أولادك، ولنسيت كل خبراتك، وكل قدراتك، وكل مهاراتك، لأن كل خبراتك في الدماغ، وكذا معارفك، وشخصيات تعيش معها، ولحكمة بالغة الخلية العصبية لا تتبدل، لكن أضافوا إلى ذلك أن القلب لا يتبدل، لكن بعد أن زرع القلب، وفي العالم حتى الآن ثلاثة وسبعون إنسانا تم زرع قلب لهم من آخرين، كإنسان مات بحادث فيأخذون القلب، وهو صالح ليكون قلباً مزروعاً لإنسان يعاني من ضعف في القلب، المفاجأة التي اكتشفت أن الذي يزرع له قلب من آخر مشاعر الآخر وأذواق الآخر وخبرات الآخر الجمالية تنتقل إلى الإنسان الجديد، كإنسان في الثمانين سنة نشأ في عالم تقليدي، يحب الموسيقى الكلاسيكية، فلما زرع له قلب شاب مات بحادث صار يحب موسيقى الجاز، هذا شيء غير طبيعي، الذي زرع له القلب يحب أكلات ما كان يحبها سابقاً، يردد أغاني ما كان يرددها سابقاً، حتى إنه زُرع لأحد قلب، فإذا هو يردد كلمة مبهمة، حتى ضاق ذرعاً بها، فذهب إلى زوجة من أخذ قلبه منه، وقالت له: هذه الكلمة سر بيني وبينه، فإذا كانت الأمور على ما يرام أقول هذه الكلمة

طبعاً هناك شواهد طويلة جداً وطريفة جداً كيف انتقلت مشاعر وأذواق وأحاسيس هذا الإنسان الذي مات بحادث، وأخذ قلبه، وزرع في جسم إنسان آخر، لكن المفاجأة الصاعقة أن القلب محاط بخلايا عصبية تدرك وتأمر، هذه أخطر شيء، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا (179) ﴾

( سورة الأعراف)

خاتمة:

أيها الإخوة الكرام، كلما تقدم العلم كشف عن جانب من عظمة هذا القرآن الكريم ، فلذلك نحن المؤمنين نؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين.

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10616&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470