الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


ندوات تلفزيونية - قناة القصيم - مقاصد الشريعة - الدرس (01- 27) : مقدمة - مقاصد الله من هذا الشرع العظيم

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2007-09-13

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أيها الإخوة الكرام، مع سلسلة من الدروس حول محور واحد هو مقاصد الشريعة.

مقدمة حول مقاصد الشريعة:

1 – مبادئ العقل الثلاثة:

بادئ ذي بدء، أودع الله في الإنسان عقلاً، والعقل له مبادئ ثلاثة: مبدأ السببية، مبدأ الغائية، مبدأ عدم التناقض، فالعقل البشري لا يفهم شيئاً بلا سبب، هكذا برمج، والعقل البشري لا يفهم شيئاً بلا غاية، فمن أجل أن تفهم ما حولك يجب أن ترى السبب الكافي لحدوث الذي أمامك، ويجب أن تطلع على الحكمة، أو على الغاية، أو على مصطلح دقيق في الشريعة الإسلامية على المقصد.

2 – العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخَلق:

ومن نعم الله الكبرى أن ربنا عظيم حينما أمَرنا أعطانا بعض مقاصد الشريعة رحمة بنا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخَلق "

الأديان الوضعية التي هي من صنع البشر فيها طقوس وحركات، وسكنات وإيماءات وتمتمات لا معنى لها إطلاقاً، لكن العبادات في منهج الله عز وجل معللة بمصالح الخلق.

الأدلة على أن العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخَلق:

1 ـ الصلاة:

قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (45)﴾

[ سورة العنكبوت]

مقصد الإله العظيم مِن فرض الصلاة علينا أن نتصل به، وأن نشتق من كماله، وأن يكون هذا الكمال رادعاً لنا عن كل نقيصة وعن كل عيب، إن الصلاة تنهى نهياً ذاتياً عن الفحشاء والمنكر، وأعظم ما في الدين أنه يعتمد على الوازع الداخلي، وأكبر نقيصة في النظم الوضعية أنها تعتمد على الرادع الخارجي.

سيدنا ابن عمر حينما التقى راعياً قال له: بعني هذه الشاة، وخذ ثمنها، قال له الراعي: ليست لي، يقول: قل لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب، يقول الراعي: ليست لي، يقول له: خذ ثمنها، يقول له الراعي: والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت، أو أكلها الذئب لصدقني، فإني عنده صادق أمين، ولكن أين الله ؟

إن منهج الله يعتمد على الوازع الداخلي، وأيّ منهج أرضي يعتمد على الرادع الخارجي، فإذا انقطعت الكهرباء في مدينة كبيرة جداً في دولة عظمى ترتكب في الليلة الواحدة أكثر من مئتي ألف سرقة بأربعة مليارات دولار، لأن الرادع الخارجي تعطل، وهو المراقبة، أما المؤمن فعنده وازع داخلي، فلذلك " الشريعة عدل كلها، مصلحة كلها، رحمة كلها حكمة كلها ".

على كلٍّ ؛ مقصد الشريعة من الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر نهياً ذاتياً.

2 ـ الصيام:

قال تعالى:

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

[ سورة البقرة]

مقصد الإله العظيم من أمرنا بالصيام أن نتقي، أي أن نتصل بالله، أن يملأ الله قلبنا نوراً، نرى به الحق حقاً والباطل باطلاً.

3 ـ الزكاة:

حكمة الزكاة، قال تعالى:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (103)﴾

[ سورة التوبة]

فالزكاة تطهر الغني من الشح، وتطهر الفقير من الحقد، وتطهر المجتمع من هذا التفاوت الطبقي الكبير، بل وتطهر المال من تعلق حق الغير به، وتنمي نفس الغني ونفس الفقير، وتنمي المال، وتنمي العلاقات الاجتماعية.

إذاً: العبادات ـ كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ـ في الإسلام معللة بمصالح الخلق.

بالتعبير التقريبي، هذا احترام لنا: الله عز وجل أودع فينا عقلا، لو أن مدير مؤسسة أمر موظفا أن يسافر إلى حلب، وأن يبقى في باب الفرج ساعة، ويعود إلى دمشق، يقول له: لماذا ؟ ما الهدف ؟ ما المقصد من ذلك ؟

إن الإنسان لا يقبل شيئًا بلا هدف، وفي حياتنا اليومية أحياناً ترى سلسلة مدلاة خلف الشاحنة، تقول: لماذا هذه ؟ إلى أن يقول لك أحدهم: هذه لتفريغ الصاعقة، لو جاءت صاعقة بدل أن تحرق الشاحنة وما فيها تفرغ إلى الأرض، فأنت لا تفهم شيئاً بلا سبب، ولا تفهم شيئاً بلا غاية.

مقاصد الشريعة تلبية لحاجة عقلية، أن تفهم الشيء بغايته، لذلك ربنا عز وجل لأنه خلق العقل فينا، هذه الحاجة قد لبيت في منهجنا، قال تعالى:

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (45)﴾

[ سورة العنكبوت]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) ﴾

[ سورة البقرة]

4 ـ الحج:

قال تعالى:

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97) ﴾

[ سورة المائدة]

والزكاة من أجل أن تطهر المؤمن، وأن تزكي نفسه.

إذاً: العبادات معللة بمصالح الخلق، ولبعض العلماء كلمة رائعة وهي: " الشريعة عدل كلها، مصلحة كلها، رحمة كلها، وأية قضية خرجت من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى خلافها فليست من الشريعة، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل ".

من الحكمة تعليلُ الأوامر:

لذلك من دعا إلى الله بأسلوب ومضمون سطحي غير متماسك، أو دعا إلى الله بأسلوب غير علمي وغير تربوي قال بعض العلماء: هذا الداعي بهذه الطريقة، وبهذا الأسلوب لا يكون عند الله مبلغاً، ويقع عليه إثم تفلت من دعاه بهذه الطريقة من منهج الله.

ديننا دين علم، يلبي الحاجة العقلية، يعطينا الأسباب، يعطينا الغايات.

أحياناً أنت كأب لأنك قوي، ومالكٌ لأمور بيتك، يمكن أن تعطي أمرا لأولادك ؛ افعلوا كذا، ومن لم يفعل أنزل به أشد العقاب، فطبَّقوا أمْرك، لكن لما تقول لأولادك: افعلوا كذا من أجل كذا، فأنت بهذا تحترمهم، وأنت بهذا تعلي قدرهم، وأنت بهذا تقنعهم، البطولة لا أن تصدر الأوامر، البطولة أن تصدر الأمر مع التعليل، مع بيان المقصد، مع الحكمة، مع الغاية، هذه طريقة تربوية تنفعنا أيضاً في تربية أولادنا، أو في إدارة أعمالنا.

عندك مؤسسة، عندك موظفون، لك أن تصدر أمرا، إذا أغفلت الحكمة منه والمقصد منه فهذا الأمر ربما لا ينفذ، أما إذا جعلت هذا الموظف صديقاً لك، عضواً في أسرة، تقنعه بهدف هذا الأمر، الأمر يختلف فالله جل جلاله أمْرُه كن فيكون، زل فيزول، ومع ذلك حينما أمرنا أعطانا المقصد الأسمى من هذا الأمر:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا (103)﴾

[ سورة التوبة]

الصيام لعلكم تتقون، الحج لتعلموا أن الله يعلم، هكذا ينبغي أن نفعل.

أوامرُ الدين ضمان لسلامتك وليست تقييدا لحريتك:

أيها الإخوة الكرام، دائماً وأبداً البطولة أن تفهم الدين فهماً عميقاً، فإذا فهمت أوامر الدين على أنها قيود لحريتك فهذا فهم سقيم، أما إذا فهمت أوامر الدين أنها حدود لسلامتك فالفرق كبير.

قد تمشي في فلاة، فتجد لوحة كتب عليها: حقل ألغام، ممنوع التجاوز، هل تعتقد ثانية واحدة أن هذه اللوحة من أجل أن تحد من حريتك ؟ لا، أبداً، بل هي من أجل أن تضمن سلامتك فبين أن تفهم الأوامر قيودا وتضييقا وحدًّا لحريتك، وبين تفهم الأوامر ضمانا لسلامتك فرق كبير، لذلك أعظم شيء في الدين أن تكون فقيهاً، لا بمعنى أن تعرف الحُكم، بل بمعنى أن تعرف الحكمة، فلذلك هذا الأعرابي قال: يا رسول الله، عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى:

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾

حينما تفهم أوامر الله عز وجل من أجل أن تضمن لك سلامتك وسعادتك تكون فقيهاً، أما إذا ظننت أوامر الدين قيدا لحريتك وتضييقا عليك فهذا فهمٌ سقيم.

بين العلة والحكمة:

لكن أيها الإخوة الكرام، نحن في الأحكام الشرعية نهتم بالعلة، وفي فهمِ مقاصد الشريعة نهتم بالحكمة، وهناك فرق بين العلة والحكمة.

الإفطار في السفر بين علّته وحكمته:

مثلاً: الإفطار في السفر علته السفر فقط، أما أنت بفهمك العميق لماذا سمح الله لنا في السفر الشاق أن نفطر ؟ الحكمة هي التيسير على الأمة والتخفيف.

النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الغزوات وكانت في رمضان أمسك قعباً من الماء، وشرب أمام أصحابه، فلما بلغه أن بعض أصحابه لم يفطروا قال: أولئك العصاة، لأن الله عز وجل سمح لنا في المشقة أن نفطر.

والآن أيها الإخوة الكرام، مرضى السكري إذا سألوا الطبيب المسلم الحاذق الورع عن صيامهم في هذا الشهر فمنعهم، ثم صاموا، ونقصت السوائل، وأصيبوا بفشل كلوي فهم عصاة بصيامهم، لأن الإنسان ملك أسرته، ملك الأمة، فلسبب سمح الله لك أن تفطر إذا كنت مريضاً.

لذلك معي إحصاء مخيف، ففي دمشق خمسمئة ألف إنسان مريض بالسكر، وهذا المرض يسمونه مرضًا صديقًا، لأنه يمكن أن تتعايش معه طول حياتك، فلابد لك من وزن رشيق، وحمية يعمل، لك نشاط، لكن يحتاج إلى ضبط، وفي بلادنا مع الأسف الشديد اثنان وسبعون بالمئة من مرضى السكر ينقلب مرضهم إلى فشل كلوي، أو إلى بتر أحد الأعضاء، أو إلى فقد البصر، أو إلى شلل لعدم الوعي فقط، وفي ألمانية من المئة مريض بمرض السكر أربعة أشخاص يتطور مرضهم إلى فشل كلوي، أو إلى بتر عضو، أو إلى فقد البصر، نحن بحاجة إلى وعي، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (184)﴾

[ سورة البقرة]

مرض السكر مرض صديق يتعايش الإنسان معه طول الحياة، وبجعلك بأعلى وضع، لكن يحتاج الإنسان إلى ضبط وقياس السكر باستمرار، ومراجعة الطبيب.

أنا أقول هذا في هذه المناسبة، لأن الله عز وجل سمح لنا لمن كان مريضاً أو على سفر أن يفطر.

لذلك لئلا نقع في اضطراب فإن علة الإفطار في السفر تخفيف المشقة، وهذه القضية لا تضبط معنا، فهناك إنسان شاب لا يتأثر بالسفر، وهناك إنسان لا يحتمل سفرَ ساعةٍ، لذلك السفر علة للإفطار، أما في مقاصد الشريعة فهناك الحكمة، فنحن في المقاصد نبحث عن الحكمة، وفي تطبيق أحكام الشرع نبحث عن العلة.

هناك أوامر تعبدية لا نفهم حكمتها:

أيها الإخوة الكرام، لكن هناك أوامر قد لا نفهم حكمتها، قال بعضهم: هي أوامر تعبدية من أجل أن يمتحن الله عبوديتك له.

أمَرَ الأبُ ابنَه أن ينظف أسنانه، هذا أمرٌ واضح، وأمرَه أن يدرس، وأن ينام باكراً، أما حين جلوسه إلى الطعام يقول له: لا تأكل، الأدب العالي الذي يتمتع به الابن أمام أبيه يجعله ينصاع لهذا الأمر، هناك أوامر ربما لا نفهم حكمتها، لكن بدافع عبوديتنا لله، وثقتنا به، ومحبتنا له نلتزم، لذلك قالوا: علة أي أمرٍ أنه أمرٌ.

مِن هنا عالم من علماء دمشق جزاه الله خيراً سافر إلى بلد بعيد، والتقى مع إنسان من هذه البلاد أسلم حديثاً، ودار بينهما موضوع عن مضار لحم الخنزير، وهذا العالم الدمشقي أفاض ساعة أو أكثر في الحديث عن مضار لحم الخنزير، فما كان من هذا الذي أسلم حديثاً إلا أن قال له: كان يكفيك أن تقول لي:: إن الله حرمه "، فكلما ارتقى إيمانك لا تبحث عن العلة، علة الأمر أنه أمر.

أنت مع طبيب قلب يحمل أعلى شهادة له سمعة عالية جداً، قال لك: لا تأكل هذا الطعام، هل تجرؤ على أن تسأله لماذا ؟ أو تفكر أن تناقشه في هذا من ثقتك فيه ؟

نا أقول لكم: نحن المؤمنين نفهم أن علة أيّ أمرٍ أنه أمرٌ.

ترتيبُ مقاصد الشريعة:

بالمناسبة أيها الإخوة الكرام، العلماء بحثوا في مقاصد الشريعة، فرتبوها على النحو التالي:

المقصد الأول: حفظُ الدين:

أول مقصد من مقاصد الشريعة: حفظ الدين، والصلاة لحفظ الدين.

عندك هاتف محمول، يحتاج إلى شحن، فإن لم تشحنه تنطفئ الشاشة، ويصمت الهاتف، أليس كذلك ؟ فالصلاة شحنة يومية، وصلاة الجمعة أطول، ففيها خطبة هي شحنة أسبوعية، والصيام شحنة ثلاثين يوما، الخطبة ساعة مع الصلاة، أما الصيام فثلاثون يومًا، والحج فيه سفر، وفيه تفرغ، وفيه مناسك، وفيه إنفاق مال، والحج شحنة العمر، وصلاة تشحن بها من صلاة إلى صلاة، وصلاة جمعة تشحن بها من أسبوع إلى أسبوع، وصيام شهر تشحن به من سنة إلى سنة، وفريضة الحج التي هي شحنة العمر، لذلك أول مقصد من مقاصد الشريعة حفظ الدين، والجهاد من أجل حفظ الدين، والعبادات من أجل حفظ الدين.

المقصد الثاني: حفظ النفس:

المقصد الثاني: حفظ النفس، قال تعالى:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (179) ﴾

[ سورة البقرة]

حينما يُقتل القاتلُ فلكي نردع إنساناً آخر يفكر في القتل، والعرب في الجاهلية قالوا: القتل أنفى للقتل، لكن القرآن يقول:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ (179) ﴾

[ سورة البقرة]

مرة دخلت إلى محكمة الجنايات من باب الاطلاع، فرأيت لوحة خلف القاضي بخط كبير جداً يقرأه المذنبون في القفص:

﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (179) ﴾

[ سورة البقرة]

وقرأت لوحة بخط كبير فوق رؤوس المذنبين يقرأها القاضي:

﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (58)﴾

[ سورة النساء]

فهما آيتان: آية للقاضي وآية للمذنبين.

المقصد الثالث: حفظ العِرض:

أيها الإخوة الكرام، من مقاصد الشريعة حفظ العرض، فلذلك كان حد الزنا حفظًا للعرض، والمقاصد عليها حدود، فمن يعتدي على الدين فله عقاب أليم، ومن يعتدي على النفس بالقتل يُقتل، ومن يعتدي على العرض إن كان محصَنًا يرجم، وإن كان غير محصن يجلد.

المقصد الرابع: حفظ المال:

ثم الحفاظ على المال، لذلك كان حد السرقة، فبين الحفاظ على الدين والحياة و العرض والمال، هذه المقاصد مرتبة، لكن دائماً مرتبة ترتيبا تصاعديا، فتبدأ بالمال، والعرض، والنفس، والدين، ويمكن أن تضحي بالأدنى من أجل الأعلى، فالإنسان في الجهاد قد يضحي بحياته من أجل الدين.

الحاجات والتحسينات:

هناك حاجات وتحسينات، الحاجات للتوسعة والتيسير والتحسينات للتزيين، فدائماً نضحي بالتحسين من أجل الحاجة، وبالحاجة من أجل الضرورة، والضرورات خمس، نضحي بالأدنى من أجل الأعلى، هذه بعض ما في مقاصد الشريعة.

الخلاصة:

أيها الإخوة الكرام، نحاول في هذه السلسلة من الدروس أن نتناول عبادة عبَادة، وحكماً حكماً، ونوضح مقاصد الشريعة فيها، وهذا تلبية لحاجة عقلية أودعها الله فينا، هي الغائية في العقل، وحينما يفهم الإنسان الغاية ترتاح نفسه، فإذا كنت أباً، أو كنت معلماً، أو كنت في منصب قيادي فحاول أن تعطي الأمر مع التعليل، كما علمنا ربنا جل جلاله حينما قال:

﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103) ﴾

[ سورة التوبة]

وإذا كنت أباً أو كنت في منصب قيادي فافعل هذا أيضاً، سترى أن الذين حولك يبادرون إلى تطبيق هذا الأمر عن طيب خاطر، وعن محبة، ولكن من حيث الشيء القاطع فإن علة أيّ أمرٍ في الدين أنه أمر من الله عز وجل، وهناك كتب كثيرة أشارت إلى الحكم أو إلى المقاصد أو إلى الأسرار، فعند الإمام الغزالي أسرار الصلاة، أسرار الحج، أسرار الصيام، أسرار أو مقاصد أو حكم، تعني أن نفهم المقصد الإلهي العظيم من أداء هذا الواجب، أو أداء هذه العبادة.

أيها الإخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون مقاصد الشريعة عوناً لنا على أدائها أداءً وفق ما أراده الله عز وجل، وحينما نبتعد عن المقاصد نقع في متاهات كثيرة، ونقع في مرض اسمه الغرق في الجزئيات، والغرق في الجزئيات أحد سلبيات حياة المسلمين اليوم، إذْ يتقاتلون حول أشياء خلافية.

مرة في مسجد اختلف المصلون حول عدد ركعات التراويح، فهذا الخلاف انتهى إلى تصادم، فجاءت فتوى من عالم كبير بإغلاق المسجد، قال: لأن صلاة التراويح سنة، والفريضة وحدة المسلمين، وهذا مقصد كبير، فإذا ضحينا بالفرض من أجل السنة فلا كانت هذه السنة، فحينما نعرف مقاصد الشريعة تحل مئات المشكلات في حياتنا.

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=10383&id=189&sid=799&ssid=1469&sssid=1470