الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


ندوات تلفزيونية - قناة انفينيتي - مكارم الأخلاق - الدرس ( 22-30 ) : فوائد الخوف من الله عز وجل

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2008-03-23

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

الأستاذ عدنان :

بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أيها الأخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرحب بكم في حلقة جديدة في برنامج مكارم الأخلاق ، وباسمكم أرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين أهلاً ومرحباً بكم دكتور .

الدكتور راتب :

بكم أستاذ عدنان جزاك الله خيراً .

الأستاذ عدنان :

دكتور من خاف من شيء هرب منه ، ومن خاف الله عز وجل أقبل عليه ، إذاً يمكن أن يكون من نتائج الخوف أمور وتصرفات متعددة وبالتالي يكون في قلب الإنسان أمر ما من هذا الخوف ، إذا أردنا أن نقول التعرف الاصطلاحي للخوف فماذا يمكن أن نقول في مجمع القول ؟

التعريف الاصطلاحي للخوف :

الدكتور راتب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، أستاذ عدنان الخوف أحد خصائص الإنسان الأساسية ، الأنبياء يخافون :

﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ (21)﴾

(سورة القصص)

والضعاف يخافون والأقوياء يخافون والأغنياء يخافون والفقراء يخافون ، صفة ثابتة في الجنس البشري ، لكن هو في التعريف الاصطلاحي توقع المكروه أو خوف فوات المحبوب ، ذلك أن الإنسان هو فقر إذا كان في خوف الفقر ، أنت من خوف الفقر في فقر ، ومن خوف المرض في مرض ، وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، يقابل الخوف الأمن ، جنس الإنسان يخاف لكن المؤمن إذا اتصل بالله عز وجل انتقل إلى حالة أخرى :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

صار توقع المصيبة مصيبة ، وخوف المرض مرض ، وخوف الفقر فقر ، لكن الإنسان إذا اعتصم بالله وأقبل عليه أصبح من منجاة من هذا الخوف ، الذي يجعل حياته جحيماً ، على كل الخوف له فوائد كبيرة جداً ، فوائد إيجابية وحينما يبلغ حداً مرضياً يغدو أحد الأمراض النفسية في الإنسان .

على كل هناك نقطة دقيقة جداً أن الخوف يوظف في الخير .

الأستاذ عدنان :

كيف ؟

توظيف الخوف في الخير :

الدكتور راتب :

قال تعالى :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾

( سورة المعارج )

كلمة الإنسان المعرفة بأل في القرآن الكريم تعني جنس الإنسان في أصل حلقه قبل أن يؤمن :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

( سورة المعارج )

الحقيقة أنني أستطيع أن أوضح للأخوة المشاهدين معنى الخوف بهذا المثل الدقيق كومبيوتر صناعي سعره فلكي صناعي في وصلة ضعيفة تسمى عند أهل الاختصاص فيوز ، هذه الوصلة لو جاء تيار قوي يمكن أن يحرق هذا الكومبيوتر وأن يتلفه ، هذه الوصلة الضعيفة تسيح فإذا ساحت انقطع التيار ، إذاً هذه الوصلة لصالح الآلة ، فالإنسان خُلق ضعيفاً ، خُلق هلوعاً ، خُلق عجولاً ، ثلاث نقاط ضعيفة في أصل خلقه لصالحه .

ثلاث نقاط ضعيفة في أصل خلق الإنسان و لكن لصالحه هي :

1 – الهلع :

نبدأ بالأولى :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾

( سورة المعارج )

شديد الخوف لولا أنه شديد الخوف لما تاب إلى الله ، قد يأتيه تقرير طبي أن فيه ورم ، هذا الورم يدفعه إلى التوبة ، يدفعه إلى العمل الصالح ، يدفعه إلى طلب العلم ، يدفعه إلى إنفاق ماله ، لولا أن الإنسان يخاف لا يتوب إلى الله عز وجل :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾

( سورة المعارج )

هذا ليس ضعفاً فيه ، هو نقطة ضعف في أصل خلقه أرادها الله عز وجل .

الهلع نقطة ضعف في أصل الإنسان ليعود إلى الله و يصطلح معه :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾

ما معنى هلوع ؟ فسرها القرآن نفسه :

﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا *﴾

يعني أي خبر سيء ، أي شبح مصيبة ، أي تقرير طبي مخيف ، أي تقرير طبي متعلق بالقلب أو بنمو الخلايا أو بسيولة الدم ، أي شبح مصيبة في دخله ، ألغيت وكالته لهذه الشركة ، توقف دخله ، نقل من عمله إلى عمل آخر ، أي شبح مصيبة يخلق فيه جزعاً شديداً

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

الآن إذا أصاب مالاً هو حريص عليه يتمنى ألا ينفق ، يتمنى أن يبقى عنده ، يتمنى أن يحافظ عليه ، ولولا هذا الحرص على المال لما ارتقى الإنسان في إنفاق المال ، لولا هذا الحرص على المكتسبات لما ارتقى الإنسان في التضحية بها من أجل نفعه ، قد يكون في منصب وقد يكلف في عمل لا يرضي الله يتخلى عن هذا المنصب يرقى لأن المنصب محبب إليه وتخليه عن هذا المنصب تضحية كبيرة ترتقي بها عند الله ، فلذلك قضية :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

هي نقطة الضعف في أصل هذا الإنسان وهذه النقطة ضرورية جداً ليعود إلى الله ليرجع إليه ، ليتوب إليه ليصطلح معه ، ما كان له أن يتوب لو كان قوياً :

﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى(9)عَبْدًا إِذَا صَلَّى(10)﴾

( سورة العلق)

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

( سورة العلق)

هناك أربع قراءات هذه القراءات الأربع في مطلع سورة واحدة :

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾

( سورة العلق )

هناك قراءة بحث وإيمان ، وهناك قراءة شكر وعرفان ، وهناك قراءة وحي وإذعان ، وهناك قراءة رابعة نعوذ بالله منها :

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)﴾

( سورة العلق)

بالعلم ، يستخدم العلم للسيطرة على الآخرين ، لنهب ثرواتهم ، لإيقاع الأذى بهم ، فالطغيان أساسه الشعور بالقوة ، فلولا أن الإنسان يشعر بالضعف لما تاب إلى الله ، ولما أقبل عليه .

الله عز وجل يعالج الإنسان معالجة حكيمة ليعود إليه :

هناك من يأتي الله عز وجل وهو في خير ، وهو في بحبوحة ، هذا مستوى عالٍ جداً ، لكن لو أخذنا ألف مؤمن أنا يغلب على ظني أن قسماً كبيراً منهم عاد إلى الله على أثر معالجة إلهية حكيمة بسبب هذه النقطة الدقيقة في أصل خلقه .

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾

( سورة المعارج )

هو يخاف أن يأتيه مكروه وحريص على ما في يديه ، بخوفه من أن يأتيه مكروه يتوب إلى الله ، وبإنفاقه مما يحرص عليه يرقى إلى الله ، الواحدة يتوب بها إلى الله والثانية يتوقى منها أن يصل إلى رضوان الله عز وجل .

الأستاذ عدنان :

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ (40)﴾

( سورة النازعات )

هنا آية الكريمة تشير إلى الذي يخاف الله عز وجل ، يخافه في كل شيء ، في تصرفاته ، في أعماله ، في نواياه ، في كل شيء في حياته ، له أجر وله مكافأة يمكن أن نتابع فيما ورد .

من اتصل بالله عز وجل أذهب عنه الخوف :

الدكتور راتب :

الآية الأولى لها تتمة دقيقة جداً اسمح لي أن أتابع الأولى :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

( سورة المعارج )

المتصل بالله ذهب عنه الخوف :

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

( سورة فصلت الآية : 20 )

جاء تطمين الله لهم :

﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا (48)﴾

( سورة الطور)

أكبر ثمرة يجنيها المؤمن من إيمانه أن الله يلقي في قلبه الأمن مكان الخوف :

﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾

( سورة طه )

يعني أكبر ثمرة يجنيها المؤمن من إيمانه أن الله يلقي في قلبه مكان الخوف الأمن والآية الدقيقة :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

يوجد ملمح بالصياغة لو أن الله قال أولئك الأمن لهم ، أي ولغيرهم ، أما أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ ، وحدهم ، أنا موقن أن المؤمن وحده وليس أي إنسان آخر هو الذي يملأ الله قلبه بالأمن :

﴿ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

من أشرك بالله ألقى الله في قلبه شركاً جلياً أو شركاً خفياً :

لكن :

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

أي أن المؤمن يمكن أن تزل قدمه وأن يظلم ، فإذا ظلم فقد الأمن ، القاعدة أن الله يلقي في قلب الإنسان الذي أشرك شركاً جلياً أو شركاً خفياً ، الشرك الجلي أن تعبد غير الله أن تعبد صنماً لكن الخفي خطير جداً .

أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله . الشرك الخفي من لوازمه القطعية ، أن يلقي الله في قلب هذا المشرك شركاً خفياً ، الخوف :

﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ ﴾

( سورة آل عمران الراية : 151 )

والباء باء السبب .

المصلون في أمن من الله عز وجل لكن بشروط :

إذاً :

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

( سورة المعارج )

المصلون في أمن من الله عز وجل :

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام )

ولكن نحن حينما نقول المصلون يقفز إلى الذهن أن الإنسان توضأ وصلى وانتهى الأمر ، لكن ورد في بعض الآثار القدسية :

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب وآوى الغريب ، كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا ، يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم عليّ فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ، ولا يتغير حالها ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

من هم المصلون ؟

عندنا قاعدة منطقية لو أنك قلت إنساناً ، هذه الكلمة تغطي كم ؟ تغطي البشر كلهم تغطي ستة آلاف مليون ، لو أضفت لكلمة إنسان مسلم ، هذه الدائرة الواسعة انحسرت إلى مليار ونصف ، كانت ستة آلاف مليون الآن مليار ونصف ، إذا أضفت إنساناً مسلماً عربياً ، ثلاثمئة مليون ، مثقف فرضاً ، لا أدري بالضبط ، مئتا مليون ، طبيب مئتا ألف ، طبيب قلب ، ألف ، طبيب قلب مثلاً جراح ، خمسمئة ، طبيب قلب جراح مقيم في دمشق مثلاً خمسة ، فكلما أضيفت صفة ضاقت الدائرة ، هذه قاعدة منطقية ، قالوا الصفة قيد .

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

( سورة المعارج )

﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾

ضاقت ،

﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ َ ﴾

الآية طويلة ، كل صفة تضيق بها الدائرة .

من تواضع لعظمة الله عز وجل في صلاته ألقى الله في قلبه النور :

لذلك :

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ، تفكر في خلق السماوات والأرض وقدر الله حق قدره فأطاعه ))

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي

(استقام على أمر الله ) ولم يصر على معصيتي (تاب من حين لآخر)وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب (كان له عمل صالح)وآوى الغريب ، كل ذلك لي (إخلاصاً ، دخل فيها الاستقامة والعمل الصالح والإخلاص وأداء العبادات والتفكر في ملكوت السماوات والأرض)وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس (يعني ألقى الله في قلبه النور ، رأى الحق حقاً والباطل باطلاً ، ألقى الله في قلبه البصيرة رأى بها الخير والشر)على أن أجعل الجهالة له حلما (هناك تبدل جذري في حياة المؤمن بين أن يكون منقطعاً عن الله فيه جهالة وجاهلية وانحراف بعد الاتصال بالله أصبح فيه حلم والحلم سيد الأخلاق )والظلمة نورا (ألقى الله في قلبه نورا)))

.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28)﴾

(سورة الحديد)

((وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا ، يدعوني فألبيه (أصبح مستجاب الدعوة)، ويسألني فأعطيه ، ويقسم علي فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ، ولا يتغير حالها ))

[ رواه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إلاّ الُمُصَلّيِنَ ﴾

( سورة المعارج )

2 – الضعف :

الآن هناك نقطة ضعف أخرى :

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)﴾

( سورة النساء )

لو خلقه الله قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره ، إذاً نقطة ضعف أخرى لصالح المؤمن كالفيوز في الآلة الغالية .

3 ـ العجلة :

الشيء الآخر :

﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)﴾

(سورة الإسراء)

هو ليس يحب الشيء العاجل ، يحب الشيء الذي أمامه ، يحب أن يقتنص المكاسب مباشرة ، فإذا اختار الآخرة ، اختار هدفاً بعيداً ، معنى ذلك تناقض مع نقطة ضعفه العجلة ، إذاً عندها يرتقي ، لما الإنسان يختار الآخرة تأتيه الدنيا وهي راغمة ، تأتيه أموالها من طريق مشروع ، تأتيه مناصبها من طريق لا يرضي الله مثلاً ؟ يأتيه عزها وسلطانها من طرق لا ترضي الله عز وجل ؟ لذلك يختار المؤمن ما عند الله بعد الموت ، لأنه خالف أصل فطرته وهي أنه عجول يرتقي عند الله عز وجل ، معنى ذلك أنه فكر بالمستقبل .

لا يرقى الإنسان عند الله عز وجل إلا عندما يختار الآخرة :

لذلك الإنسان كلما كان عاقلاً يعيش المستقبل ، وكلما كان أقل عقلاً يعيش الحاضر ، فإذا كان غبياً يعيش الماضي فقط ، أن تعيش المستقبل أخطر حدث في المستقبل مغادرة الدنيا فلذلك الإنسان خلق عجولاً ، فإذا اختار هدفاً بعيداً يتجاوز الحياة كلها يرقى عند الله عز وجل ، هذه نقاط الضعف الأساسية في حياته .

الأستاذ عدنان :

دكتور بعضهم يقول ألا يكتفي الدعاة إلى الله عز وجل بأن يقولوا أمامنا الأقوال في الترهيب ويتركون الترغيب ، علماً بأنه كما وضحتم للترهيب فائدة في ذات الإنسان ليصل إلى الترغيب في النهاية ورضا الله عز وجل ، ومن منطوق هذه الناحية يأتي قوله تعالى :

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ (40)﴾

( سورة النازعات )

نتابع معاً شرحها .

التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة :

الدكتور راتب :

الحقيقة مرة ذكرت أن في الإنسان طبع ومعه تكليف ، وهناك تناقض بين الطبع والتكليف ، طبع الإنسان أن يأخذ المال ، التكليف أن ينفقها ، طبع الإنسان أن يخوض في فضائح الآخرين والتكليف أن يصمت ، طبع الإنسان أن يملأ عينيه من محاسن النساء ، التكليف أن يغض البصر ، طبع الإنسان فردي التكليف تعاوني ، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة ، بما ندخل الجنة ؟ لولا أن هناك طبع يميل للنوم والتكليف قم واستيقظ وصلِّ الفجر في وقته ، لولا هذا التكليف يأمرك أن تعاكس طبعك ، أن تغض بصرك لما ارتقى الإنسان إلى الله عز وجل ، لذلك ثم الجنة هذه المخالفة لقواعد الطبع والائتمار بأمر الله عز وجل :

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

( سورة النازعات )

لا يرقى المؤمن عند ربه إلا عندما يخاف أن تنقطع صلته بالله :

أستاذ عدنان يوجد معنى دقيق جداً : فرق كبير بين أن تخاف من عقاب الله وبين أن تخاف من أن تنقطع صلتك به ، فرق كبير جداً ، فرق المحب والخائف ، المؤمن يخاف لكن لا يخاف من عقاب الله بقدر ما يخاف أن تنقطع صلته بالله ، ورد في بعض الآثار ، شاب سمع من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، يبدو أن قدمه زلت ، فارتكب معصية صغيرة ، بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب من الله ، مضى أسبوع ، أسبوعان ، ثلاثة أسابيع ، في أثناء المناجاة قال : يا رب ، لقد عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال : وقع في قلب هذا الشاب : أن يا عبدي ، قد عاقبتك ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ أحياناً الإنسان لا يعاقب بمصيبة يعاقب ببعده عن الله ، هذه نقطة دقيقة جداً ، كلما ارتقى المؤمن يخاف أن تنقطع صلته بالله ، هو يحرص عليها .

الأستاذ عدنان :

آية أخرى أيضاً دكتور في هذا الموضوع .

علاقة كل إنسان مع خالقه فينبغي أن يخاف منه وحده :

الدكتور راتب :

﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

( سورة هود )

هذه الآية أستاذ عدنان أنا أقربها لأذهان الأخوة المشاهدين بهذا المثل ، تصور وحوشاً مفترسة جائعة يمكن أن تلتهم الإنسان بثوان معدودة ، لكنها مربوطة بأزمَّة محكمة ، بيد جهة قوية ، رحيمة ، عادلة ، أنت كإنسان أمامك وحوش مخيفة لكن علاقتك الحقيقية ليست مع الوحوش ولكن مع من يملكها ، فإن أرضيته أبعدها عنك وإن لم تكن كما ينبغي أن تكون معه أرخى هذه الأزمة فوصلت إليك ، فالبطولة ألا أخاف من هذه الوحوش ينبغي أن أخاف من الله ، هذا معنى قوله تعالى :

﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

( سورة هود )

من يتبع منهج الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :

﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾

( سورة الزمر )

بيده الخلق والأمر ، هذا التوحيد يريح الأعصاب ، هذا التوحيد يبعد عن الحقد ، هذا التوحيد يملأ القلب طمأنينة ، أنا علاقتي بالله ، أنا عليّ أن أطيعه ، النبي الكريم سأل سيدنا معاذ قال :

(( يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

[ متفق عليه عن معاذ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا ﴾

﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

( سورة فصلت الآية : 30 )

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

( سورة طه )

﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

( سورة البقرة )

لنجمع الآيتين من يتبع منهج الله عز وجل لا يضل عقله ولا تشقى نفسه ولا يندم على ما فات ولا يخشى مما هو آت ، هذه الحقيقة الدقيقة .

الأستاذ عدنان :

وهذه حقيقة رائعة ، من بعض ثمار الخوف من الله عز وجل .

على كل إنسان ألا يخاف من قوي أو طاغية إنما من ذنبه الذي يجلب له الأخطار :

الدكتور راتب :

هناك حديث شريف دقيق جداً قبل أن نأخذ الثمار :

(( لا يرجو عبد إلا ربه ، ولا يخافن إلا ذنبه ))

[ مسند الفردوس عن علي بن أبي طالب ]

لا تخاف من قوي ولا من طاغية ولا من مرض خبيث لا تخف إلا من ذنبك لأن الذنب هو الذي يجلب كل هذه الأخطار ،

(( لا يخافن إلا ذنبه ))

وإذا وقع المصاب لا سمح الله

(( لا يرجو عبد إلا ربه))

هذا الحديث جامع مانع ينبغي أن نخاف من الله وحده ولاسيما إذا خفنا من ذنوبنا ، أنا أخاف أن أستحق عقاب الله ، أنا أخاف أن أقترف ذنباً أستحق معه عقاب الله ، وإذا وقعت في مصيبة أو في مشكلة ليس إلا الله هو المرجو إزاحتها عن كاهله ، هذا موضوع دقيق .

ثمار الخوف من الله عز وجل :

1 ـ الخوف طريق الإنسان للفوز بالجنة :

أما ثمار الخوف أنها طريق للفوز بالجنة ، لأنه من خاف من شيء هرب منه ، لكنه من خاف من الله أقبل عليه ، فإذا أقبلت عليه لا ملجأ من الله إلا إليه ، فالخوف طريق إلى الجنة ، والخوف أمن من الفزع الأكبر ، هناك خوفان وهناك أمنان ، من خاف الله في الدنيا أمنه يوم القيامة ومن أمنه في الدنيا خوفه يوم القيامة ، فالخوف في الدنيا طريق إلى الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة ، شيء آخر هو كمال الإيمان أن تخاف من الله ، رأس الحكمة المخافة من الله ، ومرة ثانية أخاف على أن تنقطع صلتي به .

2 ـ الخوف من الله يثمر محبة له :

شيء آخر أن تخاف من الله هذا يثمر محبته ، أما إذا إنسان أمره بيد الله وخاف من إنسان الله عز وجل لا يرضى عنه ، الأمر بيدي يا عبدي يجب أن تخاف مني أتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ؟

3 ـ الخوف يؤدي إلى الطاعة و الإخلاص :

شيء آخر الخوف من لوازمه الطبيعية الطاعة لله ، الخوف يؤدي إلى الطاعة والخوف يؤدي إلى الإخلاص لله عز وجل ، هذه بعض ثمار الخوف .

الأستاذ عدنان :

هذه الثمار الذين وضحتم بعضها من خلال الإخلاص ، والإقبال على الله عز وجل ، عندما يكون الإنسان ضمن الخوف يتقرب بشكل ما إلى الجنة وإلى رضا الله عز والشيء الهام فعلاً والذي يعرفه من يذوق حلاوة أن البعد عن الله عز وجل فيه خوف حتى لا يحدثه الإنسان في نفسه يجب أن يكون متقرباً إلى الله عز وجل .

الخوف نوعان إيجابي و مرضي :

الدكتور راتب :

إذاً هناك خوف إيجابي الذي يسبق الصلح مع الله وهناك خوف مرضي الذي يعقب المعصية لله عز وجل .

الأستاذ عدنان :

نرجو الله تعالى أن نكون مع الخوف الذي يوصلنا إلى أن نكون مرتبطين دائماً بالله تعالى ، هذا الارتباط الذي نجده في وجوه متعددة منها ما يتصل بالإعجاز في خلق الله ومنها ما نجده في الآثار الموجودة حولنا ، نتابع من هذه الآثار الموجودة حولنا فيما يكون من ضمن إعجازات الله تعالى في خلقه .

من إعجازات الله تعالى في خلقه طائر النساج :

الدكتور راتب :

من الآيات الدالة على عظمة الله الطائر النساج ، ينسج بيته ، يعدّ الطائر النساج معمارياً ماهراً من بين المعماريين في الطبيعة ، يبني أعشاشه بنسج الأعواد مع بعضها ، قبل أن يبني الطائر النسّاج عشه يصنع له سقفاً مثلث الشكل أولاً ، ثم يعقد على كل زاوية عقدة مختلفة عن الأخرى ، فلكل عش سقف متين ، جدران ومدخل .

هناك في الكون عقل أول هو الله تعالى الذي ألهم طائر النساج ببناء عشه المتقن :

أول مرحلة في إنشاء العش : ربط فرعة عشب رفيعة طويلة بغصن رفيع ، وهذه العملية ليست بهذه السهولة ، فربط عقدة واحدة فقط يحتاج من الطائر إلى محاولات كثيرة ، ربط العقدة الأولى بالشكل الصحيح مهم جداً وبالعكس ، فإذا كانت العقدة الأولى غير صحيحة فلا يبقى أي معنى لمتابعة بناء العش لأن الخطوات التالية تتبع الخطوات الأولى في الخطأ ، تزداد العقد باستمرار وتأخذ شكلاً دائرياً ، يجب على الطائر أن يحسب حجم الحلقات التي شكّلها بدقة ، فيجب أن تكون كبيرة إلى حدّ يستطيع الدخول من خلالها ومع ذلك يجب أن تكون صغيرة حتى لا تسمح للطيور الأكبر منها بالدخول إلى العش . يعني حساب دقيق جداً .

يلتزم الطائر دائماً الحجم الأمثل اللازم للحلقة ، وهكذا بعدما نسج الحلقة الأساسية للعش ، وأطراف هيكله تبدأ مرحلة بناء العش ، التقنية التي تستخدمها الطيور النساجة في بناء أعشاشها هي التقنية نفسها التي يستخدمها الناس في النسج ، تخيط الأعشاب ببعضها بالترتيب قفزاً من الأعلى ومن الأسفل و في النهاية تنشأ الأعشاش الرائعة حقيقة بتنسيق هذه التقنية العالية بصبر ، عند النظر إلى الأشجار التي تعيش فيها الطيور النساجة لا يبدو عش واحد فقط بل يبدو مشهد لمدينة ضخمة مؤلفة من مئات البيوت ، ينشئ كل طائر نساج عشه بتنفيذ الخطة المرسومة له دائماً .

الحقيقة أستاذ عدنان نحن أمام مشاهد من عظمة الله عز وجل التي جعلها ظاهرة في بعض خلقه ، فطائر أعجم ، طائر بهيمة ، طائر لا يعقل يقوم بأعمال ذكية جداً ، إذاً هناك في الكون عقل أول هو الله عز وجل ، هو الملهم ، هو المصمم ، فنحن حينما نرى دقة خلق الله عز وجل نزداد به معرفة ، و إذا زدنا به معرفة ازددنا له طاعة ، و كأن طريق طاعة الله أن تعرفه ، إذا عرفنا الآمر تفانينا في طاعة الآمر ، أما إذا عرفنا الأمر و لم نعرف الآمر تفننا في التفلت من الأمر .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ عدنان :

نسأل الله تعالى أن يجعلنا في طريقنا إليه ضمن الخوف الإيجابي الذي لا تنقطع معه صلتنا بالله تعالى .

في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، و كل الشكر أيضاً للأخوة المشاهدين ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=2480&id=189&sid=799&ssid=809&sssid=841