الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي


ندوات تلفزيونية - قناة الفجر - سنريهم آياتنا - الندوة 29-20 : أبرز أنواع الشهوات ـ نقض نظرية دارون2

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2009-09-10

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول الله عز و جل:

﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾

( سورة فصلت الآية: 53 )

يسعدني أن أستقبل ضيفي هنا فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، أهلاً بكم.

الدكتور راتب:

بكم أستاذ معتز.

الأستاذ معتز:

في حلقتنا الماضية تحدثنا عن الشهوة، وفصلتم لنا في عدة جوانب منها، هل نستطيع أن نعيد بعضاً من ذلك ؟ باختصار لو سمحت.

الشهوات قوة دافعة تدفعنا إلى الله أو قوة مدمرة تدمر سعادتنا في الدنيا والآخرة:

الدكتور راتب:

نستطيع أن نلخص، لولا أن الله أودع فينا الشهوات، لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، خلافاً لما يظن معظم الناس، الشهوات قوة تدفعنا إلى الله، ولكن هذه الشهوات حيادية، إما أن تكون سُلماً نرقى به، أو دركات نهوي بها.

حينما نتحرك بدافعٍ من شهوتنا، وفق منهج الله، تكون سُلماً نرقى به، أما إذا تحركنا بغير ضابطٍ، ولا منهجٍ، ولا قيمةٍ، تكون الشهوات سبيلاً للهلاك، هي ليست واحدة، هي حيادية لكن ليست واحدة.

شيءٌ آخر، هو أن الإنسان ما حرم من هذه الدنيا شيئاً، فما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، أي الإسلام دين الفطرة، دين الواقع، دين الحياة، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( أمَا والله، إنِّي لأخْشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصُومُ وأفْطِرُ، وأصَلِّي وأرْقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فَمَن رغِبَ عَنْ سُنَّتِي فليس منِّي ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس بن مالك ]

إذاً ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري خلالها، في الإسلام تنظيم، وليس فيه حرمان، إذاً الشهوات قوة دافعة تدفعنا إلى الله، وقد تكون القوة مدمرة تدمر سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، إذاً لابد من أن يتحرك الإنسان بدافعٍ من شهواته وفق منهج الله، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

( سورة القصص الآية: 50 )

المعنى المخالف أن الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه.

الأستاذ معتز:

أحببت من خلال هذا التلخيص والتذكير أن أدخل في موضوع حلقة اليوم، أن نعدد أبرز هذه الشهوات.

شهوة المال و شهوة النساء أبرز الشهوات في حياة الإنسان:

الدكتور راتب:

الشهوات كثيرة جداً، لكن يقع في رأس هذه الشهوات شهوة المال، وشهوة النساء، ولو دققت في تفاصيل المنهج الإلهي لوجدت أن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بشهوتي المال والنساء، لأن المال محبب، وهو قوام حياة الإنسان، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل )

هذا النموذج الأول.

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾

( سورة الليل )

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

( سورة الليل )

الأول اتقى أن يعصي الله في شهواته، والثاني استغنى عن طاعة الله.

الغنى والفقر بعد العرض لى الله:

لكن هناك آيةٌ دقيقةٌ جداً توضح معنى الشهوة، وتوضح طريقة استعمالها، قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ﴾

هذه مقولته.

﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

الجواب أداة ردعٍ ونفيٍ.

﴿ كَلَّا ﴾

( سورة الفجر الآية: 17 )

كلا يا عبادي، ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، لذلك الغنى والفقر بعد العرض على الله.

أستاذ معتز، هناك نقطة مهمة جداً، يا ترى المال نعمة ؟ الجواب نعم، ولا، يا ترى الفقر نقمة ؟ الجواب نعم، ولا.

الأستاذ معتز:

كيف ذلك ؟

كل إنسان مبتلى بالعطاء و الحرمان:

الدكتور راتب:

يكون المال نعمةً إذا وظفته في الخير، ويغدو نقمةً إذا وظفته بالشر، إذاً المال حيادي، والشهوة حيادية، يكون نعمةً إذا وظفته في الخير، هؤلاء الأغنياء يستطيعون أن يصلوا إلى أعلى درجات الجنة بإطلاق مالهم، والدليل يقول عليه الصلاة والسلام:

((لا حَسَدَ إلا على اثْنَتيْنِ: رجلٌ آتَاهُ اللَّهُ القرآنَ فقام به آناء اللَّيل وَآنَاءَ النَّهارِ ورجلٌ أعْطاهُ اللَّهُ مالا، فَهوَ يُنْفِقِهُ آنَاءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر ]

هؤلاء الذين أكرمهم الله بالمال بإمكانهم أن يصلوا عن طريق إنفاق أموالهم إلى أعلى درجات الجنة، إذاً

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾

الآية الأولى، ثم:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ﴾

هو، هذه مقولته، يقول:

﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

قد يقول لك غنيٌ غارقٌ في المعاصي والآثام: الله أكرمني بالمال، لا، الله امتحنك، فرقٌ كبير بين الإكرام، وبين الامتحان.

الآية الأولى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

قلنا: الذي تحرك بشهوته وفق منهج الله،

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ﴾

هو

﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾

ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، أنت مبتلى بالمال، بوفرته وبنقصه، مبتلى بالقوة، بوفرتها وبنقصها، مبتلى بالصحة، بوفرتها وبنقصها، أنت ممتحن في موضوعين كبيرين، فيما أتاك الله، وفيما زوى عنك، لذلك في الدعاء:

(( اللَّهمَّ ما رَزَقْتَني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ ))

[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي ]

أنت مبتلى بالعطاء، وبالحرمان.

إنفاق المال في سبيل الله أسرع طريقٍ إلى الله:

لذلك:

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء )

فأنت بالشهوة ممتحن، إما أن تتحرك بها وفق منهج الله، أو بخلاف منهج الله، والمال مادة الشهوات، إما أن تنفقه في سبيل الله فترقى إلى أعلى عليين، وإما أن ينفق في سبيل الشيطان.

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 36 )

لذلك ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، وقد يكون المنع عين العطاء، لذلك ليس عطائي إكراماً كما تتوهمون، وليس منعي حرماناً كما تتوهمون، ولكن عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، إذاً الشهوة حيادية، ولأن المال مادة الشهوات، ولأن تسعة أعشار الأحكام الشرعية متعلقة بالمال والنساء، يمكن أن نقول: إن إنفاق المال في سبيل الله أسرع طريقٍ إلى الله.

المؤمن هداه الله إلى الاستقامة فهو محصنٌ ضد أي فضيحة مالية أو جنسية:

أما المرأة، الموضوع الثاني الكبير، بالمناسبة ليس هناك فضيحةٌ على وجه الأرض إلا وتندرج في إحدى خانتين، فضيحةٌ ماليةٌ، وفضيحةٌ جنسية، ولأن المؤمن هداه الله إلى الاستقامة هو محصنٌ من هاتين الفضيحتين، والمؤمن كرامته وعزته موفورة باستقامته.

الأستاذ معتز:

هذا عن سؤالي الذي سيليه، عن تحصين المسلم لنفسه.

الدكتور راتب:

الإنسان يُحصن بإيقاع شهوته وفق منهج الله، وهذا هو الصبر، وهذا ثمن الجنة، لولا أن الإنسان يصبر على شهوةٍ لا تحل له، ويتحرك في شهوةٍ تحل له لما نال الجنة، لذلك قال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى:

﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾

( سورة الشعراء )

ما القلب السليم ؟ قال: القلب الذي لا يشتهي شهوةً لا ترضي الله، هذا هو القلب السليم، قلبٌ لا يشتهي شهوةً لا ترضي الله، وقلبٌ لا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، وقلبٌ لا يعبد إلا الله، وقلبٌ لا يحكّم إلا شرع الله.

الأستاذ معتز:

المؤمن يشتهي الجنة أيضاً، إذاً هناك شهوةٌ جيدة.

شهوتا الجنس والمال أكبر شهوتين يعاني منهما الإنسان:

الدكتور راتب:

يقال إن أحد الخلفاء ـ سيدنا عمر بن عبد العزيز ـ يقول:

" تاقت نفسي إلى الإمارة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة ".

الشهوات تسمو، وترقى، وتصبح شيئاً نفيساً، ما شهوة المؤمن ؟ طاعة ربه، ما شهوة المؤمن ؟ إنفاق ماله، ما شهوة المؤمن ؟ تعليم العلم، كلما ارتقى الإنسان في سلم الكمالات، ترتقي شهواته فتصبح شيئاً سامياً، نبيلاً، تعود بالخير على جميع أفراد المجتمع.

الأستاذ معتز:

حتى في الشهوات الأخرى، قلنا: إنه يرتقي بها مرتين، صبراً، وشكراً.

الدكتور راتب:

حتى لو أنه تزوج، لو أن الإنسان انحرف، كان انحرافه طريقاً لهلاكه، فلما تزوج حُصن.

مرة ثانية: ليس في الإسلام حرمان، ما من شهوةٍ أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفةً تسري من خلالها، فشهوتا الجنس والمال أكبر شهوتين يعاني منهما الإنسان، ولمجرد أن يطبق منهج الله في التحرك بدافعٍ من هذه الشهوة يسلم، ويسعد.

الأستاذ معتز:

هذا يقودني إلى موضوع الشبهة، ألا يجب أن يكون بين الإنسان والشبهة مسافة أمان حتى يتقي ؟

الله عز وجل أمرنا أن نبقي بيننا و بين الشهوات هامش أمان:

الدكتور راتب:

الحقيقة أن الشهوة فيها قوة جذب، تماماً كتيار الكهرباء عالي التوتر، دائماً يضعون مكاناً يمنع الناس من أن يقتربوا من التيار، هذه نسميها حرمة التيار، لو أن إنساناً دخل إلى هذه المنطقة المحرمة، يجعله التيار قطعةً من الفحم فوراً، لذلك لا معنى أن يكتب وزير الكهرباء إعلاناً ممنوع مس التيار، يجب أن يكتب ممنوع الاقتراب من التيار، لذلك هذه الشهوات يجب أن نبقي بيننا وبينها هامش أمان، هذا هامش الأمان يشبه تماماً نهراً عميقاً، له شاطئان، شاطئ ٌ زلقٌ، فيه حشائش مبتلة، وشاطئ جاف مستو، المشي على الشاطئ الجاف فيه أمان، أما المشي على الشاطئ الزلق، المائل، فيه احتمال السقوط، لذلك ورد في بعض الأحاديث الصحيحة.

(( إنّ الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينها أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعِرْضهِ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يَوشك أن يرتَعَ فيه، ألا ولكِّ ملك حمى، إلا وإنّ حمى الله محارمُه ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن البشير ]

أستاذ، هناك نقطة دقيقة جداً، إن الله عز و جل أرادنا أن نبقي هامش أمان بيننا وبين الشهوات، مثلاً، قال:

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

( سورة الإسراء الآية: 32 )

يبدو أن الإنسان يشبه صخرة مستقرة في قمة جبل، فإذا أراد أن ينطلق بها إلى أمتارٍ في المنحنى لن تستقر إلا في قعر الوادي، هي مستقرة في رأس الجبل، محصنة، أما إذا أراد أن يدفعها إلى الوادي، ويزعم أنه سيدفعها أمتار فقط، ثم يأمرها أن تقف، إذا دفعها إلى الوادي، لن تقف إلا في قعر الوادي.

الأستاذ معتز:

كما شبهت التيار، لم يقل: لا تزنوا، لكن قال: لا تقربوا الزنا.

على كلِّ إنسان أن يحصن نفسه من أن يدخل في حرمة الشهوات:

الدكتور راتب:

لذلك

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا ﴾

أي هناك مقدمات للزنا، إذا إنسان تساهل بها، وصل إلى الفاحشة دون أن يدري، فلذلك الآيات في القرآن دقيقة جداً، ليس هناك آية تقول: لا تزنوا، الزنا له مقدمات

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ ﴾

( سورة الإسراء الآية: 152 )

لا تجعل مال اليتيم مع مالك مندمجاً

الأستاذ معتز:

في هذا اتقاءٌ للشبهة

الدكتور راتب:

لذلك مهمة هذا اللقاء الطيب، أن أؤكد لأخوتي المشاهدين، لابد من ترك هامش أمانٍ واضحٍ جداً بينك وبين الشهوات المحرمة، إن هذه الشهوات المحرمة لها قوة جذب، تغري، أنت جبلت على حبّ المرأة، على حبّ المال، فحينما يكون المال بين يديك، ولا رقيب، ولا ضابط لعلاقتك بهذا المال، فهناك خطر، فيجب أن نحصن أنفسنا من أن ندخل في حرمة هذه الشهوات.

على الإنسان أن يسأل أهل الذكر إن تراكمت في ذهنه الشبهات:

لذلك

(( الحلال بيِّن ))

واضح جداً،

(( والحرام بيِّن، وبينها أمور مشتبهات ))

أي هناك أعمال تشبه الحرام من جهة، وتشبه الحلال من جهةٍ أخرى، ما الحل ؟ قال:

(( لا يعلمهن كثير من الناس ))

هذا الكلام يعني أن أناساً يعلمونها، قال تعالى:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

( سورة النحل الآية: 43 )

هناك أناسٌ يعلمونها، لذلك،

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ﴾

أهل القرآن، ما حكم هذا الشيء ؟ طبعاً لا أحد يقول لك ما حكم القتل ؟ طبعاً حرام، ما حكم شرب الخمر ؟ طبعاً حرام، لكن أحياناً يقول لك: ما حكم أن آخذ ربحاً ثابتاً على مبلغٍ أضعه في الاستثمار ؟ الربح الثابت فيه شبهة، صار كأنه فائدة، أما الحقيقي حلال مئة بالمئة، إذاً بينهما أمور مُشتبهة،

(( لا يعلمهن كثير من الناس ))

أي بعض الناس يعلمون هذه الأشياء المتشابهة، لكن الأحوط والأكمل:

(( فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعِرْضهِ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يَوشك أن يرتَعَ فيه، ألا ولكِّ ملك حمى، إلا وإنّ حمى الله محارمُه ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن البشير ]

الأستاذ معتز:

بارك الله بكم على طيب هذه الكلمات، في الحلقة الماضية من مادتنا العلمية تحدثنا عن نظرية دارون، هل سنكمل بها اليوم ؟.

انهيار نظرية التطور في القرن العشرين ليس أمام البيولوجية فقط بل حتى أمام علم المتحجرات:

الدكتور راتب:

نكمل بها لأن هذه النظرية مهمة جداً لهؤلاء الذين آمنوا بالله عز وجل، الحقيقة انهارت نظرية التطور في القرن العشرين، ليس أمام البيولوجية فقط، بل حتى أمام علم المتحجرات، فالحفريات التي استمرت في مختلف أنحاء العالم منذ ظهور هذه النظرية حتى الآن لم يتم العثور فيها على أي متحجرة تؤيد نظرية التطور، فالمتحجرات هي بقايا الأحياء التي عاشت في الماضي، إن الحياة العظمية للأحياء التي عُزلت فجأةً عن التعرض للجو، لم تبقَ محفوظةً ومصانةً حتى يومنا هذا، هذه البقايا قد تعطينا معلوماتٍ حول هذه الأحياء التي عاشت على هذه البسيطة لو بقيت محفوظةً، لذا فإن سجل المتحجرات هو الذي يستطيع إعطاء الجواب العلمي حول كيفية ظهور الأحياء، بحسب نظرية التطور التي قدمها دارون، فإن جميع الأحياء تأتي من سلفٍ واحد، أما ظهور كل نوعٍ من هذه الأنواع المختلفة من الأحياء فيعود إلى التغييرات الطفيفة التي تراكمت ضمن شريطٍ طويلٍ من الزمان، هذا زعم هذا العالم، بحسب هذه النظرية ظهرت الأحياء ذات الخلية الواحدة في بداية الأمر، ثم تحولت عبر مئات الملايين من السنين إلى أحياء لا فقارية مائية، ثم إلى أسماك، ثم خرجت هذه الأسماك إلى البر، وتحولت إلى زواحف، ثم تطورت الطيور والثدييات من هذه الزواحف، ولو كان هذا صحيحاً لكان من الضروري وجود حلقاتٍ وسطى، أو مراحل انتقالية كثيرة جداً تربط بين هذه الأنواع المختلفة، مثلاً: إن كانت الطيور قد تطورت فعلاً عن الزواحف، لكان من الضروري وجود الملايين من الأحياء في التاريخ القديم، هي نصف طيور ونصف زواحف، في التاريخ القديم كان من الضروري أن تملك هذه الأحياء أعضاء غير متكاملة بعد، أعضاء ناقصة، أطلق دارون على هذه الأحياء اسم أحياء المراحل الانتقالية، وكان يدرك أنه لكي يتم إثبات صحة نظريته يجب العثور على بقايا الأحياء في سجل المتحجرات، لذلك قال في كتابه كلاماً دقيقاً: إن كانت نظريتي صحيحة، فلابد من وجود أنواع عديدة جداً من أحياء المراحل الانتقالية، التي تربط الأنواع ببعضها، فقد عاشت في السابق، ولا يوجد الدليل هذا إلا في بقايا المتحجرات، ولكن دارون كان يعلم أن سجل المتحجرات لا يحتوي على أي شكل انتقالي، لذا أفرز فصلاً خاصاً لهذه المشكلة، في كتاب أصل الأنواع، وطرح هذه الأسئلة بقلق، إن كانت الأنواع قد تطورت حقيقةً عن أنواع أخرى بشكلٍ بطيء، وتدريجي، فلماذا لا نجد أشكال المراحل الانتقالية ؟ يجب أن يكون هناك أعداد لا تحصى من هذه المراحل الانتقالية، ولكن لماذا لا نجدها مسكونةً بين طبقات الأرض ؟ ثم ذكر دارون أنه إن تمّ تدقيق سجل المتحجرات بشكلٍ جيد، فلابدّ من العثور على هذه المراحل الانتقالية المفترضة.

المراحل الانتقالية التي تخيلها دارون في نظريته غير موجودة أبداً:

لذلك نجد أن التطوريين الذين جاؤوا من بعده أمضوا مئةً وأربعين عاماً بين طبقات الجيولوجيا في مختلف أنواع الأرض، بحثاً عن متحجرات تمثل المراحل الانتقالية، ولكن جميع هذه الجهود باءت بالإخفاق التام، وبقيت المراحل الانتقالية التي تخيلها دارون غير موجودة، ويقول: إن مشكلتنا أننا عندما نقوم بتدقيق سجلات المتحجرات نواجه الحقيقة نفسها، سواء على مستوى النوع، أو الصنف وفي كل مرةٍ، وهي ظهور المجموعات بشكلٍ فُجائي، وليست بعمليةٍ تطوريةٍ ذات مراحل معينة، إذاً في هذا الموضوع الثاني نُقضت نظرية دارون، لا من المسلمين، بل ممن يؤمن بها، وعلى رأسهم دارون نفسه.

خاتمة و توديع:

الأستاذ معتز:

صحيح، في كل حلقةٍ دليل جديد نتوقف عنده متأملين بعظمة خالق هذا الكون، في نهاية هذه الحلقة مشاهدينا لا يسعني إلا أن أشكر فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين، شكراً جزيلاً لكم، على أمل اللقاء بكم مشاهدينا في حلقاتٍ مقبلة.

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=5251&id=189&sid=799&ssid=811&sssid=1211