الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجاني
خرج تيودور هرتزل -بعد فشله في شراء ذمة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في مقابلته معه- بهدفين، الأول منهما إسقاط الخلافة العثمانية، وثانيهما إسقاط الحكم القيصري الأرثوذكسي في روسيا؛ لوقوفها في وجه الهجرة اليهودية، بدأ هرتزل بإثارة نعرة القومية بين العرب والأتراك من ناحية وتشويه صورة السلطان عبد الحميد وإسقاط حكمه، مع توزيع أملاك العرب على أبناء الشريف حسين

------------------------------------------------------------------

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرّحيم إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله .

أمّا بعد :

فأهلاً و مرحباً بكم في هذا اللّقاء المبارك و أسأل الله عزّ و جل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين مع الحلقة الثانية و الثّلاثين من خطّ الزّمن و ما زلنا مع قصّة فلسطين .

في الحلقة الفائتة شفنا . . . جهود السلطان عبد الحميد رحمه الله لمنع سكنى اليهود في أرض فلسطين و شفنا الجهود التي بذلها تيودور هرتزل لتجميع اليهود من جميع أطراف العالم في محولة إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين و محاولات تيودور هرتزل لإقامة علاقات مع روسيا و فشلت هذه المحاولات و مع ألمانيا و فشلت كذلك و مع انكلترا و نجحت نجاحاً كبيراً جدّاً و محاولات تيودور هرتزل لشراء ذمة السلطان عبد الحميد رحمه الله لكنه فشل فشلاً ذريعاً في ذلك الأمر و ثبت السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله أمام فتنة الأموال اليهودية .

خرج تيودور هرتزل من هذه اللقاءات بهدفين كبار جداً إسقاط الخلافة العثمانية و قال أنه لا سبيل أبداً لإقامة الدولة اليهودية إلا بإسقاط الخلافة العثمانية تسقط إلا أن الدولة العثمانية لا بدّ من إسقاط الحكم القيصري الأرثوذكسي في روسيا , لأن روسيا تقوم كحائط صد كبير للهجرة اليهودية من روسيا إلى فلسطين و طبعاً اليهود في روسيا حوالي 7 مليون يهودي و أكثر .

هذه كانت الأهداف الكبرى التي خرج بها تيودور هرتزل من مفاوضاته السياسية , ماذا عمل ؟ بدأ يشجع يهود الدونمة المتغلغلين في داخل حزب الاتحاد و الترقي و يشجع جمعية تركيا الفتاة التي تكلمنا عنها في الحلقة الفائتة على التركيز على قضية القومية , و بدؤوا يبرزوا بعض الرموز العربية القومية في داخل الوطن العربي و برده قامت بعض الجمعيات التي تدعو إلى القومية العربية و كان على رأس هذه الجمعيات النصارى المبعثرين هنا و هناك خاصة في أطراف العالم الإسلامي و خاصة في مصر و لبنان , فبدأ يحصل نوع من النزعة القومية العربية بمواجهة النزعة القومية التركية و بدأ يحصل شقاق كبير جداً في العالم الإسلامي .

في نفس الوقت قرروا التخلص من السلطان عبد الحميد الثاني و حاولوا في البداية محاولة اغتيال كعادة اليهود يعني طريقة سريعة ينهوا بها الموضوع , ففشلوا فقالوا نعمل إسقاط منظم للسلطان عبد الحميد الثاني , محاولة تشويه صورته في كل مكان و محاولة تلميع بعض الرموز التركية الأخرى كبديل للسلطان عبد الحميد الثاني و في ظل غياب الروح الإسلامية العالية عند الشعب و في ظل تغلغل العلمانية و بعد الناس عن الشرع الإسلامي ظهر فعلاً عند الناس هذه الروح و انضحك على الشعب التركي للأسف الشديد و على الشعوب في العالم الإسلامي و بدأت تقوم بعض الثورات ضد السلطان عبد الحميد الثاني في استنبول و في غيرها من مدن تركيا و انتهى الأمر في سنة 1909 بإسقاط السلطان عبد الحميد الثاني و قيام لجنة الاتحاد و الترقي لتهيمن على الحكم في داخل تركيا مع وضع محمد الخامس أو محمد رشاد كخليفة بديل للسلطان عبد الحميد الثاني و طبعاً لم يكن له أي وزن كان مجرد صورة من أجل أن تمشي الأمور في صالح حزب الاتحاد و الترقي , حزب الاتحاد و الترقي معظمه أو عدد كبير من أعضاه من اليهود فعلاً من يهود الدونمة فكل نشاطهم كان في هذا لاتجاه , و لما عملوا أول وزارة تكونت بعد إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني كان فيها 13 وزير كان في واحد عربي و 9 أتراك و 3 يهود , تخيّل في داخل الدولة العثمانية التي لم تسقط بعد كدولة أو كخلافة بعد إسقاط عبد الحيمد الثاني عملوا وزرة فيها 3 يهود مرة و احدة لدرجةأنه قامت بعض الثورات في تركيا نفسها لوجود يهود داخل الوزارة التركية الإسلامية لكن قمع الاتحاد و الترقي هذه المظاهرات بالقوة و بدأ يحصل نوع من الردع للمسلمين في تركيا و في غيرها و قال سلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله الكلمة المشهورة : ((إن سبب خلعي هو إصراري على منع اليهود و إصرار اليهود على تأسيس وطن لهم في الأرض المقدسة فلسطين)) .

المهم السفير البريطاني عندما شاف الوضع هكذا في تركيا علق على هذا الموضوع في رسالة له إلى وزير الخارجية البريطاني آنذاك سنة 1910 , قال : (( إن هذه الثورة و هذه اللجنة لجنة الاتحاد و الترقي تبدو في تشكيلها الداخلي تحالفاً تركياً يهودياً )), كله كان يرى ان الأتراك متعاونين مع اليهود في إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله و من أوائل قرارات الاتحاد و الترقي إلغاء بند منع الهجرة إلى فلسطين و سمحوا بذلك إلى أعداد كبيرة من اليهود أن يهاجروا إلى فلسطين الحبيبة و سمحوا لهم أيضاً أن يشتروا الأراضي هناك و عزلوا الأمراء العثمانيين على فلسطين الّذين ولاهم السطان عبد الحميد الثاني و كان قد انتقاهم بحيث عندهم نوع من الحمية الإسلامية , عزلوهم و وضعوا مكانهم ناس علمانيين من أجل أن يسمحوا لليهود بالدخول إلى أرض فلسطين و الكلام ذلك كله تزامن للأسف الشديد مع نذر الحرب العالمية الأولى , الحرب العالمية الأولى كانت من سنة 1914 إلى سنة1918 و + بالتنسيق مع انكلترا دفعوا الدولة العثمانية دفعاً إلى دخول الحرب العالمية الأولى لتنهك بذلك قوى الدولة العثمانية تماماً ’ دخّلوها في حزب ألمانيا و وقفوا هم في الحزب الآخر انكلترا و فرنسا و روسيا و بعد ذلك أمريكا دخلت معهم و بعد ذلك إيطاليا دخلت معهم , طبعاً إيطاليافي الحرب العالمية الثانية كانت مع ألمانيا لكن في الحرب الأولى كانت دخلت مع انكلترا و فرنسا في سبيل أن تعطى ليبيا بعد هذه الحرب , و بالفعل طبعاً أثناء ذلك ساعدت انكلترا و فرنسا إيطاليا على ترسيخ الأقدام داخل أرض ليبيا المسلمة التي هي كانت تابعة أصلاً للدولة العثمانية .

في السنوات الأولى للحرب العالمية الأولى بدأ احتضار الدولة العثمانية , الجيوش العثمانية المبعثرة في شرق أوربا في بلغاريا في اليونان و في غيرها بدأت تتلقى هزائم و بدأت تقوم ثورات في بلاد الصرب و بلاد اليونان مؤيدة من الانكليز و الفرنسيين , دمرت القوى العسكرية تماماً , كان في 100 ألف جندي تركي موجودين في أرض فلسطين و هذه دلالة على اهتمام الدولة العثمانية بأرض فلسطين بشكل كبير , لكن ولّي أمر هؤلاء لشخصية عابثة خطيرة جداً جدّاً في التاريخ الإسلامي و هي شخصية مصطفى كمال الّي اشتهر بعد ذلك بمصطفى كمال أتاتورك و سنتكلم عنه لاحقاً .

حاول الانكليز أن يلمعوا الشخصية الثانية داخل العرب علشان يعملوا مواجهة ما بين العرب و ما بين الدولة العثمانية فاختاروا الشريف حسين الّذي كان أمير مكة في ذلك الوقت و عملوا مباحثات ما بينه و ما بين مكماهون الانكليزي الّذي كان هو المندوب السامي على مصر في ذلك الوقت من بريطانيا و طبعاً مصر كانت محتلة من سنة 1882 م و عملوا مباحثات بين الشريف و بين مكماهون في سنة 1915 يعني انكلترا كانت محتلة مصر من 33 سنة يعني النوايا واضحة و الاستقرار الانكليزي داخل مصر واضح و مع ذلك جلس الشريف حسين أمير مكة مع مكماهون و اتفقوا على شيء غريب جداً , اتفقوا أنّ الشريف حسين يضرب الدولة العثمانية في ظهرها و يحتل ميناء العقبة و الّذي كان تحت السيطرة العثمانية و يفتح المجال للجيوش الانكليزية للدخول إلى أرض فلسطين , كلّ ذلك في مقابل أن يعطى لشريف حسين مملكة تسمى مملكة العرب و لما سأل ما حدودها قالوا لا مشكلة , تعرف بعدين , و لما ثار قالوا له خلاص حدود هذه المملكة ستكون الأردن و سوريا باستثناء الاسكندرونة علشان سيعطونها هدية إلى تركيا , وما في داعي للبنان لأن لبنان ستأخذها فرنسا و تأخذ الجزيرة العربية باستثناء الأطراف يعني ممنوع عليك تأخذ اليمن ممنوع تأخذ الخليج العربي ممنوع تأخذ جنوب العراق كل هذا لإحاطة المملكة العربية بالجيوش الانكليزية من كل مكان و يأخذ العراق .

طبعاً هذه العروض كانت بالنسبة له مغرية جداً و أمير مكة فقط , فأخذ هذه العروض في مقابل أن يضرب الدولة العثمانية في ظهرها و علشان لا يضحكوا على الشعوب و لا يقولوا أنه هو خارج لضرب الخلافة العثمانية سموا الاسم اسم جميل و قالوا أنك ستقوم بالثورة العربية الكبرى و سيكون ميعاد هذه الثورة في 1916 للثورة على الاحتلال التركي للعالم الإسلامي و أزالوا تمامً قضية الخلافة العثمانية 600 سنة من الدولة العثمانية , و أزالوا قضية السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله و كل هم الشريف حسين أن يتعاون مع الانكليز لطرد العثمانيين من أرض فلسطين و استقرار الحكم للعرب كما يقولون .

في 1 يونيه سنة 1916 الموافق30 رجب سنة1334 هـ قام فعلاً الشريف حسين فعلاً بالثورة العربية الكبرى و تقدمت جيوشه بقيادة فيصل ابنه , ابن الشريف حسين و معهم لورنس العرب و لورنس العرب ده كان ظابط مخابرات انكليزي يهودي هو الذي يتوسط ما بين مكماهون الانكليزي في مصر و ما بين الشريف حسين في مكة .

قامت الجيوش العربية بغزو فعلاً العقبة و ضرب الأتراك من حيث لا يتوقعون حيث جاءهم الضرب من الجنوب و هم كانوا متوقعين الضرب من الانكليز في مصر و بالفعل سقط ميناء العقبة و فتح الطريق أمام الجيوش الانكليزية لتسرع في دخول فلسطين من سيناء .

في هذه الآونة سنة 1916 برده تزامناً مع الثورة العريبة الكبرى هي ظهور معاهدة سايكس بيكو على صفحات الجرائد مارك سايكس و ده كان المندوب السامي لشؤون الشرق الأدنى الانكليزي طبعاً و جورج بيكو ده كان وزير خارجية فرنسا و كان قنصل فرنسا السابق في بيروت , عملوا مع بعض اتفاقية أسموها اتفاقية سايكس بيكو عملوها في بطرسبيرغ في روسيا و في هذه الاتفاقية قاموا بشيء شنيع على خلاف ما فعلوه تماماً مع الشريف حسين ياترى إيه اللي حصل في هذه الاتفاقية و ما هي النتائج التي نتجت عن اتفاقية سايكس بيكو و ده هاللي هنعرفه إن شاء الله بعد الفاصل فابقوا معنا .

* * *

بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .

شفنا قبل الفاصل الخطوات الأخيرة لإسقاط الخلافة العثمانية عن طريق إسقاط السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله آخر السلاطين المحترمين في الدولة العثمانية و بداية عهد الاتحاد و الترقي و هي لجنة كما ذكرنا تركية يهودية قامت و تصدت لحكم الدولة العثمانية و بدأت في محاولات إسقاط الخلافة بكاملها و إنشاء دولة تركيا العرقية التي تقوم على العرق التركي فقط .

في نفس الوقت كان في محاولات تلميع لشخصيات عربية تقود العرب إلى اتجاه مخالف لتطعن الدولة العثمانية في ظهرها و كان على رأس هذه الحركات الشريف حسين أمير مكة و في اتفاقية واضحة جداً مع مكماهون الانكليزي الذي كان يحكم مصر في ذلك الوقت عملوا اتفاقية لضرب الدولة العثمانية و إقامة مملكة للعرب كما يزعمون , و كانت حدود هذه المملكة تشمل العراق و الأردن و سورية و فلسطين و أجزاء كبيرة من الجزيرة العربية و طبعاً كلها كانت وعود انكليزية للشريف حسين مع أنه للأسف شايف أن الانكليز محتلين مصر من 33 سنة و ما خرجوا منها حتى هذه اللحظة .

سنة 1916 كما قلنا قامت الثورة العربية الكبرى كما يزعمون و بالفعل أسقطت ميناء العقبة الّّي كان تحت السيطرة التركية و دخلت الجيوش الانكليزية باتجاه سيناء لعبور سيناء إلى فلسطين .

في نفس الوقت في عام 1916 تم عقد معاهدة سميت معاهدة سايكس بيكو كما قلنا و فيهذه المعاهدة كانت بين فرنا و انكلترا و عقدت في روسيا و تسربت أخبارها إلى الجرائد .

مالّذي حصل في هذه المعاهدة ؟

في هذه المعاهدة اتفق الانكليز و الفرنسيين على تقسيم أملاك الدولة العثمانية بينهما فتأخذ انكلترا العراق و الأردن و تأخذ فرنسا سورية و لبنان و تصبح فلسطين تحت رعاية دولية باستشارة روسيا .

و الأخبار هذه كانت سريّة لكن سربتها روسيا نفسها إلى الجرائد و وصلت إلى جرائد العالم الإسلامي و الغربي و قرأها الشريف حسين هذه الأخبار في الجرائد كما قرأها الجميع , طبعاً ثار الشريف حسين لأنّ هذه البلاد التي قسمت بين فرنسا و انكلترا في هذه المعاهدة هي البلاد التي وعد هو بإعطائها , ذهب يشنكي إلى انكلترا لكن انكلترا قالت أن هذا كلام جرائد و ليس له أصل من الصواب و لم يكن أمامه من حل إلا أن يصدّق لأنه كان بدأ بالفعل الثورة العربية الكبرى كما يزعم ضد الدولة العثمانية للأسف الشديد .

في سنة 1917 جاء هذا العام بعدة كوارث على المسلمين :

- الكارثة الأولى , طبعاً كل هذا كان في أخريات 1917 و كل هذا أثناء الحرب العالمية الأولى يا أخواني و يا أخواتي التي بدأت من 1914 إلى 1918 و الدولة العثمانية منهكة تماماً في هذه الحرب الكبرى أواخر 1917 الكارثة الأولى 25 أكتوبر 1917 قيام الثورة الشيوعية في روسيا و الّذي قام بالثورة الشيوعية مجلس من 7 أفراد على رأسه لينين الشيوعي بأفكار كارل ماركس اليهودي و المجلس هذا كان يضم 4 يهود المجلس الشيوعي الأول كان يضم 4 يهود و الخامس ستالين زوجته يهودية و واحد نصراني و أول وزارة شيوعية كان فيها 22 وزيراً منهم 17 وزير يهودي .

يعني تخيلوا حكومة يهودية كانت تحكم روسيا أي أنّ الّذي كان يفكر فيه تيودور هرتزل مع أنه مات سنة 1904 لم نتعرض لموته لأنه كان في وسط الأحداث لكن مات و حصل ما كان يدبر له و فعلاً سقط الحكم الأرثوذكسي القيصري الروسي و أقامت حكومة تؤيد بكل قوتها التواجد اليهودي في داخل فلسطين ثم سمح بالهجرة لليهود من روسيا إلى فلسطين .

- الكارثة الثانية الكبيرة حصلت بعدها بأسبوع في 2 نوفمبر 1917 أرسل بلفور وزير خارجية بريطانيا رسالة إلى اللورد البريطاني روتشلد أثرى أثرياء العالم في ذلك الوقت , يقول له فيها :

(( إنّ حكومة جلالة الملكة بريطانيا تنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي و سوف تبذل خير مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية )) .

مجرد خطاب يا أخواني من وزير خارجية انكلترا إلى أحد الأثرياء اليهود في لندن ليس لهذا الخطاب أي صبغة قانونية لكن اعتبر هذا الخطاب وعد بلفور و تذكر انّ هذا الكلام كان قبل أن تدخل الجيوش الانكليزية إلى أرض فلسطين , و صدق فيهم من قال أعطى من لا يملك من لا يستحق .

من لا يملك : بلفور أعطى من لا يستحق : اليهود , وعداً بإنشاء وطن قومي لهم في أرض فلسطين و طبعاً الوعد كان فيه كلمات و تفصيلات كثيرة ليس المجال لشرحها .

- الكارثة الثالثة حصلت عندما وصل الانكليز إلى شخصية تركيّة في أرض فلسطين الّذي هو قائد الجيوش التركيّة في أرض فلسطين و كان اسمهه مصطفى كمال و كان علماني من الدرجة الأولى كاره للإسلام تماماً و كان أحد أعضاء لجنة حزب الاتحاد و الترقي و كان صغيراً في السن , فوصلت انكلترا إلى هذه الشخصيّة و كان قائد 100 ألف جندي تركي في داخل فلسطين وصلت إليه و اتفقت معه على أن ترتب له الأوضاع بصورة ما ليصل هو إلى حكم تركيا في نظير أن ينسحب بجيشه تماماُ من أرض فلسطين ليخلي الساحة تماماً للجيوش الانكليزية و وافق مصطفى كمال الملقب أتاتورك على هذه الأمور معرضاً حياة 100 ألف جندي تركي للخطر في نظير أن تقام له بعد ذلك دولة بعد أن يصنع كزعيم في داخل الوطن التركي و سنرى كيف صنع كزعيم .

وأُخلي الطريق إلى انكلترا لتحدث الكارثة الرابعة في أخريات سنة 1917 و هي احتلالانكلترا لفلسطين , دخلت القوات الانكليزية في 16 توفمبر سنة 1917 أي بعد أسبوعين من وعد بلفور لليهود و دخل الجنرال ليمبي على قيادة الجيوش الانكليزية كلمته المشهورة الآن انتهت الحروب الصليبية .

الجيش التّركي فعلاُ انسحب بخيانة مصطفى كمال أتاتورك و الجيش العربي للأسف الشديد متعاون مع الجيش الانكليزي في احتلال فلسطين لصالح الانكليز و نقول أين شعب فلسطين ؟

المشكلة يا أخواني أنّ شعب فلسطين نفسه كان مغيباً تغييباً كاملاً , كان عايشاً في وهم القومية الّذي عاش فيه العالم العربي كلّه , انّه من المفروض أن تكونوا عرب و المفروض أن تتخلصوا من الاحتلال التركي الّذي قبع على أنفاسكم كل هذه القرون الستة السابقة . . . . . , و محوا كل فضيلة في تاريخ الخلافة العثمانيّة و لم يبقوا إلا الرذائل و المفاسد , و أنا أعطيكم مثال صارخ على هذا التغييب للشعب الفلسطيني الّذي فتح الأبواب للانكليز دون مقاومة تذكر , أنّ هذا الشعب كان فاهم أنّ الانكليز كانوا داخلين ليساعدوه في التّحرر من تركيا لإقامة مملكة عربية على رأسها الشريف حسين مع ظهور أخبار سايكس بيكو في الجرائد .

المثال الصارخ أنّه تكونت في داخل فلسطين قبل دخول القوات الانكليزية إلى أرض فلسطين تكونت جمعية اسمها الجمعية الإسلامية المسيحية , على أنّها جمعيّة فكريّة تهدف إلى تحرير فلسطين من الفساد أو(( من الاحتلال التركي )), طبعاً جمعية قومية تماماً و انضم إليها بعض العلماء من ذلك الزّمن فانضمّ إليها أمين الحسيني المفتي الّذي قاد بعد ذلك حركة المقاومة لكن في ذلك الوقت أقول لكم كيف كان التغييب منتشر في الشعب الفلسطيني و هذه الجمعية أوكل إليها بعد ذلك أن تقوم بأمور الشعب الفلسطيني .

طبعاً و لا معنى لإقامة الجمعية الإسلامية المسيحية لمناصرة القضية الفلسطينية مع أنّ المسلمين في ذلك الوقت كانوا يشكّلون 82% من سكّان فلسطين و المسيحيين 10% و اليهود أصبحوا 8% بعد لجنة الاتحاد و الترقي و السّماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين و مع ذلك , شوف نظرة هذه الجمعية , أصدرت هذه الجمعية بعد سنة كاملة من الاحتلال الانكليزي في ذكرى دخول القوات الانكليزية إلى فلسطين , أصدرت بياناً قالت فيه الكلام , اذكر أنّ هذا الكلام كان في 16 نوفمبر 1918 أي بعد سنة من احتلال فلسطين من الانكليز , قالت :

(( في هذا البومالسعيد من العام الماضي دخل الجيش البريطاني المظفّر مدينة يافا رافعاً ألوية النصر لتحريرنا نحن العرب من ظلم الأتراك . . . )) .

انظر إلى التغييب الّذي وصلت إليه الأمة و طبعاً ليس من الفراغ يا أخواني و يا أخواتي أن تحتل بلاد العالم الإسلامي لا بدّ أن الشّعوب في ذلك الوقت و صلت إلى حالة من التردّي تسمح باحتلال كل أطراف العالم الإسلامي كما تعلمون .

سنة 1918 انتهت الحرب العالمية الأولى فازت كما تعرفون انكلترا و فرنسا و أمريكا الّتي انضمت لهم و هزمت ألمانيا و الخلافة العثمانية , طبعاً روسيا انسحبت عند قيام الثّورة الشيوعيّة لانشغالها بموضوع الثّورة .

طلبت انكلترا بند تدويل فلسطين من اتفاقيّة سايكس بيكو , اتفاقيّة سايكس بيكو تقول أنّ فلسطين تكون مدوّلة أي حكم دولي مكون من فرنسا و انكلترا باستشارة روسيا ممكن عبد ذلك بقيّة الأمم في العالم طلبت إلغاء هذا البند على أن تكون فلسطين خالصة للانكليز , لماذا ؟

لتعطي انكلترا فلسطين بعد ذلك لليهود و وافقت فرنسا على ذلك على أن يطلق يد الفرنسسيين في الجزائر و تونس وافق الاتكليز طبعاً على ذلك و أخذت فرنسا حريتها في تونس و في الجزائر و تولى الانكليز أمر فلسطين بكاملها و أعلنوا أنّ هذا مجرد انتداب أي حكم مؤقت لفلسطين سيستمر 30 سنة فقط من سنة 1918 عند الاتفاقية إلى سنة 1948 في14 مايو على وجه التحديد في هذا الوقت أصبحت فلسطين في يد الانكليز و لكي تهدّأ الأوضاع قالت للشريف حسين قال أين ما وعدتموني فيه ؟!! أين المملكة , أعطت انكلترا لابن الشريف حسين الّذي هو الملك فيصل أعطته إمارة العراق تحت قيادة الجيش الانكليزي و أعطت ابنه الثّاني , الملك عبد الله قيادة الأردن و عملت له دولة , و لم يكن هناك دولة اسمها الأردن في ذلك الوقت , كونت إمارة من شرق نهر الأردن هي إمارة الأردن و جعلت على رأسها الملك عبد الله ابن الشريف حسين لتهدأ الأوضاع في العالم الإسلامي و يعتقدوا أنّهم أخذوا حقاً من حقوقهم , لكنّ الجيوش الانكليزيّة هي المسيطرة على الأوضاع تماماً في العراق في الأردن و في داخل فلسطين و خلت فلسطين تحت إدارة عسكرية مدنية انكليزية و تابعة تماماً للمكتب الانكليزي بالقاهرة .

يا ترى إيه الأوضاع داخل فلسطين , ياترى قصّة اليهود تبدأ داخل فلسطين الزّاي ياترى رد فعل الشعوب الإسلامية بصفة عامة و الشعب الفلسطيني بصفة خاصة ما هو و يا ترى ما خطة اليهود لإنشاء وطن قومي لهم في أرض فلسطين .

و هذا ما سنعرفه إن شاء الله في الحلقة القادمة , أسأل الله عزّ و جلّ أن يفقّهنا في سننه و أن يعلّمنا ما ينفعنا و ينفعنا بما علمنا إنه و ليّ ذلك و القادر عليه .

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

* * *