الحقوق محفوظة لأصحابها

راغب السرجاني
حلقة ماتعة من قصة فلسطين نتعرف فيها على طبائع بني إسرائيل، وكيف أنهم جبلوا على الكذب والنفاق، وخاصة بعد أن أذاقهم الفراعنة ويلات العذاب، مما رسخ في طبائعهم الخوف والذلة، حتى بُعث موسى عليه السلام؛ ليخلصهم من بطش فرعون وظلمه، فكان هلاكه وغرقه، ثم عصيان بني إسرائيل لموسى، فكتب الله عليهم التيه، ثم موت موسى عليه السلام ودفنه ببيت المقدس.

-----------------------------------------------------

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه و نعوذ بالله و من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمداً عبده و رسوله

أما بعد :

فأهلاً و مرحباً بكم في هذا اللقاء المبارك و نسأل الله عز و جل أن يجعل هذه اللحظات في ميزان حسناتنا أجمعين

مع الحلقة الرابعة و مازلنا مع قصة فلسطين :

في الحلقة الفائتة تكلمنا عن وضع يعقوب عليه السلام عندما هاجر إلى مصر بعد دعوة ابنه يوسف إليه هاجر و معه أبناؤه و بذلك عاش أولاد يعقوب عليه السلام الّّين هم بنو إسرائيل عاشوا في مصر هذه المعيشة كانت حوالي 150 سنة في ظل حكم الهكسوس و كما قلنا كان فيي نوع من الحرية الدينية عند الهكسوس فكانوا يدعون إلى التوحيد دون أن يتعرضوا إلى أذى في داخل البلاد و كانوا يعيشون على ملّة إبراهيم عليه الصلاة و السلام .

لكن بعد 150 سنة من وجود أولاد يعقوب عليه السلام في مصر و تحديداً في سنة 1550 قبل الميلاد هُزم الهكسوس من الفراعنة و كانت الهزيمة على يد أحمس الأول و قام الحكم الفرعوني في مصر و اعتبروا أن بني إسرائيل كانوا أعواناً للهكسوس و منثم بدأ الاضطهاد لبني إسرائيل في مصر و استمر هذا الاضطهاد 300 سنة متواصلة من 1550 ق.م إلى 1250 ق.م عندما بُعث موسى عليه السّلام .

في الـ 300 سنة هذه يا أخواني و أخواتي غيروا الكثير جداً في طبيعة بني إسرائيل الشعوب التي تتربى على القهر و البطش و الظلم و العدوان هذه الشعوب قد تخرج بشكل رخو لا إرادة لها و ليس لها رأي أو مطامح عليا ليس لها أحلام تنفذها و لكنها تعيش عيشة العبيد هذا كان هو الوضع لبني إسرائيل عاشوا على الذل تعودوا على الذل و الجبن و تعودوا على الكذب هذا البطش الشديد كان يؤدي بهم إلى الكذب ثم الكذب ثم الكذب ثم الكذب حتى ترسخ فيهم هذا الخلق الذميم و اشتهروا به حتى ذكره ربنا سبحانه و تعالى في كتابه الكريم

(( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ))

(البقرة / 79 )

هكذا وصفهم ربنا سبحانه و تعالى في كتابه القرآن الكريم .

عاشوا على الوثنية تخيّلوا أنهم عاشوا موحدين لربنا سبحانه و تعالى و صبروا على هذا التوحيد فترة من الزمن ثم جاء زمن الفراعنة فأظهروا الوثنية أحياناً كثيرة و ترسخ في وجدانهم ما كان يفعله الفراعنة من عبادة غير الله عز و جل

الفراعنة كان لديهم وثنية كبيرة جداً آلهة شتى إله للخير و إله للشر و إله الجمال و إله البحر و إله النهر كل شيء له إله فهذا التعدد و هذه الشركية ترسخت داخل بني إسرائيل مع أنهم صبروا على ملة إبراهيم عليه الصلاة و السلام لكن بتحريفات كثيرة حدثت في هذه السنوات الطوال 300 سنة كما قلنا في سنة 1250 قبل الميلاد تقريباً بعث موسى عليه السلام طبعاً بداية قصته أنه ولد في أرض مصر و كان فرعون مصر في ذلك الوقت كما ذكر ربنا سبحانه و تعالى يستعبد الناس و يستضعفهم و يذبح الأطفال و يستحيي النساء نوع من الفساد شديد كما ذكر ربنا سبحانه و تعالى في قوله الكريم :

(( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ))

( القصص / 4 )

يذبح أبناء بني إسرائيل

في هذه الظروف ولد هارون عليه السلام و نجا من القتل ثم ولد موسى عليه السلام و كما نعلم قصة نجاته كما وصفت في القرآن الكريم و نجا موسى عليه السلام و تربى في بيت فرعون كما نعلم جميعاً ثم حدث حادث قتل المصري و خرج موسى عليه السلام من مصر هارباً إلى مدين كما نعلم جميعاً

هنا لا بد أن نقف وقفة و ننبه تنبيهاً خطيراً جداً يقع فيه الكثير من المصريين طبعاً للأسف الشديد نجد أن المصريين في أحوال كثيرة و في أحيان كثيرة جداً في أمور سياسية و اقتصادية أو رياضية يفتخرون بالفراعنة ، طبعاً الفراعنة كان لهم آثار ضخمة جداً و مجيدة على مر التاريخ و العالم يزورها من هنا و هناك لكن هذا لا ينفي أنهم كانوا يعبدون غير الله و كانوا يحاربون الأنبياء و كانوا يبطشون بموسى عليه السلام و هارون و فعلوا الأفاعيل التي ضربها ربنا سبحانه و تعالى كمضرب مثل للبطش و الظلم و عاش على نهجهم شعبهم في ذلك الوقت حتى وصف ربنا سبحانه و تعالى في زمن الفراعنة أن شعبه فاسق :

(( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ))

( الزخرف / 54 )

إياكم و الإفتخار بمن عبد غير الله عز و جل تماماً كمن يفتخر أن أصوله أبو جهل أو أبو لهب أو الوليد بن المغيرة و يقول أن هذا من العرب و أنا أفتخر أنني عربي فيعتز بالكفار من العرب ، هذا كلام لا يعقله عاقل لكنه و الله يحدث و أذكر أن احد العلماء الأفاضل الدكتور عبد الله عزام كان يذكر أنّه كان معه في الأردن فترة من الفترات رجل من العلمانيين الّذي كان يتلقب باسم أبي لهب يسمي نفسه و يكنى بأبي لهب فسأله قال أنا عربي و أفتخر بالعرب و أبو لهب عربي انظر من كل العرب اختار أبا لهب لينتمي له و يفتخر به .

هذا فكر مختل لكنه يصاب به الكثير من الناس و أنا أتمنى ألا يفتخر المصريون انهم فراعنة فالفراعنة كما ذكرت ذكروا في القرآن الكريم في كل صفحات القرآن عى سبيل اللعنة و الذم و النهي عن الاتباع .

المهم خرج موسى عليه السلام النبي العظيم الكريم من أولي العزم خرج من مصر و عاش فترة في أرض مدين كما نعلم ثم عاد إلى مصر و أنزلت عليه الرسالةو جاء و خاطب فرعون الخطاب المعروف و أقام عليه الحجة و آمن السحرة في موقف مهيب جليل و لم يؤمن من كل شعب مصر في ذلك الوقت إلا 3 أو 4 على الأكثر ، آمنت زوجة فرعون السيدة آسية رحمها الله و آمنت ماشطة فرعون و آمن مؤمن آل فرعون كما جاء في سورة غافر و يقال أن أحد الطباخين في قصر فرعون قد آمن أما بقية الشعب المصري في ذلك الوقت لم يؤمن منهم واحد مع سيدنا موسى عليه السلام حتى بني إسرائيل الّذي عاش في البطش 300 سنة متصلة تردد في الإيمان بالنبي الّذي جاء لينقذهم من هذا الذّل و هذا البطش و ذكر بنا ذلك في سورة يونس عندما قال :

(( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ))

( يونس / 83 )

حتى بنو إسرائيل من شدة البطش و القهر و الجبن و الخوف الّذي تربوا عليه ترددوا في اتباع موسى عليه السلام فأمرهم موسى عليه السلام أن يصلوا في بيوتهم

(( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))

( يونس / 87 )

فصلوا في بيوتكم متخفيين عن فرعون و عن جند فرعون

مرت سنوات و مرت الآيات تلو الآيات و ابتلى الله عز و جل المصريين في 9 آيات إلى فرعون و قومه لكن هؤلاء لم يؤمنوا أبداً و كذبوا بموسى عليه السلام مرة و الثانية و التاسعة كما ذكر ربنا عز وجل حتى طمس الله عز و جل على أموالهم و أذن لموسى عليه السلام أن يخرج بقومه من مصر

فطلب موسى عليه السلام من مصر أن يخرجوا معه و كان الخروج الكبير المعروف و خرجوا من مصر إلى خليج السويس على وجه التقريب واخترقوا هذا الخليج بالمعجزة الظاهرة و في هذه المعجزة وضح اليقين الّذي كان عند موسى و وضح الضعف و الخور و الجبن الّذي كان عند بني إسرائيل كما ذكر بنا سبحانه و تعالى

((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ))

( الشعراء / 61 )

ما عندهم يقين في نجدة رب العالمي سبحانه و تعالى فقال لهم موسى عليه السلام :

(( قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))

( الشعراء / 62 )

و بالفعل ضرب البحر بالعصا :

(( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ))

( الشعراء / 63 )

و دخل موسى عليه السلام و قومه من بني إسرائيل البحر و عبروا إلى الناحية الثانية و دخل من ورائهم فرعون بكل جبروته و هلك و هلك معه جنده كما هو معروف في القصة و نجى الله سبحانه و تعالى جسد فرعون ليكون آية للعالمين و هناك الكثيرمن الروايات التاريخية في أرض مصر مع أحداث قصة موسى عليه السلام ان هذا الحدث كان في عهد رمسيس الثاني و الله سبحانه و الله سبحانه و تعالى أعلى أعلم رمسيس الثاني موجوداً كمومياء و يلف العالم كله ليصبح آية للعالمين و للأسف الشديد الكثير من الناس تذهب تنبهر برمسيس الثاني و تنبهر بالتحنيط و تنبهر بالتماثيل الضخمة الموزعة على الميادين المختلفة في كل مكان و لا يتذكر إنسان أن هذا الرجل و أمثاله سواء كان رمسيس الثاني أو أمثاله من الفراعنة قد أهلكهم الله عز و جل بمعجزة قاهرة و تركه لنا ليصبح لنا آية على قدرة رب العالمين سبحانه و تعالى .

ترى ماذا حدث مع موسى عليه السلام و مع قومه بعد أن عبروا إلى سيناء هذا ما سنعرفه بعد الفاصل فابقوا معنا

* * *

بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله تكلمنا قبل الفاصل عن قصة موسى عليه السلام و بعث موسى عليه السلام و تكذيب المصريين لموسى عليه السلام و عدم الإتباع له إلا في ظروف ضيقة جداً كما قلنا 3 أو 4 الّّذين آمنوا من شعب مصر و خرج موسى عليه السلام بقومه من بني إسرائيل و عبروا البحر في معجزة ظاهر بالغة يا ترى كم شخص عبر البحر مع سيدنا موسى عليه السلام

يا ترى بنو إسرئيل وصلوا إلى كم من العدد ؟.

الحقيقة أن بعض الكتب و هذا مذكور أيضاً في كتب التفسير الإسلامية يقولون أن عدد بني إسرائيل الّّذين عبروا كانوا 600 ألف من بني إسرائيل و بعض الروايات الأخرى تقول 6 أو 15 ألف و هذا أقرب إلى الصواب و لدي أدلة ان هذا ليس من المعقول أن يكون عدد بني إسرائيل 600 ألف في ذلك الوقت و طبعاً هم يذكرون رقم كبير كي عندما يدخلون أرض فلسطين بعد 40 سنة يكونون أرقام ضخمة و يكونوا شعب كبير عاش داخل أرض فلسطين ربنا سبحانه و تعالى يقول في كتابه الكريم كما ذكرنا قبل الفاصل أن الآية الكريمة في سورة يونس :

(( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ))

( يونس / 83 )

بهذه الصياغة يستحيل أن يكون العدد كبيراً فليس من المعقول أن يقول ربنا سبحانه و تعالى يقول فما آمن له إﻻقليل عن 600 ألف فلا تقال هذا الصياغة إلا على سبيل التقليل فعدد الّّذي آمن و هو أقل بكثير من هذا الرقم الضخم .

الأمر الثاني أن فرعون نفسه عندما تتبع جيش موسى عليه السلام قال :

((إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ))

( الشعراء / 54 )

أي عدد قليل فهو قللهم

اﻷمر الثالث

أن دخول بني إسرائيل إلى أرض مصر كم كان عددهم كما ذكرنا كان عددهم في عهد يعقوب عليه السلام دخلوا مع يعقوب حوالي 72 الّذين هم أولاد سيدنا يعقوب الاثني عشر و معهم أولادهم و زوجاتهم حوالي 72 فكيف يعقل أنه خلال 450 إلى 150 سنة في عهد سيدنا سنة يوسف و بعده و 300 سنة في عهد الفراعنة 450 سنة هذه الّذي هو العهد البرونزي الوسيط كيف يكون في هذه الفترة الـ 72 يتحولون إلى 600 ألف هذا مستحيل و بالذّات أن بني إسرائيل لم يكونوا يتزاوجون مع مصريات كان كل بني إسرائيل خالصين من بني إسرائيل فكيف تصبح هذه الأعداد الكبيرة هذا أيضاً احتمال ضعيف و سنرى بعد ذلك رعبهم من الدخول إلى فلسطين و هو يفسر ان عددهم لم يكن 600 ألف و هو رقم ضخم و سنرى لما دخلوا مع يوشع بن نون عليه السلام إلى أرض فلسطين لم يكن لديهم القدرة لاحتلال كل الأماكن لقلة عددهم .

من كل هذا نقول أن أعداد بني إسرائيل لم تكن كبيرة جداً

بعد أن عبر سيدنا موسى عليه السلام مع قومه إلى سيناء ، يصف ربنا سبحانه و تعالى هذا الموقف عندما عبروا مباشرة وجدوا قوماً وثنيين يعبدون شجرة من دون الله عزّ و جل فماذا قال بنو إسرائيل انتبه إلى طبيعة الشّعب الّذي ربي على الذّل و الاستعباد و الظلم و القهر و على حياة كل الإعلام الّذي فيها يروج للوثنيةو للآهة المتعددة :

(( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))

( اﻷعراف / 138 )

ربنا سبحانه و تعالى أنجاهم بمعجزة ظاهرة منذ دقائق معدودات لم تجف بعد أرجلهم من مياه البحر التي عبدوها و مع ذلك قالوا :

(( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ))

( اﻷعراف / 138 )

ثم بعد ذلك مرّ بأحداث كثيرة جداً ليس هناك مجال لتفصيلها و ذهب موسى عليه السلام لتلقي الألواح من ربه على جبل الطور

و في هذه الفترة التي ذهب فيها موسى عليه السلام مع أنه ترك مع بني إسرائيل نبياً كريماً من أنبياء الله عز و جل و هو هارون عليه السلام ماذا فعل بنو إسرائيل ؟

عبدوا العجل من دون الله عزّ و جل القصّة كلها يا أخواني و أخواتي 40 ليلة ، سيدنا موسى عندما ترك القوم تركهم 40 ليلة قال لهم اني ذاهب 30 ليلة ثم زاد 10 أيام

بعد 30 ليلة رأوه تأخر فلم يصبروا و عبدوا العجل من دون الله عز و جل

انظروا إلى النفسيات و العقليات هؤلاء هم الّذين أنجبوا بعد ذلك اليهود الّذين نعرفهم هؤلاء هم جذورهم و هؤلاء هم الّذين عذبوا موسى عليه السلام لم يجد موسى عليه السلام يوماً من الراحة في حياته مع قومه أبداً تخيلوا أكثر ناس من المفروض أن تساعد موسى عليه السلام و هم الناس الّّذين بعث إليهم موسى عليه السلام لينقذهم من البطش و الطغيان هم الّذين آذوه إيذاءاً شديداً عليه السلام و كادوا أن يقتلوا هارون عليه السلام عندما نهاهم عن ذلك كما يقول :

(( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ))

( اﻷعراف / 150 )

كما ذكر ربنا سبحانه و تعالى في كتابه الكريم كادوا أن يقتلوه ثم بعد ذلك كما رأينا من تاريخهم قتلوا الكثير و الكثير من الأنبياء .

في كل هذه القصة لم نرى على الصلاح إلا موسى عليه السلام و هارون عليه السلام و غلام موسى عليه السلام الّذي اسمه يوشع ابن نون لكن لا ندري إن كان عبر معه البحر أم أنه ولد في أرض سيناء في هذه الفترة

المهم أنّ هؤلاء القوم الفشلة الّّذين قاموا بطلب الإله ليعبدوا إلهاً أن يصنع لهم موسى إله و الّذين عبدوا بالفعل العجل من دون الله عز و جل في المرة الأولى كانوا يطلبون إلهاً في المرة الثانة عبدوه بالفعل و هو يتلقى الألواح من ربه سبحانه و تعالى موسى عليه السلام فعبدوا العجل و جاء موسى عليه السلام و نهاهم عن ذلك و حرق العجل كما هو معروف في القصة و أخذ بيد المجموعة لينفذ ما أمره به ربنا سبحانه و تعالى و هو دخول الأرض المقدسة التي هي أرض فلسطين كل القصة تكلمنا عنها لنعرف أن موسى عليه السلام أتى ببني إسرائيل ليدخلوا أرض فلسطين

ذهب بهؤلاء الاثنين انقذوا بمعجزة ظاهرةو الّذين معهم رسول مؤيد من الله سبحانه و تعالى وقفوا أمام أسوارها و قال موسى لهم يأمرهم بما أمر به ربنا سبحانه و تعالى :

(( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ))

( المائدة / 21 )

كتب الله عز و جل لكم هذه الأرض لأنكم من المؤمنين إن بدّلتم الإيمان فليست الأرض مكتوبة لكم بل هي مكتوبة للمؤمنين بصفة عامة ، أي مؤمن متمسك بشرع ربه سبحانه و تعالى كتبت له هذه الأرض أي إنسان يبدّل نعمة الله عز و جل كفراً بعد أن أعم الله عز و جل عليه بالهداية فلا يستحق هذه الأرض أبداً هكذا أمرهم نبيهم

(( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ))

( المائدة / 22 )

ما هي الشطارة أن يخرجوا ثم تدخلون أنتم أين الاختبار و الابتلاء و الحرب و الحهاد في سبيل الله أين التضحية هذا الكلام إيماني باللسان و ليس له ما يصدقه من العمل هذا أمر لا يقبل عقلاً

(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ))

( العنكبوت / 2 )

ردوا بمنتهى الغلظة على سيدنا موسى قالوا لن ندخل هذه الأرض أبداً حتى يخرج هؤلاء منها

(( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ))

( المائدة / 22 )

من هؤلاء القوم الجبارون هم الكنعانيون الّذين كانوا يعيشون في هذه الأرض من الوثنيين عاشوا في هذه الأرض قبل دخول اليهود إلى أرض فلسطين بأكثرمن 1400 سنة فهؤلاء الكنعانيون كانوا من الوثنيين و كانوا من الأشداء جنود عسكر أقوياء يعيشون في هذه الأرض فرفض قوم موسى أن يدخلوا طبعاً الروايات اليهودية و الإسرائيلية و للأسف الشديد الموجودة داخل الكتب الإسلامية تروي روايات عجيبة جداً على هؤلاء القوم الّذين كانوا يعيشون على أرض فلسطين و للأسف نجد الكثير من المسلمين يتناقلون هذه الروايات يروون أن هؤﻻء كانوا من العماليق أجسادهم ضخمة عملاقة إلى درجات لا نتخيلها سيدنا موسى أرسل بعض الجواسيس من بني إسرائيل لتطلع الأخبار داخل أرض فلسطين فاكتشف أمرهم أحد هؤلاء العماليق فأخذهم و وضعهم في كمه كما يقولون و نثرهم أمام قائدهم هذه أجسام ضخمة جداً لدرجة ان كمه يمكن أن يضع فيه عدة جواسسيس تخيلوا هذه العقلية و يقولون انهم من نسل عيصو ابن يعقوب أو عيصو ابن إسحاق هذا أحد الناس الّذين كانوا يعيشون في هذه الأرض و هؤلاء من أولاده و هذا كان عملاقاً ضخماً انظروا إلى ما كتب في التوراة و ما ينقله بعض الكتاب المسلمين يقولون أنه إن كان إذا أردا أن يشرب يعصر السحاب تخيلوا و إذا أراد أن يأكل يضرب يده في البحر فيخرج الحوت فيرفعه إلى الشمس حتى يشوى و يأكله بعد ذلك تخيلوا إلى هذه العقلية و هذا للأسف موجود في بعض كتب التفسير الإسلاميةو لا بد أن تنقى كتب التفسير من الإسرائيليات الفاجرة لماذا يا أخواني وضعوا مثل هذه الإسرائيليات ليبرروا لنفسهم انه إن كان هؤلاء أقوام بهذا الحجم من سيقاتلهم فيبرروا رفضهم أمر نبيهم عليه السلام أن يدخلوا هذه الأرض المقدسة و يحاربوه فيها

(( قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ))

( المائدة / 23 )

ماذا قالوا

(( قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ))

( المائدة / 24 )

انظر إلى الكلمات هذا كفر صريح و كأنه ليس بربهم ماذا قال موسى عليه السلام قال

(( قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ))

( المائدة / 25 )

تخيل شعب كامل خرج معه من مصر إلى فلسطين و لا يملك موسى عليه السلام و هو نبي قوي من أولي العزم من الرسل لا يملك إلا نفسه و هارون عليه السلام فقط

(( قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ))

( المائدة / 25 )

(( قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ))

( المائدة / 26 )

هم فاسقون بنص كلام ربنا سبحانه و تعالى هم الّذين رفضوا الدخول لهذا الجبن و الخور الّذي ترسّخ في قلوبهم ذكر ذلك ربنا سبحانه و تعالى و كتب عليهم التيه و كان التيه هذا في أرض سيناء

و عادوا بعد ان رفضوا الدخول إلى الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم إن أطاعوا نبيهم و إن اتبعوا شرع ربهم عادوا معذبين مشردين في أرض سيناء و كلما إقتربوا من أرض فلسطين ضيع الله عز و جل عليهم الدروب و ضيع عليهم الطرق و تاهوا مرة ثانية و ثالثة و عاشرة حتى كانوا يقتربون جداً رمية حجر من أرض القدس من أرض فلسطين فلا يدركون أبداً الطريق .

و مات موسى عليه السلام في فترة التيه هذه في هذه الأربعين سنة مات موسى عليه السلام و طلب من ربه سبحانه و تعالى أن يدنيه من الأض المقدسة رمية بحجر و بالفعل أدناه ربنا سبحانه و تعالى و دفن بالقرب من القدس رمية بحجر عند الكثيب الأحمر كما يذكر رسولنا صلى الله عليه و سلم و مع قربهم هذا من أرض القدس إلا أنهم لم يدركوا الطريق للقدس لأن الله عز و جل كتب عليهم التيه و هكذا يا أخواني و يا أخواتي يكتب التيه و الضلال و البعد و عدم الهدى على كلّ من يهمل شرع ربنا سبحانه و تعالى و على من ينكر قول رسوله و اتباع نهج الأنبياء المرسلين .

ترى ماذا حدث لبني إرائيل في التيه و ماذا حدث ليوشع عليه السلام عنما أمر قومه بدخول أرض فلسطين و ماذا حدث بعد هذا الدخول

هذا ما سنعرفه بإذن الله في الحلقة القادمة إن شاء الله

نسأل الله أن يفقهنا بسننه و أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا إنه ولي ذلك و القادر عليه

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

* * *