الحقوق محفوظة لأصحابها

إبراهيم أيوب
في حلقة برنامج "الله في حياتي" يحلّق بنا الشيخ ابراهيم أيوبمع اسم الله الجبار سبحانه وتعالى تعلقا وتخلقا وتفردا وتجردا.

اسم الله الجبار هو اسم من أسماء الله الحسنى الذي عند ذكره قد نشعر ببعض الخوف. لكننا كلما تعمقنا في هذا الاسم سوف نشعر بشيء آخر. الجبار سبحانه وتعالى. الأمر عندك ، أن تجعل الله جبارا عليك أو جبارا لك. فيكون الله سبحانه وتعالى بما تريد أنت كما ورد في الحديث القدسي: "أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء"

عند تسبيحنا باسم الله الجبار نشعر بالقوة والعظمة ونشعر بالضعف أمام الله عز وجل كما نشعر بالانكسار والعبودية وأن الله يجبر كسور العباد.

الجبار سبحانه وتعالى جل في علاه حسب قول العلماء هو الذي علا شأنه وارتفع قدره فلا ينال منه أحد. ولدى العرب عبارة في اللغة العربية : نخلة جبارة أي طويلة ، رغم وجود الثمار لا نستطيع الوصول إليها بسهولة ولله المثل أعلى.

فالله جبار بقدرته وعظمته وجلاله وكماله فلا يستطيع أن ينال منه أحد. والله لا يعرِّف ذاته للمسلم فقط بل للبشرية جميعا. فهناك من يعبد غير الله سبحانه وتعالى فعندما يقارن هذا الانسان إلهه الباطل بالرب العظيم الجليل إله الحق أن الإله الذي عنده ينال منه بطريقة أو بأخرى وربما نستطيع أن نتحكم في إلهه بطريقة أو بأخرى ، لكن الله بجبروته لا يستطيع أن ينال منه أحد ، ولا الملائكة المقربين حتى في الشفاعة لا يستطيع أحد أن يفعل شيئا إلا بإذنه بل النبي عليه الصلاة والسلام رغم مكانته العالية وحب الله عز وجل له لا يستطيع النطق إلا بعد السجود والانكسار بين يدي الله والافتقار ثم بعد ذلك يقوم ويستأذن الله عز وجل ويتكلم. فعرف نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ذاق طعم السجود والانكسار ينكسر بنفس الطريقة أمام الله ، لأنه يعلم أن الله عز وجل حتى في الاستئذان منه يجب أن ندخل عليه بأدب وندخل عليه من بوابة الاعتذار والافتقار والانكسار لأنه هو الجبار سبحانه وتعالى جل في علاه. وهذا هو المعنى الأول.

أما في المعنى الثاني فهو الذي يجبر خلقه على ما يريد فلا مشيئة إلا مشيئة الله هذا لأنه جبار بمعنى الجبر هو الذي يجبر كل هذا الوجود وكل هذا الوجود يدور في الشيء الذي يريد الله وكيف يريد الله. هذا معنى عجيب رغم أنه معنى عالي جدا لكنه يطمئنني لأنه يقول أني في ملكوت الله في فلك الله وضمن البرنامج الرباني. فلا مشيئة نافذة في هذا الوجود لأحد سوى لله سبحانه وتعالى.

ففي قصة يوسف عليه السلام كمثال إخوته رموه في البئر ثم تدور الأحداث بمشيئة الله وينتقل من البئر إلى وزير. إن ربي لطيف لما يشاء. هم أرادو شيئا وأراد الله شيئا آخر. هذا من جبروت الله.

وكذلك في قصة موسى عليه السلام ، فرعون يرى في منامه أن ملكه سيزول ويبدأ يعمل عمل بشري ولا يعلم أن الجبار سبحانه وتعالى بيده كل شيء. الجبروت الذي بداخل فرعون منعه من رؤية هذه الحقيقة فبدأ يمارس الأخطاء وفي النهاية وقع في شر فعله فتربى موسى في قصره. هذا من جبروت الله سبحانه وتعالى لأنه أدار المشيئة وبيده مشيئة الأمور. لا مشيئة إلا مشيئة الله عز وجل رغم محاولات فرعون بطرق عدة لكن السيناريو يتم من البداية إلى النهاية كما يقول سبحانه وتعالى: "وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني"

اسم الله الجبار يجمع بين الرغبة والرهبة سبحانه وتعالى جل في علاه. جميعنا يعلم أن هناك أركان للإسلام وأركان للإيمان لكن هل هناك أركانا للعبودية ؟ أركان العبودية هي الحب، التذلل، الخضوع، الانكسار، الخوف، الرجاء. حيث يفقد التوازن من يسير في طريقه عابدا إن لم تكن معه هذه الخلطة. وهذه الخلطة لا تتكون إلا من خلال الأسماء التي تجمع الجلال والجمال والكمال. فاسم الله الجبار سبحانه وتعالى جمع بين الجلال والجمال ليعطيك الكمال.

ومعنى آخر لاسم الله الجبار نقتبسه من اللغة العربية، حيث نستخدم (الجبيرة) كمصطلح يدل على العلاج الناجع للكسور فإذا انكسر الانسان يذهب عند من يجبر كسره. الله عز وجل ، ولله المثل الأعلى ، هو من يجبر كسورنا ويجبر بخواطرنا. فإذا الله أغنى الفقير فقد جبر خاطره ، إجابة الدعاء جبر للخواطر ، إذا شفى الله المريض جبر بخاطره ، إذا قالت المرأة وهي في حالة الولادة يا الله يجبر الله عز وجل بخاطرها والأمثلة كثيرة من الحياة. فالله سبحانه وتعالى يجبر خواطر العباد يوما بعد يوم ساعة بعد ساعة لحظة بعد لحظة. إذا أخطأ الانسان في حق الناس أو مع أقرب الناس إليه فأجل دعاء أن يتوجه لله بالقول: اللهم اجبر كسري في كذا، اللهم أصلح ما كسرتُه، اللهم اجبر كسري في ولدي، اللهم اجبر كسري في تجارتي، اللهم اجبر كسري في زوجتي، اللهم اجبر كسري في زوجي... هو الجبار الذي يجبر الكسور ويجبر الخواطر.

التخلق باسم الله الجبار

ومن التعلق باسم الله الجبار إلى التخلّق بمعانيه، وفي هذا الجزء يقربنا الشيخ ابراهيم أيوب من اسم الله الجبار أكثر فيقول أن الموازنة بين الرغبة والرهبة في هذا الاسم الرباني يمنح الانسان شيئا من التوازن الداخلي. فالله سبحانه وتعالى في لحظة واحدة يكون هو جبارا على الظالم جابرا للمظلوم. فقد يقول قائل : هل أُذن لنا أن نتخلق باسم الله الجبار سبحانه وتعالى؟ فنقول: نعم في جانب و بحسب قدراتنا البشرية المحدودة، وأما في جانب آخر فلا.

فمن خلال ما ذكرناه أن هناك جانب لا يمكن أن نتمثل به لاسم الله الجبار. فبالنسبة لله عز وجل صفة كمال أما بالنسبة للانسان فهي صفة نقص. الانسان إذا كان متجبرا فهذا نقص فيه. لكن الله سبحانه وتعالى من حقه أن يكون جبارا بمعنى أن مشيئته نافذة ويجبر المخلوقات عليها، وأنه عال لا يطال، وأنه على عرشه استوى وأن بيده مقاليد الأمور وبأنه يأخذ حق المظلوم من الظالم بقدرته وجبروته سبحانه وتعالى. هذا هو الجانب الذي لا نستطيع التخلق به. لكن هناك الجانب الآخر الذي تكلمنا عنه والذي يمكننا التخلق به وهو جانب جبر الخواطر.

وجبر الخواطر عبادة كما يراها سلفنا الصالح فهذا سفيان الثوري رضي الله عنه يقول: "ما رأيت عبادة أجل وأعظم من جبر الخواطر" فإن أحببنا أن نتخلق بهذا الخلق الرباني فلنكن جابرين لخواطر العباد ابتداءً بالابتسامة في وجه أخيك، والأدب في التعامل مع الناس، أن تقرأ ما في داخل الناس وتتحسس من أتعبته الحياة وأثقلته الهموم وتعرض عليه المساعدة جبرا لخاطره. فكل الأخلاقيات والقيم البشرية تدخل ضمن إطار جبر خواطر الناس.

فلو تخلقنا بهذا الخلق في بيوتنا وعشنا جبر الخواطر فيما بيننا لذابت أمور كثيرة في حياتنا، أحيانا قد تكون بكلمة واحدة فقط. ولخرج أطفالنا للمجتمع بقيم ذهبية.

الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق العظيم في جبر الخواطر وإمام العباد في هذا الجانب. ففي قصة عكرمة رضي الله عنه الذي كان أبوه هو أبو جهل ، عندما جاء مسلما وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام نبه النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة ألا يتكلموا وأن لا يعيروه بأبي ، جبرا لخاطره.

وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر كل من تكلم معه. كان إذا تكلم معه إنسان نظر في عينيه، هذا من جبر الخواطر. كان إذا صافحه أحد لا يفلت يده حتى يفلت الطرف الآخر، وهذا جبر للخواطر. كان إذا ناداه أحد لا يلتفت إليه بجنبه بل يلتفت إليه بكله صلى الله عليه وسلم جبرا لخاطره. لأنه كان عابدا وسيد العباد لله تعالى باسمه الجبار. ثم في نفس الوقت يأتي الليل ونبينا صلى الله عليه وسلم يدخل على سجادته ويبكي بكاء الطفل لأنه يعرف أن الله جبار. يعرف ويعلم أن الله جبار سبحانه وتعالى. فكان يجمع بين الرغبة والرهبة في جبر الخواطر أما في أخلاقياته الخاصة ففي داخله حب عظيم لله عز وجل وخوف عظيم من الله عز وجل وطمأنينة لمشيئة الله عز وجل. إذا جمع بين الداخل والخارج فعبد الله سبحانه وتعالى بهذا الخلق العظيم عبادة جبر الخواطر.

كذلك في قصة إسلام عدي بن حاتم كان ذلك بحدث. حيث جاء المدينة ليقيس الرسول صلى الله عليه وسلم إن كان ملكا أم نبيا فدخل على النبي عليه الصلاة والسلام واستقبله عليه الصلاة والسلام. وفي طريقهما من المسجد إلى حجرته جاءت جارية من جواري المدينة فترك النبي صلى الله عليه وسلم يد عدي وبدأ يتكلم مع هذه البنية الصغيرة، فوقف عدي قائلا: والله هذا ليس بفعل ملك والله هذا فعل نبي. ثم عندما دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم ووجد عنده فراشا واحدا وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه قال والله لا يفعل هذا إلا نبي فأسلم عدي رضي الله عنه وأرضاه وحسن إسلامه.

قال الله عز وجل في الحديث القدسي : "الكبرياء ردائي و العظمة إزاري، فمن نازعني فيهما قسمته" فلا نقترب من هذه المنطقة ولا نفتح على أنفسنا هذا الباب ولنحذر من الجبار أن نكون متجبرين ولنحذر من الجبار أن نكون متكبرين أو طاغين أو ضالين لأن الله عز وجل إما أن يكون جبارا لنا أو جبارا علينا. فلنجعله جبارا لنا لا علينا.