الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. نُكمل السير على طريق الله ونعرف معلومة جديدة عن رب العالمين، وعن أنفسنا، وعن الدنيا لكي نتقرب منه عزّ وجل، ونتعرف على الرسول السائر الأعظم، وفي الجزء الثاني نتحدث عن قواعد السير على الطريق إلى الله

القاعدة الأولى

المُلتفت لا يصل: الإنسان الذي ينظر حوله كثيرًا لا يصل إلى هدفه، ولن يصل إلى الله، كأن يلتفت إلى أشياء غير صحيحة في قلبه، ولكن إذا اتفق مُرادك مع مُراد الله فهنا أنت تحقق رغباتك مع رضا الله عليك، وإذا فعلت العكس فأنت تبتعد عن طريق الله، قال تعالى: {..فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَ‌بَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَ‌ةِ مِنْ خَلَاقٍ. وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَ‌بَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَ‌ةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}‌ (البقرة: 200 – 201)، فلا تأخذ الدنيا وتترك الآخرة، واجعل الله مركزية حياتك. أنت أيها الإنسان مقصود الله من الكون، أنت من خُلق لك كل شيء وأكبر مخلوق قدرًا عند الله، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْ‌ضِ جَمِيعًا..} (البقرة: 29)، فكما جعل الله كل شيء لك، يجب أن تجعل الله هو مُرادك ومركزية حياتك

علامات الالتفات عن الله

الالتفات لنصرة النفس: هي من أعظم الالتفاتات التي يقوم فيها الإنسان بنصرة نفسه دون نصرة الحق، كما يحدث في النقاشات السياسية، أو نصرة نفسك من خلال القوة والجاه، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما انتقمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لنفسِه في شيءٍ قطُّ إلا أن تُنْتَهَكَ حُرْمةُ اللهِ، فينتقمَ بها للهِ"

الالتفات لشهوات مُستحوذة: كالجاه والنساء، حتى لو ستحصل على هذه الشهوة من خلال الظلم والسرقة، فبدلًا من أن تحصل على الجاه من خلال خدمة الناس من خلال الإحسان إليهم تحصل عليها من خلال الظلم والطغيان، فهو يساوي عند الناس ولكنه في الآخرة لا يساوي شيء عند الله، وكم من شاب وفتاة أغضب الله عليه لإشباع شهوة غير حلال

الالتفات للخلق: أي أن تعمل كل ما يُريده الخلق إرضاءً لهم، فيقوم شخص بتغير مبادئه في جلسة إرضاءً لهم، قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ‌ مَن فِي الْأَرْ‌ضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُ‌صُونَ} -الأنعام: 116

الالتفات لمقتنيات الناس: من أكثر القلوب الساكنة هو الشخص الراض عن الله، وأطلق العلماء على هذا الشخص بالقنوع، فالمُلتفت لمقتنيات الناس لا يرضى أبدًا. قارن نفسك بنفسك لكي تحاول دائمًا أن تصل إلى النجاح، دون النظر لغيرك؛ لأن دائمًا يوجد من هو أفضل منك، قال تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَ‌ةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِ‌زْقُ رَ‌بِّكَ خَيْرٌ‌ وَأَبْقَىٰ} - طه: 131

فوائد الذي لا يلتفت عن الله وأضرار الذي يلتفت عن الله

قال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: "مَن كانت همَّه الآخرةُ، جَمَع اللهُ له شَمْلَه، وجعل غِناه في قلبِه، وأَتَتْه الدنيا راغمةً، ومَن كانت همَّه الدنيا، فَرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عَيْنَيْهِ، ولم يَأْتِهِ من الدنيا إلا ما كتب اللهُ له"، أي من كان الله هو همه ليُرضيه وهو في نفس الوقت سعيد ستأتيه الدنيا، ومن كان عكس ذلك، لا يرى الله ولا يرى نوره الذي يملأ السموات والأرض

العائدون إلى الله

نتكلم عن الدين في أحاديثنا اليومية ونقرأ أدعية ونادرًا ما نُدرك المعنى العميق فيها، وأعتقد أن المسلمين يتدينوا عندما يذهبون إلى العمرة وزيارة الرسول؛ لأن حينها يشعرون بمشاعر أحيانًا يصعُب ربطها في علاقتنا اليومية، حيث أن الكل يريد السعادة في حياته من خلال تحقيق أعمال دنيوية، ولكن إما ندرك ذلك الآن أو عندما نصل في نهاية المطاف إلى سن السبعين، فيؤدي ذلك إلى انفصام في الشخصية ونتصرف بشكل متناقض في حياتنا اليومية. تعاليم الرسول الأكمل اختفت في العديد من دول العالم الإسلامي، ولم نعد نُدرك المعنى الحقيقي العميق للجمال والحب والتناسق، ولكن حل ذلك هو أن يتجسد فينا تعاليم الرسول لكي يحدث توازن في حياتنا بين الروحانيات والماديات، لأن للأسف الكثير يعتقد أنه لكي تكون مُتحضرًا يجب أن لا تهتم بالدين

دعاء الحلقة:

اللهم صلِّ على سيدنا محمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم يا واصل المُنقطعين صلنا إليك، اللهم يا واصل الواصلين صلنا إليك، اللهم اغفر لنا أيامًا التفتنا فيها عنك، اللهم اغفر لنا نِعَم أنزلتها علينا لنُحبك فعصيناك بها وأرضينا بها رغباتنا وشهواتنا، اللهم يا رب العالمين لا تغرب شمس هذه الأيام إلا وقد رضيت عنا وغفرت لنا ذنوبنا، اللهم بلغنا أيامك الصالحة وانظر إلينا بعين الرضا، اللهم اجعل قلوبنا متوجهة إليك واصرف قلوبنا عن كل ما يغضبك يا الله