الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
آخر حلقة من حلقات برنامج "أهل الجنَّة"، عِشنا فيها مع خلاصة الصراع الشيطاني مع الإنسان، وأنه يُدبر ويُخطط لشيطنة أخلاق بني آدم في الأرض فيكون جزاؤه احراقه يوم القيامة بنار الآخرة، وعلى كل منّا تحديد مصيره واختيار من يكون وليّه: الله أم الشيطان ؟، فإذا كانت الاجابة الشيطان فاعلم أنه سيُدبر لك أمورك مع كامل الكراهية، وارادة الايذاء وسوء العواقب، أما إذا كانت الاجابة الله فثق أنه سيُحقق لك السعادة والنفع في الدنيا والآخرة، وأنه سيُدبر لك شئونك مع كامل الحُب والحكمة والرعاية .. تخلَّق بأخلاق الرحمن، واجعله وليَّك في كل أمورك، وقاوم شيطانك حتى تكون من أهل الجنة

-----------

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، في آخر حلقة من رحلتنا مع أهل الجنة نجد أننا خرجنا بخلاصة من هذه الرحلة، وخلاصة من الصراع الشيطاني بقرار، فمع نهاية رمضان ستخرُج الشياطين المُسلسلة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه أبو هريرة: "إذا جاءَ رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ وصُفِّدَتِ الشَّياطينُ"، فيبدأ الشيطان مواصلة تحقيق هدفه في إغواء وإتعاس بني آدم، فيجب على كل إنسان أن يستعد لمواجهة هذا العدو الخفي بيقظتهِ.

خلاصة زيارتنا لأهل الجنة هو قرار: هل ستتولى الله فيصبح عزّ وجلّ وليكَ أم ستتولى الشيطان فيصبح هذا العدو هو وليكَ؟ الولي يعني المُدبر لشئون العباد على كامل الحب والحكمة والرعاية، فعندما تتولى الله ستَنْقاض له مع كامل الثقة أنه لن يخذلك أبدًا. أما من كان وليه الشيطان فهو من سيُدبر أمورك كلها بدافع الكراهية وإرادة الإيذاء وسوء العواقب، فيقول الله تعالى مُعاتبًا من تخلى عن ولايته: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ‌ رَ‌بِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّ‌يَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (سورة الكهف: 50)، ولنتأمل في معاني الآيات الكريمة؛ لنخرج منها بأن الله نور السموات والأرض وهو الولي الوحيد القاهر النافع، يقول الله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ‌ وَالْبَحْرِ‌ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَ‌قَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْ‌ضِ وَلَا رَ‌طْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٥٩﴾ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَ‌حْتُم بِالنَّهَارِ‌ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْ‌جِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٦٠﴾ وَهُوَ الْقَاهِرُ‌ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْ‌سِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُ‌سُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّ‌طُونَ ﴿٦١﴾ ثُمَّ رُ‌دُّوا إِلَى اللَّـهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَ‌عُ الْحَاسِبِينَ ﴿٦٢﴾} (سورة الأنعام).

فالسؤال هو كيف نصبح أولياء الله؟ نجد الإجابة في قول الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴿٦٢﴾ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٦٣﴾} (سورة يونس)، فولي الله هو الذي يؤمن بأن الله هو الوحيد القادر على إسعادهِ فيرجع له قبل أن يتصرف في أمور الدنيا، فتعريف المؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه سيدنا عمر بن الخطاب: "…من سرَّتهُ حسنتُه وساءتْه سيئتُه فذلكمُ المؤمنُ"، وفي قصة سيدنا يوسف أكبر مثال على وضوح ولايته لله.

من كان وليه الله سينجيه من كل ضيق وهمّ وحزن ومع العسر سيجد دائمًا اليسر، وفي حالة ارتكابه معصية أو خطأ سيربيه الله عزَّ وجلّ تربية الحنون القريب، أما من كان وليه الشيطان فسيخسر، والشيطان الولي يريد خمسة أشياء:

- أن يكون الإنسان حزينًا في قلبه: فيقوم الشيطان بعمل أي شيء لجعله حزينًا، أما الله يريد أن يكون الإنسان سعيدًا، فقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه عوف بن مالك الأشجعي: "الرُّؤيا ثلاثةٌ منها تَهاويلٌ منَ الشَّيطانِ ليُحزِنَ ابنَ آدمَ ومنها ما يَهُمُّ بِه الرَّجلُ في يقظتِهِ فيراهُ في مَنامِه ومنها جُزءٌ من ستَّةٍ وأربعينَ جزءًا منَ النُّبوَّةِ".

- أن يكون الإنسان كسولًاعن أداء واجباته: فقال صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح رواه أبو هريرة: "عقد الشَّيطانُ علَى قافيةِ رأسِ أحدِكم إذا هوَ نامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يضربُ على كلِّ عقدةٍ: عَليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإن استَيقظَ فذكرَ اللهَ تعالى انحلَّتْ عُقدةٌ، فإن تَوضَّأَ انحلَّتْ عقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّتْ عقَدُه كلُّها، فيصبِحُ نشيطًا طيِّبَ النَّفس قد أصابَ خيرًا، وإن لَم يفعَلْ أصبحَ كَسلانَ، خبيثَ النَّفسِ، لَم يُصِبْ خيرًا"، والله يُريد أن يكون الإنسان نشيطًا.

- أن يكون الإنسان نسايًا لدورهِ في الأرض: فيقول الله تعالى: {وَإِذَا رَ‌أَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِ‌ضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ‌هِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَ‌ىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة الأنعام: 68)، والله يُريد أن يكون الإنسان يقظًا.

- أن يكون الإنسان مُعتديًا على الخَلق: فيقول الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (سورة المائدة: 91)، أما الله يريد أن يكون الإنسان مُسلمًا.

- أن يكون الإنسان عاصيًا للرحمن: فيقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ‌ وَالْمَيْسِرُ‌ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِ‌جْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (سورة المائدة: 90)، أما الله يريد أن يكون الإنسان في نور الطاعة.

أهل الجنة هم أولياء للرحمن أعداء للشيطان.