الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه أما بعد

لو أن الدولة أعطت إجازة دراسية لمدة ستين يوما لتذهب إلى خارج البلاد في أرقى جامعة في العالم فلما وصلت قالت لك الجامعة لدينا نظام جديد يمكنك أن تذاكر جيدا لمدة ستين يوما وبعد ذلك سنختبرك اختبارا مكونا من سؤال واحد.. سؤال واحد فقط إذا أجبت عليه ستحصل على الشهادة الجامعية المعترف بها دوليا مباشرة بلا انتظار لمدة أربع سنوات ولا شيء وإذا لم تجب عليه ستخسر المنحة الدراسية. أنت ذهبت فعلا إلى هناك وجلست تنتظر هذا الاختبار المكون من سؤال واحد قل بالله عليك طوال هذه الستين يوما بماذا ستفكر ؟ طبعا ستفكر بالسؤال ، ما هو هذا السؤال الوحيد؟ طيب تخيل لو أن زميلا من زملائك اسمه زيد قال لك أنا أعرف هذا السؤال ، ماذا ستفعل؟ أتوقع أنك ستهجم عليه وتقول : أخبرني ما هو هذا السؤال، المسألة فيها شهادة جامعية ليست مزاحا ولن تتركه حتى يقول لك ما هو هذا السؤال فإذا عرفته فستذاكره جيدا من لحظة معرفتك بهذا السؤال وإلى حين يوم الاختبار.

أخي الكريم هل تظن أن هذا المثال بالخيال!! هذا مثال حقيقي أنت تعيشه الآن، كيف؟!! نحن قد أهبطنا الله تعالى من الجنة إلى هذا الكوكب وسنبقى فيه تقريبا ستين عاما أقل أو أكثر كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" أعمارُ أمَّتي ما بينَ الستينَ إلى السبعينَ وأقلُّهم مَنْ يجوزُ ذلِكَ

الراوي: أبو هريرة المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3550

خلاصة حكم المحدث: حسن غريب

ثم بعد بقاءنا هنا سنرجع إلى الله تعالى فيسألنا سؤالا إن أجبت عليه إجابة صحيحة فهنيئا لك وإن لم نجب عليه الله المستعان سيكون الأمر خطيرا . ما هو هذا السؤال؟ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل مثل ما فعل زيد في المثال السابق .. لقد أخبرنا ما هو هذا السؤال. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"أوَّلُ ما يحاسَبُ بِهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصلاةُ ، فإِنَّ صلَحَتْ صلَح له سائرُ عملِهِ ، وإِنْ فسَدَتْ ، فَسَدَ سائرُ عملِهِ

الراوي: أنس بن مالك المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2573

خلاصة حكم المحدث: صحيح

الرجال في هذه الصلاة على أنواع ثلاثة :

النوع الأول: من يصلي في المسجد خاشعا هذا هو أفضل نوع وأفضل قسم ، قال تعالى :" وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿٩﴾ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْوَارِ‌ثُونَ ﴿١٠﴾ الَّذِينَ يَرِ‌ثُونَ الْفِرْ‌دَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿١١﴾ سورة المؤمنون

الفردوس هي أعلى مكان في الجنة سقفها عرش الرحمن اللهم اجعلنا وإياكم من أهلها . فإذا كنت أنت من أهل هذه المرتبة فاثبت إياك أن تنزل عن هذا القسم .. اثبت. اسأل الله أن يتقبل طاعتك وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .

أما النوع الثاني: هم من يصلي في المسجد لكنه غير خاشع. هذا يظن أنه صلى صلاة كاملة ولكنه مخطئ لقد نقص من أجر صلاته بقدر ما أنقص من الخشوع فإن صلى صلاة لم يخشع فيها إلا بركعتين أخذ أجر ركعتين ... وإن صلى صلاة لم يخشع فيها إلا بركعة واحدة فله ركعة واحدة وهكذا فتكون صلاته دائما ناقصة بسبب ما أنقص فيها من خشوع. روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه قال على المنبر : إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام – يعني يظهر الشيب عليه – وما أكمل لله تعالى صلاة . قيل له : كيف؟!! قال: لا يتم خشوعها . لهذا كان السابقون إذا صلوا يظهر عليهم الخشوع الحقيقي الذي في القلب فقد كانوا يمرون بعبد الله بن الزبير وهو يصلي خلف المقام مقام إبراهيم في الحرم قالوا كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك . وكان إبراهيم التيمي إذا سجد كأنه حائط حتى أن العصافير كانت تنزل على ظهره لا تشك أنه حائط.

لو فرضنا أن أحدى الوزارات قامت بتعيينك بمرتب قدره ألف دولار على أن تكتب تقارير وبحوث وأنت جالس في بيتك ولكنهم عرضوا عليك إذا أحببت يمكنك أن تداوم في الوزارة وتذهب إلى هناك وتكتب نفس التقارير ولكن عندها سيزيدون راتبك إلى سبعة وعشرين ألف دولار والاختيار لك .. بالله عليك ماذا تختار؟ طبعا الذهاب للوزارة والحصول على هذه الأضعاف المضاعفة . سبحان الله إذا لماذا في الدنيا لا نرضى بالتنازل وفي الآخرة نرضى عندما نصلي في البيت لوحدنا مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول :" صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 650

خلاصة حكم المحدث: صحيح

صلاة الفذ يعني صلاة الفرد ، بسبع وعشرين درجة أي بسبع وعشرين ضعفا . هذا هو النوع الثالث من المصلين الذي يصلي في البيت لوحده . بعضهم لا يذهب إلى المسجد إلا في صلاة الجمعة ، هذه خسارة عظيمة.. هذه خسارة عظيمة لحديث عظيم قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إذا أمن الإمام فأمنوا ؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه

الراوي: أبو هريرة المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 491

خلاصة حكم المحدث: صحيح

نعم الملائكة تقول آمين خلف الإمام وأنت أيضا تقول آمين خلف الإمام فإذا كنت بنفس اللحظة التي قلت فيها آمين قال ملك من الملائكة آمين معك غفر الله لك ما تقدم من ذنبك كما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والله المفروض أننا جميعا في المساجد. يقول أحدهم لم تكن تفوتني صلاة العشاء في جماعة ابدا لكن في يوم من الأيام نزل عندي ضيف فانشغلت به ففاتتني صلاة الجماعة فقلت في نفسي روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : صلاةُ الجماعةِ أفضلُ من صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 650

خلاصة حكم المحدث: صحيح

يقول فكررت صلاة العشاء بمنزلي سبعة وعشرين مرة لوحدي ثم نمت. يقول فرأيت في المنام أني مع قوم يركبون خيلا وأنا أركب خيلا كخيلهم ونحن نتجارى وأحاول اللحاق بهم ولا أستطيع فالتفت إلى أحدهم فنظر إلي وقال: لا تتعب فرسك فلن تلحقنا، فقلت له: لماذا؟ فقال: لأننا صلينا في جماعة وأنت صليت لوحدك .

هل كنت تظن أن صلاة الجماعة شيء عادي ؟ أبدا ، المصلون في المساجد قد فعلوا عبادة عظيمة لدرجة أن الله يعجب منهم.. هذا ليس كلامي .. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" إنَّ اللَّهَ تبارَكَ وتعالى ليَعجبُ منَ الصَّلاةِ في الجمعِ

الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 1/200

خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

الله أكبر. ليحزن الرجال الذين يتركون المساجد فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاد ليفعل شيئا عظيما في زمنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" لقد هممَتُ أن آمُرَ بالصَّلاةِ فتقامَ ، ثُمَّ آمُرَ رجلًا فيصلِّيَ بالنَّاسِ ، ثمَّ أنطلِقَ برجالٍ معَهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدونَ الصَّلاةَ ، فأحرِّقَ عليهم بيوتَهم بالنَّارِ

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 650

خلاصة حكم المحدث: صحيح

حزمٌ من حطبٍ – يعني معهم نار ، لا يشهدونَ الصَّلاةَ – يعني لا يحضرون صلاة الجماعة.

أخي الكريم هل تتوقع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاد أن يحرق بيتا بسبب ترك الرجال لأمر مستحب؟!!! مستحيل ، هذا نبي الله ، هذا الرءوف الرحيم بأمته " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَ‌سُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِ‌يصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَ‌ءُوفٌ رَّ‌حِيمٌ ﴿١٢٨﴾ سورة التوبة. لا بد أنهم تركوا أمرا واجبا وهو صلاة الجماعة.

بل شدد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك حتى قال : مَن سمِع النِّداءَ فلم يُجِبْ فلا صلاةَ له إلَّا مِن عذرٍ

الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن حبان - المصدر: صحيح ابن حبان - الصفحة أو الرقم: 84

خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه

السابقون أدركوا هذا جيدا فهذا قاضي الشام سليمان المقدسي يقول: لم أصلي الفريضة منفردا في حياتي إلا مرتين يقول وكأني لم أصلي هاتين الصلاتين إلى الآن. وقال أحدهم ما فاتتني التكبيرة الأولى أربعين عاما إلا يوم ماتت أمي فقط. حتى عامر بن عبد الله كان يحتضر سيموت فسمع المؤذن يؤذن ومنزله قريب من المسجد فقال خذوا بيدي إلى المسجد ، قيل له : إنك مريض! قال : اسمع داعي الله فلا أجيبه؟!! خذوا بيدي. دخل في صلاة المغرب ركع مع الإمام ركعة ثم توفي رحمة الله عليه .

أخي الكريم أنت لديك عدد من الصلوات تصليها في حياتك ستصليها ستصليها ، فهل تحب أن تلقى هذا العدد مضاعف سبعة وعشرين ضعف بسبب الجماعة يوم القيامة أم إنك راض به كما هو بلا مضاعفة؟ القرار لك.

:: مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي

http://3refe.com/vb/showthread.php?p=2438908#post2438908