الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه أما بعد

أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يبكي كلما تذكر فتحا عظيما من فتوح المسلمين اسمه فتح "تستر" يبكي ، لا تظن أن بكاء الرجل سهل. أتدري لماذا كان يبكي كلما تذكر هذا النصر العظيم؟ "تستر" هذه مدينة فارسية عظيمة استصعب فتحها على المسلمين فحاصروها سنة ونصف وفجأة وجد المسلمون فرصة لدخول الحصن ففتحوا باب الحصن قبيل الفجر بقليل فلم يُفوت المسلمون هذه اللحظة بل انهمرت جيوش المسلمين داخل الحصن ودار لقاء رهيب بين ثلاثين ألف من المسلمين ومائة وخمسين ألف من الفرس ، كان قتال في منتهى الضراوة وفي النهاية كالعادة كان نصر الله تعالى حليفا للمسلمين ومع ذلك كان أنس رضي الله تعالى عنه وأرضاه كلما تذكر هذا الفتح بكى ، لماذا؟!! لأنه انشغل بالمعركة ففاته صلاة الصبح .. مرة واحدة في حياته ضاعت عليه صلاة الصبح فيبكي عليها طوال حياته مع أنه معذور فإنه كان في خطر .. كان يحارب .. لكن الذي ضاع منه أمر عظيم.

لو كنا نحن الذين فتحنا تستر لتفاخرنا بأننا فوتنا الفجر لأجل معركة. يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : وما تستر لقد ضاعت مني صلاة الصبح وما وددت أن لي الدنيا جميعا بهذه الصلاة. يا الله ما هي هذه اللذة الموجودة في صلاة الفجر التي جعلت الأبطال يبكون ؟ اسألوا الذين يمشون في الظلمات إلى المساجد وسيجيبونكم. اسألوا النساء اللاتي يستيقظن قبل أن تطلع الشمس والبيت ساكن والكل نائم يخبرونكم ماذا يحسون. أعلم أن هؤلاء جميعا قد يتعبون أحيانا لكن الراحة التي تعطيهم إياها صلاة الفجر على مدار اليوم تستحق هذا وأكثر كما أن الذين يتمرنون صباحا يحسون بتعب ولكن النشاط والصحة والانتعاش التي تعطيهم إياها هذه التمارين طوال اليوم تستحق هذا التعب فكذلك الأمر بالنسبة لصلاة الفجر بل هو أولى. هذا التعب إذا كان لأجلك يا ربي فلا يضرني .. إذا كان يرضيك فأنا يرضيني ... إذا كنت تحبه يا إلهي فكل شيء يهون ، أهم شيء أن تحبني أنت وأن تقبلني فهذا يكفيني.

عذابي فيك عذب *** و بعدي فيك قرب

أنت عندي كروحي *** بل أنت منها أحب

حسبي من الحب أني *** لما تحب أحب

إذا كان هذا هو تفكيرنا في العبادة فسنشعر باللذة فيها أما إذا كنا فقط ننتظر متى نصل إلى مرحلة التشهد ثم السلام لكي نرجع إلى النوم بعد الصلاة مباشرة فيكف سنجد حلاوتها وإذا تأملت الأعمال التي تتحمس أثناء أداءك لها فسترى أنك كنت تنتظر بعدها شيئا . مثلا الذي يصبرك على العمل وجود مكافآت وحوافز مالية على العمل الإضافي والذي يصبرك على السفر ما تعرفه من سعادة وترويح سيحصل لك بعد أن تصل إلى مكان سفرك وهكذا.. وكذلك إذا أردت أن تحس بلذة الفجر فعليك أن تتأمل ماذا سيحدث إذا صليت الفجر . إن الذي يصلي الفجر تحدث له أمور عجيبة لو علم هذا لزحف إلى الصلاة زحفا إي والله. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :"لَو يعلَمونَ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتَوْهُمَا ولَوْ حبْوًا

الراوي: - المحدث: ابن العربي - المصدر: عارضة الأحوذي - الصفحة أو الرقم: 1/281

خلاصة حكم المحدث: ليس في الباب أصح منه

(العتمة) يعني صلاة العشاء و(الصبح) يعني صلاة الفجر . ولكي أقرب لك ما يحدث دعني أقربها لك بمثال ألا ترى أن كثيرا من الناس يحب أن يؤمن في شركات التأمين على مقتنياته و وحياته .. طيب صلاة الفجر هي عبارة عن تأمين شامل يحميك ويعوضك طوال اليوم وطوال الليل أيضا .. إنها تؤمن لك يومك من المخاطر تماما. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ ، فلا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ من ذِمَّتِهِ بشيءٍ ، فإنَّ من يَطْلُبْه من ذِمَّتِهِ بشيءٍ ، يُدْرِكْه ، ثم يَكُبَّه على وجهِه في نارِ جهنمَ

الراوي: جندب بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6339

خلاصة حكم المحدث: صحيح

"في ذمة الله" أي في حفظه ورعايته. سبحان الله منذ أن تصلي الصبح وإلى أن يأتي صلاة الفجر القادم أنت في حماية الله .

استمع لهذه القصة . في يوم من الأيام أمر الحجاج سالم بن عبد الله بقتل رجل فقال سالم للرجل : أصليت الصبح؟ قال الرجل : أجل فقال سالم : انطلق فقال الحجاج: ما منعك من قتله؟ فقال سالم حدثني عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى أله وسلم يقول :" من صلَّى الصبحَ كان في جوارِ اللهِ يومَه

الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 462

خلاصة حكم المحدث: صحيح لغيره

فكرهت أن أقتل رجلا أجاره الله .

بل في زماننا هذا حدثت قصة جميلة. مرة من المرات كان هناك أب قد ذهب إلى المسجد مع ابنه الصغير وبعد الصلاة قال الإمام خاطرة ذكر فيها هذا الحديث " مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ ،.." المهم بعد أن خرج الأب مع ابنه من المسجد قال الابن : يا أبت ما معنى " مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ ،.." فقال الأب يعني في حفظ الله وفي رعايته فقال الابن: يعني أكون في حفظ الله طوال اليوم ؟!! قال : أجل ، قال : إذاً يا أبت أيقظني غدا لصلاة الفجر . فقال الأب: أنت صغير وإذا كبرت إن شاء الله ابدأ بإيقاظك .. فقال الابن: أبدا لا بد أن أقوم .. قال الأب: لما تكبر إن شاء الله. قال الابن : لا بد أن أٌقوم وإلا لن أذهب إلى المدرسة .. طبعا الأب يبتسم ويظن أنها فقط حماسة أطفال ولن يوقظه طبعا, الابن استيقظ : هل أذن الفجر يا أمي لأن أبي سيأخذني إلى المسجد؟ فقالت الأم: أنت الآن صغير وصلاة الفجر انتهت الآن قم اذهب إلى المدرسة وإذا كبرت سيأخذك أبوك إلى المسجد في صلاة الفجر. فقال الابن : لن أذهب إلى المدرسة ، قالت : يا ولد ماذا تقول؟ قال: لن أذهب . حاولت الأم .. حاول الأب .. لا فائدة فعلا لن يذهب. وفي اليوم التالي قام الأب بإيقاظ ابنه للصلاة المسألة أصبحت جد الآن فذهب الابن إلى الصلاة ثم ذهب إلى المدرسة ولكن المشكلة الآن أنه لم يكتب الواجب المنزلي لأنه كان غائبا بالأمس . فقال المدرس للتلاميذ : الذي لم يكتب الواجب فليقف لأضربه فوقف بعض الطلبة ومنهم هذا الطفل وأخذ يضربهم واحدا واحدا لكن لما وصل إلى صاحبنا الصغير قال له المدرس : افتح يدك ، فقال الصغير : لن تضربني ، استغرب المدرس من كلمته قال : كيف لا أضربك وقد ضربت التلاميذ سأضربك مثلهم فقال الطفل: أما أنا فلن تستطيع أن تضربني فغضب المدرس قال : ما الذي يمنعني أن أضربك؟!! لأنني قد صليت الفجر وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" مَن صلى الصبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ ،.." أنا في ذمة الله. طبعا المدرس ابتسم وقال طيب هذه المرة لن أضربك .

طبعا لا أحد يؤيد تصرف الطفل ألا يذهب إلى المدرسة وألا يكتب الواجب ولكن أرأيتم تأثر الطفل بحديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأينا كيف أن براءته تجاوبت مع الوحي الذي لا ينطق عن الهوى ، ألسنا نحن أولى بها ونحن مكلفون بها شرعا بالصلاة على وقتها ؟ بلى والله .

وعلاوة على التأمين الذي حصلت عليه في اليوم فإنك ستحصل على تأمين آخر في الليل أفضل من تأمين الحياة الذي يؤمنه بعض الناس. إن صلاة الفجر ستزيد عمرك بمقدار الثلث تقريبا فمثلا إذا كان من المفترض أنك ستعيش خمسة وسبعين عاما فإنها ستصبح مائة عام وإذا كنت ستعيش مائة عام فستصبح أكثر من مائة وثلاثين سنة وهكذا ، كيف؟!!! أليس النوم جزءا مفقودا من عمرك؟ بلى ، ولا يوضع في ميزان حسناتك ولا شيء . كل يوم ثمان ساعات ضائعة من الحسنات إذا كان بلا نية فهو نوم فقط وأما إذا كنت تصلي الفجر في جماعة فسوف يوضع ميزانك ليل كامل من الصلاة والقيام والركوع والسجود. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" مَن صلى العشاءَ في جماعةٍ كأنما قام نصفَ ليلةٍ ، ومَن صلى الصبحَ في جماعةٍ فكأنما صلى الليلَ كلَّه

الراوي: عثمان بن عفان المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6341

خلاصة حكم المحدث: صحيح

ليلة كاملة من السهر والتعب والصلاة يمكنك أن تحصل عليها بركعتين مع أنك كنت البارحة نائم في فراشك لكن سبحان الله . ألا يجعلك هذا تفرح وأنت تصلي الفجر ؟ الصراحة فوات هذا يعتبر خسارة.

وكل تأمين تقوم به في حياتك فإن هذا التأمين يكون في الدنيا فقط . التأمين الوحيد الذي يستمر معك إلى يوم القيامة هو صلاة الفجر لأن القيامة إذا بدأت فإن الخلق يُبعثون يومها في ظلمة شديدة " ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَ‌جَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَ‌اهَا ۗ (40) سورة النور. ولو كان الأمر يتوقف عند هذا الحد لكان هينا لكن المصيبة أنه يجب علينا مع هذا الظلام أن نعبر شيئا يُسمى "الصراط المستقيم" وهذه من أهم مراحل الآخرة لدرجة أن الله تعالى جعل لنا في كل ركعة أن ندعو ونطلب منه أن يرشدنا إلى الطريق أثناء عبور هذا الصراط فنقول " اهْدِنَا الصِّرَ‌اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿6﴾في كل ركعة لأن هذا الصراط عبارة عن جسر قد وضع فوق جهنم نسأل الله العافية وهو دقيق نحيف أدق من الشعرة وحاد أيضا أحد من السيف كما ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، تتزحلق الأقدام من عليه والضابط في عبور هذا الجسر المخيف في وسط هذا الظلام هو النور فبحسب ما يكون لديك من نور يكون عبورك ، ويعطي الله تعالى الناس النور على قدر أعمالهم فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل العظيم ومنهم من يُعطى نور أصغر من ذلك منهم من يُعطى مثل النخلة بيده ومنهم من يُعطى أصغر من ذلك حتى يكون أخرهم رجلا يُعطى نوره على حجم إبهام قدمه يضيء مرة وينطفئ مرة " كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا" (20) سورة البقرة, وستكون سرعة عبورك هذا الصراط بحسب حجم النور الذي تملكه . منهم من يمر على الصراط كطرفة العين ومنهم من يمر كالبرق .. منهم من يمر كالسحاب.. منهم من يمر كالريح .. منهم من يمر كالفرس.. منهم من يمر كالرجل المسرع .. منهم من يمشي مشيا.. منهم من يزحف زحفا .. كل هذا بحسب كمية النور التي يملكها .. فمن هو الذي سيكون هناك عزيزا مرفوع الرأس ؟ إنه أنت .. أنت يا من كنت تصلي صلاة الفجر في وقتها. إي والله إنه أنت. هذه بشارة لك ليست مني بل من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" بشر المشَّائين في الظلمِ إلى المساجدِ بالنورِ التامِّ يومَ القيامةِ

الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي المحدث: الدمياطي - المصدر: المتجر الرابح - الصفحة أو الرقم: 58

خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد

الله أكبر. هل رأيت في حياتك تأمينا أربح من هذا ، إنه يوفر الحماية لك في أثناء اليوم ويستثمر لك وقتك أثناء الليل حتى في أهوال يوم القيامة يقوم بتأمين أخطر مرحلة لك .. مرحلة العبور على الصراط المستقيم فقط مقابل ركعتين اثنتين لن تأخذ منك أكثر من عشر دقائق . ألا يستغرب الإنسان بعد ذلك من الذين يحرصون على الاستيقاظ للعمل أكثر من حرصهم على الاستيقاظ لصلاة الفجر . ألا يستوحش المؤمن عندما يخرج من المنزل إلى المسجد في صلاة الفجر فلا يرى في الطريق أحدا غيره.. لا يوجد أحد يخرج من المنزل إلى المسجد إلا نادرا ثم بعد ساعة أو ساعتين فقط يكتظ الشارع بالزحام والناس ، ما الذي حدث؟!!! دوامات ومدارس وزارات يعني تريدهم يغصبون علينا ، سبحان الله.

يقول أحد مسئولي اليهود : لن يستطيع المسلمون أن ينتصرون علينا حتى يكون عددهم في صلاة الفجر كعددهم في صلاة الجمعة . فعلا . كان صلاح الدين الأيوبي يربي جيشه على الصلاة خصوصا قيام الليل وصلاة الفجر وكلما مر على قوم يصلون في الجيش يقول : من هنا يأتي النصر وكلما مر على قوم نائمين يقول : من هنا تأتي الهزيمة.

قد يقول قائل : أنا كثيرا ما تفوتني صلاة الفجر، هل يوجد حل يمكنني من الاستيقاظ لصلاة الفجر ؟ سؤال وجيه. الإجابة : نعم .. يوجد حل سحري للاستيقاظ لصلاة الفجر ولكن لا يسع الوقت لذكره فاسمحوا لي أن أُؤجله للحلقة القادمة. نراكم على خير بإذن الله عز وجل.

:: مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي

3refe.com/vb/showthread.php?p=2438908