الحقوق محفوظة لأصحابها

مصطفى حسني
حلقةٌ جديدةٌ من "أهل الجنَّة" مع ليلة من أهم ليالي العام، فهي الليلة المُحببة لكل المُسلمين الطائع منهم والعاصي، والتي تشرَّفت بنزول القرآن فيها ليُحيى به البشر أجمعين ألا وهي ليلة القدر، تحدثنا فيها بقلب مفتوح عن معاني وخواطر حول ليلة القدر، وتعرَّفنا عليها وارتبطت برحلتنا وظهرت أثناء زيارتنا لأهل الجنَّة، ومدى عظم وفضل ليلة القدر وقدرها عند المولى تبارك وتعالى، وأنه سُبحانه يغفر للعباد في هذه الليلة مهما فعلوا من ذنوب ومعاصي، فهي ليلة مليئة بالرحمات وعفو ملك الملوك عز وجل .. فلنفتح صفحة جديدة ولنأخذ على أنفسنا العهد أن الليلة هي بداية لحياة جديدة مع رب العالمين لنسعد في الدنيا ونكون مع عباده الصالحين من #أهل_الجنَّة

-----------

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسولِ الله، موضوع حلقة اليوم هو خواطر عن ليلة القدر، فليلة القدر هي ليلة مُحببة لكل المُسلمين، وليلة مُحببة لله وينتظرها الجميع الطائع والعاصي.

سُميت هذه الليلة بليلة القدر؛ لأسبابٍ كثيرة منها أن قدر العبد المؤمن يرتفع عند الله عزّ وجلّ، ومنها أيضًا أن الله جعل لهذه الليلة قدرًا كبيرًا، فهي خيرٌ من ألف شهر وهي الليلة التي نزل فيها القرآن، فيقول الله تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‌ ﴿١﴾ وَمَا أَدْرَ‌اكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‌ ﴿2﴾ لَيْلَةُ الْقَدْرِ‌ خَيْرٌ‌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ‌ ﴿3﴾ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّ‌وحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَ‌بِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ‌ ﴿4﴾ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ‌ ﴿5﴾} (سورة القدر)، فتُعتبرهذه الليلة هي بداية التواصل بين الله بوحيهِ مع البشرية بعد رفع سيدنا عيسى عليه السلام إلى السماء. ومُراد الله من ليلة القدر هو جذب العِباد له؛ ليتقربوا منه وليعلموا قدر حبه لهم وعطاءه ورحمته الواسعة، فإن كانوا من الواصلين مع الله فيستمروا في هذا التواصل وإن كانوا من المُنقطعين فليبدؤا مع الله بداية جديدة فيها تقرب منه ورضاء له، يقول الله تعالى: {أَفَمَن شَرَ‌حَ اللَّـهُ صَدْرَ‌هُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ‌ مِّن رَّ‌بِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ‌ اللَّـهِ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (سورة الزمر: 22).

وفي أثناء رحلتنا لزيارة أهل الجنة هناك معنى آخر استوقفنا، وهو التدبُر في خلق الله سبحانه وتعالى وفي ملكوته العظيم من أشجار وأنهار وبحار وأزهار، حيث تشعر في كل خلق الله بالإبداع والإتقان، قال تعالى: {..صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ‌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (سورة النمل: 88(.

يجب على كل منا أن يراجع قدر الله في قلبه، وأعظم إهانة في الدنيا هو أن يكون الإنسان أسير لشيطانهِ فيبعدهُ عن التدبُر في الكون، أما أعظم كرامة في الدنيا هي الاستقامة. الحياة هي مجموعة قرارات وأعظم هذه القرارات قرار الإنسان أن يكون قريبًا من ربهِ، فيُحقق بذلك معنى العبودية وهي ألا تُحرّك ساكنًا ولا تُسكِن متحركًا إلا بأمر من ربك، وخالقك، ورازقك، وحافظك.

إلهي أنا بعيد عنك ولكن في ليلة القدر أنا أبحث عن قدرك في قلبي وأبحث عن قدري عندك، فـيا رب املأ قلبي بُحبك حتى تنتزعني من سجن عدوي وعدوك الشيطان، حتى تُزين الإيمان في قلبي وتُكرّه إليَّ المعاصي التي تُسيطر على قلبي. في ليلة القدر أنزل الله القرآن، فـيا رب خذ بأيدينا إليك حتى نتعرف عليك من خلال كتابك المسطور كما نظرنا في كتابك المنظور، أي الكون.

الله يُحب كلمة الحمد لله؛ لأن فيها اعتراف بفقرك وضعفك من دونهِ، فالحمد لله على ليلة القدر وعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الحمد لله الذي يقبل عبادتنا وهو الغني عنا، الحمد لله على إنك الله وحدك لا شريك لك.

يجب أن نجدد العهد مع الله عز وجل كما علمنا الصالحين، وأن نُكمل أو نبدأ علاقة قصة حب مع الله لا تنتهي حتى بعد دخولنا الجنة، كن مع الله وادعوه وناجيه "اللَّهمَّ أنتَ ربِي، لَا إلهَ إلَّا أنتَ، خلَقْتَني وأَنَا عبدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكُ مِنْ شَرِّ ما صنعْتُ، أبوءُ لكَ بنعمتِكَ عَلَيَّ، وأبوءُ لَكَ بذنبي، فاغفرْ لِي، فَإِنَّه لَا يغفرُ الذنوبَ إلَّا أَنْتَ"، فـالجأ إلى الله عز وجل وهو سيأويك وسيتقبلك, ويرحمك بل ويستحي منك. اللهم اجعل أيامنا كلها ليالي قدر، فإذا كان الله شرَّفَ ليلة القدر بنزول جبريل، ففي كل يوم من الثلث الأخير من الليل الله ينزل إلى الدنيا ينادي عباده.