الحقوق محفوظة لأصحابها

طارق السويدان
ما هي الشورى وما علاقتها بالديمقراطية ؟

وما هو أثر إشكالية معلمة أو ملزمة على مسا ر التاريخ ؟

ومتى بدأ الانحراف عن الشورى كنهج؟

وكيف أثمرت نتائجه المرة على الأمة ؟

لماذا رفض النبي صلى الله عليه وسلم عرض بني عامر لنصرته في أحلك لحظات الدعوة ؟

وماذا كتب وزير الدفاع الصهيوني الأسبق موشي دايان في مذكراته عن الجيوش العربية ؟



المقدمة

بالشورى رشدت امة كاملة كما قص القرآن علينا قصة ملكة سبأ وقومها والتي انتهت بإسلامها, قال تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أمري مَا كُنتُ قَاطِعَةً أمراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} (النمل:32).

وهناك من يسوق أن الشورى أمر طارئ في حياة المسلمين وان الشرق يليق يه الاستبداد مثلما تليق الديقراطية بالحضارة الغربية ونود في هذه الحلقة تصحيح الصورة حول مكانة الشورى رغم في تاريخنا رغم ممارسات الاستبداد التي ضيعت الأمة وجعلتها متخلفة .



مفهوم الشوري



1. الشورى ملزمة

تشريع أن الشورى معلمة وليست ملزمة له من التسويغات الشرعية للاستبداد والطغيان،فما هو المعنى من وراء الشورى ان لم تكن الحد من سطوة الملك والسلطة والتفرد بها..



للشورى غايات لا تتحقق إن كانت معلمة وغايات الشورى:

1. الحد من سطوة السلطة والتفرد بها.

2. ارجاع الأمر إلى أهله وهم الشعب في اتخاذ القرارات واختيار الحاكم.

وواضح أن الشورى المعلمة لا تحقق هذه الغاية.



2. تنوع مجالات الشورى:

بالشورى سادت قريش العرب وطورت مكانتها بينهم من خلال دار الندوة التي كانت مجلس شورى لإدارة مكة وخير مثال على ذلك حل الخلاف الذي وقع بين أحفاد قصي حول إدارة وظائف مكة, , فكانت السدانة والحجابة لبني عبد الدار بن قصي, والمشورة في بني أسد, , والسفارة في بني عدي , والرفادة كانت لبني هاشم.

وكان أبو سفيان سفيان بن حرب بن أمية الذي كان أبرز شخصية في ملأ مكة في عهد النبوة, يقول: (لست أخالف قريشاً, أنا رجل منهم ما فعلت قريش فعلت).



3. الشورى و الديمقراطية

في التاريخ المعاصر لا زال الخلاف موجودا هل الديمقراطية تتعارض مع الشورى أم لا ؟ وعلى أرض الواقع انهزمت الشورى والديمقراطية وانتصر الطغيان والاستبداد.

الشورى قيمة والديمقراطية آلية لتطبيق تلك القيمة مثل العدل فهو قيمة والقضاء هو تطبيق لتلك القيمة.

لذا فكرة أهل الحل والعقد ليس مجرد آلية وهي ليست الآلية الوحيدة أو الأفضل لتحقيق الشورى.

وفي الطرق والآليات المختلفة لاختيار الخليفة في العهد الراشدي دليل على مرونة تلك الآليات لكنها في النهاية جميعها حققت الشورى كقيمة ملزمة وحافظت عليها



تطبيقات تاريخية

1. التطبيقات النبوية

أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالتزام الشورى وإن جرت إلى أضرار كما حصل في أحد {وشاورهم في الأمر}.

من أول الدعوة رأت قريش خطر المبادئ التي يدعو لها الإسلام فحاربوا الدعوة التي تدعو إلى العدل والمساواة والشورى.

ـ كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في القضايا الهامة :أشيروا علي أيها الناس.

ـ وقبل الهجرة أتي النبي صلى الله عليه وسلم بني عامر بن صعصعه فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم نفسه، فقال رجل منهم يقال له بيحره بن فراس :والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال له: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك، قال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء، قال: فقال له: أتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك؛فأبوا عليه." فقد كان عرضا مغريا في أصعب ظرف مرت به الدعوة الإسلامية، خيث مات أبو طالب ونالت منه قريش ما يكره ، وفقد المساندة المعنوية المتمثلة في أمنا خديجة عليها السلام، والفرس قد أحاطوا بأرض العرب بعد هزيمتهم للروم التي ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى: ((غُلِبَتِ الرُّومُ)) ، ولجأ نصف المسلمين الحبشة ، وكان وجوده بمكة مرتبط بالمُطعم بن عدي على شركه مجيرا. ثم تعرض عليه: بيعة ونصرة ومساندة قبيلة كاملة بأرضها وفرسانها ومالها، ، ويرفض الرسول صلى الله عليه وسلم في حزم ودون تردد، مثبِّتاً حقاً لله عز وجل لا مجال للتهاون أو المساومة فيه وهو شورى المسلمين في من يحكمهم.

ـ استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسخ مبدأ الشورى في صحابته الكرام من خلال التطبيق العملي له مع كون المجتمع بدائياً حديث عهد بنظام القبيلة والرأي الواحد، فاستطاع أن ينهض به من خلال مبدأ والشورى والعقد بين الحاكم والمحكوم.



2. الشورى في العهد الراشدي ( عمر مثالا) :

قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنَّ فُلاَنًا يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي قَائِمٌ الْعَشِيَّةَ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي النَّاسِ، فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ، ثم قام خطيباً فمن بين ما قال فيها:"إنه لا خلافة إلا عن مشورة" وفي رواية لا بيعة.

وقال حينما طعن وأمر بالنظر في الستة من بعده، قال: "من دعا إلى إمارة لنفسه دون مشورة من المسلمين فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه".

وكان مجلس سيدنا عمر يعج بالشباب والكهول يستشيرهم،قال الزهري:كان مجلس عمر مغتصاً من القراء شبابا كانوا أو كهولا.

سمع عمر بن الخطاب تجمع الفرس لقتال المسلمين قبل معركة القادسية سنة 14هـ فأراد الخروج بنفسه,لكنه عدل عن رأيه ورأي عامة الناس إلى رأي أهل المشورة والخبرة من كبار الصحابة سواء في إقامته وبعث أحد الصحابة أو في اختيار الصحابي الذي يتولى القيادة في هذه المعركة الكبيرة.



3. الشورى عبر التاريخ

يقول ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية( قيل : إنَّ الله أمر بالمشاورة نبيه صلى الله عليه وسلم فغيره أولى بالمشورة).

في زمن عمر بن الخطاب طلب قائد جيش الفرس الالتقاء بالقائد المسلم قبل المعركة للتفاوض معه حقناً للدماء، وبعد أن عرض الفارسي مقالته قال القائد المسلم: أمهلني حتَّى أستشير القوم، فدهش الفارسي، وقال: ألست أمير الجند؟ قال : بلى، قال الفارسي: إنَّنا لا نؤمر علينا من يُشاور، فقال العربي: ولهذا نهزمكم دائماً، كما أنَّنا لا نؤمر علينا من لا يُشاور!!

ثم دار الزمان فكتب وزير الدفاع الصهيوني السابق موشي ديان في مذكراته: إنه كان يتعجب من أمر الجيوش العربية، فبعض الوحدات كانت تقاتل بشراسة ورجولة حتى آخر رمق وآخر طلقة، وبعض الوحدات في نفس الجيش كانت تستسلم دون طلقة واحدة، ولم يعرف السر في ذلك، إلى أن استسلم أحد القادة العرب ومعه جنوده وجميع أسلحته، فأخذ يسأله: "هل أخذت رأي زملائك الضباط والجنود قبل أن تأمرهم بالاستسلام لنا؟" فقال في كبرياء: إننا لا نستشير من هم دوننا في الرتبة، فقال له: لهذا السبب فنحن نهزمكم دائمًا.ثم يستطرد القائد الصهيوني فيقول: إن الضابط اليهودي مهما علت مرتبته يأكل مع جنوده، ويعيش بينهم كواحد منهم، ويحضر معهم درس الدين، ثم هو بعد ذلك دائم الاستشارة لهم والتفاهم معهم!!



بداية الإنحراف عن الشوري

بدأ الخلل في مفهوم الشورى حين استخلف معاوية ابنه يزيد على غير مشورة من الناس، وأخذ له البيعة قهراً، ولكن أجلاء الصحابة حاولوا الوقوف بوجه هذا الخلل الكبير الذي يطرأ على أصول الحكم في الإسلام حفاظاً عليه.

ففي يوم أن قرر معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد بحد السيف، كتب إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة كتاب البيعة وأمره أن يقرأه على المسلمين في المسجد، وفعل مروان ولم يكد يفرغ من القراءة حتى نهض عبد الرحمن محتجًّا قائلاً: "والله ما الخيار أردتم لأمة محمد، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقِليّة، كلما مات هِرقْل قام هِرَقْل". [البداية والنهاية والكامل وغيرهما]

ونهض الحسين بن علي رضي الله عنه لإعادة تأكيد مبدأ الشورى وأن الأمر للأمة واستشهد في سبيل هذه العقيدة.

وعلى إثره عبدالله بن الزبير رضي الله عنه في وثبته على يزيد.

ثم بدأ عصر شرعنة الاستبداد والتأسيس لحكم المتغلب ودام هذا الأمر إلى اليوم وما زالنا نسمع من يردد هذا الفقه القديم.

فبدأ تشريع أن الحاكم تحصل له البيعة ببيعة الواحد له، كما جاء في الأحكام السلطانية للماوردي وأبي يعلى وغيره من أنه تتم البيعة للحاكم ببيعة الواحد.

اتخاذ استخلاف أبي بكر لعمر ذريعة في جواز استخلاف الخليفة من بعده ووجوب طاعة المستخلَف، وهذا من الغلط والخلط للتشريع للمتغلبين، قال الفقهاء: "الإمامة لا تنعقد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنما تنعقد بعقد المسلمين".



ميزان الحلقة:

قال الكواكبي:الاستبداد السياسي يفضي إلى تخلف العقل.

http://www.suwaidan.com/node/6616