الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه أما بعد

إذا أردنا أن نتذوق حلاوة سورة الفاتحة في الصلاة فيجب أن نعرف ما هي أسرارها .. لما ذكر الله تعالى يوم الدين في الفاتحة وهو يوم خوف الله به عباده ذكر معه كيفية النجاة من هذا اليوم الصعب فقال بعد آية " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" " إِيَّاكَ نَعْبُدُ" أي أنه من أراد أن ينجو يوم القيامة فعليه أن يوحد الله تعالى في العبادة. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" يا معاذُ بنَ جبلٍ ! هل تَدْرِي ما حَقُّ اللهِ على عبادِه وما حَقُّ العبادِ على اللهِ ؟ فإنَّ حَقَّ اللهِ على العبادِ أن يعبدوه و لا يُشْرِكوا به شيئًا ، وحَقَّ العبادِ على اللهِ أن لا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِكُ به شيئًا

الراوي: معاذ بن جبل المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7968

خلاصة حكم المحدث: صحيح

وإذا أردت أن تعبد الله تعالى فإن هذه العبادة لن توفق لها إلا إذا أعانك هو سبحانه فالأصل أنك لا تهتدي ولا تنجو إلا أن يثبتك الله حتى الصحابة ما كانوا ليهتدوا لولا أن الله تفضل عليهم قال الله تعالى للصحابة في سورة النور :" وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَ‌حْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ ﴿٢١﴾ والأكثر من هذا حتى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كاد ألا يثبت لولا أن الله تعالى ثبته ، قال الله تعالى في سورة الإسراء للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْ‌كَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴿٧٤﴾ فمن نحن حتى نثبت على العبادة بأنفسنا يجب ألا نركن إلى أنفسنا للحصول على هذه الهداية والعبادة بل لا بد أن نستغيث بالله ونعتمد عليه ولهذا كان الدعاء النبوي الذي نقوله في الصباح والمساء :" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين " فإذا أردت أن تنجو من عذاب الله يوم الدين فعليك أن تستمر بالعبادة وإذا أردت أن تستمر بالعبادة فيجب أن تستعين بالله وإلا فلن تستمر ولهذا لاحظ جاء في الفاتحة بعد " إِيَّاكَ نَعْبُدُ" وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ ولكن قد قال قائل : إذا كنت أنا لن أهتدي ولن أستطيع أن أستمر بالعبادة إلا إذا جاءني العون من الله ، ماذا عساي أن أفعل الآن؟ الأمر ليس بيدي إنه بيد الله تعالى ؟ نقول له اطلب من الله تعالى العون والهداية وهو سيهديك .. قال الله تعالى :" وَقَالَ رَ‌بُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ.... (60) سورة غافر. لا بد أن تطلب وأن تتحرك اعمل .

هل تتوقعون من رجل مرض مرضا شديدا وجلس في بيته ينتظر الطبيب أن يطرق عليه الباب ؟!! لا يمكن .. يجب أن تذهب بنفسك وأن تطرق باب الطبيب وأن تطلب منه الدواء. ولله المثل الأعلى : إذا أردت الهداية والاستعانة فيجب أن تطلب منه ذلك وهو سيعطيك. ولهذا لاحظوا كيف أنه من الحكمة أنه جاء في الفاتحة بعد آية " إِيَّاكَ نَعْبُدُ(4) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ أتت بعدها آية "اهْدِنَا الصِّرَ‌اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾" تطلب منه الهداية ليعطيك. فتأمل الفاتحة كيف نُسجت على ترتيب بديع " مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ(4) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ ثم تطلب اهْدِنَا الصِّرَ‌اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾" كل آية لها ارتباط بما قبلها وبما بعدها.

الآن بعد أن تتأملها بهذه الطريقة ستحس بطعم مختلف في الصلاة ولهذا إذا قلت "آمين " في الصلاة فأنت تؤمن على هذا الدعاء العظيم " اهْدِنَا الصِّرَ‌اطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦﴾" أن تقول آمين من كل قلبك لأن الله تعالى إذا لم يهدي الواحد منا إلى الصراط المستقيم يوم القيامة فإنه سيسقط منه وإذا سقط سيسقط إلى أين؟ سنعرف إلى أين إذا عرفنا أين يوجد الصراط المستقيم أصلا. الصراط هذا منصوب على ظهر جهنم كالجسر بين الجبلين فالذي يعبر من على هذا الجسر "الصراط" يدخل إلى الجنة والذي يسقط من الصراط يسقط في جنهم والعياذ بالله تعالى . فإذا قلت آمين بعد الفاتحة فقلها وأنت تستشعر حاجتك لهذه النجاة . أنت محتاج لهذه النجاة.. لا يراك الله تقول آمين وأنت مستغن غير مهتم سرحان فإن استجابة الله لك في هذا الدعاء والله مهمة والله ليست هينة إنه الصراط المستقيم أمر عظيم يوم القيامة .

بالله عليكم لو أن رجلا حُكم عليه بالإعدام وأوتي به لتنفيذ الحكم وقيل له : كلم أهل القتيل فإنهم إن عَفَوا عنك أطلقناك وإلا أعدمناك . فهل تراه يقول لهم لو سمحتم أخبروني هل ستعفون عني أم لا أنا ليس لدي وقت ؟ يُعقل هذا؟!! بالطبع لا . إنه سيذهب إليهم راجيا باكيا يطلب منهم بحرقة أن يعفوا عنه .

كذلك بالفاتحة إذا دعوت الله أن يهديك للصراط المستقيم فلا بد أن تظهر لله حاجتك وإنك فعلا محتاج إلى العبور على هذا الصراط المستقيم. أما الذي يقول آمين وهو سرحان فلن يُستجاب له كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" ادْعُوا اللهَ وأنتم مُوقِنُونَ بالإجابةِ ، واعلَمُوا أنَّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافِلٍ لاهٍ

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: 2181

خلاصة حكم المحدث: حسن

الفاتحة عظيمة ولهذا كان السابقون يبكون عندما يقرأون الفاتحة ويخشعون فيها . قال مزاحم صلى بنا سفيان الثوري المغرب فقرأ الفاتحة حتى بلغ قوله تعالى " إِيَّاكَ نَعْبُدُ(4) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ فبكى حتى انقطعت قراءته ثم عاد مرة أخرى وقرأها من البداية وليس سفيان الثوري فقط بل حتى محمد الحمصي يقول رأيت أحمد بن أبي الحواري لما صلى في الليل بدأ بالفاتحة بدأ " الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾" إلى أن وصل إلى قوله تعالى " إِيَّاكَ نَعْبُدُ(4) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ فإذا هو يرددها" إِيَّاكَ نَعْبُدُ(4) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ يقول فطفت البستان كله ثم رجعت فإذا هو لم يتجاوز الآية يقول فنمت ثم استيقظت قبل الفجر ومررت به فإذا هو يقرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ(4) وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾ فلم يزل يرددها إلى الفجر.

وليس فقط السابقون هو الذين يستشعرون هذه السورة العظيمة بل والله أنا أعرف الكثيرين في هذا الزمان لما تأملوا هذه المعاني البديعة أصبحوا يخشعون في الفاتحة أكثر من خشوعهم في بقية السور على عكس أغلب الناس الذين يخشعون في السور الأخرى أكثر من الفاتحة .

عموما إذا انتهيت من قراءة الفاتحة بخشوع اقرأ بعدها ما تيسر من القرآن ثم انتقل إلى الركن الذي فيه التعظيم وهو الركوع ولكن كيف كان يركع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟

كان ركوع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أجمل ركوع ولكي نطبق هذا الركوع الجميل فعلينا الاهتمام بثلاثة أشياء : أولا : الظهر فلا يكن ظهرك مرتفعا أثناء الركوع وأيضا حاول ألا يكون ظهرك منخفضا بل اجعله مستويا فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستوي ظهره أثناء الركوع يقول الصحابة لو سكبنا على ظهره ماء لاستقر الماء على ظهره مبالغة في استقامة الظهر أثناء الركوع .

الأمر الثاني اليد اجعل يدك مقبوضة على الركبة واجعل الذراع منفردا وغير مثنيا

وأما الشيء الثالث هو الرأس فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجعل رأسه في مستوى الظهر فلا يرفعه ولا يخفضه وهذا بخلاف ما يفعله كثير من الناس عندما يخفضون رؤوسهم عند الركوع وبعضهم يرفعها للأعلى والأصل أن تكون مستوية . هذه باختصار هي كيفية ركوع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي قال لنا :" صلُّوا كما رأيتُموني أصلِّي

الراوي: مالك بن الحويرث المحدث: ابن الملقن - المصدر: البدر المنير - الصفحة أو الرقم: 4/600

خلاصة حكم المحدث: ثابت

صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

هكذا يجب أن يكون جسدك أثناء الركوع لكن كيف يكون قلبك أثناء الركوع؟ هذا الركن الذي قل من ينتبه إليه من الخاشعين ولو تدبر الواحد منا الركوع لعرف مذاقه .. سبحان الله... أغلب المصلين لا يستشعر معاني الركوع الجميلة . أذكر مرة أنه اشتكى إلي أحد المقربين وقال أنا أخشع في كثير من أركان الصلاة ولكني لا أحس بشيء في الركوع ماذا أفعل ؟ فتدارست معه معاني الركوع وكيفية الخشوع فيه . يقول صاحبي فلما عرفت كل هذه المعاني التي في الركوع طبقتها أصبح الركوع في لساني كالحلوى اللذيذة . مرة من المرات أيضا ألقيت دورة في كيفية التلذذ بالصلاة ووزعنا استبيانا بعد انتهاء الدورة فقالت إحدى الأخوات أصبحت لا أشبع من كلمة سبحان ربي العظيم .. تكرر سبحان ربي العظيم وهي تتذوق تلك المعاني فترتاح . حتى أعرف أحدهم بعد هذا السر الذي اكتشفه في الركوع أصبح يطيل .. يطيل الركوع .. يطيله . فما رأيكم أن نفتح هذا السر؟

أولا: يجب أن نعلم أن كل إنسان له رغبات .. له حاجات يومية لا بد أن يشبعها فإذا أشبعها ارتاح وسكنت نفسه .. حاجات مثل أن يكون مع أبناءه وأسرته لفترة من اليوم حتى لو دخل ووجدهم نائمين فإنه يدخل إلى أبناءه في غرفتهم ويقبلهم وهم نيام ، لماذا؟ لأنه محتاج أن يشبع هذه الرغبة. من الحاجات أيضا التي تكون في الإنسان الحاجة إلى أن يكون محبوبا ممن حوله فيرغب في كل يوم أن يسمع كلمة جميلة كلمة حلوة من أحد .. حاجات نفسية كثيرة . الحاجة إلى أن يجلس لوحده أحيانا .. حاجة أن يكون أحد ينتظره في المنزل ويشتاق إليه .. إنها حاجات ولن يرتاح الواحد منا إلا إذا أشبع هذه الحاجات لربما يجد نفسه في يوم من الأيام متوتر ومتضايق .. متضايق لأتفه الأسباب ويغضب بسرعة ولا يدري لماذا . السبب يا أخي الكريم أنك لم تشبع حاجة من تلك الحاجات . طيب أتدري ما هي أعظم حاجة عندك ؟ أتدري ما هي أكبر رغبة في روحك؟ إنها حاجة العبادة.

أنت تحتاج في كل يوم أن تشبع من عبادة إلهك فكما أن لكل إنسان رغبة في أن يعز نفسه بمنصب أو سلطان فإن له رغبة أيضا في أن يتذلل إلى أحد يحبه .. يحتاج أن يتذلل ولو كان من كان حتى لو كان هذا الإنسان عظيم أو شريف أو كبير بين الناس إلا أنه في النهاية يحتاج إلى هذا التذلل ولما كان الناس يأنفون من التذلل لبعضهم البعض صرفوا حاجة العبادة هذه إلى ما حولهم من المخلوقات فصاروا يعبدون أي شيء يشبع هذه الحاجة عبدوا مخلوقات وأحجار حتى أعزكم الله بهائم فقط ليشبعوا هذه الحاجة .. حاجة العبادة طيب ما علاقة هذا بالركوع، كيف؟ الركوع فيه عبادة شديدة العرب كانت تأنف الركوع. يقول حكيم بن حزام رضي الله عنه : بايعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ألا أخر إلا قائما يعني أن يسجد بغير ركوع لما في الركوع من تذلل شديد فأراد حكيم بن حزام ألا يركع طبعا هذا في بداية إسلامه ثم تغير بعد ذلك أكيد. الشاهد أن الركوع فيه عبادة شديدة ولهذا فإذا ركعت فأشبع نفسك تماما من العبودية لله ... أشبعها حتى ترتوي أنت في الركوع إذا استشعرت شيئا من هذا لا شك أنه سيصبح للركوع طعم آخر. سبحان ربي – لا حظ كلمة ربي الله هو الذي رباني .. رباني أحسن تربية لا تشابها أي تربية أخري . انظر كيف أن البعض يدافع عمن يحب وعمن رباه فأنت كذلك تقول : سبحان ربي تدافع عن ربك في التسبيح وتنزيه الله عز وجل عن ما لا يليق به .. تنزهه عما لا يستحقه . هذا ربي لا أرضى عليه أن يمسه أحد بكلمة ولا بلفظة. سبحان ربي .. ما أرضى أن يعصيك أحد في كل يوم أسبحك وأقول : سبحان ربي والرب هو السيد المطاع الرازق المتكفل كما أن للأسرة متكفل يحضر حاجاتها يُسمى رب الأسرة فأنت ربي . أنت ربي تتكفل بي وتعطيني حاجاتي وآمالي .. الحاجات التي سأذكرها لك بعد قليل في السجود . أنت ربي فحاول أن تشبع هذه الرغبة رغبة العبودية قدر المستطاع . لن يشبع منها أحد مع أي شيء أخر أو أي أحد أخر إلا مع الله عز وجل ولن يرتوي أحد من هذه الحاجة تماما إلا في هذه الصلاة التي هي حقا عبادة.

ولهذا فقد كان الصالحون يطيلون هذا الركن شديدا لأنه كانوا يعرفون حلاوته . كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ في قيامه ما يقارب الخمس أجزاء ثم يركع ركوعا مدته قريبة من مدة القيام .. سبحان الله. مسلم مكي قال ركع ابن الزبير يوما ركعة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة وما رفع رأسه من الركوع . الله أكبر.

اللهم ارزقنا لذة العبادة وحلاوة الركوع . اللهم اجعلنا من أهل العلم والسعادة "رَ‌بَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَ‌حْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴿٨﴾ سورة آل عمران.اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.

:: مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي

http://3refe.com/vb/showthread.php?t=240831&page=2