الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز


بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه أما بعد

اسمحوا لي بسؤال : إذا كان الآن مذيع أمام الكاميرا وأضاء له المصباح الأحمر بأنه الآن على الهواء مباشرة ، لماذا يركز ويضطرب وتتغير أحاسيسه فور انتقاله على الهواء مباشرة مع أنه لا يرى أحدا من الجمهور ولو واحد ولكن لماذا هذه الرهبة؟ لأنه عنده يقين عال ومرتفع بأنه هناك الآن من يقابله من المشاهدين ويكرر كلامه حتى ولو كان المذيع لا يرى أحدا ولكنه متيقن بمتابعتهم له بعد أن أضاء له المصباح الأحمر . في الحقيقة المفروض من العبد بعد أن يكبر أول تكبيرة للدخول في الصلاة يكون على يقين كامل بأنه الآن بين يدي الله تعالى أكثر من يقين المذيع بأنه الآن على الهواء مباشرة عندما يرى الإضاءة الحمراء في الجهاز ..في جهاز التصوير. لماذا؟ لأن الأجهزة قد تخطيء وكثيرا ما يحدث ذلك .. أما الآيات والأحاديث فلا يمكن أن تخطيء . فإذا قال العبد ( الله أكبر ) فكأنه الآن يرى الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . فلماذا لا يتغير إحساسنا بعد تكبيرة الإحرام؟!! مع أن الأشياء من حولك تتغير إذا كبرت هذه التكبيرة ودخلت في الصلاة سوف يتغير حولك كل شيء. إذا أردت أن تستشعر حلاوة الدخول في الصلاة فيجب أن تعلم ماذا يحدث إذا قلت أنا (الله أكبر) لأول مرة.

إنك إن تلفظت تحدث حولك تغيرات جذرية . ستبدأ ذنوبك بالصعود على كتفك قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" إنَّ العبدَ إذا قَامَ يُصلِّي أُتِي بُذُنوبِه كُلِّها فَوُضِعَتْ على رأسِه وعاتِقَيْهِ، فكُلَّما رَكعَ أو سَجدَ تَساقَطَتْ عَنْهُ

الراوي: عبد الله بن عمرالمحدث: الألباني- المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1671

خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأيضا ينصب الله تعالى وجهه لوجهك . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إنَّ اللهَ يأمُرُكم بالصلاةِ فإذا صلَّيتُم فلا تلتفِتُوا ، فإنَّ اللهَ ينصِبُ وجهَه لوجْهِ عبدِه في صلاتِه ما لم يلتفتْ

الراوي: - المحدث: ابن القيم- المصدر: مختصر الصواعق المرسلة - الصفحة أو الرقم: 418

خلاصة حكم المحدث: صحيح

وسيبدأ الشيطان بالدخول عليك شيطان مخصص هو "خنزب " يبدأ بمهاجمتك. هذا متخصص بإشغالك عن الصلاة وستحرم عليك أشياء كانت أصلا حلالا عليك قبل تكبيرة الإحرام .. لا كلام ولا أكل ولا حركة زائدة ولا ضحكة ولا حتى ابتسامة .. حتى البصر لا يرتفع إلى الأعلى ولو ارتفع بصرك فإنه قد يذهب منك كما ورد في الحديث.

عظمة.. جلال .. أنت الآن تقف بين يدي الملك سبحانه. قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " مِفتاحُ الصلاةِ الطُّهورُ وتحريمُها التَّكبيرُ وتحليلُها التَّسليمُ

الراوي: علي بن أبي طالبالمحدث: أبو داود- المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 61

خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]

ولهذا تسمى التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام . ولكن هل تساءلت مرة : لماذا كان هذا اللفظ "الله أكبر" ؟! ولماذا لم يكن "الله الأعظم" أو "الحمد لله" أو "لا إله إلا الله" ، لماذا "الله أكبر" بالذات؟ الجواب: لأن لفظ "الله أكبر" تنبيه لك للخشوع أي الله أكبر وأعظم وأولى مما تفكر فيه هنا في الدنيا. الله أكبر من هموم العمل التي تفكر فيها أثناء الصلاة .. الله أكبر من الطعام الذي تخطط له .. الله أكبر من البيت الذي تجهزه .. فإن خفت ظالما وأخذت تفكر فيه بالصلاة الله أكبر منه .. وإن نازعتك الدنيا الله أكبر منها .. الله أكبر من كل شيء . الله أكبر الله أكبر إلى أن يخلو قلبك من كل شيء سوى من ربك الأكبر ولهذا لاحظ كيف جعل الله لك في كل موضع في الصلاة تذكيرا وتنبيه بالتكبير إذا تكون قد سرحت في القيام فإنك تقول الله أكبر .. عندما تذهب للركوع تقول الله أكبر لكي تستيقظ. الله أكبر عندما تذهب للسجود وحتى إذا خف خشوعك في السجود فإنك تقول الله أكبر عندما تكون بين السجدتين... آه انتبه فإن الله أكبر توقف عن التفكير في غيره. وهذا في كل موضع من مواضع الصلاة إلا في موضع واحد أي عند الرفع من الركوع لا تقل "الله أكبر" بل تقول "سمع الله لمن حمده" لماذا؟ سأذكرها إن شاء الله في الحلقة القادمة ولكن الأهم اليوم أن نعرف كيف نكبر للصلاة . تابع هذا المشهد العملي من فضلك:

كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا كبر للصلاة رفع يديه.. أحيانا كان يرفع يديه إلى ما يقارب كتفيه وأحيانا كان يرفع يديه إلى ما يقارب أذنيه . فالأفضل أن تفعل هذه أحيانا وهذه أحيانا لكي تطبق جميع السنة , وعندما تكبر أي تكبيرة في الصلاة اجعل باطن يدك باتجاه القبلة فإن كثيرا من الناس يكبر ويده غير متوجهة للقبلة ومن الأخطاء الشائعة أن يلمس المصلى شحمة أذنيه بأصابع الإبهام

والمفروض أن تكون اليد ممدودة بحيث تكون الأصابع مفرودة ومضمومة إلى بعضها

البعض بخلاف ما يفعله بعض المصلين من ثني للأصابع أو تفريق بينها . وأما التلفظ بالتكبير فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحيانا كان يقول "الله أكبر" قبل رفع اليد وأحيانا يرفع يده ثم يقول "الله أكبر" وفي بعض الأحيان كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرفع يديه في نفس الوقت الذي يقول فيه "الله أكبر" . كلها وردت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحاول أن تنوع : مثلا في إحدى صلواتك تكبر قبل أن ترفع وفي صلاة أخري ترفع قبل أن تكبر ومرة تكبر وترفع في نفس الوقت . وهذا التنويع يجعلك تركز في الصلاة فلا تفعل التكبير بشكل آلي بلا تركيز . ورفع اليد أثناء التكبير له دلالات جميلة منها : أنه إشارة إلى الاستسلام كما أن الإسلام هو الاستسلام لله عز وجل فكذلك هنا كأنك تستسلم وأيضا يشير التكبير إلى أنك ترمي الدنيا وراء ظهرك ثم تبدأ في الصلاة.

ثم بعد ذلك إنك تنظر إلى الأرض إلى موضع سجودك وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض ثم تضع اليمنى على الشمال في الصلاة . ولنا أن نسأل سؤال : ما هو سر وضع اليمين على الشمال في الصلاة ؟ يعني ماذا؟ سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن المراد بذلك فقال هو ذل بين يدي عزيز. مثلا لو أنك دخلت قصر من قصور الملك وجدت أشخاصا قد رفعوا رؤوسهم وأنزلوا أيديهم وينظرون إليك في وجهك .. وجدت أشخاص آخرين قد طأطأوا رؤوسهم وأخفضوا أبصارهم ووضعوا أيديهم على صدورهم هكذا ثم سألوك: هل تعرف كيف تفرق بين الملوك والعبيد من بين هؤلاء ؟ أولا أنك لن تجد أي صعوبة في الإجابة ستقول بسرعة هؤلاء ملوك وهؤلاء عبيد .. لن تتعب.

أخي الكريم .. أختي الكريمة أنت بين يدي الله تعالى عبد وهو الملك سبحانه فتضع يدك اليمين على الشمال على صدرك في الصلاة ، لكن كيف يضع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يده على صدره تابع أيضا معي هذا المشهد العملي:

كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا صلى وضع يده اليمين على يده الشمال على صدره

ومن الخطأ أن يمسك الإنسان زنده الأيسر بيده اليمنى

ولكن المفروض أن تضع يدك اليمنى فوق كف يدك اليسرى وأيضا تلمس ذراع يدك اليسرى بحيث تضع جزء من كفك الأيمن على كفك الأيسر وجزء من كفك الأيمن على الذراع في نفس الوقت

وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحيانا يقبض بيده اليمنى على مفصل كفه الأيسر بهذه الطريقة

فتفعل هذه أحيانا في بعض الصلوات وتفعل هذه أحيانا في صلوات أخرى .

ثم بعد تكبيرة الإحرام أول شيء تفعله أن تقول دعاء الاستفتاح وهذه هي التحية في الصلاة فأنت تحيي ملك الملوك سبحانه أول ما تدخل عليه كما جرت العادة أن الذين يدخلون على الملوك يبدأون بالتحية فكذلك هنا وغالبا كل قوم لهم طريقتهم في تحية الملوك .. بعضهم يحاول أن يتفنن في هذه التحية.

مرة من المرات دخل شاعر على أمير في الليل فقال الشاعر:

أسعد الله صباح الأمير.

فظن الأمير أنه يمزح ، فقال له : أصباح هذا أم مساء؟ أم أنك تريد الاستهزاء؟

فقال الشاعر:

صبحته عن المساء فقال لي : **ماذا الصباح ؟ وظن ذاك مزاحا

فأجبته : إشراق وجهك غرّني**حتى تبينت المســــاء صباحا"

فماذا ستقول أنت في الصلاة ؟ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :" إنَّ أحبَّ الكلامِ إلى اللَّهِ أن يقولَ العبدُ : سبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ ، وتعالى جدُّكَ ، ولا إلَهَ غيرُكَ ، وإنَّ أبغضَ الكلامِ إلى اللَّهِ أن يقولَ الرَّجلُ للرَّجلِ : اتَّقِ اللَّهَ، فيقولُ عليكَ نفسَكَ

الراوي: عبدالله بن مسعودالمحدث: الألباني- المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 2939

خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح رجاله ثقات

أما "سبحانك اللهم وبحمدك "فالتسبيح معناه أي تنزيه الله عز وجل عن ما لا يليق يعني الشيء الذي لا يليق بربنا العظيم سبحانه نستبعده عن الله فهو سبحانه منزه عنه. التحميد العكس إثبات كمال الأوصاف والأفعال لله عز وجل ومعنى "تبارك اسمك" هي أن الخير الكثير يكون في اسمك فهو اسم مبارك يتبارك به كل من يذكره. ومعنى "تعالى جدك" جدك يعني عظمتك .. يعنى تعالت عظمتك لأن الجد يطلق في اللغة على معنيين إما يقصد بالجد أب الأب أو أب الأم وهذا طبعا محال أن يراد هنا في دعاء الاستفتاح لأن الله تعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوا أحد سبحانه. وله في اللغة معنى أخر وهو العظمة فمعنى تعالى جدك أي تعالت عظمتك. ثم تقول الاستعاذة ومعناها أنك تلتجئ إلى الله أن يحميك من الشيطان .

مرة من المرات شيخ سأل تلميذه فقال له : لو أتاك الشيطان ماذا تصنع له ؟ قال : أدافعه ، قال : فإن عاد؟ قال: أدافعه ، قال : فإن عاد؟ قال: أدافعه ، قال : يا بني هذا يطول عليك : أرأيت لو أنك أردت أن تقطع أرضا ثم نبح عليك كلب الماشية ماذا كنت تصنع؟ قال : أدافعه قال : فإن عاد؟ قال: أدافعه ، قال : يا بني هذا يطول عليك ولكن اطلب من الراعي – يعني صاحب الكلب – أن يكف كلبه وسترتاح . سبحان الله وكذلك في الصلاة أول شيء تفعله بعد الاستفتاح أن تستعين بالذي يقدر على الشيطان فتطلب منه سبحانه أن يبعده عنك . قال تعالى :" وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ ۖإِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴿٣٦﴾ سورة فصلت.

سبحان الله. مرة من المرات قرأت لابن القيم رحمة الله عليه كلاما رائعا في كتاب الوابل الصيب يقول فيه : وقد روي أن العبد إذا قام يصلي قال الله عز وجل "ارفعوا الحجب" يعني الحجاب الذي بينك وبين الله عز وجل ، قال فإذا التفت العبد بقلبه عن الصلاة يعني أصبح لا يخشع قال الله تعالى " ارخوا الحجب" . يقول ابن القيم : لو أرخي الحجاب بين الله وبين العبد دخل الشيطان وعرض عليه أمور الدنيا وأراه إياها كأنها صورة في المرآة وإذا أقبل العبد على الله بقلبه ولم يلتفت لم يقدر الشيطان على أن يتوسط بين الله وبين ذلك القلب الذي كُشف عنه الحجاب. الله أكبر . كلام رائع.

ماذا سيحدث بعد أن يكشف الله تعالى الحجاب عني ؟ ، ما الذي سوف يحدث؟ سيكلمك الله وستكلمه ، كيف؟!! كيف يمكن ذلك؟!! تابعونا في الحلقة القادمة.

:: مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي

http://3refe.com/vb/showthread.php?t=240831&page=2