الحقوق محفوظة لأصحابها

طارق السويدان
كيف نتوازن في فكر المؤامرة ؟

وما هي النماذج التي يقدمها لنا التاريخ عن المؤامرات على الأمة ؟

وكيف يمكن مواجهة التفكير التآمري بمنهج العقل و المنطق؟

لماذا هذه المعركة الكبرى حول شخصية ابن سبأ ؟

وما هي حقيقة سلسلة القادمون؟





المقدمة

وسنتحدث اليوم عن أهمية التوازن في فكرة المؤامرة وما هي أنواع المؤامرات ، وكيف تعامل القرآن مع حركات التآمر في السيرة ، كما سنعرج سريعا على سبل مواجهة الفكر التآمري بعد أن نقدم نماذج من هذا الفكر.





التوازن في فكر المؤامره

فالمؤامرة كفكر موجود بين جميع الشعوب فالشعب الأمريكي يؤمن بأن القوى الاشتراكية في العالم تتآمر ضده، والفرنسي يؤمن أن الأمريكان يتآمرون ضد ثقافته الفرانكفونية، وبالمناسبة نسبة لا بأس بها من الأمريكان يؤمنون بأن أحداث 11 سبتمبر من تدبير حكومتهم، واغتيال الرئيس كنيدي مؤامرة من المخابرات الأمريكية.





أنواع المؤامرات

1. مؤامرة فردية: هنا المؤامرة تتعلق بحدث معين فقط، وهذه المؤامرة محصورة فقط في حدث واحد أو أحداث قليلة.

ومثالها: مؤامرة اغتيال كنيدي ومؤامرة نشر فيروس الايدز بين الأمريكان السود وهكذا.





2. نظرية المؤامرة المنظمة: هنا المؤامرة مسئولة عن عدة أحداث أو لنقل لها أهداف أوسع من السيطرة على بلد أو مجتمعات أو حتى العالم بأسره، وبينما أهدافها متعددة نجد من تنسب إليه هذه المؤامرة مؤسسة أو منظمة واحدة مثال ذلك الصهيونية أو الامبريالية الأمريكية.





3. نظرية المؤامرة الشاملة أو العليا –السوبر Super– وهنا يتمثل الاعتقاد بالمؤامرة بوجود تسلسل هرمي يبدأ من المؤامرات الصغيرة والمتعددة..ويضم الصلة بين النوعين السابقين مؤامرة الحدث والمؤامرة المنظمة..وهذا التسلسل يضع الرابط بين مختلف أنواع المؤامرات، وفي ذروة الهرم أو الرأس قوة الشر العظمى التي تتلاعب بالبشر من خلال ممثليها الصغار.





المؤامرة في القرآن والسنة

في السيرة العديد من النماذج للمؤامرات التي حيكت ضد الجماعة المؤمنة منها

ـ مؤامرة قريش لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم في فراشه ليلة الهجرة حيث تم التخطيط لتلك المؤامرة في دار الندوة ،بوجود إبليس متلبسا بصورة شيخ نجدي وهذه ووجوده ضمن دار الندوة غير ثابت كرواية وفي سندها علة ولم يصححها أحد من أهل العلم ،

ـ ومنها مؤامرة اليهود لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم حيث خطط يهود بني النضير لإلقاء صخرة عليه أثناء زيارته لهم، فأخبره الله تعالى بذلك قبل الجريمة في السنة الرابعة للهجرة ثم المؤامرة المشتركة بين اليهود وقريش للقضاء على دولة الإسلام في غزوة الخندق.

والقرآن يصف لنا جانبا من مؤامرات المنافقين فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) التوبة/107

والقرآن يقر بالطبيعة البشرية التي تميل للمؤامرات والمكر للانتصار في صراعاتها قال تعالى : (قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) الأنفال/30

والقرآن الكريم يصف مدى خطورة المؤامرات كسلاح قال تعالى : {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }إبراهيم:46





المؤامرة بعد العهد النبوي

ابن سبأ:

يرى بعض المؤرخين أن الذي آثار وأجج الفتنة على عثمان هو رجل من أهل اليمن اسمه عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء، ابن سبأ هو الذي منع إبرام الصلح بين عائشة وعلي في موقعة الجمل، وهو من اخترع فكرة أن علياً وصي للنبي محمد، وهو الذي قدس الإمام علي وألهه.

التحقيق التاريخي يقول إن عبد الله بن سبأ إما أن يكون شخصية خيالية، وإما أن يكون شخصية عادية جداً وجدت في ذلك الزمن ونسب لها كل ذلك زوراً.

أما أن يكون شخصية حقيقية فعلت كل هذا حقاً فلابد أن يكون منوم مغناطيسي من الطراز الفذ إذ استطاع أن ينوم أجلة الصحابة والأكابر من ذلك العصر الرشيد ويتغافلهم ويحطمهم بأيديهم انتقاماً وحقداً، وهذا الذي لا يستطيع العقل أن يستوعبه.

والذي زاد من رواج هذه الرواية واستمرار وجودها إلى يومنا هذا هو:

- أنها وافقت أهواء رجالات السياسة في تلك الأحقاب.

- ووافقت الطبيعة المجتمعية من نسبة الأخطاء والبلايا إلى عدو خارجي.

ووافقت أهواء المذاهب، فالسنة لا يريدون أن يتكلموا في الصحابة بشيء، والشيعة تبرأوا من الغلو في علي بهؤلاء السبئية.





نموذج للفكر التآمري

ـ سلسلة القادمون تتكون من 51 جزء وكل جزء حوالي 10 دقائق مصممة بأسلوب متواضع فنيا وتعتمد على عرض الصور ومقاطع من الأفلام وكذلك محاضرات صوتية و آيات قرآنية وأحاديث لتكون أدلة عما يقدمه الفيلم، و تتحدث عن قدوم المسيح الدجال والمهدي المنتظر وعيسى عليه السلام.

كما تتناول سيطرة ما يطلقون على أنفسهم النخبة على العالم عن طريق وسائل الإعلام بحرفيه شديدة.

ـ الغرض من إنتاج هذه السلسلة هو الكشف عن المنظمات السرية التي تعمل علي نشر الشر والفساد في الأرض وأن سر قوة بريطانيا (في الماضي البعيد) وسر قوة أمريكا (في الماضي القريب) وسر قوة إسرائيل (في هذا الوقت حالياً) وطرق سيطرتهم عن العالم كانت بمساعدة إبليس وعبدة الشيطان.

ـ والسلسلة تربط عبدة الشيطان بالفراعنة بالشخصيات الفنية بأفلام الخيال العلمي الأمريكي وبسياسيين معاصرين وبهجمات سبتمبر وبنظرية التطور لدارون دون أن تشعر ببناء عقلي ومنطقي للأحداث.





تضمنت على مخالفات في تفسير بعض النصوص الشرعية.

1ـ الدجال من علامات الساعة الكبرى و المهدي من علامات الساعة الصغرى والعلامات الصغرى يجب أن تتحقق جميعها حتى تحصل أولى العلامات الكبرى ولكن صاحب السلسلة أخطأ حين جعل المهدي سيخرج آخر الزمان وجعل الدجال قبله!!

ومنها دعوته لوحدة الأديان في الحلقات:

ـ في الجزء 45 حين تحدث عن الكعبة الخاصة بالمسلمين لكنه تحدث عن الطاقة الروحية الإيجابية التي يكتسبها المسلم من عبادته – ثم قال موجهاً حديثه للمسلمين والنصارى واليهود : ” في الحقيقة يستطيع أي واحد منكم إذا ما كرس حياته وعبادته لله الواحد الخالق وليس لأي مخلوق فإنكم على الطريق السليم “

ـ في الجزء 49 ” يجب علينا تكريس حياتنا لتحسين الإنسانية باسم كل خير وبخدمة إلهنا الواحد “

ـ في الجزء 50 : ” الحقيقة هي أننا جميعاً نعبد نفس الإله ونتشارك رسله “

ـ في الجزء 51 ” نتمنى أن نكون قد أسسنا مستوى كاف من التفاهم والاحترام بين ثقافاتنا وأدياننا ، نتمنى أن نتمكن جميعاً من التغلب على فروقنا وأن نحاول البحث عن أرضية مشتركة التي يجب أن تحمل : “الحقيقة – العدل – المساواة “





2ـ في بداية الحلقة الرابعة يستشهد بأوصاف المسيح الدجال من الأنجيل ؟؟ و بالعديد من الشعارات والرموز الغربية , و تجاهل اوصاف المسيح الدجال في الحديث النبوي التي هي مختلفة تماماً لما ذكر من أوهام في الإنجيل ؟!





3ـ في الحلقة 31 يحاولون ربط نظرية دارون بخطط الماسونية حيث يدعون أن من علم دارون نظرية التطور هو ابليس شخصياً (أي عام 1838 م أي عام 1254 هـ تقريباً ) لكي يجعل الناس يؤمنون بأنه "لا يوجد اله خالق لهذا الكون"!!





4ـ في الحلقة 35 يدعون أن الحرب التي تقع في فلسطين في آخر الزمان ويقتل فيها الدجال هي حرب بين أبناء الانبياء (اليهود والنصارى والمسلمين) وبين أبناء الفراعنة ( الماسونيون) بينما الحقيقة أن القتال يكون بين المسلمين وبين الدجال واتباعه من اليهود والنصارى وغيرهم.





5ـ في الحلقة 37 يعرضون طريقة تحريف الديانة المسيحية , وأن المبشرين بالديانة المسيحية هم قتلة عيسى علية السلام , وهذا الادعاء مخالف لقوله تعالى :(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ).

حاولوا في السلسلة اثبات أن هناك مؤامرة عظمى وراءها أناس خطيرون جداً، يعملون ليل نهار لإبطال سنن الله وحرمان والناس من إرادتها والتسليم لقدرات الماسونية العالمية!!

ما قامت عليه تلك الحلقات من بيان عداوة اليهود والنصارى للمسلمين لا نحتاج فيه إلى تلك التقريرات، يكفي المسلم نص القران على ذلك فلا نحتاج إلى المحفل الماسوني و ذكر الساسة الأوربيين لنعرف تصرفاتهم التي قامت على العداء لأمة الإسلام.

تكرر في تلك السلسلة محاولات اليهود في إيقاد الحرب و يكفي المسلم أن يقرأ قوله تعالى عن اليهود في سورة المائدة آية (64): ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).

العاقل لا يغتر بخطط هؤلاء فالتمكين والاستخلاف في الأرض مرهونة بلزوم طاعة الله وتجنب معصيته وليست مرهونة بخطط الماسونيه ولا بروتوكولات الصهيونية ولا غيرها. وهذه سنة كونية (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ? (هود: من الآية49(.

الجزم بأمور أنها سوف تحدث جراء مؤامرة وتحركات بشرية يتنافى مع إيمان المسلم بأن الأمر كله لله وأن الإنسان مهما بلغ طغيانا وجبروتا فإنه لا يملك من الأمر شيء.

ليس لأحد أن يفسر كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله بفكره المجرد وتفسير الدجال بأنه يهود أوربا أو حكومات أوروبا تفسير يخالف ما جاء في نصوص الشرع من أنه مخلوق هيأته كهيئة بني آدم.

سرد الأحداث التاريخية ينبغي أن يكون بموضوعية وحيادية فلا يقحم فيه من الكلام ما لا دليل عليه كما هو حال السلسلة

هذه السلسلة ستعجب جدا أصحاب نظرية المؤامرة المطلقة التي تتحكم بالكون وكأنه آلة مطيعة يديرونها كما يريدون، لأن من يخضع لفكرة المؤامرة يسلم عقله ولا يعود يفكر التفكير المنطقي في نقد الأحداث ومنطقيتها والأدلة التي تبنى عليها ويقبل بالمعلومات كما هي مهما كانت تفتقد للواقعية والمنطقية لأنها ببساطة أسرار وخفايا يجهلها ويعجز عن الحكم عليها .



مواجهة المؤامرة

1. قبول الحقائق فقط

وعدم الاعتماد على العاطفة أو الخيالات أو الشائعات أو التعميم الظالم ، ومحاكمة تلك الحقائق للمعطيات العقلية ونهج النقد السليم، وملاحظة مدى منطقية الأحداث ومقارنتها بمثيلاتها وعدم تناقضها مع التاريخ الثابت.





2. معرفة ضعف الخصوم

فالذي يؤمن بقوة الخصوم على الناجح المستمر والمبهر في تحقيق كل مخططاتهم إنما يؤلهون مثل هؤلاء الناس، والله سبحانه وتعالى أكد ضعف هؤلاء الناس رغم قوتهم الظاهرية قال سبحانه: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) المائدة/64، وقال سبحانه عن تكالب الأعداء والشعور الخاطيء بأنهم يد واحدة (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)

كما أن اللإيمان بالقوة المطلقة للخصوم ينافي سنة التدافع في الأرض ولا يبرر عجز هؤلاء الأاعداء عن استكمال مخططاتهم رغم طول الزمان الذي تحكموا فيه بالبشرية,





3. العزة والمواجهة

وهذا ما يجب أن يدفع المسلم للعمل والمواجهة والشعور بالنصر والتمكين من الله كسنة قرآنية تكررت عبر التاريخ ، وقال تعالى: ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) النحل/26 وقال تعالى: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) آل عمران/120





4. التخطيط والدراسات

فلا يمكن ان تتم مواجهة مثل هذا المكر المؤسس على العلم والمعرفة بمجرد النوايا الحسنة والارتجال وغياب المعلومات والتعميم والحكم السبق بناء على الصور الذهنية للآخر فهذا كله من اسباب الخسارة الخذلان.

فالقرار يجب أن يبنى على دراسات متخصصة في مجالها وصولا للقرار السليم والصائب.

وهذا ستدعي العمل على تأسيس مراكز بحوث متخصصة في كل المجالات التي تهم الأمة بدلا من أن ستحول منصب المستشار في العالم الثالث إلى مناصب لتجميد الأشخاص المغضوب عليهم أو تنفيع الأصدقاء والمعارف والمقربين !!



ميزان الحلقة

حدثوا العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له

www.suwaidan.com/node/6611