الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله صحبه ومن والاه

أما بعد

كان لأحد الخلفاء مؤذن يؤذن له في قصره في أوقات الصلاة

فمرت بالمؤذن جارية الخليفة فنظر إليها مرة من المرات وهو بشر يخطئ المهم ذهبت هذه الجارية إلى الخليفة

فقالت يا أمير المؤمنين إن فلان المؤذن مررت به فنظر إلي

وكان هذا الخليفة من أشد الناس غيرة فأراد ان يأمر بقتل المؤذن ففكر

وقال للجارية تزيني وتطيبي واذهبي إليه فقولي له : علمت أنك نظرت إلي وبقلبي منك اكثر مما في قلبك مني فإن أردت مكنتك من نفسي ماتريد وأمير المؤمنين غافل الآن فإن لم تفعل فلن أرجع إليك أبداً .

وفعلاً ذهبت الجارية إلى المؤذن

وقالت له ما أمرها الخليفة فرفع المؤذن بصره إلى السماء وقال : (( ياجليل أين سترك الجميل ياجليل أين سترك الجميل )) ثم نظر إليها وقال اذهبي ولا ترجعي أبداً فعسى أننلتقي بين يدي الله تعالى يوم القيامة فرجعت الجارية إلى الخليفة وأخبرته بما جرى فأمر الخليفة أن توهب الجارية للمؤذن يعطيها إياه وفوقها 50 ألف درهم ينفقه عليها

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( إنك لَن تدَع شيئًا للهِ عزَّ وجلَّ إلا بدَلك اللهُ به ما هو خيرٌ لكَ منه ))

الراوي: - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 2/734

خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح

صلى الله عليه وسلم

أخي الكريم أختي الكريمة فعل المعصية في الخلوة له لذة إلا أن تركها لله مع قدرتك عليها فيه لذة أكبر بكثير بل إن لذة المعصية لا تقارن بلذة الطاعة فلم نترك اللذة الأعلى من أجل تحصيل اللذة الأدنى .

قد يقول قائل أخطأت في السابق و نذ سنوات أفعل المعصية لوحدي في الخلوة وليس معي أحد إلا الله آخذ أموالاً لا يصح أن آخذها وأغش في الاختبارات أعاكس بالهاتف ماذا افعل الآن ؟

الجواب طبعاً التوبة لكن يمكنك أيضاً أن تفعل شيئاً ذكياً آخر ،إذا عصيته وأنت لوحدك فحاول ان تطيعه بالخلوة فكما انك عصيت بالخلوة لما لم يرك أحد فاحرص عندما تكون لوحدك حيث لا يراك أحد قال الله تعالى

(( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَ‌فَيِ النَّهَارِ‌ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَ‌ىٰ لِلذَّاكِرِ‌ينَ ))

﴿ هود / ١١٤﴾

مثلاً تصدق بالسر قال صلى الله عليه وسلم

(( صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ ))

الراوي: عبدالله بن جعفر و أبو سعيد الخدري و ابن عباس و عمر بن الخطاب و عبدالله بن مسعود و أم سلمة و أبو أمامة و معاوية بن حيدة المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 1908

خلاصة حكم المحدث: صحيح بمجموع طرقه

اركع بعض الركعات اعمل عمل خير ولو كان بسيطاً ولو كان إطعام حيوان مثلاً لكن بالسر لا يعلم بذلك أحد

فقد كان الصالحون يستحبون أن يكون للرجل عمل صالح مخبئ لا يعلم به أهل بيته ولا زوجته ولا أحد ولكن هل تظن أنك إذا تبت من معصية معينة فعلتها في الخلوة عل تظن أنها لن تمر عليك مرة أخرى؟

مستحيل ،قال بعض العلماء مامن تائب يتوب من معصية إلا وعرضت عليه نفس المعصية مرة أخرى بالخلوة ليتخبره الله تعالى هل هو صادق في توبته أم أنه ضعيف فيها فإذ عرضت عليك هذه المعصية وأنت لوحدك وتستطيع ان تفعلها فهذه فرصة لك الآن لتسمح ذنوبك قال الله تعالى في سورة الملك (( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَ‌بَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَ‌ةٌ وَأَجْرٌ‌ كَبِيرٌ‌ )) ﴿المُلك / ١٢﴾

ولاحظ أن الله ذكر هذه الآية مباشرة بعد ان وصف النار وكأن مخافة الله بالخلوة هي النجاة من تلك النار فإذا نجوت من النار فأين ستذهب كل الناس للجنة طبعاً هل كنت تظن انها جنة واحدة فقط ؟

لا ،الّذي يخاف من ربه لا يحصل على جنة واحدة بل على جنتين اثنتين الناس جنة واحدة وهو يملك جنتين اثنتين ،قال تعالى

(( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَ‌بِّهِ جَنَّتَانِ )) ﴿الرحمن / ٤٦﴾

يقول بعض الصالحين كم من معصية منعتني منها هذه الآية كم معصية في الخفاء منعتني منها هذه الآية .

قال نافع خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة مع أصحاب له فوضعوا سفرة طعام فمر بهم راعٍ للغنم

فقالوا له : هلم ياراعي تناول معنا الطعام

فقال الراعي : إني صائم

فقال له عبد الله بن عمر : في هذا اليوم شديد الحر وأنت بين الجبال ترعى الغنم

فقال الراعي : أبادر أيامي الخالية كما قال تعالى :

(( كُلُوا وَاشْرَ‌بُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ )) ﴿الحاقة / ٢٤﴾

فعجب ابن عمر وسأله : هل تبيعنا شاةً من غنمك نذبحها ونطعمك من لحمها تفطر بها ونعطيك ثمنها

فقال الراعي : إنها ليست لي إنها لسيدي فأراد ابن عمر أن يختبره فقال له : اذبحها وقل له أكلها الذئب

فرفع الراعي إصبعه إلى السماء وقال فأين الله

يقول فكان عبد الله بن عمر يردد هذه الكلمة يقول قال الراعي أين الله ،قال الراعي أين الله

حتى وصل إلى المدينة فبحث عبد الله بن عمر عن سيد الراعي فاشترى منه الراعي فأعتق الراعي ووهب الغنم للراعي رضي الله عنه وأرضاه .

الخلوة بالله غنيمة ليس كل الناس يحسن التصرف بها ليس كل الناس يفوز بها والله لا أخفيكم انا الآن أن أستمر في فضل حسن العبادة في الخلوة فتظن أني أبالغ وانا والله لا أبالغ هذا كتاب الله وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا شيء من لدني

أتدري أن الإنسان إن استمر على خشية الله في الخلوة إن استمر على ذلك أتدري ماذا سيرى أمامه سيرى الله ! تعالى بجماله و جلاله وجمال صفاته يوم القيامة كما أنه يشاهد البدر هنا في الدنيا عندها سيشعر بلذة في صدره ما أحس بها منذ أن ولدته امه أجمل وألذ وأحلى شعور ممكن أن يمر عليك في الحياة الدنيا والآخرة هو شعور اللذة برؤية الله تعالى

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم أي شيء أجمل من أن يكون الله الّذي لا إله إلا هو متجلياً لك قد كشف لك عن الحجاب وحجابه النور سبحانه فينظر العبد إلى الله تعالى نظرة لم يسبق لها مثيل كل هذا لأني خشيته بالخلوة ؟

طبعاً هو الّذي حكم بذلك سبحانه قال تعالى في سورة ق :

(( مَّنْ خَشِيَ الرَّ‌حْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿٣٥﴾ ))

أتدري ماهو المزيد المزيد هو رؤية الله تعالى كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لا حظ معي كيف أن الجزء من جنس العمل لما ترك العببد المعصية أثناء الخلوة لأن الله ينظر إليه ،ررزق الله تعالى العبد يوم القيامة النظر إليه ، الله أكير

ولا تظنن ان ترك المعصية الشيء الوحيد الفاضل أثناء الخلوة وحدك فحتى الطاعات في السر تكون أفضل لأن صورتك أمام الله تعالى في الخلوة تختلف تمامً عن صورتك أمامه إذا كنت بين الناس فأنت تحصل مقابل عبادة معينة على كمية معينة من الحسنات لكن نفس العبادة لو فعلتها بالخلوة لوحدك لحصلت على حسنات أكثر

فعلى الإنسان الذّكي أن يعرف قيمة الخلوة فإذا كن لوحدك فاستثمر كل دقيقة بشحن رصيد في الآخرة جنة أو جنتين تفرح بهما يوم القيامة قل شيئاً من الأذكار ركعتين لا يعلم بهما أحد تحرك قليلاً صدقني حتى الدمعة تفرق ،بكاء العبد من خشية الله عموماً له أجر فإذا حدث هذا البكاء في الخلوة رزق الله تعالى العبد أجراً أكثر بحيث يدخله تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( سبعةٌ يظلُّهم اللهُ يومَ القيامةِ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه : إمامٌ عادلٌ ، وشابٌ نشأَ في عبادةِ اللهِ ، ورجلٌ ذكر اللهَ في خلاءٍ ففاضت عيناه ، ورجلٌ قلبُه معلقٌ في المسجدِ ، ورجلان تحابا في اللهِ ، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسِها فقال : إني أخافُ اللهَ ، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما صنعتْ يمينُه ))

الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6806

خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

هؤلاء يتعبدون في الخلوة يحضر الله تعالى لهم يوم القيامة مفاجأة لم يكشف عنها سبحانه قال تعالى عن الّذين يتعبدون بالخلوة :

(( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّ‌ةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ﴿السجدة / ١٧﴾

ماهي هذه المفاجأة لا أدري والله هو سبحانه قال

(( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّ‌ةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )) ﴿السجدة / ١٧﴾

فعلاً مفاجأة لا أعرف لكني عن نفسي متأكد انها مفاجأة جميلة ورائعة لأنه سبحانه جميل يحب الجمال واختياراته دائماً تكن جميلة سبحانه هو عودنا على ذلك ولكن لاحظ كيف انهم اخفوا عباداتهم فأخفى الله جزاءهم هذا زيادة في التشويق زيادة في السعادة والجزاء من جنس العمل

أهل المحبة الّذين تعبدوا الله في الخلوة ينتظرون المفاجأة على أحر من الجمر

لأنهم يعلمون أن الله تعالى سيفرح بإعطائها لهم و هم يحبون فرحه سبحانه يحبون الشيء الذي يحبه سبحانه فاستغل هذه الخلوة قدر المستطاع وإياك إياك ان تكون أول الخاسرين بالخلوة إياك ان تكون من هؤلاء الّذين إذا حصلت لهم الخلوة بالله فأول شيءٍ يقومون به له سبحانه أن يعصوه

لا يكن تعالى في قلبك أهون من ينظر إليك فهو عزيز يستحي منا فمن باب أولى أن نستحي نحن منه

اللهم اقسم لنا من خشيتك ماتحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ماتبلغنا به جنتك ومن اليقين ماتهون به علينا مصائب الدنيا

اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا لذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك بغير ضرّاء نضرة ولا فتنة مضلة

اللهم إنا نسألك أن تجمعنا بحبيبنا نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ننظر إليه و نحادثه و نجتمع معه في الفردوس الأعلى اللهم آمين نحن وإياكم ومن تحبون

والحمد لله رب العالمين

::مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي

http://3refe.com/vb/showthread.php?t=240831