الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد:

يروى عن إمام مسجد أنه قال أحضرت أمي إلى المستشفى وعندما بدأت الاحتضار خرجت منها رائحة عجيبة مثل العنبر .. يقول لا والله بل أحسن من العنبر والمسك.. يقول كلما زادت في الاحتضار زادت الرائحة في الانبعاث إلى أن قالت أمي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول فخرجت روحها الطاهرة ، يقول فسألني أحدهم : ماذا كانت تفعل أمك أو والدتك حتى ختم الله لها بهذه الخاتمة الحسنة العجيبة؟؟ فقال هذا الأمام : أمي منذ أن عرفتها لم تغتب أحدا أبدا بل لم تسمح لأحد أن يغتاب في مجلسها . يقول أمي إذا اغتبنا عندها وبختنا وطردتنا وهجرتنا ثلاثة أيام وتقوم أمي بالمقابل بمدح هذا الشخص الذي اغتبناه ، يقول هذا الأمام بقيت رائحة الغرفة يومين في الغرفة. الله أكبر ، انظروا كيف لما طيبت لسانها عن المعاصي في الحياة طيبها الله تعالى عند الوفاة .

أخي الكريم .. أختي الكريمة .. التلذذ بالعبادة لا يكون فقط بالفعل بل قد يكون بالترك أحيانا ، هناك أمور يكون تركها عبادة بل في الحقيقة يوجد شيئان نريد أن نتعبد الله تعالى بتركهما اليوم ، هذان الشيئان هما المتسببان في ثلثي عذاب القبر إذا تخلصت منهما فقد تخلصت من أغلب عذاب القبر بإذن الله تعالى .

الشيء الأول هو الغيبة.. ليست المشكلة أننا نغتاب .. المشكلة إننا قد لا نعرف الغيبة .. كثير من الناس يغتاب ويظن أنه لا يغتاب ، مثلا ينتقد شخصا غير موجود وإذا نصحته بالتوقف قال لك : أنا لم أكذب عليه هو فعلا فيه هذه الصفات.. هذا لم يعرف الغيبة . الغيبة ليست بأن تتكلم عن الشخص بكلام مكذوب عليه .. لا .. الغيبة هي أن تنتقد شخصا غير موجود بأشياء هي فعلا موجودة فيه ، أما إذا كان هذا الانتقاد غير صحيح فهذه مرتبة أشد من الغيبة .. هذه تسمى البهتان ونحن لا نتكلم عن البهتان .. نحن نتكلم عن الغيبة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أتدرون ما الغِيبةُ ؟

قالوا : اللهُ ورسولُه أعلمُ .

قال : ذِكرُك أخاك بما يَكرهُ .

قيل : أفرأيتَ إنْ كان في أخي ما أقولُ ؟ قال : إن كان فيه ما تقولُ فقدِ اغتَبتَه . وإن لم يكن فيه ما تقولُ فقد بَهتَّه

الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: غاية المرام - الصفحة أو الرقم: 426

خلاصة حكم المحدث: صحيح

بعضهم يجلس ربع ساعة أو نصف ساعة يغتاب صديقا أو لاعبا أو أحد المعروفين بالبلد ثم إذا انتفخ بطنه منه انتقل إلى الآخر وهكذا حتى يرجع إلى بيته ويظن أن قبره سيكون سليما في النهاية .. لا .. الموضوع ليس بهذه البساطة .

أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ مرَّ على قبرٍ يُعذَّبُ صاحبُه فقال : إنَّ هذا كان يأكلُ لحومَ الناسِ ، ثم دعا بجريدةٍ رطبةٍ

الراوي: يعلى بن سيابة المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 10/485

خلاصة حكم المحدث: رواته موثقون ، [ورواية أخرى] إسناده جيد

وبعض الناس يتكلم عن شخص في غيابه فإذا قيل له هذه غيبة ، قال أنا أقولها له في وجهه .. كونك أنك تقولها له في وجهه لا يفتح لك أبواب الغيبة .. إذا كنت قلتها له في وجهه فقد نصحته الحمد لله فما الفائدة أن تقولها الآن من خلفه؟

أنا والله لقد قرأت حديثا مرعبا جعلني دائما أفكر مرتين قبل أن أتكلم في أي أحد .. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لمَّا عُرِج بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نُحاسٍ يخمِشون وجوهَهم وصدورَهم ، فقلتُ : من هؤلاء يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاء الَّذين يأكلون لحومَ النَّاسِ ، ويقعون في أعراضِهم

الراوي: أنس بن مالك المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 4/12

خلاصة حكم المحدث: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]

أعوذ بالله

طيب ماذا عنك أنت إذا اغتابوك أنت ماذا ستستفيد ؟ إنك ستأخذ من حسنات الذي اغتابك بحسب كمية الغيبة فإذا اغتابك أكثر أخذت من حسناته أكثر فمسكين هذا والله الذي اغتابك مسكين إنه يبقى في المجلس يتحدث ويعصر الناس من هذا إلى هذا وهو في الحقيقة إنما يعصر نفسه من الحسنات ويوصلها إليهم وحتى إن انتهت حسناته وبقي من يطالبه بشيئا من هذه الغيبة فإن الأمر لم ينتهي .. الذين اغتابهم سيعطونه من سيئاتهم إذا لم يجدوا عنده حسنات يأخذوها لهذا لما قال رجل للفضيل بن عياض : إن فلان يغتابني ، قال: قد جلب إليك الخير جلبا يعني كأنه يقول هنيئا لك افرح . قال عبد الرحمن المهدي : لولا أني أكره أن يُعصى الله لتمنيت ألا يبقى أحدا إلا واغتابني ، يقول : وأي شيء أهنأ لك من حسنة تجدها في صحيفتك يوم القيامة وأنت لم تحسب لها حسابا . أنا والله أستغرب الذي يجلس طوال الليل يوزع حسناته التي تعب في جمعها في النهار منذ أن جلس في المجلس وهو يهدي فلانا من حسناته ويعطي فلان من عباداته .. كريم .. كريم في حسناته .

روي أن رجلا اغتاب الحسن رحمه الله فبعث الحسن إلى هذا الرجل بهدية وقال له : لقد بلغني أنك أهديتني من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها ، حتى عبد الله بن المبارك يقول : لو كنت مغتابا أحد لاغتبت أمي وأبي لأنهما أحق الناس بحسناتي. سبحان الله انظروا كيف يفكرون !!

قد يقول قائل: لقد اغتبت أشخاص في ما سبق .. فماذا أفعل الآن؟ هل أذهب إليهم وأخبرهم لكي يجعلوني في حِل؟ سنذكر جواب هذا لكن في نهاية الحلقة.

دعونا الأول نتخلص من الثلث الثاني من عذاب القبر وهو أشد من الغيبة .. إنها النميمة . النميمة تختلف عن الغيبة . النميمة هي نقل الكلام بين الناس ، مثلا أن يقول لشخص معين إن فلانا قال عنك كذا وكذا أو أن الجماعة الفلانية يتكلمون عنك في غيابك أو فلان لا يحبك. هذه نميمة . الفرق بينها وبين الغيبة أن الغيبة هي كلامك السلبي عن شخص غير موجود ، أما النميمة فهي أن ينقل إنسان كلامك السلبي هذا إلى الشخص الذي اغتبته فإذا ذهب وأخبره أنك تقول عنه كذا وكذا فقد وقع هذا الإنسان في النميمة.

أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة

الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: محمد ابن عبد الوهاب - المصدر: الكبائر لابن عبدالوهاب - الصفحة أو الرقم: 42

خلاصة حكم المحدث: [روي] بسند صحيح بمعناه من حديث أبي بكرة

وفي رواية ذكر الغيبة .

أنت في الغيبة والنميمة أحد أشخاص ثلاثة لا رابع لهم . في الغيبة إما أن تكون المغتاب وأرجو ألا تكون هو لأنه أشد الثلاثة وإما أن تكون الشخص الذي اغتابوه فهنيئا لك فأنت أسعد الثلاثة ستصل لك حسنات غالية بلا تعب ، وإما أن تكون الشخص الذي يستمع إلى الغيبة . فإذا كنت أنت الثالث فأنت الآن أمام مهمة إذا نجحت فيها ستحصل على جائزة عبارة عن حاجز بينك وبين النار يوم القيامة ، المهمة هي أن تدافع عن أخيك ولا تسمح لأحد بأن يغتابه فقل لهذا الإنسان : لو سمحت الشخص غير موجود ولا نريد أن نتكلم عن أحد .

قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :" مَن رَدَّ عِن عِرضِ أخِيهِ ، كان له حِجابًا من النارِ

الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 6263

خلاصة حكم المحدث: صحيح

وأيضا أنت في النميمة أحد أشخاص ثلاثة : إما أن تكون النمام وأنا أستبعد ذلك فأنت أخي الكريم وأنت أيضا أختي الكريمة أرفع من هذا إن شاء الله ، وإما أن تكون أنت الشخص الذي نموا عليه أي نقلوا كلامه وهذا يحتمل احتمالين : إما أن يكونوا افتروا عليك أنك قلت هذا الكلام وأنت لم تقله أصلا فهنيئا لك كل هذه الحسنات التي ستحصدها منهم ، وإما أن تكون فعلا قلت هذا الكلام فعليك أن تتوب من الغيبة وطبعا هذا لا يبرر ما فعلوه من نقل كلام إلى الشخص الذي تكلمت عنه وعلى هذا فعليهم أيضا أن يتوبوا من النميمة .

أما الشخص الثالث في النميمة فهو الذي نقلوا إليه النميمة فإن كنت هذا الشخص فأنت الآن قد تعرضت لهجوم ، عليك أن تحافظ على ثلاثة أشياء : أولا: حافظ على قلبك إياك أن يتغير على الشخص الذي نقلوا لك أنه تكلم عليك بل لا يجوز أن تصدق هذا النمام لأن شهادته مردودة غير مقبولة حتى في القضاء لأن النميمة كبيرة من الكبائر وهي تسقط عدالة الشاهد .

ثانيا: حافظ على سمعك فلا تسترسل بسماع هذه النميمة بل أوقف هذا النمام عند حده أوقفه فلولا أنه وجد آذان صاغية لما استطاع أن يقوم بجريمة النميمة كاملة لكن المشكلة أننا نسمع له فإذاً هو سيتكلم . ثالثا: حافظ على لسانك فلا تنقل هذه النميمة فتقول لشخص ثالث فلان تكلم عني قال في كذا وكذا لكي لا تصبح أنت جزءا من هذه النميمة.

جاء رجل إلى أحد العلماء فقال له إن فلان يقول عنك كذا وكذا ، أتدرون ماذا قال العالم ؟!! فقال له : أتريد أن توقع بيني وبين أخي والله لأغيظن الشيطان الذي أمرك بهذه النميمة .. اللهم اغفر لي ولأخي.

ولا تطمئن لهذا النمام فالعلماء يقولون من نم لك نم عليك. ومن أخبرك بشتم أخيك لك فالذي أخبرك هو الذي شتمك في الحقيقة ، لماذا؟ لأن السهم الذي خرج من أخيك وقع على الأرض لم يصبك ولم تعلم به فجاء هذا النمام فأخذ السهم من الأرض ووضعه في قلبك ، قال يحيى بن أبي كثير : يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في شهر .

يروى أن رجلا في السابق باع عبدا وقال للمشتري : ما به عيب إلا النميمة فاستصغرها المشتري وقال : رضيت. فاشتراه فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه : إن سيدي لا يحبك وهو يريد أن يتزوج عليك فخذي موس واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك ، ثم ذهب للزوج وقال له: إن امرأتك قد اتخذت حبيبا وهي تريد أن تقتلك الليلة فتصنع النوم كأنك نائم حتى تتأكد من كلامي .. سبحان الله.. فتناوم لها وتصنع النوم قال فجاءت المرأة بالموس لكي تأخذ الشعرات فظن أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج فتعارك أهل الزوج مع أهل الزوجة فوقع قتال بين قبيلتين من المسلمين والله المستعان.

قد يقول قائل أنا وقعت في السابق في الغيبة والنميمة ، فما هو الحل؟ هل أذهب إلى الذين تكلمت عنهم فأطلب منهم الحِل وأن يسامحوني؟

الراجح والصحيح من أقوال أهل العلم أنك لا تخبرهم لأن هذا سيجعل في قلوبهم غلا اتجاهك وقد حرمت الغيبة والنميمة بسبب الغل والشحناء التي تحدثه في قلوب الناس فكيف تزيد أنت هذه الشحناء بإخبارهم ؟!!

طيب ماذا عن حسناتي ؟!! أنا أخشى أن يأخذوا من حسناتي يوم القيامة مقابل الغيبة والنميمة التي وقعت مني ..

لا تخف .. يوجد حل ذكره أهل العلم. الحل هو أن تدعو لمن اغتبته في ظهر الغيب بمقدار الغيبة والنميمة لكي يصل إليه من الحسنات ما يساوي المقدار الذي كان سيأخذه منك يوم القيامة فتكون قد كافأته ونجوت أنت بحسناتك ، أصلا سيكون هناك ملكا من الملائكة سيؤمن على دعائك ، فتقول : اللهم اغفر له وارحمه فيقول الملك : آمين ولك بمثل ، أي أنك ستحصل على نفس الأجر أيضا كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وحاول أيضا أن تمدحه بما هو فيه على الحقيقة عند نفس الأشخاص الذين اغتبته عندهم كي تصحح من خطأك .. قال قتادة : عذاب القبر ثلثه من الغيبة وثلثه من النميمة .. فإذا تخلصت من الغيبة والنميمة فقد تخلصت من ثلثي عذاب القبر .

قد يقول قائل أنا لا أتذكر الذين اغتبتهم ماذا عساي أن أفعل؟ نقول ادع دعاءا عاما قل : اللهم اغفر لجميع من اغتبتهم وإن كنت لا أذكرهم . اللهم ارحمهم وكافئهم من الحسنات وهكذا ادع لهم.

اسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحفظ ألسنتنا وقلوبنا وأن يرزقنا في الآخرة لذة النظر إلى وجهه الكريم آمين والحمد لله رب العالمين.

مع الشكر لفريق تفريغ منتدى الشيخ محمد العريفي

http://3refe.com/vb