الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد: التوبة ثلاثة أنواع: بين كل نوع والآخر كما بين السماء والأرض .

النوع الأول من التوبة هو توبة العامة ، النوع الثاني هو توبة الخاصة ، النوع الثالث وهو أعلاها وهو توبة خاصة الخاصة .

قال الله سبحانه وتعالى :" هُمْ دَرَ‌جَاتٌ عِندَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ‌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿١٦٣﴾ سورة آل عمران.

ما الفرق بين هذه الأنواع الثلاثة؟ الفرق هو أن النوع الأول وهو توبة العامة تكون توبة عن الذنوب والمعاصي .. تكون التوبة عن الغيبة أو الزنا أو الربا أو الشتم أو النظر للمحرمات ، هذه توبة عامة الناس وهؤلاء الناس تُبدل سيئاتهم التي تابوا منها إلى حسنات . قد يقول قائل وهل توجد توبة أخرى؟ هذه هي التوبة التي نعرفها !

لاااااا ، توجد توبة أعلى من هذه وتُسمى توبة الخاصة وهي لخواص عباد الله عز وجل وهذه التوبة ليست واجبة بل هي مستحبة وهي أن يتوب العبد من ترك المستحبات يعني أن يتوب من تركه لقيام الليل .. يتوب من عدم قوله لأذكار الصباح والمساء .. مثلا في يوم من الأيام تكاسل عن صلاة الضحى فيتوب من تكاسله ذلك اليوم. هذه توبة الخواص. طيب لماذا يتوب؟ هل هو قد فعل معصية؟؟؟!! لا لا ، هذه التوبة ليس سببها أنه فعل معصية.. سببها أنه قد قصر في طاعة مستحبة ، لقد أحس بالندم لأنه ترك شيئا يحبه الله تعالى فتاب من هذا الترك وإلا فهي غير واجبة على العبد كما ذكرنا. إنها توبة مستحبة إن فعلها أخذ أجرها وإن لم يفعلها فلا شيء عليه لهذا فهي توبة خواص المؤمنين ، ومع هذا توجد توبة أعلى ، أعلى من هذه أيضا!! قد يقول قائل : لا يمكن شخص فعل الواجبات ولم يترك المستحبات يتوب من ماذا؟!! ماذا بقي عليه ليتوب منه ؟!! بل توجد توبة أخرى لكن هذه توبة خاصة الخاصة وهي أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها العبد في التوبة وهي أن يتوب العبد من فعل المباحات فتصبح أعماله كلها حسنات ولا مكان للمباح .

قد يقول قائل : المباحات ليست محرمة أصلا فلماذا أتوب منها؟ يعني هل هذا يعني أن أبقى طوال اليوم في المسجد لا أخرج!!

الجواب : من قال أن التوبة تكون فقط في المحرمات ؟ يمكنك أن تتوب توبة ليست في المحرمات فقط لكن توبة تحول المباحات إلى ثواب وحسنات يعني أنك تفعل نفس المباحات التي كنت تفعلها في السابق لا يتغير عليك شيء ولكن تحول هذه المباحات إلى مستحبات والذي يفعل ذلك لا شك بأنه في أعلى مقام عند الله تعالى ، قال الله عز وجل :"... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ..." (9) سورة الزمر.

كيف أحول المباحات إلى مستحبات؟

الجواب : توجد طريقة تحول المباحات إلى مستحبات باستخدام النية الذكية ، كيف؟ إذا أردت أن تفعل مباحا فانوي أنك تريد فعله لتتقوى به على طاعة الله تعالى ، مثلا أن تأكل بنية التقوي على الصلاة لأنك إن لم تأكل لن تستطيع الخشوع في الصلاة هذا واقع. أنت ستنام ستنام لماذا تنام هكذا بلا نية .. سبع ساعات بلا ثواب .. خسارة!! ولكن انوي بنومك التقوي على الأذكار لأنك إن لم تنم فمن المستحيل أن تركز لا في الأذكار ولا في العمل ولا في أي شيء ولهذا النية يسمونها تجارة الأبرار لأنها في الحقيقة تجارة الأذكياء يجعلون الأشياء التي ليس فيها حسنات حسنات ، إنهم يحولون التراب إلى ذهب بالنية.

قال بعض أهل العلم المؤمن وقت الراحة بالنسبة له طاعة ووقت الطاعة بالنسبة له راحة . العجيب أن هذه النية سهلة لا تتعب أحدا ، هل رأيت أحدا يتعب إذا نوى يعنى هل دخل إلى البيت أحد من أهلك وقال لك : صح أنا اليوم تعبت نويت نويت نويت ولم أعد أستحمل ، هل يحدث هذا؟!! لا ، النية بسيطة حتى ولو أكثرنا منها لا نصاب لا بشد عضلي ولا تمزق بالأربطة ولا شيء، النية سهلة ولكن أتدرون ما الغريب؟ الغريب أنها مع سهولتها القليل من يتذكرها ، فما هو الحل؟ الحل هو التوفيق ، التوفيق من الله عز وجل ، اطلب من الله تعالى أن يوفقك لها ، قل " اللهم اهدني فيمن هديت " ، "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"

إذا رآك الله سبحانه وتعالى صادقا في الرغبة إليه أخذ بيدك إليه وشرح صدرك لتذكر أحسن العبادات بل ستراه يلقي النية الصالحة في قلبك إذا علم أنك فعلا تريدها من كل قلبك ، قال الله تعالى :" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ..... ﴿٦٩﴾سورة العنكبوت .

قد يقول آخر : لماذا هذا التشدد؟ حتى المباحات تريد أن نحولها إلى مستحبات ، نقول: ومن ألزمك؟ لا تحول المباحات إلى حسنات ، هذا أمر مستحب شيء اختياري لمن أراد ذلك فإن شئت أن تفعله فهذا قرارك ولكن إن لم ترغب بفعله فلا تمنع غيرك من أن يحصل على المستحب ، لماذا تنكر شيئا يزيد من حسنات الناس ، دعهم يجتهدون أنت لن تخسر شيئا والناس يتفاوتون في العمل ، قال الله تعالى :" هُمْ دَرَ‌جَاتٌ عِندَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ بَصِيرٌ‌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴿١٦٣﴾ سورة آل عمران.

إذا خلاص اتفقنا على أن نحول المباحات إلى طاعة وحسنات بالنية ، طيب الآن أنا أعرف ماذا سيحدث .. بعض الإخوة والأخوات سيقول المشكلة أني لا أعرف ما هي النية التي أحول بها المباحات إلى حسنات يعني أنا لا أعرف النوايا التي تحول المباحات أصلا إلى مستحبات ..بسيطة .. إذا أردت أن تذهب إلى العمل لا تنوي الذهاب للوظيفة فقط لكي لا يخصموا من راتبك .. لا لا .. انوي أن تعف أهلك وأولادك عن الحرام وأن تعمر بلدك المسلم وأن تخدم المسلمين وأن تقضي مصالحهم ومعاملاتهم عندها سيكون ذهابك للعمل في كل يوم أكثر ثوابا وأجرا وليس فقط مباحا .. إذا أردت أن تقود السيارة لا تنوي فقط التنقل من مكان إلى أخر .. لا .. انوي أيضا أن تستخدم السيارة في حسن الخلق فتحصل على أجر لأنك تقود السيارة في حسن خلق .. في دراستك انوي أن تفرح والديك وأن تنفع المسلمين بعلومك وسيصبح ذهابك للدراسة في كل يوم أجر في أجر .. إذا أردت أن تلعب الكرة لا تنوي فقط الترويح عن النفس والرغبة بالفوز بل انوي أيضا أن تدخل السرور على إخوانك المسلمين الذين يلعبون معك وأن تقوي جسدك بالرياضة .. توجد أشياء كثيرة كثيرة .. هذه فقط أمثلة.

بعض الناس يقول أنا لا أحس أني أحول المباحات إلى مستحبات بالنية لأني سأفعل المباح سأفعله فلا أحس أني أفعله لله فكأني أٌقول النية هكذا بلا طعم ولا لون ، فهل لي فيها أجر؟ لا أحس أني أفعلها لله !

الجواب / في الحقيقة يوجد ضابط هو الذي يبين لك هل فعلت هذا المباح لله أم لا؟ الضابط هو أن يوافق فعلك نيتك بحيث تكون صادقا في هذه النية ، كيف؟ سأضرب مثالا : لو فرضنا أن شخصا أراد أن يحول الأكل الذي هو مباح إلى مستحب النية فنوى بالطعام التقوي على الصلاة لكنه أكل وأكل حتى انتفخ وأصبح ثقيلا في الحركة فهذا في الحقيقة غير صادق في نيته ولن يؤجر عليها لأنه قال أريد أن أستعين بالطعام على الطاعة وفعله ليس فعل من يستعين بالطعام على الطاعة بل أصبح الطعام مثقلا عن الطاعة بسبب كثرته ، وأما إذا أكل بقدر مناسب فهذا هو الذي تتحول مباحاته إلى حسنات.

ولو أراد شخص أن يحول المباح في الوظيفة إلى أجر فنوى بذهابه للعمل أن يساعد المسلمين فإذا كان فعلا يساعدهم فهو صادق وإما كان يقول لهم تعالوا في الغد ويؤخرهم بلا سبب فهذا غير صادق بنيته فلا يؤجر ، وهذا الذي نوى بالنوم التقوي على الطاعة ولو كان صادقا فعلا لما نام الساعة الثانية ليلا لأنه لن يستيقظ أصلا لصلاة الفجر ، المسألة ليست فقط نية بل يجب أن نكون صادقين في هذه النية بحيث لا تخالف النية الفعل .

ما مضى كان أنواع التوبة .. أما أنواع الناس جميعا أمام الله تعالى التائب وغير التائب فهم ينقسمون إلى أقسام ثلاثة: أصحاب الشمال وأصحاب اليمين والسابقون السابقون أولئك المقربون ، طيب ما الفرق بينهم؟

أصحاب الشمال هم الذين فعلوا محرمات كالربا والزنا والكذب أو أنهم تركوا واجبات كالصلاة أو الحج أو بر الوالدين ثم ماتوا وهم لم يتوبوا من ذلك هؤلاء أصحاب الشمال.

أصحاب اليمين هم الذين فعلوا الواجبات وتركوا المحرمات لكنهم لم يجتهدوا بالمستحبات .

أما السابقون فهم الذين تابوا من المحرمات وتركوا المكروهات وعندما فعلوا الواجبات زادوا عليها فعل المستحبات كالسنن الرواتب وقيام الليل والأذكار والنوايا المستحبة التي ذكرناها في الحلقة فصاروا من السابقين لأن الجنة ليست على درجة واحدة .

السؤال الآن: من أي المراتب تحب أن تكون أنت؟ أعيذك بالله أن تكون من أصحاب الشمال وأحب أن تكون من أصحاب اليمين لكني سأدعو لك أن تكون من السابقين .

اسأل الله أن يوفقكم وأن يشرح صدوركم وأن يغفر ذنوبنا كلها وأن يدخلنا وإياكم الفردوس الأعلى بلا حساب ولا عذاب.

:::::

مع الشكر لفريق التفريغ في منتدى الشيخ محمد العريفي

http://www.3refe.com/vb