الحقوق محفوظة لأصحابها

طارق السويدان
أين يكمن الخطأ في كتاب التاريخ ؟

هل هو في المنهج أم في الأسلوب ؟

هل هناك علاقة بين شهرة الخبر ومصداقيته ؟

وكيف يمكن تجنب القصصية والنخبوية التاريخية؟

وهل تاريخنا تاريخ ملوك ام شعوب ؟

وما مصداقية بعض القصص المشهورة جدا في التاريخ؟

المقدمة

تحدثنا عن أخطاء المؤرخين واليوم نواصل الموضوع بالحديث عن أخطاء كتابة التاريخ .

1. المرجعية : الاعتماد على مصادر تاريخية غير مرجعية ولا أصلية ولا موثقة

فالأصل أن يتعامل المؤرخ مع المؤلفات الأصلية لا المؤلفات التي نقلت من المؤلفات الأصلية فربما أخطأت تلك المؤلفات في النقل أو أضاف من عنده أو قدم تحليلا مناقضا للأحداث التي لم يطلع عليها في المصدر الأصلي.

قال تاج الدين السبكي فيما نقل عن والده تقي الدين السبكي عن شروط المؤرخ : ( بتصرف)

1. يشترط فِي المؤرخ الصدق .

2. أن يكون دقيق النقل

3. لا يؤخر كتابة ما سمعه حتى لا يتوهم بعد ذلك.

4. أن يسمى المنقول عنه ، فهذه شروط أربعة فيما ينقله

ويشترط في التعريف وترجمة الشخصيات:

1. عارفا بحال الشخصية التي يعرف بها، علما ودينا ، وغيرهما من الصفات.

2. أن يكون حسن العبارة ، عارفا بمدلولات الألفاظ .

3. أن يعبر عنه بعبارة لا تزيد عَلَيْهِ ، ولا تنقص عنه .

4. أن لا يغلبه الهوى ، فيخيل إليه هواه الإطناب فِي مدح من يحبه ، والتقصير فِي غيره .

تابع أخطاء كتابة التاريخ

2. القصصية : الاكتفاء بجانب السرد دون التعمق لاستخلاص العبر والدروس.

فالمطلوب تأمل الأخبار والوقائع التاريخية بعد التثبت من صحتها للوقوف على أسبابها لاستنباط السنن الحاكمة في مسيرة تاريخ الأمم والشعوب.

فمعرفة الأسباب من أهم وسائل معرفة حقائق التاريخ و يعبر ابن تيمية عن ذلك بقوله : ( فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب ، والله خالق الأسباب والمُسَبَّبَات)(الفتاوى).

3. الأحادية :

فصل التاريخ العسكري والسياسي عن التاريخ الحضاري والفكري.

فبعض الأحداث من الأفضل أن نربطها بظروفها الحضارية والعلمية

وخير مثال على ذلك فتح القسطنطينية حيث يروى أن سلاح المدفعية كان حديث الاختراع، وكان الأتراك قد بدؤوا يصنعون بعض المدافع في الأناضول، ووصل في هذه الأثناء أحد مهندسي المدفعية المجريين واسمه أوربان، إلى بلاط الفاتح، حيث لقي الترحيب،

وصنع هذا المهندس بطلب من السلطان عدداً من المدافع الضخمة، ومنها المدفع السلطاني أو المحمدية في المصادر الغربية، الذي كان أضخم مدفع عرفه التاريخ في ذلك العصر، وزنه 700 طن، وزن قذيفته 12 ألف رطل، ومرماه ميل واحد، ويجره 60 ثوراً أو أكثر ،

وقد أعد الفاتح أضخم قوة مدفعية لإتمام هذه المهمة التي عجز عنها كثير من الفاتحين فيما سبق ، فوجود بيئة قيادية تشجع العلماء لدرجة أن يهاجر العلماء من دولهم ليصلوا إلى مقر الخلافة ويعرضوا أفكارهم العلمية ويتم تشجيعها من القيادة العليا لدليل على أهمية وضرورة قراءة التاريخ بمضمونه الحضاري وليس بمضمونه الأحادي السياسي أو العسكري.

4. النخبوية :الاهتمام بتاريخ النخبة الحكام وإهمال تاريخ الشعوب والتفاعل الانساني.

فلا شك أن تأثير الطبقات الحاكمة كبير وقراراتها تحول أحيانا مسارات الأحداث والتاريخ. وقراراتهم مؤثرة في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية والعلمية والفنية و الانسانية.

ولكن هذا لا يعني إهمال تاريخ الشعوب وتأثيراتهم في مجمل الحياة الاجتماعية والفكرية وطبيعة العلاقات السائدة والعادات والتقاليد الحاكمة وطبيعة البيئة والتأثيرات المتبادلة بين الشعوب ومكانة المرأة ووضع الصحة والتعليم والعمران والحياة الفكرية والهوية السائدة في المجتمع والأعمال الاقتصادية في تلك الأزمنة والبيئة الفكرية من مفكرين وشعراء ومجالس فكر وحلقات علم والعلوم السائدة والأفكار المنتشرة وعلاقة الأمة بالأمم الأخرى ومدى تأثرها بهم كحضارة رائدة في ذلك الوقت.

5. التقسيمية :

تقسيم التاريخ إلى عصور منفصلة والتعامل معها كالجزر التي لا رابط بينها ولكل أمة من الأمم تحقيب ( تقسيم )خاص بها، ومن أمثلة هذه الطرق:

أولاً: التحقيب الأوروبي للتاريخ ما بين عصور ما قبل التاريخ تبدأ من أول الخليقة إلى اختراع الكتابة ثم عصور التاريخ وتقسم إلى ثلاث أقسام:

ـ التاريخ القديم: ويشمل الحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية وينتهي بسقوط مدينة روما أمام الغزو الجرماني سنة 476م.

ـ التاريخ الوسيط (العصور الوسطى): يبدأ من سقوط روما وينتهي بسقوط القسطنطينية على يد العثمانيين سنة(857هـ/1453م). وبعضهم قال ينتهي باكتشاف قارة أمريكا سنة (1492م).

ـ التاريخ الحديث والمعاصر: يبدأ من سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين أو باكتشاف قارة أمريكا إلى زماننا المعاصر.

ثانياً: التقسيم الماركسي:وهو يهتم بالتطورات البشرية القائمة على ظواهر اجتماعية متمثلة بصراع طبقات المجتمع.ويقسم تاريخ العالم إلى خمسة أقسام وهي:

ـ الفترة البدائية.

ـ فترة العبودية.

ـ الفترة الإقطاعية.

ـ الفترة الرأسمالية.

ـ الفترة الاشتراكية.

ثالثاً: تحقيب التاريخ الإسلامي:

ـ السيرة

ـ ثم الخلافة الراشدة

ـ ثم الخلافة الأموية

ـ ثم الخلافة العباسية.

ـ ثم الخلافة العثمانية

ـ ثم الاستعمار والتاريخ المعاصر.

وآفة هذا التقسيم أنه يعتمد فقط على قيام وسقوط الدول السياسية وليس على تغيرات فكرية أو اجتماعية أو اكتشافات علمية أدت لمنحنيات حادة في التاريخ ومعطياته كما أن هذا التقسيم لا يظهر ومنحنيات الصعود والهبوط في الأمة كبعض الأحداث الفاصلة كسقوط الأندلس وفتح القسطنطينية والحروب الصليبية والاجتياح المغولي لبغداد ..

6. التجميعية:

جمع كل الروايات الموجودة دون تمحيص او تدقيق.

و ظهرت مقولة :( إذا كتبت فقمّش ، وإذا حدثت ففتّش) أي إذا كتبت فجمّع ما وجدت وإذا حدثت ففتّش أي تثبت من الرواية .

فالمنهج العلمي يعتمد على جمع المصادر والأصول:فإن النقص في جمع المصادر قد يؤدي إلى التقصير في بنيان صورة حدث بعينه بفقدان بعض جوانبه ، كما يعتمد على حصر مرويات الخبر على وجه الاستيعاب:وذلك من أجل أن تتم عملية التمحيص على الوجه الأمثل، وكان علي بن المديني يقول :(الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه).

لكن نرى بعض كتب التاريخ قد اكتفت بالمقولة الأولى وهي تجميع الروايات دون الاهتمام ببيان الضعيف أو الموضوع منها.

7. الشهرة :

لا علاقة بين شهرة الخبر ومصداقيته.

قصة علقمة وأمه، يرويها الخطباء في بعض المساجد،

تقول القصة: إن علقمة كان عاقاً لوالديه، وكان يقدم زوجته على أمه، فحضرته الوفاة،

فطلب من أمه أن تسامحه فرفضت، فانغلقت عليه الشهادة فما استطاع أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله،

فذهبوا إلى أمه وقالوا: اعفي عنه، فقالت: لا.

فذهبوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فاستدعى أمه، فطلبها العفو فرفضت،

قال: اجمعوا لي حطباً، قالت: ما تريد بهذا يا رسول الله؟

قال: أريد أن أحرق علقمة ، قالت: غفر الله لـعلقمة ،

فذهبوا فوجدوه قد تشهد.

هذه القصة كذب وليست بثابتة،

ولم يروها أحد من أهل العلم الموثوق بهم في الكتب المعتمدة، ويكفينا من الأحاديث الصحيحة والآيات الواضحة في القرآن عن بر الوالدين قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23].

ميزان الحلقة:

من لا يدرس التاريخ قد يدفع ثمن إعادة أخطائه

http://www.suwaidan.com/node/6598