الحقوق محفوظة لأصحابها

مشاري الخراز
بسم الله الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله و صحبة و من والاه أما بعد:

يقول أحدهم دخلت على بشر الحافي رحمه الله في يوم من الأيام دون أن يشعر فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات جميلات يقول الرجل و الله أنا لا أحسن أن أصلي مثلها يقول ثم سمعته يقول دعاء في سجوده , أخواني أخواتي استمعوا إلى هذا الدعاء العجيب:

يقول الرجل فسمعت بشر يقول في دعاءه و هو لا يشعر بي : "اللهم انك تعلم و أنت فوق عرشك أن عدم الشهرة أحب إلي من الشهرة اللهم إنك تعلم وأنت فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى, اللهم إنك تعلم و أنت فوق عرشك أني لا أقدم على حبك شيئا"

يقول الرجل فلما سمعته أخذني البكاء لم أستحمل هذا المشهد الرباني فأحس به بشر سمعه فقال بشر في دعائه بعد ذلك وهو يصلي اللهم إنك تعلم إني لو أعلم أن هذا الرجل هنا لم أتكلم بما تكلمت به.

الله أكبر , إن السابقين مع شدة إخلاصهم لا يحبون أن يشعر أحد بعبادتهم و هذا بعكس المرائي يحب أن يراه الناس على عبادته

فالرياء هو أن يعمل العبد العمل من أجل أن يمدحه الناس أو أن يكثر من العمل الصالح من أجل أن يكون مشهوراً عندهم بأحد هذه الأعمال الصالحة كأن يشتهر عندهم أنه حافظ للقرآن أو أنه مصليٍ أو أنه صاحب علم شرعي و بعضهم يظهر العمل أمام أشخاص معينين طمعاً فيما عندهم كمن يظهر التقوى أمام المدير ليثق به أو يظهر التدين أمام بعض عملاءه لكي يزيدوه مبلغ عند البيع و الشراء أو أنه يريد أن يعرف أهل خطيبته بأنه صالح ليزوجوه و هكذا

المهم انه لم يعمل العبادة لله تعالى خالصة بل مع وجود رغبة بأن يمدحه الناس هذا هو الرياء

ماذا سأخسر إذا وقعت في الرياء ؟

أول شيء أخسره هو العمل الصالح الذي تعبنا فيه سيذهب فعندما يجازي ربنا العباد في الآخرة يقول للمرائين اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً ! لأنهم لن يحصلوا على أية حسنة من وراء هذا العمل الذي كانوا يراءون فيه .

لهذا قال ابن الجوزي رحمه الله عليه " إذا لم تخلص فلا تتعنى " أي لماذا تتعب نفسك و تجتهد بلا حسنات , إذا كنت مصراً على الرياء فلماذا تذهب و تتكلف العبادة بأن تقرأ القرآن برياء , تصلي قيام الليل فتسهر و تتعب برياء بلا مقابل , و إذا صمت تعطش و تجوع ثم ترائي فلا يكتب لك أجر لماذا كل هذا ؟

ريح نفسك تعمل بلا مقابل , لماذا ؟ يقول مالك بن دينار رحمة الله عليه قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى

أخي الكريم أختي الكريمة المصيبة في الرياء أن صاحبة يعمل و يتعب و في النهاية نسأل الله العافية يعذب أما إذا أخلصت لله فسيقبل الله عملك و سوف تتلذذ به في الدنيا و ستؤجر عليه و في النهاية ستدخل الجنة

ألا تلاحظون الفرق ! الغريب العجيب في الموضوع أن المرائي سيخسر الناس الذين كان يعمل لأجلهم سبحان الله بعد كل هذه التضحيات التي ضحى بها من أجلهم عندما هو ضحى بحسناته و ضحى بأعماله من أجلهم فإنه فوق هذا سيخسرهم !

نعم و الله, قال رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم " مَن التمَس رضا اللهِ بسخَطِ النَّاسِ رضِي اللهُ عنه وأرضى النَّاسَ عنه ومَن التمَس رضا النَّاسِ بسخَطِ اللهِ سخِط اللهُ عليه وأسخَط عليه النَّاسَ

الراوي: عياض بن حمار المحدث: ابن حبان - المصدر: صحيح ابن حبان - الصفحة أو الرقم: 4894

خلاصة حكم المحدث: أخرجه في صحيحه .

و خسارة الناس ليست هي أعظم خسارة للمرائي بل أعظم خسارة له على الإطلاق أنه سيخسر الله تعالى .

ربنا سبحانه غني و غيور سبحانه غيور لا يرضى أن يكون معه أحد في العمل و قد أخبر النبي صلى الله عليه و على آله و سلم أن قال اللهُ تباركَ وتعالَى : أنا أغنَى الشركاءِ عن الشركِ . مَن عمِل عملًا أشرك فيه معِي غيرِي ، تركتُه وشركُه

الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2985

خلاصة حكم المحدث: صحيح

و لو فرضنا الآن أن الملائكة نزلت فرضاً فقالت فلان مرائي لقد كان يعمل الأعمال الصالحة من أجلكم وليس لله

لو حدث هذا فعلاً ماذا سيحدث ؟سيسقط هذا الشخص من أعيننا ,في الحقيقة نجد سؤال هزني عندما سمعته أريدكم لو سمحتم أن توجهوه للمرائي

السؤال هو لماذا تعمل عباده من أجل مخلوق لو علم هذا المخلوق أنك كنت تعملها لأجله لسقطت من عينه ولماذا تترك الإخلاص للخالق الذي إذا علم أنك تعمل لأجله أحبك

فعلاً أنها مفارقه عجيبة, أخي الكريم أختي الكريمة الرياء مرض و يجب الإسراع في علاجه و إلا مات القلب من شدة هذا المرض , فما هو علاج الرياء ؟

علاج الرياء يكون بتأمل المريض يومياً للآتي

أولاً: إعلم أن الناس لو مدحوك فهم في الحقيقة لم يمدحوك و إنما مدحوا ستر الله عليك , أي مدحوا الستر الذي و ضعه الله علينا هذا الستر لو انكشف عنا لكان من المستحيل أن يمدحنا أي واحد منهم تخيل لو أن هؤلاء الذين يمدحوني الآن عرضت عليهم شاشة صغيرة فيها ذنوبي تظهر ذنب تلو الآخر , ذنب تلو الآخر هل تظن أنهم سيستمرون في المدح ؟

الجواب بالطبع لن يفعلوا معنا هذا إنهم كانوا طوال هذه المدة يمدحوننا بسبب ما وضعه الله علينا من ستر ,إذاً هم في الحقيقة يمدحون الستر الذي أنزله الله علينا

الجرعة الثانية التي يجب أن يتناولها مريض الرياء هي أن يعلم أن الناس لم يمدحوه هو و إنما قد مدحوا الله تعالى , صحيح إنهم قالوا عنك أنت أنك عابد أو إنك كريم أو إنك خلوق و لكنهم في الحقيقة كانوا يمدحون الله , كيف ؟

اسأل نفسك من الذي أعطاك هذه الفضائل أصلاً الجواب في سورة النحل قال تعالى (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ53) سورة النحل)

فكيف ترائي بشيء ليس لك يعني لو فرضنا أن جارك اهدي لك طعاماً و وضعته للضيوف فأعجبهم هذا الطعام جداً فصاروا يمدحون حسن طبخك له وإتقانك أنت لصنعه فما هو موقفك ؟

إذا كنت صادقاً فستقول لهم أنك لست صاحب الفضل في صنع هذا الطعام لست أنت من صنعته هو أنت متيقن من هذا في قلبك ,فإن نسبته إليك كان هذا من الخدع و الكذب أما إذا صدقت نفسك بأنك طباخ ماهر وأنك أنت فعلاً الذي صنعت هذا الطعام فهذا و الله شيء غير طبيعي

قال الله تعالى : "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَ‌ةٌ ﴿١٤﴾ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَ‌هُ ﴿١٥﴾)سورة القيامة ،تخيل معي شخصاً بيده أعزكم الله بعرن و الناس يقولون إنها تمرة إنها تمرة في يدك تمرة تمرة , تمرة ؟ فأكلها الله المستعان

سؤال ما هو سبب وجود حب المدح في قلوبنا, لماذا نحب أن يمدحنا الناس ؟ باختصار إنه تعلق قلوبنا بالناس فوالله ما أصابنا من الإدمان على المدح و الحساسية من الذنب بسبب إننا جعلنا للناس في قلوبنا اهتماما أكثر من قدرهم أكثر بكثير من قدرهم الذي يستحقونه لقد جعلنا لهم مكانة و أهمية كان من الأولى أن نقدمها لله تعالى فإن المخلص إذا قطع طمعه بالناس الذين يمدحونه لم يتأثر بمدحهم و لا بذمهم لأنك إذا استغنيت عن إنسان فمهما مدحك فلن يغير فيك شيئاً و مهما ذمك فلن يزعجك أبداً لأنك لا تعبأ به أصلاً, ألا ترى انك لو بلغك في عملك الصباحي أن الكناس الذي يكنس مكتبك يذمك لن تعبأ به و لن تهتم بما قال , و لو بلغك الخبر بأن المدير يذمك لاختلف شعورك تماماً , لماذا ؟ لأن رغبتك في رضا المدير أعظم بكثير من رضا الكناس بل إنها لا تقارن به .

حارب الرياء لا تتركه يسيطر عليك فأنت عبد لله أنت لا تعبد الناس و لا تعمل لأجلهم هذا يعتبر نوع من أنواع الشرك و كثير من الناس يستبعد أن يقع في الشرك مع إنه يوجد نوع من أنواع الشرك منتشر بين كثير من المسلمين , مسلمون و يقعون في الشرك , ما هو ؟ إنه الرياء

الذي سماه النبي صلى الله عليه و آله و سلم الشرك الخفي لأنه يخفى على كثير من الناس ,هذا النوع كان أكثر شيء يخافه النبي عليه الصلاة و السلام علينا حتى إنه قال (إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغرُ فسُئل عنه فقال: الرياءُ يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ للمرائين: اذهبوا إلى ما كنتم تُراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندَهم مِن جزاءٍ؟

الراوي: محمود بن لبيد الأنصاري المحدث: ابن باز - المصدر: فتاوى نور على الدرب لابن باز - الصفحة أو الرقم: 4/71

خلاصة حكم المحدث: صحيح

)( الرياء)

لأن أكثر شيء يكرهه الله تعالى هو الشرك ومن صرف العبادة لغير الله تعالى فقد أشرك و لا يظن الإنسان أنه في أمان من هذا الشرك , إبراهيم عليه السلام دعا ربه دعوه لو تفكرنا بها لما أمن الإنسان على نفسه بعدها , ورد في سورة إبراهيم أن إبراهيم عليه السلام دعا ربه فقال :" ...وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾سورة ابراهيم)

سبحان الله إبراهيم أبو الأنبياء يخاف أن يعبد الأصنام يخاف أن يقع في الشرك ماذا نقول نحن ؟ و إذا بدأت بترك الرياء فإن الشيطان سيغير خطته معك , لأنه يراك الآن مخلص قد أغلقته عليه باب الرياء فبدلاً من أن يقترح عليك شيئاً لن تقبله وهو الرياء يبدأ بتشكيك بالإخلاص فبعض الناس دائماً يشعر انه يرائي يرائي دائماً يقول له الشيطان أنت لست مخلصاً أنت مرائي وهو قد تعب من ذلك

فماذا يفعل ؟ توجد ثلاثة أسئلة إذا أجبناها أنحلت المشكلة السؤال الأول عندما تفعل عبادةً من العبادات هل أنت الذي تقرر هل ترائي أو تخلص أو أن الشيطان هو الذي يقرر بالنيابة عنك من الذي يملك قرار الإخلاص أنت أم الشيطان؟ الجواب أنا طبعاً حسناً إجابة صحيحة

السؤال الثاني هذا الذي يوسوس لك الآن و يقول لك أنت مرائي أنت مرائي و يفسد عليك خشوعك في العبادة هل هو ملك من الملائكة أم شيطان من الشياطين الجواب لا شك انه شيطان من الشياطين ما شاء الله ,

حسناً سؤال أخير في العبادة هل سيحاسبك الله على قرارك أم على وسوسة الشيطان لك ؟ الجواب طبعاً سيحاسبني على قراري و ليس على وسوسة الشيطان إذاً يا أخي إذا كان الأمر كذالك فلماذا تخاف من شيء لن يحاسبك الله عليه ! دعه يوسوس إلى أن يحترق ما الذي يهمك ! يا إخوه لا يوجد رياء غصب عن الإنسان إذا أردت أنت أن ترائي سترائي و إذا أردت ألا ترائي فلن ترائي انتهى الأمر !

هل تعلم ما هو الدليل على إنك لست مرائي الدليل هو أنك متضايق من هذا الشعور ولو كنت مرائي بالفعل لما تضايقت من هذا الرياء المرائي يريد الرياء فلماذا يتضايق من شعور الرياء ! ولكن لأنك لا تريد الرياء لهذا أنت متضايق

فلا تهتم بالشيطان لأنك إذا اهتممت به و اهتممت كبر في قلبك, انوي أنت الإخلاص و والله لو قال الشيطان أنت مرائي ألف مره فلن تكون عند الله مرائياً و الحمد لله انتهت المشكلة

اللهم تقبل منا عباداتنا اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه و نستغفرك لما لا نعلمه اللهم اجعلنا من المخلصين و اقبلنا برحمتك و أنت ارحم الراحمين و الحمد لله رب العالمين.

:: مع الشكر لفريق التفريغ في منتديات الشيخ محمد العريفي

http://3refe.com/vb/showthread.php?t=240831