الحقوق محفوظة لأصحابها

طارق السويدان
هل قدم لنا القرآن قوانين تاريخية تساعدنا على فهم حركة التاريخ ؟

وما سر تفرق القصص القرآني في سور القرآن الكريم ؟

وما هي قوانين التمكين والانحسار القرآنية ؟

لماذا تكررت محاولات اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ؟

وما سر انهزام المسلمين في معركة بلاط الشهداء؟

ولماذا صمدت غرناطة قرنين ونصف من الزمان تحت حكم بني الأحمر في وجه المد الإسباني؟

وكيف ساهم قناو نسوء العاقبة في ثورات الربيع العربي؟



المقدمة

المتأمل في القرآن الكريم سيجد أنه قد تضمن الكثير من القصص والأحداث التاريخية ، وعلاوة على ذلك تضمن على سنن وقوانين لفهم التاريخ وحركته.

القصص القرآني غير معني بعرض القصة كاملة في موضع واحد من القرآن بل قد يعرض مواقف وجوانب من القصة في سور متفرقة ليركز على العبر والدروس حسب موقعها من القصة وتفسيرها الموضوعي وليس لمجرد سرد للقصة ولذلك نجد مثلا أن قصة سيدنا موسى في العديد من السور القرآنية مثل سور البقرة والمائدة و الأعراف ويونس وإبراهيم والشعراء والقصص وليست محصورة في موقع واحد

كما تجد الكثير من القصص القرآني لم يذكر أسماء شخوص القصة لأن الأهم هو الفكرة والعبرة وليس الأسماء

وقد دفعنا القرآن إلى تأمل هذه السنن وكشفها ودراستها والبحث عنها،

قال تعالى: " (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران:137)



القواعد العامة للقوانين القرآنية:

‌أ.الربانية:

هذه السنن قوانين ربانية وليست حتمية أي تتحقق بإرادة الله قال تعالى : {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }الأعراف : 128

ولا يوجد مكان للصدفة قال تعالى :( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) ( الفرقان :2)

وأوضح مثال على ذلك فشل كل محاولات اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم سواء من قريش أو اليهود أو المنافقين لأن الله قدر أن يتم رسالته ولو كره الكافرون،

‌ب.الثبات :

قال تعالى : ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ) فاطر: 43

فهي قوانين لا تتغير بل تتكرر كلما توفرت أسبابها ودواعيها هي لا تخص زمن ولا أمة ولا مكان محدد.

وما جرى في غزوة أحد عندما خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا من الجبل لجمع الغنائم فالتف عليهم خالد بن الوليد وانكشف المسلمون ،تكرر في معركة بلاط الشهداء ،

فبعد أن التقى الجيشان الفرنجي والإسلامي في منطقة قرب مدينتي بواتييه في عام 114 هـ (أي بعد غزوة أحد بأكثر من قرن) ودارت بينهما معركة ضارية لمدة ثلاثة أيام, , انتصر فيها العرب أول الأمر وجمعوا غنائم كثيرة,

لكن دوق أكيتانيا هاجم مؤخرة الجيش الإسلامي حيث توجد الغنائم, فتراجع البعض لانقاذها,

فاختل توازن المسلمين وانهزموا واستشهد عبد الرحمن, وعدد كبير من رجاله, وانسحب الجيش الإسلامي أثناء الليل,

وبذلك توقفت الفتوحات الإسلامية في أوروبا الغربية.

ج.الحيادية:

قال تعالى:﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً﴾ سورة النساء:123.

هذه السنن حيادية لا تحابي أحداً دون أحد ، بل هي قائمة بالجميع أيا كان معتقده أو عرقه. ففكرة محاباة هذه القوانين لشعب الله المختار غير صحيحة

ولنوضح حيادية تلك السنن في قصة النهاية لغرناطة

فقد صمدت غرناطة قرنين ونصف من الزمان تحت حكم بني الأحمر في وجه المد الإسباني ، لأسباب كثيرة أهمها :

1.انحياز معظم الجنود المسلمين الأشداء الذين فروا من المدن الأندلسية التي سقطت في أيدي النصارى، وهبوا للدفاع عنها.

2.كان مؤسس دولة بني الأحمر محمد بن يوسف حازمًا عادلاً سخيًا، وهي صفات حببته إلى الناس، وجعلتهم يلتفون حوله.

3.موقع غرناطة الحصين بين الجبال وساحل البحر.

4. استطاع ابن الأحمر، بمعاونة العلماء أن يستخرج المعادن لزيادة موارد الدولة المالية ـ الزراعية والتجارية ـ وتنفيذ مشروعات حضارية طموحة مثل تشييد المدارس.

5. المساعدات العسكرية التي كانت تتلقاها غرناطة من أصدقائها أمراء بني مرين بالمغرب.

•وفي المقابل فلننظر إلى أسباب سقوط غرناطة بعد هذا المجد والصمود :

1. توالى على عرش دولة بني الأحمر بعد محمد الخامس سلسلة من ملوك بني الأحمر لم تكن لهم همة وقوة أسلافهم، فانغمسوا في الترف وغفلوا عن العدو المتربص بهم.

2. سقطت دولة بني مرين بالمغرب، فانقطع العون العسكري الذي كانت تمد به بني الأحمر.

3. وأيضا اتحدت مملكتا أراغون وقشتالة النصرانيتان، حين تزوج فرديناند ملك أراغون من إيزابلا ملكة قشتالة.

4. الخلاف بين المسلمين. فعندما عاد أبو عبدالله الصغير من الأسر مرغمًا على مساعدة الأعداء، شن على أبيه الحرب، وما لبث أن مات الوالد همًا وكمدًا ، بعد أن تنازل عن العرش لأخيه أبي عبدالله الزغل، آخر ملوك غرناطة العظام. فنازعه ابن أخيه في الملك، فشتت قوى الدولة في صراعات داخلية. فزحف الأسبان على غرناطة. وحاصروها إلى أن استسلمت.



قوانين التغيير

‌أ.لكل أمة أجل:

قال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }الأعراف:34

فقامت الدولة الأموية وسقطت وقامت بعدها العباسية وسقطت وأثناء الدولة العباسية ظهرت الكثير من الدول مثل العبيدية والطولونية والمرابطون والموحدون والدولة الإخشيدية و الدولة الحمدانية والدولة الأيوبية وغيرهم وقامت بعدهم العثمانية وأيضا سقطت .

ومع ثورات الربيع العربي نجد كثير من الحكومات سقطت بعد أن ظن أهلها أنهم قادرون عليها لدرجة تزوير نظام الحكم من جمهوري إلى وراثي ولأجل غير مسمى.

‌ب.التداول :

قال الله تعالى: "{ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ }آل عمران140. فلا يدوم السؤدد لأمة واحدة، إنما من سنة التاريخ أن تسود أمة ثم تسود أخرى على أنقاضها وهكذا، فما من أمة إلا ولها أجل.

الامبراطوريات العظمى والدول الكبرى والأمم العريقة كان لها يوم ثم دالت الأيام عليها. الامبراطورية الرومانية الحضارة البابلية الفرعونية الأمة الساسانية امبراطورية الاسكندر، وكورش وهكذا دواليك.

‌ج.الجهد البشري:

قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }الرعد:11

فالقرآن بسننه يؤكد ذلك ، ، قال تعالى : {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }مريم :25 وقال سبحانه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }الشعراء :63

عدم الفعل والركود والانتظار تشكل في ثقافتنا الاسلامية عبر القرون الماضية لأسباب عديدة،

تتضح وتتجلى ببعض أدعيتنا فنحن مثلاً ندعو "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين" حيث لا فعل لنا سوى الجلوس براحة والتفرج على حال الظالمين وهم يهلكون أنفسهم، ننتظر أن تنزل إرادة الله فتنقذنا من واقعنا.



قوانين الإنحسار

أ. سوء العاقبة

قال تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ }النمل69

والذي يذكر كيف علق القذافي المشانق لشباب ليبيا الطاهر على مدى يزيد على 40 سنة ، حيث كانت تتدلى جثثهم في أيام رمضان عند وقت الفطر ، ثم يؤتى بأمهاتهم وأخواتهم لإعلان التبرؤ منهم ، ويجبرن على الزغاريد ، ومن نفس الكأس يشرب جلادهم بعد أكثر من 42 سنة من القبضة الحديدية ، وسرقة المال العام وتبديده وتضخم الأنا وجنون العظمة دون أن يكون لسلطته محاسب أو مراقب يمكنه ردعه عند الطغيان ، فشاهدت أمم العالم سوء عاقبته ونهايته على أجهزة الفضائيات.

‌ب.الفساد الأخلاقي:

قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }الإسراء16

جاء رسول إلى الخليفة عمر بن الخطاب من إحدى الغزوات فبشرة بالنصر،

فسأله عمر : متى بدأ القتال ؟ فقال: قبل الضحى

فقال عمر : ومتى انتهى؟ فقال الرجل : قبل المغرب،

فبكى سيدنا عمر، فقالوا : يأمير المؤمنين نبشرك بالنصر فتبكى!!

فقال : والله أن الباطل لا يصمد أمام الحق طوال هذا الوقت الإ بذنب أذنبتموه أنتم أو أذنبتة أنا

‌ج. الظلم والطغيان

قال تعالى:(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } الأنعام:135

العدل مبدأ مقدس في القرآن الكريم لبقاء الدول والحضارات، قال تعالى قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }هود117



قوانين التمكين

أ.الابتلاء والتمحيص

قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ }البقرة :214

سأل رجل الشافعي رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله، أيُّما أفضل للرجل: أن يمكن أوأن يبتلى؟

فقال الشافعي : لا يمكَّن حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحاً، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم، فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة.

ب. التدافع:

قال الله عز وجل: "ولولا دفع اللهِ الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا" [الحج:17] في هذه الآية يبين الله أن سنة التدافع هي الكفيلة ببقاء الثقافات والحضارات وتنوعها -أشار إلى هذا التنوع بقوله صوامع وبيع وصلوات ومساجد- وهو الكفيل ببقاء واستمرار عجلة التاريخ.

•والسؤال لماذا سنة التدافع كفيلة ببقاء وصلاح الأرض؟ هذا القانون هو الذي يجعل حضارة ما دائما في تطور وتجدد إذ أنها ترى حضارة أخرى تقدمت عليها في جانب معين فتحاول هي أن تحاكيها وتتفوق عليها، وكذا الحضارات الأخرى على نفس الحال، أما الحضارة التي تنكفء على نفسها ولا تتدافع مع الأخريات فتموت موتاً ذاتياً، إذ تفقد القدرة على التطور والنقد والبناء لعدم وجود دافع ومحرك لها.

‌ج. نصر الله للمؤمنين:

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد : 7

وقال سبحانه : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }الروم :47

روي أن نور الدين جلس لسماع شئ من الحديث،

فمر أثناء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متقلداً سيفاً، فاستفاد نور الدين رحمه الله أمراً لم يكن يعرفه،

وقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلد السيف!!" يشير إلى التعجب من عادة الجند إذ هم على خلاف ذلك لأنهم يربطونه بأوساطهم،

فلما كان من الغد مرّ تحت القلعة والناس مجتمعون ينتظرون ركوب السلطان، فوقفنا ننظر إليه، فخرج من القلعة وهو متقلد السيف و جميع عسكره كذلك،

و يعلق ابن قاضي شهبة على هذه الحادثة فيقول: "رحم الله هذا الملك الذي لم يفرط في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الحالة. بل لما بلغته رجع بنفسه ورد جنده عن عوائدهم اتباعاً لما بلغه عن نبيه صلى الله عليه سلم فما الظن بغير ذلك من السنن



ميزان الحلقة

قال ابن مسعود: "من أراد علم الأولين والآخرين فليُثوِّر القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين" .

وتثوير القرآن معناه التفكير العميق في معانيه.

http://www.suwaidan.com/node/6593