الحقوق محفوظة لأصحابها

راشد الزهراني
أهمية دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، اهتم السلف الصالح بسيرة النبي عليه السلام فيقول الإمام الزهري وهو من أئمة الحديث : " في علم المغازي علم الدنيا والأخرة " ،، إذن إذا اردت أن تفوز في دنياك وأخرتك فعليك بسيرة النبي عليه السلام ،، اسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص يقول : كان أبي يعلمنا مآثر النبي وسيرته ويقول لي يا بني هذه مآثركم ومآثر ابائكم وأجدادكم ،، عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يأمر أحد العلماء في الجامع الأموي في دمشق أن يحدث الناس بسيرة النبي ، بل إن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يخصص إحدى العشيات فيعلم الناس مغازي النبي عليه السلام ، إذن هذه الأجيال بحاجة أن تتعلم السنه الشريفة لأن بتعلمنا تأس واقتداء له ، قال تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ " ،، وكيف لنا أن نتأسى بالنبي ونحن لا نعلم سيرته ؟؟ ، أيضا نتعلم سيرته عليه السلام لأنه خاتم النبين والمرسلين فبه أتم الله الدين ، " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا " ، أيضا في قراءة السيرة إيجاد حلول ومخارج للفتن التي تعصف بنا ، فلما دخل المغول والتتار على دمشق وضج الناس وقلقوا ، قام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال أيها الناس لقد مر النبي عليه السلام بظروف أعظم من هذه وذكرهم بما حدث له في الخندق وكيف نجاه الله ومن معه من المؤمنين ،، فتجد الأمل في سيرة النبي والتفاؤل وذل النبي لربه عز وجل ، فأين تجد النبي حين تعصف به الكروب ؟؟ تجده قائما يدعو الله ويعمل بأسباب النصر .

في سيرة النبي تطبيق عملي للإسلام ، فنحن نعاني من الإنفصام النكد الذي يعيشه المسلمون ، فالإسلام دين رائع عظيم فيه الرحمة والعلم والتقدم وفيه كل المعاني الإنسانية التي يبحث عنها الإنسان ، لكن الكثير من المسلمين قد ابتعدوا عن منهج النبي ، في الولايات المتحدة جاء أحد النصارى إلى إمام مسجد وقال له : أريد أن اصورك أمام المسجد فقال له لا بأس ولكن تجلس معي أعرض عليك الإسلام فوافق ، فعرض عليه الإسلام ووجد في نفسه قبول ، ثم قال النصراني إن يوم الجمعه من أحب الأيام التي أرى فيها المسلمون يذهبون إلى المسجد وقد تطيبوا واجتمعت أرواحهم وأجسادهم فأريد أن احضر معكم في المسجد ، وحضر ، وكانت الخطبة عن عمر بن الخطاب قبل الإسلام وبعده وكيف غيره الإسلام وهذب أخلاقه ، ويقول الشيخ لما انتهيت من الصلاة أقبل علي وقال لي كلمة وما أعظم هذه الكلمة ، قال إذا كان عمر بهذه القيم والمبادئ والأخلاق فكيف بمن ربى عمر ، ثم غاب اسبوعا يقرأفي سيرة النبي ليعود وحدها يعلن الوحدانية لله ويسلم.

أيضا نتعلم السيرة لأننا نرى فيها دينا قابلا للتطبيق ، فقبل النبي جاء أناس كثيرون حاولوا أن يدعو الناس لدينهم حتى الفلاسفة فأفلاطون ألف كتابه الجمهورية ثم أتى بعده الفارابي فألف المدينة الفاضلة وكلها قيم ومبادئ لكن لا تطبق على أرض الواقع .بينما النبي يؤسس لحضارة عظيمة بهذا الدين ، فبعد أن كانت الأمة راعية للغنم أصبحت بفضل الله ترعى الأمم .

من خلال دراسة سيرة النبي نستطيع ان نعرف أسباب النزول ونفهم القران ، ومن ذلك حين خرج عبد الله بن حذافة رضي الله عنه في سرية مع بعض أصحابه فكأنه غضب عليهم فقال لهم : أليس الله يقول " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " قالوا بلى ، قال : اجمعوا لي حطباً فجمعوا الحطب، فقال: أججوا فيه ناراً، فأججوا النار فقال: ألم يأمركم الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ قالوا: بلى، قال: ادخلوا في النار، قالوا: لا ندخل في النار، من النار فررنا! فبقوا هكذا حتى طفئت النار وذهب غضبه، ثم لما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له ذلك، فقال: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً، إنما الطاعة بالمعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

أيضا نتعلم سيرة الرسول لأن البشر لا يستغنون عن الوحي ، هناك كاتب روسي ملحد ألف كتاب اسماه ( الإنسان يقوم وحده ) ، ويدعي فيه أن الإنسان لا يحتاج وحي ولا قران ولا سنة ، فبحث أخر ووجد أن الإنسان لا يقوم وحده بدون وحي فالإنسان قد يعلم معنى السعادة بالجملة لكن تفاصيلها لا يهتدي إليها إلا عن طريق الوحي ، فألف هذا كتابا اسماه ( الإنسان لا يقوم وحده ) ردا على الكتاب السابق ...

نتعلم السيرة لنتعرف على دوافع الصحابة رضوان الله عليهم ، وهذه من الأمور التي يؤذى بها الصحابة ، فبعض المستشرقين قالوا أن الصحابة كانوا يتوسعون في البلدان بحثا عن التوسع والمال والنساء ، بينما لو بحثنا في دوافع الصحابة لوجدنا أن الأمر مختلف ،، ربعي بن عامر لما وقف أمام رستم قال له ماذا تريد أنت ؟؟ فقال الله : الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنياإلى سعة الدنيا والأخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ،، فوجه سؤالا أخر للمغيرة بن شعبة قال له ألستم أنتم العرب الذين كنا لا نأبه بكم ، من أنتم ؟ كيف تغيرتم ؟ والله ما كنا نلقي لكم بالا ،، وإنما كنا إذا أردنا أن نعالجكم دفعنا لكم ببعض الأعراب أما لأن نحرك جيوشنا لقتالكم والله ما كان يخطر ببالنا . فقال له المغيرة أتيناكم بهذا الدين وبأمر النبي عليه السلام ، أتيناكم بأمر الله جل وعلا لنصدق وعده وننجز موعوده وندعوكم إلى الإسلام فإن قبلتم فوالله لهو خير لكم ونعود إلى أرضنا وديارنا ونخلف فيكم كتاب الله جل وعلا ، وإن أبيتم فعليكم الجزية فإن ابيتم فلا والله حتى نقاتلكم و والله لإسلامكم أحب إلينا من بقائكم على الكفر وقد أورثنا الله عز وجل أرضكم وأموالكم ودياركم وأبنائكم ،، إذن كانت لهم قيمة عظيمة وهي أنهم يدعون إلى دين الله عز وجل ..

ويقول بعض المستشرقين إن الإسلام انتشر بالسيف ، الإسلام انتشر بالسيف ولكن الأعم والأغلب انتشاره بدعوة المسلمين غيرهم إليه ، فتأملوا مثلا أندونيسيا ، بلد فيها أكثر من 265 مليون مسلم ، كيف دخل إليهم الأسلام ؟؟؟ دخل الإسلام إليهم عن طريق التجار ، وفي الغالب ان التاجر من اكثر من يبعدك عن دين الله لكن التجار المسلمين في أندونيسيا عرضوا على قومهم الإسلام فرأوا فيهم الصدق والأمانة فكان سببا في دخولهم الإسلام .

في افريقيا مررنا بمدينة على الساحل فوجدنا أثار التجار المسلمين ، ما هي ؟؟ كانوا دائما يبنون المساجد من أجل أن يصلوا فيها ويدعوا الناس إلى الدين الإسلامي .

أيضا من الأمور التي نعالجها بدراسة السيرة الرد على من يقولوا أن النبي عليه السلام كان يؤسس لملك لأن هناك بعض الكتب تقول الزعيم الخالد أو عبقرية محمد وهذه الأسماء كلها لا تقر فعبقر : وادي من أودية العرب كان يجتمع فيها الجن فكانوا يطلقون على أي شيء عظيم عبقر وقيل إنها تطلق على سيد القوم ، وقد وصف النبي عمر بن الخطاب بهذا الوصف حيث قال : فما رأيت عبقريا يفري فريه ، أما الملك فقد عرض الملك للنبي فقال إن الله ابتعثني بهذا الدين فإن قبلتم فهو حظكم في الدنيا والأخرة وإن أبيتم أصبر حتى يحكم الله بيني وبينكم وهو خير الحاكمين ، وقد تفطن لهذا المعنى عم النبي عليه السلام العباس بن عبد المطلب ، ففي فتح مكة كان أبو سفيان وقتها على الشرك فأراد النبي أن يري أبا سفيان مكانة المسلمين وعددهم فقال للعباس خذه إلى مرتفع واجعله ينظر إلى أعداد المسلمين فتتقدم الأعداد كتائب حتى أتت الكتيبة الخضراء كتيبة النبي فقال أبو سفيان للعباس : لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقال يا أبا سفيان إنه ليس ملك ولكنها النبوة ، قال صدقت ... إذن لا يستطيع أحد أن يستميل كل هذه القلوب إلا شخص مثل النبي عليه السلام .

أسأل الله ان يجعلنا من الهداة المهتدين وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .