الحقوق محفوظة لأصحابها

سعد الشثري
الحمد لله رب العالمين، أحمده -جل وعلا- وأشكره وأُثني عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فأسأل الله -جل وعلا- أن يجعلنا وإياكم ممن دخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «سبعة يظلهم الله في ظله»، وذكر منهم «رجلين تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه».

وبعد، حديثنا في هذا اليوم عن صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الصلاة ركن أصيل من دين الإسلام كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلًا».

لما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل إلى اليمن قال: «إنك تأتي قومًا أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم زكاة أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم».

ثم قال له: «واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».

هذه الصلاة إذا أردنا أن نجعلها مؤثرة علينا فلا بد أن تكون على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى صفة أدائه للصلاة، كما قال -صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، كما في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه.

ما هي الآثار للصلاة؟

يقول الله -عز وجل: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].

متى تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر؟

إذا كانت على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفته.

وكذلك من آثار الصلاة: أن الصلاة تزرع مراقبة رب العزة والجلال في قلبك، لأنك عندما تصلي تستشعر أنك تخاطب مَن؟

تخاطب رب العزة والجلال.

عندما تصلي تعرف أن الله -جل وعلا- تجاهك يلاحظ أعمالك، ومن ثَم تدرب نفسك على استشعار رب العزة والجلال، لو أن الناس حرصوا وتخلقوا بهذا الخلق وهو استشعار مراقبة الله في حياتهم؛ لصلحت أحوالهم واستقامت أمورهم، لن تظلم، ولن تعتدي، ولن تفعل شيئًا من أذية الآخرين؛ لأنك تطلع أو تستشعر اطلاع رب العزة والجلال، كما قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: 235].

كذلك هذه الصلاة تجعلك تقدم أمر الآخرة على أمر الدنيا، لأنك تترك جميع أمور الدنيا لتتوجه لصلاتك، وبالتالي تتعود على تقديم أمر الآخرة، والله -جل وعلا- قد وعد مَن قدَّم أمر الآخرة بأن يُنيله الدنيا والآخرة، ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النساء: 134].

كذلك هذه الصلاة تجعلك تبني نفسك على التسليم لأوامر الله، لا تدخل اجتهاداتك الشخصية، ولا تدخل رغباتك في كيفية أداء صلواتك.

لو جاءنا إنسان وقال: أنا سأقدم السجود على الركوع.

قلنا: لا تقبل صلاتك، لماذا؟

لأن الصلاة عبادة، والعبادات مبينة على توقيف والأخذ عن نبينا -صلى الله عليه وسلم.

فهذه الصلاة تعودنا على هذا المبدأ.

هذه الصلوات تبعد عنا التكبر واحتقار الآخرين، لأنها تعودنا على الخضوع والذل لرب العزة والجلال، وبالتالي يجعلنا هذا لا نستسلم للتكبر أو استصغار غيرنا، بل نتواضع، نتقرب بذلك لله -جل وعلا.

هذه الصلوات تنظم أوقاتنا، لأنك إذا كنت تصلي الخمس صلوات، صلاة فجر، وظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، كل صلاة من هذه الصلوات تقلب حياتك وتجعلك تباشر أعمالًا جديدة مغايرة لأعمالك التي قبلها.

هذه الصلوات تؤثر على نفسيتك، لماذا؟

لأنك إذا أتيت لهذه الصلاة عرفت أنك تخاطب رب العزة والجلال وبالتالي ترتاح نفسك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أرحنا بالصلاة يا بلال»، وكما قال -صلى الله عليه وسلم: «وجعلت قرة عيني في الصلاة».

هذه الصلاة أيضًا تعود العبد على مناجاة رب العزة والجلال، وعرض الحوائج على رب العالمين، ومتى عرفت حوائجك على ربك استجاب الله -جل وعلا- دعاءك، ويسر أمورك في دنياك وآخرتك.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء -وفي لفظ: فأكثروا من الدعاء- فقمننٌ أن يُستجاب لكم»، يعني حري أن يُستجاب لكم.

فوائد هذه الصلاة كثيرة عظيمة على حياة الإنسان في دنياه وآخرته، ولذلك نتقرب لله -جل وعلا- بجعلها على أكمل الوجوه من خلال أدائها على الطريقة التي أداها محمد -صلى الله عليه وسلم-، ورغَّب فيها لتكون صلاتنا على وِفق ما جاء في شرع الله، ولتكون صلاتنا مثمرة للثمرات العظيمة الجليلة التي تصلح بها حياتنا.

أول هذه الصلاة، وقبل أن نأتي بالصلاة نأتي بالطهارة، بالاغتسال والوضوء، كما قال الله -جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6]، آية صريحة فيما يتعلق بالوضوء والطاهرة.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضَّأ»، وهذا يدلك على أن ديننا العظيم مبني على الطهارة، سواء كان فيما يتعلق بالطهارة الحسيَّة التي أخذنا نماذج من ترغيب شرعنا للطهارة فيها، جاءت الشريعة بمشروعية الاغتسال في مواطن عديدة، في يوم الجمعة، في صلوات معينة، في أنساك الحج، إلى غر ذلك مما جاء به الشرع.

وهكذا أيضًا جاءت الشريعة بالطهارة المعنوية في نفوسنا، وأول ذلك: ألا تتعلق قلوبنا بغير الله، فلا نخاف إلا من رب العزة والجلال، ولا نرجو إلا رب العزة والجلال، صاحب القوة، صاحب المال، الحيوانات المفترسة؛ لا نخافها، وإنما نخاف من الله أن يسلطها علينا.

وهكذا نطهر قلوبنا، فلا تشتمل قلوبنا على حقدٍ لأحد، ولا حسدٍ لأحد، ولا نتمنى زوال نعمة الله على الناس؛ بل نتمنى الخير لغيرنا كما نتمنَّاه لأنفسنا، لا نتمنى أن يكون الآخرون مثلنا، وإنما نتمنى لهم أن يكونوا على أعلى الدرجات وأحسنها، فأنا أتمنى لكم العلم الوفير الذي يكون أكثر من علمي كما أتمناه لنفسي، فلا أتمنى أن تكونوا على علم يسير؛ وإنما أتمنى من الله -عز وجل- أن ينيلكم العلم الكثير والفقه في دين الله -عز وجل-، هذا طهارة معنوية ينبغي بنا أن نربي أنفسنا عليها.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يحب لنفسه».

حتى أولئك العصاة، وحتى أولئك المخالفون لدين الله، وحتى أولئك المحاربون لله ولرسوله؛ نتمنى لهم الخير، ونتمنى لهم صلاح الأحوال، ونتمنى أن يسعدهم الله بجعلهم من أهل دينه، ولا نتمنى لهم الشر، وإذا تمنينا عدم قدرتهم على الشر ليس من أجل أننا نريد السوء بهم؛ وإنما لأننا نريد الخير بهم، فنريد ألا يتمكنوا من الصد عن دين الله بهذه الإمكانات، فنتمنى زوال ما لديهم من الإمكانات ليحققوا مصلحة أنفسهم، وليس من أجل ذواتنا نحن، لأننا نعلم أن دين الله يتولاه رب العزة والجلال، ولكن نحن نريد نجاة أنفسنا بمثل هذه الأمنيات.

هكذا أيضًا نطهر ما في قلوبنا طهارة معنوية بأن نوحد القصد لله -عز وجل-، سواء في صلواتنا أو في بقية أعمالنا، ومن ثَمَّ نقلب الحياة لتكون طاعة لله -عز وجل-، جلوسنا في هذا المجلس نقصد به طاعة الله، نقصد به إرضاء رب العزة والجلال، نُريد به أن يحبنا الله، نريد أن تتنزل علينا السكينة، وتغشانا الرحمة، وتحفنا الملائكة، ونريد أن يذكرنا رب العزة والجلال بمثل هذه المجالس.

هكذا أيضًا في سائر حياتنا، حتى في تصرفاتنا اليسيرة، عندما نأكل الأكل نقصد بذلك أن نرضي الله بأن نقوي أبداننا على طاعته، فيكون أكلنا طاعة لله -عز وجل-، وكل حبة أرز نأكلها تكون في ميزان حسناتنا.

هكذا أيضًا حتى فيما يتعلق بنومنا، ننوي به إرضاء رب العزة والجلال، فنكون مأجورين عليه لأننا جعلناه وسيلة لطاعة الله، نقوي أبداننا على صلاة الليل وعلى صلاة الفجر، وعلى الاكتساب.

كذلك في مسألة الاكتساب والعمل ننوي بذلك التقرب لله -عز وجل-؛ لأننا نقصد إعفاف أنفسنا والله قد أمرنا بذلك، نقصد بذلك النفقة على مَن تحت أيدينا؛ لأن الله قد أمرنا بذلك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع مَن يقوت».

هكذا أيضًا نتقرب إلى الله -عز وجل- قبل صلواتنا بإزالة النجاسات في أبداننا، في ثيابنا، وما ذاك إلا لأن شريعتنا شريعة طهارة ونقاء وصفاء في جميع أمورنا، في داخل قلوبنا، وفي أبداننا، وفي ثيابنا، وفي محالِّ صلواتنا، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ [المدثر: 4].

هكذا أيضًا من الأمور التي نستشعرها في هذه الصلوات: أننا نستقبل القبلة، ليكون أهل الإسلام كلهم يتجهون بمقاصدهم ونيَّتهم مقصدًا واحدًا، فتتحد الكلمة، وتتآلف القلوب، ويزول ما قد يُلقيه الشيطان في نفوسنا من تفرقة بين أهل الإيمان، كما قال الله -جل وعلا: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ﴾ [المائدة: 91].

ولذلك نتقرب إلى الله -عز وجل- بإزالة هذه العداوة وهذه البغضاء، ومَن رأيته من إخواني على خطأ أو مخالفة تقربت إلى الله -عز وجل- بنصيحته وإرشاده وبيان الحق له وتحذيره من مغبة ما هو فيه، ساء كان في معصية، أو في بدعة، أو في مخالفة كبيرة.

هكذا أيضًا نتقرب إلى الله -جل وعلا- بجميع الوسائل التي تعلمنا هذه القبلة التي نتوجه إليها، فنتعرف من الشمس ومن القمر ومن محاريب المسلمين ومن الآلات الحديثة التي تعرفنا بالجهات؛ وهذا يدلك على أن هذا الدين القويم يُرغِّب أهل الإيمان في أن يستعملوا جميع الإمكانات لتصحيح حياتهم، وإقامتها على أكمل الوجوه وأتمها.

هكذا أيضًا جاءت الشريعة باستعمال المياه في الطهارة، لأن هذه المياه تحصل بها طهارة أبداننا، كما قال الله -جل وعلا: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11].

كذلك أيضًا مما نقدم به بين يدي صلواتنا: أن نلغي وساوس الشيطان التي يلقيها في صدورنا، الشيطان يأتي إلى العباد، ويريد أن يجعلهم ممن يترك أحكام الله والعمل بشعائر دينه، ويأتي إلى الناس أهل الطاعات من أجل أن يجعلهم يتأسَّفون ويتحسَّرون على فعلهم للطاعة، فيأتي إلى بعض الناس ويبدأ يشككه في طهارته، ويجعله يوسوس فيها، ويأتي إلى آخرين ويوسوس إليهم في صلواتهم.

ولذا تجد بعض الناس يزيد في الوضوء، ويغسل فيه مرات عديدة، وهكذا في الصلاة يعيد التكبيرة بعد التكبيرة، والقراءة بعد القراءة، مَن الذي ألقى في نفسه ذلك؟

الشيطان الرجيم، الذي أمرنا الشرع بعدم اتباع خطواته، ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168].

ولذلك لا نستجيب لهذه الوساوس، إذا قال: اغسل مرة رابعة؛ لم نلتفت إليه، ولم نستجب لوساوسه، ولم نجعل لها في نفوسنا أي تأثير.

وإذا قال: هذه التكبيرة لا تُجزئ، وهذا الركوع لا يُجزئ؛ حينئذٍ لا نلتفت إلى هذه الوساوس.

لماذا؟

لأن هذه الوساوس نعلم أنها من الشيطان الرجيم.

الشرع نهانا عن الإسراف في المياه، نهانا عن الغسل مرة بعد مرة بما يزيد على ثلاث مرات، ولذلك وقع اتفاق الفقهاء على أن المرة الرابعة محرمة لا تجوز، يأثم بها الإنسان.

لماذا؟

لأنه قد خالف بذلك طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الطهارة.

من الأمور التي نقدم بها بين يدي جميع أعمالنا: أن نذكر الله -سبحانه وتعالى- بقلوبنا وبألسنتنا.

أما بالقلوب: بمعرفة الأحكام الشرعية لأفعالنا قبل أن نُقدم عليها، فلا تقدم على فعل حتى تعرف ما هو شرع الله، وما هو دين الله في هذا الفعل الذي تريد أن تفعله؟، وخصوصا في عباداتك، ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾ [الأنعام 162، 163]، وبالتالي لا بد أن تجعل حياتك كلها طاعة لله، وأن تجعلها على وفق شريعة الله، خصوصًا فيما يتعلق بعباداتك، وفي مقدمتها الصلاة والنسك.

ولذلك نستشعر هذا المعنى وهذا الذكر القلبي في كل فعل نريد أن نفعله.

وكذلك أيضًا الذكر اللساني: فنذكر الله بألسنتنا قبل أن نؤدي أي فعل نريده، فنعرف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.

فمثلًا قبل الجماع يقول الإنسان: «بسم الله، اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتني».

قبل دخول الخلاء يقول الإنسان: «بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث».

وإذا خرج قال: «غفرانك»؛ لأن هذا اللفظ هو الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأما قول الإنسان: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني"، فهذا لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وبالتالي نقتصر على اللفظ الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم.

هكذا أيضًا قبل الوضوء نتقرب إلى الله -عز وجل- بأن نقول: "بسم الله"، وإن قال الإنسان: "بسم الله الرحمن الرحيم"، على الصحيح أنه لا حرج عليه في مثل ذلك، لأن الألفاظ الواردة في التسمية مطلقة، فتشمل كل لفظ تسمية.

ومن الأمور التي يقولها الإنسان ويذكر الله بعد فراغه من الوضوء أن يقول: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»، يتقرب بذلك إلى الله -عز وجل- لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن مَن قال ذلك بعد إسباغه للوضوء وإحسانه تُفتح له أبواب الجنة الثمانية.

وأما لفظة "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" فهذه لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما وردت بإسناد غير ثابت، ومن ثَمَّ لا يُشرع لنا أن نقولها.

إذن هذه ألفاظ ذكر نتقرب إلى الله -عز وجل- بها.

كذلك من الأمور المتعلقة بهذا: أن تقرب لرب العزة والجلال بستر عوراتنا، سواء في الصلاة أو في غيرها.

لما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟

قال -صلى الله عليه وسلم: «إن استطعت ألا يرى عورتك أحد فافعل».

وقد قال الله -عز وجل: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31].

هذه الآية نزلت في أي شيء؟

نزلت أصالة فيما كان يفعله أهل الجاهلية، كان مَن لم يكن من أهل مكة ولم يعطه أحد من أهل مكة ثيابًا يطوف بالبيت عريانًا، حتى أن امرأة طافت بالبيت عريانة ووضعت يدها على فرجها، وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله

فلما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق إلى الحج سنة تسع، نادى المنادي ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فتغيَّرت حال الناس.

وانظر إلى قول الله -عز وجل: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [الأعراف: 26].

ثم قال -جل وعلا: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ [الأعراف: 27]، أين التعري هذا؟

في مكة عند بيت الله، ومع ذلك لما علا صوت الحق وجاء منادي الخير والهدى عاد الناس إلى الطريقة الحسنة الحميدة بستر عوراتهم.

ولذا لا تجزع من مناداة بعض الناس بالتكشُّف وعدم التستر؛ لأن الناس متى دخل الإيمان في قلوبهم ودخلت مخافة رب العزة والجلال ورجاؤه في قلوبهم غيَّر الله أحوالهم وسلوكهم.

من الأمور المتعلقة بشروط الصلاة: أن الشريعة قد جاءت بالطهارة، ولذلك أمرت باجتناب النجاسات -كما تقدم.

ومن اجتناب النجاسات: أن الشريعة نهت عن قضاء الحاجة في الأماكن العامة التي يحتاج الناس إليها، كما في الطرقات، وكما في المياه، وكما تحت الأشجار، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اتقوا اللاعنين»، يعني التبول وقضاء الحاجة في تلك الأماكن.

لماذا سميت بهذا الاسم؟

لأن الناس قد يُلحقون اللعن بمَن كان كذلك، أو لأن صاحب هذا الفعل يستحق اللعن والإبعاد عن رحمة الله -جل وعلا.

من الأمور التي نذكر بها في هذا أيضًا: الالتزام بأوقات الصلوات، وأداء كل صلاة في وقتها، فإن الله -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103].

ما معنى كتابًا؟

أي واجبًا مفروضًا.

موقوتًا: أي له أوقات محددة.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد فسَّر هذا بفعله، فأدَّى في اليوم خمس صلوات، صلاة الفجر يؤديها -صلى الله عليه وسلم- بعد طلوع الفجر الصادق.

وأنبه هنا إلى مسألة: وهي أن الفجر الصادق يبتدئ ببزوغه وقت صلاة الفجر، بعض الناس يظن أن وقت الفجر لا يبتدئ إلى بعد انتشار الوضوء، وهذا فهم خاطئ؛ بل إذا بزغ الفجر الصادق فحينئذٍ جازت الصلاة، ودخل وقت صلاة الفجر، ووجب على الناس الذين يريدون الصيام أن يُمسكوا، ولا ينتظر حتى ينتشر في الأفق، فنور الفجر إذا بزغ من الفجر حتى يأتي إلى وسط السماء، ثم ينتشر في الكون.

متى يدخل وقت الفجر؟

ببزوغ الفجر، لا بانتشار الضوء في الأفق، فيأتي بعض الناس ويظنون أن وقت الفجر لا يبتدئ إلا بانتشار الفجر في الأفق، وهذا فهم خاطئ، هو صحيح هناك فجر صادق وفجر كاذب.

الفجر الكاذب: يأتي حتى يتوسط في كبد السماء ثم يقف.

والفجر الصادق: يأتي فينتشر في الأفق.

لكن متى يبتدئ الفجر الصادق؟

بمجرد بزوغه ولو لم يصل إلى كبد السماء بعد، ولو لم ينتشر في الأفق، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الفجر بغلس.

وهكذا أيضًا متى ينتهي وقت الفجر؟

بطلوع الشمس، فإذا ابتدأ حاجب الشمس بالخروج؛ فحينئذٍ انتهى وقت الفجر.

وأما وقت الظهر: فيبتدئ بزوال الشمس، وانتقال الشمس من كبد السماء إلى جهة المغرب، وينتهي وقتها بصيرورة ظل كل شيء مثله بعد ظل الزوال.

ووقت العصر: يبتدئ من انتهاء وقت الظهر، وينتهي بصيرورة ظل كل شيء مثليه، وهو قريب من اصفرار الشمس، ولا يجوز للإنسان أن يؤخر صلاة العصر عن هذا الوقت، ويختم وقته الاضطراري بغروب الشمس.

وأما صلاة المغرب: فتبتدئ من تمام غروب الشمس وغيابها عن الأفق، وينتهي وقتها بغياب الشفق الأحمر.

وأما صلاة العشاء: فيبتدئ وقتها من غياب الشفق، ويستمر على الصحيح إلى نصف الليل، كما ورد ذلك في حديث جابر وغيره من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم.

هذه الأوقات تنظم حياة المسلم، وتجعله يحسن التخطيط، ويكون متمهرًا في ترتيب أوقاته.

من الأمور المتعلقة بهذا: أن الشريعة خاطبت بالصلاة جميع العقلاء، فما دمت عاقلًا فأنت مخاطبٌ بالصلاة، يدخل في هذا الصحيح والمريض، والكبير، والبالغ، والذكر والأنثى؛ فساوت الشريعة بينهم في هذا الواجب العظيم، واجب الصلاة.

لا يقول قائل: وصلت إلى مرحلة لا أُخاطَب بالصلاة!

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- حافظ على الصلاة إلى وفاته، وفي سياق الموت كان -صلى الله عليه وسلم- يخاطب أمته بالتذكير بالصلاة، فمن قال: ارتفعت عني التكاليف، أو وصلت إلى مرحلة لا أُخاطَب فيها بشيء من الواجبات؛ قلنا: كذبت، الشريعة كاملة، الشريعة وافية.

ومن الأمور التي نذكر بها هنا: أن النائم يُخاطب بالصلاة قبل نومه وبعد نومه.

أما قبل النوم: فيُخاطب بالاستعداد للصلاة، وتجهيز الأسباب التي تجعله يؤدي الصلوات في أوقاتها.

وأما بعد النوم: فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، ثم تلا -صلى الله عليه وسلم- قول الله -عز وجل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]».

وأما المجنون فإنه لا يُخاطب بالصلاة، ولا يُطالب بها.

أما المريض ولو كان على فراشه، ولو كان لا يستطيع تحريك شيء من بدنه؛ فإنه متى كان حاضر القلب وجب عليه أن يؤدي الصلاة؛ لأن قول الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: 43]، يشمله.

وأما المغمى عليه فقد اختلف الفقهاء فيه على ثلاثة أقوال مشهورة:

- ذهب علماء الحنابلة إلى أنه يقضي الصلاة ولو طالت المدة، ولو جلس عشر سنين.

لماذا؟

قالوا: لأن الإغماء يُماثل النوم، والنائم يُخاطَب ويُطالَب بقضاء الصلوات، والإغماء يجوز على الأنبياء بخلاف الجنون.

- وذهب فقهاء المالكية والشافعية إلى أن المغمى عليه لا يقضي الصلاة ولا يُطالب بها، وقالوا: هو مثل المجنون، لأننا لا نستطيع إيقاظه.

- وذهب فقهاء الحنفية إلى أن الإغماء إن كان أقل من يوم وليلة فإن المغمى عليه يقضي هذه الصلوات، لأنه حينئذٍ يُماثل النوم، وإن كان إغماؤه أكثر من خمسة أوقات فإنه لا يُطالب قضاء الصلوات، لأنه حينئذٍ بمثابة المجنون.

ولعل قول الحنفية في هذه المسألة أرجح الأقوال، لأنه الذي يسير على القياس الصحيح.

مَن كان مصليًا شهدنا له بالصلاة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر بأنه «مَن صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين».

ولو قُدِّر أن إنسانًا بدأ بالصلاة ولو لم يتشهد الشهادتين؛ حكمنا عليه بأنه من أهل الإسلام.

من الأمور التي أنبه عليها هنا: وجوب تعويد الأولاد والأبناء على أداء الصلوات، فإن الشريعة قد أمرتنا برعايتهم، وبجعلهم يؤدون ما ينفعهم، فتعويد الأبناء على الصلاة وترغيبهم فيها وشرحها لهم من أفضل القربات التي نتقرب بها إلى رب العزة والجلال.

ولذلك على أهل الإيمان أن يتقربوا إلى رب العزة والجلال ببث هذه الصلوات، وبالدعوة إليها، وبترغيب الآخرين فيها وحثهم عليها، وجعلهم يؤدونها في أوقاتها، صلاة الفجر نتقرب إلى الله -عز وجل- بتعويد الناس على أدائها في أوقاتها.

إذا انتشرت الصلاة في الأمة كان لها التأثير العظيم، جعلت النفوس تستقيم، وأبدل الله ما في القلوب من بغضاء بمحبة وتآلف، إذا انتشرت الصلاة في الناس عودتهم على العمل، إذا انتشرت الصلاة في الناس كان ذلك من أسباب استقرار أحوال الخلق وأمنهم في مساكنهم وفي بلدانهم، إذا انتشرت الصلاة في الناس كان ذلك من أسباب رغد العيش وتوفر الأعمال كما قال تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ [طه: 132].

أسأل الله -جل وعلا- أن يسبغ عليكم نعمه، وأن يُدرَّ عليكم رزقه، اللهم يا حي يا قيوم اجعلنا من المحافظين على صلواتنا، اللهم يا حي يا قيوم أنت المعين لنا على طاعتك فأعنَّا على أنواع الطاعة برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم انشر الصلاة في الأمة، اللهم اجعلنا ممن يستفيد منها، اللهم اجعلنا ممن يؤديها على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه، اللهم يا حي يا قيوم نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تصلح قلوبنا، وأن تزرع فيها مخافتك ورجاءك واستشعار مراقبتك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

وفقكم الله للخير إخواني.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=92