الحقوق محفوظة لأصحابها

راشد الزهراني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده المصطفى، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين.

أما بعد أيها الأحبة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجمعنا وإياكم في دار كرامته، إنه -سبحانه وتعالى- جواد كريم.

كنا تحدثنا بالأمس عن حديث جبريل -عليه السلام-، الذي رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وقلنا إن هذا الحديث هو: حديث أم السنة.

وتحدثنا عن بعض فوائده التربوية، وكذلك كان الحديث عن أركان الإسلام، عرّفنا الإسلام في اللغة وفي الشرع، والفرق بين الإسلام والإيمان.

ثم كان الحديث عن سؤال جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان، عرّفنا الإيمان لغة، وعرّفناه شرعًا، وذكرنا أركانه.

وقلنا أن عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان أنه ما اشتمل على خمس نونات، وهو قول باللسان وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.

قال: «فسأله عن الإيمان.

قال: الإيمان: أن تؤمن بالله».

الإيمان بالله يشتمل على أربعة أنواع من الإيمان، ثلاثة منها سبق الحديث عنها، وهو: الإيمان بألوهية الله، والإيمان بربوبيته، والإيمان بأسماء الله -جل وعلا- وصفاته.

والرابع: الإيمان بوجود الله -جل وعلا.

وإنما ذكرت هذا الأمر لأنه في الفترة الأخيرة بدأنا نستمع اغترار كثير من الشباب ببعض دعوات الإلحاد التي تنفي وجود الله -سبحانه وتعالى-، ولا شك أن الإيمان بوجود الله دلّت عليه الفطرة -فطرة الإنسان- انظر إلى الإنسان حينما يكون في مأزق ويكون في ضيق أين يرفع بصره؟

إلى السماء، لأنه يعلم أن هناك إله وهو الله الواحد القهار.

وأيضًا دلَّ عليه العقل، فهذا الكون الذي خلقه الله -جل وعلا- لا بد له من خالق، ولا بد له من موجد.

يُقال أن الإمام أبا حنيفة -رحمه الله تعالى- مرة طائفة يُقال لهم السُّومانيَّة ممن يُنكرون وجود الله -جل وعلا- فالتقوا بالإمام، فلما التقى بهم قال: دعوني، إني أفكر في أمر.

قالوا: في ماذا تفكر؟

قال: أفكر في سفينة مليئة بالبضائع، تشق البحر حتى ترسو على الشاطئ الآخر، ثم تُفرغ حمولتها دون أن يكون أحد يعمل فيها شيئًا.

قالوا: هذا لا يكون، محال! أين عقلك؟!

قال: سبحان الله! هذا الملكوت الذي خلقه الله -جل وعلا- ولا تثبتون وجوده -سبحانه وتعالى؟!

كل ما في الكون يدل على الله ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات20، 21]، ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ [الغاشية 17 - 20].

فهذا تأمل في ملكوت الله -سبحانه وتعالى.

تأمل في رياض الأرض وانظر

إلى آثار ما صنع المليك

عين من لجين شاخصات

بأحداق هي الذهب السبيك

على كسب الزبرجد شاهدات

بأن الله ليس له شريك

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

أعرابي لا يقرأ ولا يكتب، وإنما عمله في رعي الإبل، فقيل له: كيف عرفت الله؟

فقال بلغته البسيطة -وهو راعي إبل: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فِجاج، وبحار ذات أمواج؛ ألا تدل على اللطيف الخبير؟!

بلى، إنها تدل عليه -سبحانه وتعالى.

ودلّ على وجوده -جل وعلا- الوحي -القرآن والسنة.

فدلالة الفطر، ودلالة العقل، ودلالة الوحي؛ كلها على وجود الله -جل وعلا.

وأنا أقول دائمًا لشبابنا الذين يتأثرون بهذا الفكر؛ أقول: انظروا إلى أساطين الإلحاد الذين تبنوا هذا الفكر، تجد أنهم في آخر حياتهم أثبتوا وجود الله -جل وعلا-، فلا تقتحموا هذه التجربة، فقد يموت الإنسان وهو عليها -والعياذ بالله.

يُقال إن فيلسوفًا معاصرًا وكان يُقال عنه أنه أشرس ملحد في القرن العشرين، كان لا يُقام مؤتمر عن الإلحاد إلا ويحضره، في كتاب اسمه رحلة عقل، فلا بد أن يحضر هذا المؤتمر ويُدافع عن هذه الفكرة، ويُدافع عن الإلحاد ويحذر الناس من الإيمان بوجود الله -جل وعلا.

لما أصبح عمره في الثمانين، وإذا بالناس يستمعون في صباحهم إلى الإذاعة، وإذا به يتحدث، فقال لهم: "لقد عشت ثمانين عامًا وأنا أنكر وجود الإله، والآن بعد كل هذا العمر وكل هذه التجارب أُثبت أن هناك إله".

فقال له المذيع: هل أسلمت؟

قال: لم أسلم، ولست يهوديًّا، ولست نصرانيًّا، لكن لا بد أن يكون هناك إله، مَن هو هذا الإله؟ سأبحث وأخبركم.

ثم مات.

فلهذا أقول: نعمة الإيمان، ونعمة هذه العقيدة التي شرفنا الله بها هي من أعظم نعم الله التي يجب أن نُحافظ عليها.

قال: «وما الإيمان؟

قال: أن تؤمن بالله، وملائكته».

لماذا قدَّم الإيمان بالملائكة على الرسل؟

لأنهم من عالم الغيب، فقدمهم على الإيمان بالرسل.

الإيمان بالملائكة كيف يكون؟

الإيمان بالملائكة يكون بأمور:

- أولًا: الإيمان بمَن سمى الله منهم.

الله -جل وعلا- سمى جبريل، وسمى ميكائيل، وسمى إسرافيل، هذا الإيمان الأول -الإيمان بمن سمى الله منهم.

- الإيمان الآخر: الإيمان بالأعمال التي كلفهم الله -سبحانه وتعالى- بها.

الملائكة مخلوقات من النور، مخلوقات نورانية، خلقهم الله -جل وعلا- لعبادته، يعبدون الله -سبحانه وتعالى- لا يعصونه في أمره؛ بل يفعلون ما يؤمرون.

وهؤلاء الملائكة كان المشركون في مكة يقولون عنهم أنهم بنات الله.

قال الله -جل وعلا: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء 26، 27].

في القرآن أخبرنا الله أن لهم أجنحة، فقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فاطر: 1].

الملائكة لهم أعمال عظيمة كُلفوا بها.

من أعظم الملائكة: جبريل -عليه السلام- وقد وكله الله بالوحي.

وهو الأمين الذي قال الله -جل وعلا- عنه: ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 98].

وقال -سبحانه وتعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء: 193].

وقال: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ﴾ [التكوير 19، 20].

أيضًا من الأمور التي أخبرنا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل أو جبرائيل -عليه السلام- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه على هيئته التي خلقه الله عليها.

ما هي صفته؟

اسمع، يا من يغتر بقوته، يا مَن يغتر بجسمه، يا من يغتر بعضلاته؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «رأيت جبريل على هيئته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق».

في البداية والنهاية لابن كثير قال: «يخرج منها التهاويل والدر»، يعني الألوان المختلفة.

بطرف جناحه -جناح من الستمائة جناح- لما عصى قوم لوط ربهم وفعلوا الفاحشة رفعهم بطرف جناحه، رفع أمة كاملة بأرضها، حتى علا بهم إلى السماء، فسمع أهل السماء نباح كلابهم وصياح ديكتهم، ثم جعل عالها سافلها.

رآه مرتان على هذه الحالة:

المرة الأولى: حينما انقطع الوحي بعد أن نزلت ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].

المرة الثانية: حينما عُرِجَ بالنبي -صلى الله عليه وسلم.

قال الله -جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم 13، 14].

أيضًا من الملائكة، وهو من الإيمان أن نؤمن بالملَك الموكل بالقطر من السماء وهو: ميكائيل، هو موكل بهذا الأمر الذي أمره الله -جل وعلا.

وأيضًا من الملائكة: إسرافيل، وهو الملَك الموكل بالنفخ في الصور.

وهؤلاء الملائكة الثلاثة -جبريل وميكائيل وإسرافيل- كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتتح صلاة الليل بهذا الدعاء، فيقول: «اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض».

وكل واحد من هؤلاء الملائكة وكله الله -عز وجل- بما به الحياة.

فجبريل -عليه السلام: وكله الله بحياة الروح، وهو الوحي.

وميكائيل: وكله الله -جل وعلا- بحياة الأرض.

وإسرافيل: وكله الله -جل وعلا- بحياة الناس بعد الصعق.

أيضًا من الملائكة: الملك الموكل بقبض الأرواح، وهو ماذا يسمونه؟

عزرائيل، ولا يوجد في القرآن ولا في السنة تسميته بهذا الاسم، وإنما يوجد في بعض الكتب الإسرائيلية، وإنما يُسمى بملك الموت، كما قال الله -عز وجل: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: 11]، وقال -جل وعلا: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ [الأنعام: 61].

ومن الملائكة: الملائكة الموكلون بحفظ العباد.

قال الله -جل وعلا: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد 10، 11].

ومنهم الملائكة الكتبة: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].

أيضًا من الملائكة: الملائكة الموكلون بفتنة الناس في قبورهم، وهو منكر ونكير.

ومن الملائكة كذلك: خزنة جهنم، ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [الزمر: 71].

وهنالك كذلك خزنة الجنة، كما قال الله -عز وجل: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [الزمر: 73].

فهؤلاء هم الملائكة.

ومنهم ملائكة جوَّالون، فإذا بلغوا مجالس الذكر حطُّوا رحالهم فيها، فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم ممن تتنزل عليهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، ويذكرنا الله -عز وجل- فيمن عنده.

كم عدد الملائكة؟

حينما نزل قول الله -عز وجل: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: 30]، قال أبو جهل: يا قوم إن محمدًا يخوفكم بتسعة عشر قد جُعلوا على جهنم، أيعجز كل مئة رجل منكم عن واحد منهم؟

فقال الله -جل وعلا: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 31].

أضرب لكم مثالًا يدل على كثرتهم:

تعرفون الكعبة -معروفة طبعًا- بمحاذاتها في السماء السابعة هناك كعبة أخرى، يُقال لها البيت المعمور، وهي كعبة الملائكة، يطوف حول هذا البيت كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه مرة أخرى، ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ [المدثر: 31].

أما في خلقهم: فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «أُذن لي أن أتحدث عن ملك من ملائكة الله ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة سنة»، فسبحان الله! إذا كان هذا المخلوق الضعيف، فكيف بالخالق -سبحانه وتعالى؟!

يقول -صلى الله عليه وسلم: «أطَّت السماء».

الأطيط: هو صوت الرحل الذي يكون على البعير.

قال: «أطَّت السماء، وحُقَّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم، وملك راكع، وملك ساجد يذكرون الله -سبحانه وتعالى».

إذن هذا هو الركن الثاني من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالملائكة.

الركن الثالث: الإيمان بالكتب.

قال الله -عز وجل: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 136].

كيف يكون الإيمان بالكتب؟

هو التصديق الجازم بأنها كلها من عند الله -سبحانه وتعالى-، وأن الله -عز وجل- أنزلها على رسله، وأن الله تكلم بها حقيقة -سبحانه وتعالى.

ومن الإيمان بالكتب: الإيمان بما سمى الله منها، فالله -جل وعلا- سمى لنا في القرآن التوراة، وسمى لنا الإنجيل، وسمى لنا الزبور، ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163]، وسمى لنا صحف إبراهيم وموسى ﴿صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: 19].

فيجب الإيمان بأنها من عند الله -سبحانه وتعالى.

ومن الإيمان أن نعلم أن جميع الكتب السابقة قد طالها التحريف، وطالها التبديل إلا القرآن؛ لأن الله -جل وعلا- استودع حفظ الكتب السابقة إلى الأحبار، وأما القرآن فقد حفظه الله -جل وعلا-، فقال -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].

يذكر الخطيب البغدادي في تاريخه عن رجل يهودي كان يعمل ورَّاقًا.

ما معنى ورَّاق؟

يبيع في الكتب.

فقام هذا اليهودي فأسلم، فسألوه عن سبب إسلامه، فقال: أنا أعمل في هذا المكان أبيع الكتب، فكل كتاب أبيعه أقوم بزيادة صفحتين ثلاث من أجل أن يكون ثمنه غاليًا.

فيقول: حرفت التوراة، وحرفت الإنجيل، ولم أُبقِ كتابًا -يهودي! وهذه شغلته.

يقول: حتى أتى القرآن فأضفت فيه صفحة، فبعتها لأحد المسلمين، فعاد إلي في نفس اليوم وقال: هذا القرآن لا أريده.

قلت: ولِمَ؟

قال: لأن فيه إضافة.

قلت: والله إن الذي حفظ القرآن لهو الدين الحق، أشهد أن لا له إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.

الإيمان الرابع: الإيمان بالرسل.

الله -عز وجل- من رحمته أن أرسل الرسل للناس؛ لتعليمهم وبيان الحق لهم، ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165]، فهذه حجة من الله -عز وجل- على عباده، وهي رحمة الله -سبحانه وتعالى- بعباده.

وأيضًا يقول الله -جل وعلا: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7].

الإيمان بالرسل يجب أن يكون متلازمًا، فلا يجوز الإيمان بالبعض وترك البعض، ولهذا فإن أعظم الأديان احترامًا للأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- هو دين الإسلام، فهم يؤمنون بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ويؤمنون بعيسى، ويؤمنون بموسى، ويؤمنون بكل الأنبياء الذين أخبرنا الله -جل وعلا- بهم.

يقول الله -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 150].

وقال -جل وعلا: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 136].

الإيمان بالرسل يجب أن يكون كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو: التصديق الجازم بأن الله بعث في كل أمة رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله والكفر بالطاغوت، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله.

كم عدد الأنبياء؟ كم عدد الرسل؟

الرسل: ثلاثمائة ونيَّفًا، كما ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والأنبياء أكثر من ذلك، وقد قصَّ الله -جل وعلا- علينا في القرآن بعضهم، فقال -عز وجل: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164].

مثل مَن؟

نوح، إدريس، صالح، إبراهيم، يونس، يعقوب، إسحاق، يوسف، وجملة من الأنبياء جمعها بعضهم حتى بلغوا ثمانية وعشرين نبيًّا ورد ذكرهم في كتاب الله -عز وجل.

مَن أول الأنبياء؟

أول الأنبياء: آدم -عليه السلام.

وأول الرسل: هو نوح -عليه السلام.

وهنا يأتي السؤال: ما الفرق بين النبي وبين الرسول؟

مِن أحسن مَن بحث هذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب النبوات.

من العلماء من قالوا: النبي هو: من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، وإنما يعمل به في نفسه.

والرسول هو: مَن أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.

ولهذا؛ فأول الأنبياء آدم، وأول الرسل نوح -عليه الصلاة والسلام.

ومن العلماء -وهو الصحيح- من قال: أن النبي: مَن أوحي إليه بشرع وأُمر بتبليغه إلى قومٍ موافقين.

والرسول: مَن أوحي إليه بشرعٍ وأُمر بتبليغه إلى قومٍ مخالفين.

في القرآن قصَّ الله -عز وجل- لنا وأخبرنا بأولي العزم من الرسل.

مَن هم أولي العزم من الرسل؟

أولو العزم من الرسل اختلف العلماء فيهم عل أقوال:

القول الأول: أنهم المذكورون في سورة الشورى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: 13].

وهؤلاء الخمسة هم الذين يتراجعون الشهادة يوم القيامة، يأتي الناس إلى نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول -عليه الصلاة والسلام: «أنا لها».

وقيل: إن أولي العزم من الرسل هم الذين أمروا بالجاهد وإظهار المكاشفة مع العدو.

وقيل غير ذلك.

لكن أصوب الأقوال أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد -صلى الله عليه وسلم.

ما الذي يجمع هؤلاء الرسل؟ ما الرابط الذي يجمعهم؟

قالوا: هو صبرهم العظيم على أممهم وأقوامهم، ومَن تأمل حياة هؤلاء الأنبياء الخمسة -عليهم الصلاة والسلام- يجد هذا واضحًا جليًّا.

الشيخ حافظ الحَكَمي في كتابه النفيس، أتمنى كل طالب علم يريد أن يتخصص في العقيدة أو أن يستزيد في العقيدة أن يقرأ كتابه "معارج القبول".

الركن الخامس وهو: الإيمان باليوم الآخر.

يقول الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة: 4].

وقال -سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: 264].

وقال: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 25].

الإيمان باليوم الآخر من الأمور التي لا يعلمها إلا الله -جل وعلا-، ولهذا في هذا الحديث سأله عن الساعة، قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل».

متى يبدأ اليوم الآخر؟

لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-، ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59]، فلا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى.

﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا﴾ [النازعات 42-44]، فلا يعلم هذا الغيب إلا الله -سبحانه وتعالى.

ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بما بعد الموت، هناك أمور تكون بعد الموت، ولهذا فإنها من الإيمان باليوم الآخر.

من ذلك أولًا: الإيمان بعذاب القبر -نسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن ينجو، لأنها فتنة عظيمة، والسعيد مَن نجَّاه الله جل وعلا.

قال -صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

قال -سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: 93].

ويقول -سبحانه وتعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].

النبي-صلى الله عليه وسلم- مرَّ بقبرين، فقال -عليه الصلاة والسلام: «إنهما ليعذبان».

ما العمل الذي يُعذبان بسببه؟

«إنهما ليُعذبان، وما يُعذبان في كبير، بلى إنه لكبير»، هو ليس كبير حينما يسمعه الناس، لكنه عظيم عند الله -جل وعلا.

«أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله».

يقول -صلى الله عليه وسلم: «إذا وُضع العبد في قبره وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، فيأتيه ملكان فيقعدانه»، في الحديث الآخر: «يقولان له: مَن ربك؟ وما دينك؟ ومَن نبيك- فأما المؤمن -نسأل الله أن يعلنا وإياكم منهم- فيقول: ربي الله، ودين الإسلام، ونبيي محمد -صلى الله عليه وسلم.

وأما الكافر أو المنافق فيقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته».

وهذا الأمر من الأمور الغيبية التي أخبرنا عنها نبينا -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

أيضًا من الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بما أعده الله -جل وعلا- للمؤمنين في قبورهم من النعيم والسرور، يقول -صلى الله عليه وسلم: «إن للقبر ضمة، لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ»، طيب كيف سعد بن معاذ وهو الذي اهتز عرش الرحمن لموته؟

نقول: ضمة القبر للمؤمن كضمة الحبيب لحبيبه، وضمته للكافر تختلف معها أضلاعه.

وأيضًا أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم: «أنه إن كان مؤمنًا فنجا يُفتح له نافذة إلى النار ويُقال: هذا مكانك لو كفرت بالله، ثم يُفتح له نافذة إلى الجنة فيرى من نعيمها وسرورها وريحها، فيقول: ربِّ أقم الساعة، ربِّ أقم الساعة.

أما الكافر أو المنافق فيُفتح له نافذة إلى الجنة، فيأتيه من ريحها ويأتيه من هوائها، ثم يُفتح له نافذة إلى النار، فهنا يقول: ربِّ لا تقم الساعة، ربِّ لا تقم الساعة».

فالقضية ليست هيِّنة وليست سهلة، ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].

ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بالحوض -حوض النبي صلى الله عليه وسلم- فقد أخبرنا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن الناس يردون حوضه، فيشربون من يده المباركة شربة هنيئة لا يظمئون بعدها أبدًا، وهذا الحوض نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من ورَّاده.

هذا الحوض عدد كيزانه كعدد نجوم السماء، ثم يأتي أناس يعرفهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيُمنعون، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم- بشفقته وبرحمته بأمته: «ربِّ أصحابي أصحابي».

فيُقال: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».

الإحداث في الدين من أعظم ما يصد الناس عن كوثر سيد المرسلين -عليه الصلاة والسلام-، وعن حوضه -عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

الركن السادس من أركان الإيمان: الإيمان باليوم بالقدر خيره وشره.

الإيمان بالقدر دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ما هي الآية في القرآن تدل على الإيمان بالقدر؟

﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].

ودلَّ عليه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنها هذا الحديث -حديث جبريل عليه السلام.

الإيمان بالقدر من الأمور التي كانت فيها بوادر إحداث البدع في الإسلام، حينما نبتت نابتة في عهد الصحابة، يُنكرون علم الله -جل وعلا- فكفَّرهم الصحابة -رضوان الله عليهم- ثم اندثرت هذه المقالة.

كيف نؤمن بالقضاء والقدر؟

أربعة أركان للمسلم في إيمانه بقضاء الله وقدره:

الركن الأول: الإيمان بعلم الله -جل وعلا.

فالله -سبحانه وتعالى- علم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.

فالله -سبحانه وتعالى- لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ [يونس: 61]، وقال -سبحانه وتعالى: ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 282].

فالركن الأول من أركان الإيمان: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء، ولا نقول كما يقول بعض أهل البدع أن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا- بل الله -سبحانه وتعالى- يعلم كل شيء -عز وجل.

الأمر الثاني في الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بأن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء.

قال -عز وجل: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12].

وقال -صلى الله عليه وسلم- واسمع لهذا الحديث فإنه يدل على عظمة الله: «لما خلق الله القلم قال له: اكتب.

قال: ربِّ، وما أكتب؟

قال: اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة».

فكل شيء مكتوب في هذا الكتاب العظيم، وهو اللوح المحفوظ.

طيب، يقول البعض كما يقول بعض العقلانيين: جماد يتكلم؟!

عندنا طائفة من الناس تقول لك: الحديث إذا لم يقبله عقلي فأنا لا أصدقه. كيف الجماد يتكلم؟!

نقول: الله -عز وجل- قال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أو كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11].

في الحديث -وهذا من الأحاديث التي ينكرونها وهو في صحيح البخاري: النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأبي ذر، كان معه حينما غربت الشمس، قال: «هل تعلم أين ذهبت الشمس؟».

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: «إنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن ربها أن تشرق مرة أخرى، فيأذن الله لها، وإنه يوشك أن تأتي فتسجد فلا يؤذن لها، ويُقال لها: عودي من حيث شئتِ، فذلك طلوع الشمس من مغربها».

هذا الحديث في صحيح البخاري، يأتي البعض يقول: لا والله، عقلي ما يقبله.

عقل مَن؟! ما العقل الذي سنحتكم إليه؟!

وهذا ما كان يقوله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في درء تعارض العقل والنقل حينما يقولون: نريد أن العقول تقبل هذا الأمر، ومع أنه لا يوجد شيء في القرآن ولا في صحيح السنة إلا وهو يوافق العقول، لكن مَن شرح الله -عز وجل- صدره استوعب هذا.

إذن الإيمان الأول: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء.

الثاني: الإيمان بان الله -عز وجل- كتب كل شيء في اللوح المحفوظ.

الإيمان الثالث: الإيمان بمشيئة الله -عز وجل- النافذة.

كل ما في هذا الكون فهو بمشيئة الله، لا يكون شيء إلا والله -عز وجل- شاءه، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [البقرة: 253].

وقال -عز وجل: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: 137].

فكل ما في هذا الكون لا يكون إلا بمشيئة الله، حتى أفعال العباد لا تكون إلا بمشيئة الله -جل وعلا.

الرابع والأخير: هو الإيمان بالخلق.

الإيمان بأن الله خلق كل شيء، فيؤمن المسلم بأن الله -عز وجل- خالق السماء، وخالق الأرض، وخالق الناس، وخالق أفعالهم، فلا عمل للإنسان إلا والله -عز وجل- خلقه؛ لأن الله هو الذي خلق الإنسان، وهذا من الأمور التي بيَّنها نبينا -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «إن الله خالق كل صانع وصنعته».

هذه الأركان الأربعة جمعها الشاعر في بيت من الشعر من أجل أن يسهل حفظها، فقال:

علم كتابة مولانا مشيئته.

علم: هذا الركن الأول:

كتابة: هذا الثاني.

علم كتابة مولانا مشيئته

خلقه وهو إيجاد وتكوين

العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق؛ هذه هي أركان الإيمان بقضاء الله وقدره.

علم كتابة مولانا مشيئته

خلقه وهو إيجاد وتكوين

هذه هي أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل -عليه السلام.

هناك تفاصيل كثيرة تتعلق بالمشيئة، المشيئة الكونية، والمشيئة القدرة، وهناك مسائل كثيرة تتعلق بالاستدلال بالقدر في المصائب وفي المعائب وغيرها من المسائل، لكن بعض الأمور قد لا يناسب طرحها بشكل عام، لكن هذه هي أهم المسائل وأبرز المسائل التي يبحثها العلماء في هذا المجال.

هناك كتاب أنصحكم جميعًا به -أو سلسلة من الكتب- تحدثت عن هذه القضايا بالتفصيل، وهي سلسلة العقيدة للشيخ عمر الأشقر، وهو من علماء الأردن، له ستة كتب: كتاب الإيمان بالله، وكتاب القضاء والقدر، وغيرها من الكتب.

أيضًا من الكتب المفيدة في القضاء والقدر: كتاب لأخينا إبراهيم الحَمَد، له كتاب بعنوان القضاء والقدر.

كذلك كتاب رسالة ماجستير للدكتور عبد الرحمن المحمود، تحدث فيها عن عقيدة أهل السنة في القضاء والقدر.

وعمومًا يجمع هذه جميعًا العودة الصادقة لكتاب الله، وإلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.

غدًا -إن شاء الله- نكمل بقية حديثنا في حديث جبريل -عليه السلام.

نختم هذا اللقاء بالدعاء، فنقول: اللهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم يا رب الأرباب، يا مسبب الأسباب، اللهم يا خالق خلقه من تراب، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آمنَّا في أوطاننا، اللهم أسعد أرواحنا، وأنر قلوبنا بكتابك، وبطاعتك وطاعة رسولك -صلى الله عليه وسلم.

اللهم أسعد صدورنا وأقر أعيننا برؤية عزِّ الإسلام وانتصار المسلمين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم إن بإخواننا في سوريا من الضر واللأواء ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم فرج همهم، اللهم نفِّس كربهم، اللهم كن لهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم سدِّد رميهم، اللهم عليك بعدوهم، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا عسيرًا إلا يسَّرته، ولا مريضًا إلا شفيته.

اللهم يسر أمورنا، وفرج كروبنا، واشرح صدورنا، اللهم اجعلنا ممن يرفع لا إله إلا الله، وارفعنا بها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا جميعها يا ذا الجلال والإكرام، اللهم كما جمعتنا في هذا المكان المبارك اللهم اجمعنا في دار كرامتك، وفي مستقر رحمتك يا ذا الجلال والإكرام، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات 180-182].

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=90