الحقوق محفوظة لأصحابها

راشد الزهراني
بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كنت أتمنى أن أحييكم كما حيَّاني الدكتور عمر لكل واحد منكم، لكن أعتقد أن هذا سيأخذ وقتًا كبيرًا، بارك الله فيكم، وأسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه كما جمعنا وإياكم في هذا المكان الطيب المبارك، أن يجمعنا في دار كرامته، وفي مستقر رحمته، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بلقب سليم.

جزاكم الله خيرًا يا أهل تونس، جزاكم الله خيرًا على كرمكم، وعلى طيب أخلاقكم، وعلى حسن ضيافتكم وعلى رقة قلوبكم، كنت أتحدث بالأمس مع الشيخ محمد حسان عن أبرز صفة لمستها في أهل تونس بعد كرمهم وغيرتهم وعزتهم بهذا الدين، فإذا بها تلك القلوب الرقيقة التي إذا استمعت إلى كلام الله اتَّعظت، والتي إذا استمعت إلى كلام رسول الله عملت، فالحمد لله الذي منَّ علينا بالإسلام، والحمد لله الذي جعلنا وإياكم من أتباع نبينا -عليه الصلاة والسلام.

الشكر أيضًا لفضيلة الشيخ الدكتور عمر بن عمر أستاذ الفقه وأصوله في جامعة الزيتونة على هذه الدرر المباركة والعظيمة التي قدمها، ولفضيلة الشيخ الدكتور سامي خطيب هذا الجامع على حفاوة استقباله وتنظيمه، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيهم خير الجزاء، وأن يجمعنا وإياكم ووالدينا ومن تحبون في جنات النعيم، اللهم آمين.

نُكمل حديثنا في عقيدة الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، هذا الإمام العظيم الذي انطلق نوره من مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانطلق خيره وبركته بأخذه لكتاب الله وبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

سأتحدث عن بعض المعاني العظيمة في حياة هذا الرجل العظيم وهو الإمام مالك بن أنس، أبو عبد الله، إمام دار الهجرة -رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

وهؤلاء أئمتنا نُجلهم ونحترمهم ونقدرهم، حتى إنه من عقائد أهل السنة والجماعة معرفتهم بفضل أهل العلم، ومعرفتهم بقدرهم ومكانتهم ومنزلتهم العظيمة.

ورد في الحديث -واسمع إلى هذا الحديث، أنتم على مذهب الإمام مالك في فروعه وفي أصوله- وقد ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليضربن الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون عالمًا أعلم من عالم المدينة».

هذا الحديث رواه الإمام أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر وهو من علماء مصر -رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

الإمام الشافعي أثنى على الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فقال: "إذا جاءك الأثر عن مالك فشُدَّ به يدك"؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله- كان من أحرص الناس على تتبع سنة وآثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

والإمام ابن المبارك -رحمه الله- يقول: "لو قيل لي: اختر إمامًا للأمة؛ لاخترت لها الإمام مالك".

الإمام الشافعي أثنى على الإمام مالك، الإمام أحمد أيضًا يقول: "مالك سيدٌ من سادات أهل العلم، وهو إمام في الحديث، وإمام في الفقه، ومَن مثل مالك في تتبع آثار رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟!".

وقال يحيى بن معين: "كان مالك -رحمه الله- حجة الله على خلقه".

وبالمناسبة -أيها الأحبة- أئمتنا الأربعة: الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد -رحمهم الله- كانوا جميعًا من أكثر الناس تمسُّكًا بكتاب الله وبسنة رسوله، ولا يُقدمون على كتاب الله وسنة رسوله قول أحد كائنًا من كان، حتى إن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يقول: "أقول لكم: قال الله ورسوله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!"، وهما مَن هما في فضلهم وقدرهم، وهما اللذان أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباع آثارهما، فقال -صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ».

وكان الإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "أي قول يُخالف كلام الله وكلام رسوله فارموا بقولي عرض الحائط"، وفي رواية: "فهو قولي".

سأذكر لكم -بما أننا ذكرنا الأئمة الأربعة- أذكر لكم كيف كانوا يتعاملون مع بعضهم البعض، حتى نعلم كيف يتعامل الأتباع بعضهم مع بعض.

كان الإمام أحمد -رحمه الله- كما تعلمون يرى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الفجر، والإمام الشافعي -رحمه الله- يرى جواز ذلك، فصلى الإمام الشافعي إمامًا، وصلى أحمد خلفه مأمومًا، فقنت الإمام الشافعي، فأمَّن الإمام أحمد، فقالوا: يا إمام، إنك لا ترى جواز هذا.

قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إنما جُعل الإمام ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه».

وانظر إلى الأدب كذلك: الإمام أحمد كان كثيرًا ما يُثني على الشافعي ويقول: "هو كالشمس للأرض، وكالعافية للبدن".

فأتى الإمام أحمد ووضع وليمة للإمام الشافعي، فقُدِّم له الطعام، فأكل الإمام الشافعي بنهمٍ، ثم بعد ذلك نام في دار الإمام أحمد، وفي الليل قُدِّم له الماء ليُصلي فما قام ليصلي لصلاة الليل، وخرج يصلي الفجر مع الإمام أحمد ولم يتوضَّأ.

فقال أتباعه: يا إمام، أنت تقول الشافعي كالشمس للأرض وكالعافية للبدن؟! أكل طعامًا كثيرًا والعلماء لا يأكلون كذلك، ولم يُصلِّ الليل والعلماء يقومون الليل، وكذلك فإنه صلى الفجر بدون وضوء.

قال: اسألوه.

فسألوا الإمام الشافعي، فقال: "أما الطعام فلا أعلم أحد أورع من الإمام أحمد في كسب رزقه، فأردت أن أستكثر من هذا الحلال، وأما صلاة الليل فإنني كنت مشغولًا عنه بطلب العلم، وما طلب العلم بأقل من صلاة الليل.

ثم قال: "لقد بتُّ ليلة كاملة وأنا أتأمل قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير ما فعل النغير؟»، فاستخرجت منها مئات الفوائد.

وأما صلاة الفجر فإني لم أنم، وإنما لا زلت على وضوئي من صلاة العشاء فصليت بذلك الوضوء".

كان الأئمة الأربعة -رحمهم الله- يثني بعضهم على بعض، المتأخر منهم على المتقدم، ويعرفون فضلهم، فيا ليت أن الأتباع يسيرون خلف الأئمة كما ساروا -رحمهم الله.

الإمام مالك -جل وعلا- من أكثر الأئمة عناية بالعقيدة واهتمامًا بها؛ بل إن العقيدة التي يتعلمها المسلمون بعض قواعدها أسَّسها الإمام مالك -رحمه الله-، ومن ذلك: ما صحَّ به السند عنه -جل وعلا- أنه أتاه رجل فقال: يا إمام الاستواء كيف هو؟

فقال -رحمه الله: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا، فأخرجه".

كان الإمام الشافعي يقول: "سئُل الإمام مالك عن الكلام والتوحيد، فقال الإمام مالك -رحمه الله- واسمع لهذا الكلام الذي يدل على عنايته -رحمه الله- بهذه العقيدة، قال -رحمه الله: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- محالٌ أن يُظنَّ به أن يعلمنا الاستنجاء ولا يعلمنا توحيد الله -جل وعلا-، وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله»".

وبوَّب الإمام مالك -رحمه الله- في موطَّأه في كتاب البيعة أورد حديث بيعة النساء للنبي -صلى الله عليه وسلم: «بايعهن على ألا يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، وألا يعصينه في معروف، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: مَن استطاع إلى ذلك؟

فقالوا: الله ورسوله أرحم بنا».

فالإمام مالك -رحمه الله تعالى- كان من أئمة الدين، الذين اهتموا واعتنوا بهذه العقيدة العظيمة، الذي يسير على ما قرره الإمام مالك -رحمه الله- في كتبه وفي موطأه فإنه يسير على العقيدة الصحيحة المنبعثة من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.

المسألة الثانية التي نتحدث عنها: ما هو مصدرنا في أخذنا للعقائد والأحكام؟ المسلم ما المصدر الذي يقول من خلاله: هذه عقيدتي؟

المصدر: كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.

وقد أمر الله -جل وعلا- بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في آيات كثيرة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: 59].

وقال -سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 24].

ثم تأملوا إلى هذه الآية العظيمة التي يُفرّق الله فيها بين حقه -جل وعلا- وبين حق رسوله -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -عز وجل: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ﴾ [النور: 52]، جعل الطاعة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وجعل الخشية والتقوى لمَن؟

لله -جل وعلا-، فالخشية والتقوى من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله -سبحانه وتعالى-، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل؛ بل تُصرف لله -سبحانه وتعالى.

ورد في الحديث أن حذيفة -رضي الله عنه- يقول: "يا معشر القراء" واستمعوا لهذه الوصية، وصايا الصحابة من الوصايا العظيمة التي يجب أن نحرص عليها، مثل وصايا أبي الدرداء، هناك من العلماء مَن اهتمَّ بوصايا أبي الدرداء، وهناك من العلماء مَن اهتم بوصايا الحسن البصري، هؤلاء العلماء ممن أوتوا الحكمة، والله -جل وعلا- يقول: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269].

أُمنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كانت تستمع إلى الحسن البصري، فقالت: "من هذا الذي له كلام يُشبه كلام النبوة"؛ لأن عليه نور النبوة، أخذه من القرآن ومن السنة.

وقيل كما أورد ابن الجوزي -رحمه الله- في ترجمته للحسن البصري، قال: "ما زال الحسن يتحرى الحكمة حتى أوتيها".

من الوصايا التي أوصى بها حذيفة -رضي الله عنه- أنه قال: "يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقًا بعيدًا، وإن أخذتم يمينًا وشمالًا فقد ضللتم ضلالًا بعيدًا".

ويعني بالاستقامة هنا: الاستقامة على طاعة الله وعلى طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم.

روى الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أورده ابن مسعود قال: «كنا جلوسًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فخطَّ..»، تأمل الحديث، تأمل كيف يعلم النبي أصحابة رضوان الله عليهم- النبي -صلى الله عليه وسلم-، «خطَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خطَّا مستقيمًا، وخطَّ عن يمينه خطَّين، وعن شماله خطَّين، وقال: هذا الصراط المستقيم، وهذه الأهواء والسبل، على كل سبيل منها شيطان من أطاعه قذفته إلى النار»، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.

فهذا مما يدل على أهمية أن يسلك العبد الصراط المستقيم، والصراط المستقيم هو طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم.

الصراط المستقيم يدعو به المسلم في صلاته، في أم الكتاب، في السبع المثاني، بالقرآن العظيم، فيقول: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: 6]، هذا الصراط أوله الاستقامة على كتاب الله وسنة رسوله في الدنيا، وآخره في جنات عدن ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ورد في الحديث: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم وعظ الصحابة موعظة عظيمة ذرفت منها العيون»، ولكم أن تتخيلوا مَن الذي يوصي! محمد صلى الله عليه وسلم-، وعظهم موعظة عظيمة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا.

فقال -صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد، فإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا».

ما الحل؟

قال: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

أيضًا مما يُقال في الاستجابة لله ورسوله، والعودة إلى القرآن والسنة كمصدر رئيس من مصادر التلقي عند أهل السنة والجماعة؛ من ذلك أيضًا: تحريم القول على الله بلا علم.

احذر أن تقول على الله أو على رسوله ما لا تعلم، ولهذا الإمام ابن القيم -رحمه الله- ألف كتابه العظيم "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، كأنه يقول: الذي يتحدث عن الله كأنه يوقِّع، وإذا كان الإنسان في الدنيا لا يتحدث عن الآخرين إلا إذا تأكَّد؛ فكيف بالحديث عن رب الأرض والسماء -سبحانه وتعالى؟!

اسمع إلى قول الله -جل وعلا: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].

ولهذا أيضًا يقول الله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 36].

فاحذر أن تتحدث عن الله أو عن رسوله إلا بما تعرف وبما تعلم، فإذا علمت فانشر الخير تنل الأجر من الله.

قال -صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأدَّاها كما سمعها، فربَّ مبلغٍ أوعى من سامع، ورب حامل فقه غير فقيه».

أيضًا من الأمور العظيم وخاصة التي تطلب العودة الصادقة إلى المنبع الأصيل والمورد العذب الزلال-كتاب الله وسنة رسوله- مما يؤكد العودة إليها: ما يحدث للمسلمين في آخر الفتن.

العودة واجبة في الفتن وغيرها، فلا يجوز لنا إلا الانصياع والانقياد لكتاب الله وسنة رسوله، ولكن في الفتن يقول -صلى الله عليه وسلم- واسمعوا -أيها الأحبة- إلى هذا الحديث العظيم الذي يرسم معلمًا من معالم واقع المسلمين: يقول -عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا».

قبل قليل كنت أتحدث معكم عن وصايا أبي الدرداء -رضي الله عنه-، من وصاياه -رضي الله عنه: أنه كان يقول عن معاذ بن جبل، قال: "كان لا يجلس مجلسًا للذكر حين يجلس إلا ويقول -اسمع لهذه الوصية، اسمع لهذه الحكمة- قال: إن الله حَكمٌ قِسط، ثم قال: هلك المرتابون، هلك المرتابون، ثم يقول –رحمه الله: إن من ورائكم فتنًا يكثر فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه الصغير والكبير، والمرأة والرجل، والحر والعبد".

هنا الشاهد، يقول: "فيوشك قائل يقول للناس: ما للناس لا يتَّبعونني وقد قرأت القرآن، وما هم بمتبعيَّ حتى أُحدث لهم شيئًا".

يقول: سرتُ على الجادة لم يلتفتوا إليَّ، والقاعدة تقول "خالف تُعرف"، لكن احذر أن تكون رأسًا في فتنة، أو رأسًا في ضلالة، أو رأسًا في بدعة، أو رأسًا في أمر حرمه الله -جل وعلا.

قال: "وما هم بمتبعي حتى أحدث لهم شيئًا، فإياكم والبدع، فإن كل بدعة ضلالة".

اسمع للوصية الأخرى، قال: "وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق".

قالوا: كيف نعرف ذلك؟ كيف نعرف أن الحكيم قد قال الشيطان على لسانه؟ وكيف نعرف أن المنافق قد يقول كلمة الحق؟

قال -رحمه الله: "اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يُقال لها: ما هذه؟ من أين أتى بها؟ فإياك واحذرها، فإنه يعود عنها، وأما الحق فإنك تعرفه، فإن على الحق نورًا".

ومن قرأ القرآن والسنة أدرك هذا الأمر، وأدرك أهمية هذا الأمر العظيم، وهو الحق الذي يبصر به المسلم، المسلم يُبصر بنور الله، يُبصر بالقرآن، يُبصر بالسنة، يجلي الله -عز وجل- له الحقائق بهذا العلم الذي يتعلمه.

وقد ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبَّه ورود العلم على القلب بثلاثة أشياء، قال -عليه الصلاة والسلام- وما أعظم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اسمع! «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضًا، فكان منها طيبة -أرض طيبة كالقلوب الطيبة- قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا وشربوا، وكان منها قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً -وهذا قلب المنافق-، قال: فذلك مثل مَن فقُهَ في دين الله، ومثل مَن لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله -الذي جاء به -صلى الله عليه وسلم».

المسألة الثالثة -أيها الأحبة- وقد تطرقنا لها بالأمس بشيء من الاختصار، وهي: أهمية هذا التوحيد الذي قرره الإمام مالك، وقبل ذلك الذي أتى به الأنبياء -عليهم أفضل الصلاة والسلام: لا صلاح -واسمع لهذا الكلام- لا صلاح للعباد، ولا نجاح، ولا حياة طيبة، ولا سعادة في الدارين، ولا نجاة من خزي الدنيا والآخرة؛ إلا بمعرفة توحيد الله -جل وعلا.

هذا التوحيد من أجله أرسل الله الرسل، ومن أجله أنزل الله الكتب، ومن أجله خلق الله الجنة، ومن أجله خلق الله النار، ومن أجله قام سوق الجهاد، ومن أجله جعل الله -عز وجل- للجنة أهلًا وللنار أهلًا، الله لم يخلقنا سدًى، ولم يتركنا هملًا، وإنما خلقنا لحكمة عظيمة، هذه الحكم جلَّاها الله -جل وعلا- لنا في كتابه فقال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].

وما معنى يعبدون؟

أي يوحدون الله -جل وعلا.

وقال -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190].

من هم؟

﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 191].

وقال -جل وعلا: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس 77- 79].

وقال: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36].

قال العلماء معناها: يعني لا يؤمر ولا يُنهى! بل إن الله -جل وعلا- خلق الناس لحكمة عظيمة.

هذا التوحيد العظيم أخذ الله -جل وعلا- عليه الميثاق، وقبل ذلك أشهد الله نفسه وملائكته وأهل العلم، فقال -جل وعلا: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: 18].

ابن القيم -رحمه الله- في كتابه "مفتاح دار السعادة" تحدث كثيرًا عن هذه الآية العظيمة، فاستنبط منه الفوائد، واستنبط منها الدرر، ونشر فيها خيرًا عظيمًا فراجعوه ففيه الفائدة والخير -بإذن الله.

أخذ الله الميثاق على الناس أن يوحدوه، ولا يشركوا به شيئًا، مَن يعرف الآية؟

﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: 172]، فهذا الميثاق الذي أخذه الله -جل وعلا- على بني آدم جميعًا.

الميثاق الآخر الذي أخذه الله: ميثاق الفطرة، ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: 30].

كان أهل مكة يعلمون أن الله هو الخالق والرازق، لكنهم يتركون اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- حسدًا، كما تركها فرعون تكبرًا، فقال الله -جل وعلا: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14].

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله -جل وعلا: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم».

الميثاق الثالث ميثاق ماذا؟

ميثاق الرسل، إرسال الرسل، أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فهذا هو الميثاق.

ومن الميثاق أيضًا: ميثاق القرآن.

فهذه أربعة مواثيق أخذها الله -جل وعلا- على العباد ليوحدوا الله ويفردوه بالعبادة:

الميثاق الأول: حينما أخذهم من ظهر آدم وأشهدهم ألست بربكم؟

الميثاق الثاني: الفطرة.

والثالث: إرسال الرسل.

والرابع: القرآن العظيم.

التوحيد الذي نتعلمه ذكرنا لكم أنه على ثلاثة أنواع، وذكرنا لكم التعريف بها.

- توحيد الربوبية: وهذا التوحيد لم يُنكره أحد من الخلق إلا ما عُلم عن فرعون، وأنكره تكبرًا.

- وأيضًا توحيد الألوهية.

- وتوحيد الأسماء والصفات.

التوحيد الذي ندرسه الآن هو توحيد الألوهية، توحيد العبادة، توحيد الطلب والقصد، وما شئت من الأسماء، فلا مشاحة في الاصطلاح، فكلها قد دلَّ عليها القرآن والسنة.

وهذه الأنواع الثلاثة من التوحيد مرتبطة بعضها مع بعض، أهل مكة الذي بُعثَ فيهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يُقرُّون بأن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق، وأن الله هو المحيي.

قال الله -جل وعلا: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: 87].

طيب، هذه الأصنام التي تعبدونها ما الحكمة منها؟

قال الله -جل وعلا: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3].

يقولون: نحن نعلم أن الله هو الخالق والرازق، لكنَّا نريد من اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أن تشفع لنا عند الله -جل وعلا.

ومن أساليب القرآن في تثبيت هذا التوحيد: الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، لأنه لا يستحق العبادة إلا من استحق أن يكون هو الخالق وحده وهو الرب وحده، وهو الرازق وحده -سبحانه وتعالى.

قال الله -جل وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ [البقرة 21، 22]، كل هذه الآيات تدل على هذا المعنى العظيم.

الوقفة الأخيرة في درسنا لهذا اليوم: هو الحديث عن أعظم شهادة على الإطلاق، وهي هذه الشهادة؛ شهادة أن لا إله إلا الله، ما معناها؟ ما معنى "لا إله إلا الله"؟

لا معبود بحقٍّ إلا الله.

"لا إله": نافية العبادة لغير الله.

"إلا الله": مثبتة العبادة لله وحده.

ولهذا يقول العلماء: إن كلمة التوحيد تقوم على النفي والإثبات، هنا "لا" نافية للجنس، وهنا ما التقدير؟ هل نقول: لا إله حق إلا الله؟ أو نقول: لا إله موجود إلا الله؟ أو ماذا نقول؟

الصواب نقول: لا إله حقٌّ إلا الله.

لماذا؟

لأن هناك آلهة تُعبَد. أليس كذلك؟

ألم يعبد المشركون الأصنام والأوثان؟!

قال -سبحانه وتعالى- يبيِّن هذا الأمر: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62].

هذه الشهادة وهذه الكلمة العظيمة ما فضائلها؟

اسمع إلى بعض فضائل كلمة التوحيد:

أولًا: شهادة ألا إله إلا الله هي السبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة.

ثانيُا: شهادة أن لا إله إلا الله هي العروة الوثقى، ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ [البقرة: 256].

ثالثًا: لا إله إلا الله هي العهد الذي ذكره الله -عز وجل- في قوله: ﴿لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: 87].

رابعًا: هي الحسنى التي قال الله عنها: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل 5، 6].

خامسًا: وهي كلمة الحق، ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 86]، وهي لا إله إلا الله.

سادسًا: هي كلمة التقوى، ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا﴾ [الفتح: 26].

سابعًا: هي القول الثابت، يقول الله -جل وعلا: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: 27].

أعظم أمر: أن يختم الله لك بهذه الكلمة.

يقول -صلى الله عليه وسلم: «مَن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؛ دخل الجنة».

ثامنًا: هي الحسنة التي قال الله -جل وعلا- عنها: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: 160].

ومن فضائل هذه الكلمة العظيمة -لا إله إلا الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله حرَّم على النار مَن قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله».

استمع إلى هذا الحديث: «قال موسى: يا رب، يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به.

قال: يا موسى، قل: لا إله إلا الله.

قال: يا رب، كل عبادك يقولون هذا.

قال: يا موسى، لو أن السماوات السبع والأراضين السبع في كِفَّة وسائر البشر في كِفَّة، لرجحت بهنَّ لا إله إلا الله».

فما أعظم هذه الكلمة التي يجب علينا أن نحرص عليها وعلى معرفة معناها وعلى تعلمها، وعلى أن ننظر إلى مراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة».

قال الحسن: "إن "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة، لكن هذا المفتاح لابد له من أسنان، وأسنان هذه الشهادة سبعة» من أتى بأركانها السبعة فقد أتى بمعناها الحق، جمعها الشاعر في قوله -لمن أراد أن يحفظها سريعًا:

علم يقين وإخلاص وصدقك مع

محبة وانقياد والقبول لها

فهذه سبعة شروط لـ "لا إله إلا الله".

أولها: العلم.

وهو أن تعرف معناها، فمعناها يدور بين النفي والإثبات، أن تنفي العبادة عما سوى الله، وأن تثبتها لله -جل وعلا، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62]، ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 64].

قال -صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم ألا إله إلا الله دخل الجنة».

الشرط الثاني: اليقين، المنافي للشك.

يكون قائلها مستيقنًا من أعماق قلبه بهذه الكلمة وبمعناها يقينًا جازمًا.

قال الله -جل وعلا: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات: 15].

وورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله فبشره بالجنة».

الشرط الثالث: القبول لهذه الكلمة.

أن يكون قلبك ولسانك وجوارحك كلها قابلة لهذه الكلمة العظيمة، وهي كلمة "لا إله إلا الله".

الشرط الرابع: الانقياد المنافي للترك، ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر: 54].

الخامس: الصدق.

قال الله -جل وعلا: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت 1، 2].

وقد قال -صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وان محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار».

الشرط السادس: الإخلاص.

أن يقولها مخلصًا لله -جل وعلا-، قال سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].

قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَن قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه؛ دخل الجنة».

الشرط السابع والأخير: المحبة.

المحبة لهذه الكلمة، محبة هذه الكلمة تعني أولًا: محبة الله.

وتعني ثانيًا: محبة رسوله.

وتعني ثالثًا: محبة أهل الإيمان كما أمر بذلك نبينا -عليه أفضل الصلاة والسلام-، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ﴾ [المائدة: 54].

هذه هي شروط لا إله إلا الله، نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وإياكم ووالدينا ممن يختم الله لهم بهذه الكلمة.

اللهم فرِّج كروبنا، ويسر أمورنا، اللهم اجعلنا ممن يرفع لا إله إلا الله وارفعنا بها، واجعلها آخر كلامنا من الدنيا، اللهم يسرنا لليسرى، اللهم جنبنا العسرى، اللهم كما جمعتنا في هذا المكان المبارك اللهم اجمعنا في دار كرامتك وفي مستقر رحمتك في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم.

اللهم أسعد قلوبنا بالقرآن، وأنر أرواحنا بالإيمان، اللهم اجعلنا من أتباع المصطفى -عليه الصلاة والسلام.

اللهم يا رب الأرباب ويا مسبب الأسباب ويا خالق خلقه من تراب؛ اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في سوريا، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، اللهم أيدهم بتأييدك، اللهم أمددهم بمددٍ من عندك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أسعد صدورنا، وأقر أعيننا برؤية عز الإسلام وانتصار المسلمين.

اللهم أصلح شبابنا، اللهم واجعلهم عدة لأمتهم ودينهم وبلادهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح نساء المؤمنين، اللهم واجعلهن بالصحابيات مقتديات، اللهم واجعلهن هاديات مهديات يا ذا الجلال والإكرام، ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات 180-182].

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=90