الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد عبد المعطي
الأكاديمية الإسلامية المفتوحة

الدورة العلمية الثانية

شرح متن الآجرُّوميَّة

لفضيلة الشيخ محمد عبد المعطي

الدرس (10)

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله واسع الفضل جزيل الإنعام، نحمده -سبحانه وتعالى- في البدء والختام، وأشهد ألا إله إلا الله الواحد العلَّام ربُّ الأنام، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد النبي الإمام، ورسول الواحد العلَّام، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والأعوام.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب70، 71].

اللهم اجعلنا وإياكم من الفائزين.

وبعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فاللهم أجرنا من النار ون كل ما يؤدي إلى النار.

وبعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مشاهديَّ الكرام ومستمعيَّ الموقرين نتشرف بهذه المحاضرة الأخيرة في كتاب متن الآجرومية للعلامة ابن آجروم المتوفى سنة 723، سائلين المولى -عز وجل- أن يوفقنا إلى التكملة، وأن يكتب لنا حسن الخاتمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ومع أحد المنصوبات وهو اسم (لا) النافية للجنس، تلك التي تعمل عمل (إن).

{بَابُ لَا.

اِعْلَمْ أَنَّ "لَا" تَنْصِبُ اَلنَّكِرَاتِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إِذَا بَاشَرَتْ اَلنَّكِرَةَ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ}.

"إِذَا بَاشَرَتْ اَلنَّكِرَةَ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ"، يعني هذا أن (لا) النافية للجنس تعمل عمل (إن) لكن بشروط، أما (إن) فتعمل بلا شرط، ولكن لمَّا كانت (لا) تعمل عمل (إن) كانت فرعًا، والفرع ضعيف فيحتاج إلى تقوية.

وشروط إعمال (لا) النافية للجنس:

الأول: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين: فلو كان معرفة لأهملت وتكررت، مثل: (لا محمد في الدار ولا علي)، إذن؛ هنا فقدت شرط التنكير.

الشرط الثاني: أن يتقدم الاسم على الخبر، فإن حدث العكس وجب إهمالها وتكرارها أيضًا.

قال الله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47]،

(لا فيها غول): تقدم الخبر على الاسم؛ فأهملت وكُررت.

ومثل: (لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ).

الشرط الثالث: ألا تتكرر: فإن تكررت جاز فيها الإعمال والإهمال.

فلو قلنا مثلًا: (لا رجل في الدار ولا امرأة)، فنقول: لا رجلَ ولا امرأةَ. ونقول: لا رجلٌ في الدار ولا امرأةٌ.

إذن؛ الشرط الثالث: ألا تتكرر، فإن تكررت جاز الإعمال، وجاز الإهمال.

الشيخ يقول إنها تنصب، أي تنصب محلًا بلا تنوينٍ، لا تقل: (لا رجلًا)؛ بل: (لا رجلَ).

قال الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114].

فقوله تعالى {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ}:

(لا): نافية للجنس تعمل عمل (إن) مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب لأنها حرف.

خير: اسم (لا) مفرد مبني على الفتح في محل نصب.

وقوله: {فِي كَثِيرٍ}: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر، أي: لا خيرَ كائنٌ في كثير منهم.

إذن؛ (خير) منكَّرة كما هو الشرط، و(خير) منوَّنة، وتقدَّم الاسم على الخبر، وهي لنفي الجنس نصًّا.

ما معنى نفي الجنس نصًّا؟

هناك (لا) النافية للوحدة، وهناك (لا) النافية للجنس.

الأولى: تعمل عمل (ليس) كما قلنا في المرفوعات، مثل قول الشاعر:

تَعَزَّ فَلا شَيءٌ عَلَى الأرْضِ بَاقِيَا ** وَلا وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَاقِيَا

(لا) النافية للوحدة تعمل عمل (ليس) فترفع وتنصب، ولكن عملها أكثر في الشعر.

أما (لا) النافية للجنس؛ فإنها تعمل عمل (إن)، أي أنها تنصب وترفع بشروط كما أسلفنا، وهي ورادة في القرآن، وفي الكلام العربي كله.

قال الله تعالى أيضًا: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39].

(لا قوة إلا بالله): أي لا قوة كائنة إلا بالله.

إذن؛ (قوة): اسم (لا) مفرد مبني على الفتح في محل نصب.

(بالله): جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر (لا)، أي: لا قوة كائنة إلا بالله.

إذن؛ من أي نوع من أنواع الاستثناء؟ اسمه غير تام وغير موجب.

فإذن؛ تكون من الاستثناء المفرغ الذي تحدثنا عنه بالأمس.

طيب، إذا كان الأمر كذلك؛ فما أنواع اسمها؟

أنواع اسمها ثلاثة:

- إما ان يكون مفردًا.

- أو مضافًا.

- أو شبيهًا بالمضاف.

ونعني بالمفرد في هذا الباب وفي باب المنادى ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف.

أما في باب الخبر والنعت والحال: فالمفرد فيهنَّ ما ليس جملة ولا شبه جملة، وقد أوضحنا ذلك من قبل.

إذن؛ المفرد في هذا الباب ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف.

ما حكم اسم (لا) إذا كان مفردًا؟

قالوا: يُبنى على ما يُنصب به في محل نصب:

• يعني إذا كان يُنصب بالفتحة بُنيَ على الفتح، وذلك في المفرد وجمع التكسير، (لا رجلَ ولا رجالَ).

(لا رجلَ): مفرد.

• وإن كان يُنصب بالياء، وهو المثنى وجمع المذكر السالم: بُنيَ على الياء.

مثل: لا رجلين في الدار، لا مهندسين عندنا.

كيف يكون مفرد ومثنى؟

قلنا أن المفرد هنا ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف؛ فيدخل فيه المفرد والمثنى والجمع، إلى آخره.

• وإذا كان يُنصب بالكسرة، كالجمع المزيد بالألف والتاء: جاز أن يُبنى على الكسر، وأن يُبنى على الفتح.

وبالوجهين رُويَ قول الشاعر:

"لا صابغاتِ"، و"لا صابغاتَ".

قال:

لا صابغاتِ ولا جأواء باسلة ** تقي المنون لدى استيفاء آجالِ

يعني لو كنتُ لابسًا درعًا واقيًا من الرصاص؛ فإنه لن يحول بينك وبين قدر الله، هذا معنى البيت.

لا صابغاتِ ولا جأواء باسلة ** تقي المنون لدى استيفاء آجالِ

إذن؛ المفرد في هذا الباب أي الذي ليس مضافًا ولا شبيهًا به يُبنى على ما يُنصب به في محل نصبٍ، إن كان يُنصب بالفتحة بُني عليها، وإن كان يُنصب بالياء بُنيَ على الياء، وإن كان يُنصب بالكسرة بُنيَ على الكسر أو الفتح، كالجمع المزيد بالألف والتاء، مثل: لا مسلماتِ، أو: لا مسلماتَ فاسقاتٌ.

أما إذا كان مضافًا أو شبيهًا بالمضاف: وهو الذي اتصل به شيء من تمام معناه؛ فإنه يُنصب، يعني لا يُبنى؛ بل يُعرب ويُنصَب.

تقول مثلًا: لا طالبَ علمٍ مذموم.

طالبَ: اسم (لا) النافية للجنس منصوب بها، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو مضاف، و(علم) مضاف إليه.

مذموم: خبر.

مثال: لا طالبَي علمٍ مكروهان.

طالبَي: اسم (لا) منصوب بها وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى.

(طالبَي) مضاف، و(علم) مضاف إليه، والنون حُذفت للإضافة.

مثال: لا طالبِي علمٍ ممقوتون.

طالبِي: اسم (لا) منصوب بها، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة لأنه جمع مذكر سالم، وهو مضاف، و(علم) مضاف إليه، والنون حُذفت للإضافة.

مثال: لا طالباتِ علمٍ كسالى.

طالباتِ: اسم (لا) منصوب بها وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مزيد بالألف والتاء، (طالباتِ) مضاف، و(علم) مضاف إليه مجرور.

إذن؛ اسم (لا) إذا كان مضافًا فإنه يُنصب بالفتحة أو بالياء أو بالكسرة.

مثال: لا أخَ علمٍ مكروهٌ.

أخَ: اسم (لا) النافية للجنس منصوب بها، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة لأنه من الأسماء الستة، (أخَ) مضاف، و(علم) مضاف إليه، إلى آخره.

الشبيه بالمضاف -كما قلنا: هو الذي اتَّصل منه شيء من تمام معنها.

بمعنى: أنه كان في الأصل مضافًا، ثم نُوِّنَ المضافُ.

مثلًا: لا راكبًا فرسًا عندنا.

أصلها كانت: لا راكبَ فرسٍ، فجاء بتنوين لـ (راكب)، ثم نصب (فرسًا)، فصارت: لا راكبًا فرسًا.

ومنه قولهم: لا طالعًا جبلًا حاضرٌ، أو: لا حسنًا وجهه مكروه.

حسنًا: اسم (لا) النافية للجنس شبيه بالمضاف، منصوب بـ (لا)، وهو صفة مشبهة.

و(وجه) من (وجهه): فاعل مرفوع بالصفة المشبهة، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، (وجه) مضاف، والهاء مضاف إليه مبني على الضم في محل جر.

ومثل: لا رفيقًا بالعباد مكروه.

رفيقًا: اسم (لا) شبيه بالمضاف.

بالعباد: جار ومجرور متعل بـ (رفيقًا).

إذن؛ أنواع اسم (لا): مفرد، مضاف، شبيه بالمضاف، يُبنى في الحالة الأولى، ويُعرب في الحالتين الثانية والثالثة.

اقرأ يا بني اسم (لا).

{اِعْلَمْ أَنَّ "لَا" تَنْصِبُ اَلنَّكِرَاتِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ إِذَا بَاشَرَتْ اَلنَّكِرَةَ وَلَمْ تَتَكَرَّرْ "لَا" نَحْوَ "لَا رَجُلَ فِي اَلدَّارِ".

فَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهَا وَجَبَ اَلرَّفْعُ وَوَجَبَ تَكْرَارُ "لَا"}.

هذا ما قلنا عليه أنه المحترزات.

يعني إذا كان اسمها غير نكرة تُهمل وتُكرر، إذا فُصل بينها وبين اسمها تُهمَل وتُكرر، إلى آخره.

{نَحْوَ لَا فِي اَلدَّارِ رَجُلٌ وَلَا اِمْرَأَةٌ"}.

ما هو الشرط المفقود في هذه الجملة؟

تقدم الخبر على الاسم.

{فَإِنْ تَكَرَّرَتْ "لَا" جَازَ إِعْمَالُهَا وَإِلْغَاؤُهَا}.

قلناها، مثل: لا رجلَ في الدار ولا امرأةَ. ونقول: لا رجلٌ في الدارِ ولا امرأةٌ.

{فَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ "لَا رَجُلٌ فِي اَلدَّارِ وَلَا اِمْرَأَةٌ"}.

ومن ضمن الشروط يا إخوة: ألا تُسبق بحرف جرٍّ.

يعني مثلًا نقول: خرجَ الكافرُ من الدنيا بلا حسنةٍ.

هنا (لا) لا تعمل. لماذا؟ لأنه سُبقت بحرف جر.

و(لا) هنا تكون اسمًا بمعنى غير، وكأنك قلت: خرج الكافر من الدنيا بغير حسنةٍ.

فـ (لا) هنا تنقلب من حرفٍ إلى اسمٍ، وتكون مضافة إلى (حسنة)، ولا يجوز أن يُقال أنها زائدة، لأننا لو قلنا بالزيادة لكان المعنى: خرج الكافر بحسنة. مع أن الكافر يخرج من الدنيا بغير حسنة، لأنه استوفى كل شيءٍ في الدنيا.

{بَابُ اَلْمُنَادَى.

اَلْمُنَادَى خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ : المُفْرَدُ اَلْعَلَمُ}.

المنادى أيضًا من المنصوبات وهو مفعول على المفعول به، يعني هو داخل في إطار المفعول به الذي بدأنا به المنصوبات، لأن قولك: يا فلان. أصلها: أدعو فلانًا، أو: أنادي فلانًا.

فلما حُذف الفعل مع فاعله، وأوتي بحرف النداء؛ ناب عن هذا الفعلُ والفاعلُ، فالعرب جعلت له وضعًا جديدًا بعد أن كان معربًا منصوبًا بَنَتْهُ لتبيِّنَ أنه معدولٌ به عن شيءٍ آخر.

إذن؛ (يا زيد) أصلها: أدعو زيدًا.

إذن؛ المنادى: هو المطلوب إقباله -هذا في اللغة.

وإصطلاحًا: هو المطلوب إقباله بـ (يا) أو إحدى أخواتها: (يا، وأيا، وهيا، وأي، و الهمزة، و"آ")، و(واو الندبة) لما نقول: وا زيداه -متفجع عليه- أو: وا رأساه -متفجع منه.

هذه أحرف النداء.

إذن؛ النداء لغة: هو المطلوب إقباله.

واصطلاحًا: هو المطلوب إقباله بـ (يا) أو إحدى أخواتها.

ونحن تكلمنا عن النداء -يا إخوة- عندما كنا نتحدث عن علامات الأسماء في بداية الكتاب، تذكرون لما قلنا أن من علامات الأسماء: النداء؟ لماذا؟ لأن المنادى في الأصل مفعول به.

هذا المنادى بدوره ينقسم إلى خمسة أقسامٍ -كما ذكر الشيخ:

- مفرد علم: مثل: يا زيد، يا عمرو.

والأنبياء جميعًا -عليهم السلام- نودوا في القرآن بأسمائهم، {يَا نُوحُ اهْبِطْ} [هود: 48] {يَا هُودُ} [هود: 53]، {يَا صَالِحُ} [الأعراف: 77] {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [هود: 81]، {يَا شُعَيْبُ} [الأعراف: 88]، {يَا يَحْيَى} [مريم: 12]

، {يَا زَكَرِيَّا} [مريم: 7]، {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55].

إلا نبينا محمدًا -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- فلم يُنادى باسمه مطلقًا؛ وإنما نودي بالرسالة والنبوة، وبالمزمل، وبالمدثر، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67]، {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1]، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1].

حتى على لسان الكافرين قال رب العالمين: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} [الحجر: 6]، ومع ذلك تناقضوا مع أنفسهم وقالوا: {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]، حاشا لله.

إذن؛ من تكريم الله نبيَّه محمدًا -صلى الله عليه وآله وصحبه سلم- أنه لم ينادِه باسمه في القرآن مباشرة.

وهذا يلفت انتباهنا إلى أن {طه}، و{يس} ليسا من أسماء رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه سلم-، وإنما هما من الأحرف المقطعة التي بُدأت بها تسع وعشرون سورة.

إذن؛ المنادى: هو المطلوب إقباله بـ (يا) أو إحدى أخواتها.

قلنا كم نوع؟

النوع الأول: مفرد علم.

الثاني: النكرة المقصودة: وهو أن تنادي شخصًا لا تعرف اسمه، ولكنك تشير إليه، فتقول: يا رجلُ، يا سائقُ، يا جبلُ، يا بحرُ.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} [هود: 44]، ومنه كذلك قوله الله تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10]، طيب.

هذا النوعان ما حكمهما؟

أولًا: هما من المفرد.

ما معنى المفرد؟

كما قلنا في باب اسم (لا) النافية للجنس: ما ليس مضافًا ولا شبيهًا بالمضاف.

هذان النوعان من المنادى يُبنيان -مثل اسم (لا)- على ما يُرفعان به في محل نصب. لكن اسم (لا) يُبنيان على ما يُنصبَان.

يعني اسم (لا) والمنادى: المفردان يشتركان في أن الاسم ليس مضافًا ولا شبيه بالمضاف، يشتركان في أنهما من منصوبات الأسماء، إلا أن المنادى يُبنى على ما يُرفع به في محل نصب، واسم (لا) يُبنى على ما يُنصب به في محل نصب، وكلاهما لا ينوَّن.

فإن كان المنادى يُرفع بالضمة : بُني على الضم، مثل الأمثلة التي ذكرناها، يا محمد، يا جبل.

وإن كان يُرف بالألف، وهو المثنى: بُنيَ على الألف، مثل: يا رجلان، يا محمدان.

وإن كان يُرفع بالواو، وهو جمع المذكر السالم: يُبنى على الواو في محل نصب، مثل: يا مهندسون، يا محمدون.

طيب. الأسماء الستة تأتي هنا؟

قال: لا، لا تأتي، لأن من شروط الأسماء الستة أن تكون مضافة، ونحن هنا قلنا أن قسم الأول في المنادى ما ليس ضافًا ولا شبيهًا بالمضاف.

إذن؛ المنادى إذا كان مفردًا علمًا أو مفردًا نكرة مقصودة حكمًا، حكمه: يُبنيان على ما يُرفعان به في محل نصبٍ مفعول به، لأننا قلنا أن المنادى يدخل في باب المفعول به.

مثل: أدعو زيدًا.

العرب لما حذفت (أدعو) وجاءت بحرف النداء، قالت: يا زيد.

فتحول الأسلوب من خبر إلى إنشاء طلبي، وتحوَّل المنادى من النصب مباشرة لأنه مفعول به على أنه يُبنى في محل نصبٍ.

النوع الثالث: النكرة غير المقصودة: كقول الكفيف: يا رجلًا خذ بيدي.

هو ينادي على أي رجل، وطبعًا لا يشير لرجل بعينه، ممكن يشير إلى طفل، ممكن يشير إلى امرأة، لكن يقول: يا رجلًَا.

إذن؛ ما الفرق بين النكرة المقصودة وغير المقصودة؟

المقصودة: يشير وهو يعي مَن يشير إليه.

إنما الثاني -الغير مقصودة: لا يعي.

الخطيب على المنبر يقول: يا غافلًا تنبَّه.

هو يشير على واحد معيَّن أو أي واحد غافل؟

فهذا اسمه: نكرة غير مقصوة، فيُنصب أي يُعرب ويُنصب، كما في المثالين السابقين.

مثال: الشاعر يقول:

فَيَا راكِباً إِمَّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْ ** نَدامَايَ مِن نَجْرَانَ أَنْ لا تَلاَقِيَا

النوع الراعب: المضاف.

مثل: يا عبدَ اللهِ، يا عبدَ السلامِ، يا أبا بكرٍ، يا صاحبَ العلم.

ومن ذلك مثلًا: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 86].

ذا: منادى منصوب لأنه مضاف، وعلامة النمصب الألف نيابة عن الفتحة، لأنه منا لأسماء الستة، (ذا) مضاف، و(القرنين) مضاف إليه مجرور بالمضاف، وعلامة جرِّه الياء نيابة عن الكسرة لأنه مثنى.

النوع الخامس: الشبيه بالمضاف. وهذا ما قلنا عليه في اسم (لا)، وهو الذي يتصل به شيء من تمام معنها.

مثل: يا طالعًا جبلًا تمهَّل، يا سائقًا العربية اتَّئِد في مشيك، يا حسنًا وجهه لا تغترَّ على الناس، يا رفيقًا بالعبادِ أثابك الله.

كل هذا اسمه شبيه بالمضاف، هذا النوع أيضًا يُعرَب ويُنصَب.

إذن؛ عندنا حالتان يُبنيان، وثلاثة تعرب.

الذي يُبنى:

- المفرد العلم.

- والنكرة المقصودة، وهي أيضًا من المفرد.

والذي يُعرَب مباشرة:

* النكرة غير المقصودة.

- والمضاف.

-والشبيه بالمضاف.

تفضل يا بني.

{اَلْمُنَادَى خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ : المفرد اَلْعَلَمُ، وَالنَّكِرَةُ اَلْمَقْصُودَةُ، وَالنَّكِرَةُ غَيْرُ اَلْمَقْصُودَةِ، وَالْمُضَافُ، وَالشَّبِيهُ بِالْمُضَافِ

فَأَمَّا اَلْمُفْرَدُ اَلْعَلَمُ وَالنَّكِرَةُ اَلْمَقْصُودَةُ فَيُبْنَيَانِ عَلَى اَلضَّمِّ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، نَحْوَ "يَا زَيْدُ" وَ"يَا رَجُلُ"}.

يا زيدُ: مفرد علم.

يا رجلُ: نكرة مقصودة.

وقد أتينا بامثلة من القرآن: {يَا شُعَيْبُ} [الأعراف: 88]، {يَا جِبَالُ} [سبأ: 10]، مفرد نكرة مقصودة.

كيف يكون مفردًا والفظ (وجبال)؟ قال: ليس مضاف ولا شبيهًا بالمضاف.

الشيخ قال: يبنى على الضم. لا، نقول: يُبنى على ما يُرفع به، حتى يشمل الضمَّ والألف والواو.

{وَالثَّلَاثَةُ اَلْبَاقِيَةُ مَنْصُوبَةٌ لَا غَيْرُ}.

وهي:

◄ المنادى النكرة غير المقصودة.

◄ والمضاف.

◄ والشبيه بالمضاف.

{بَابُ اَلْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ}.

نقطة خفيفة:

قلنا: هذا النوعان -اسم (لا) المفرد، والمنادى المفرد- يُبنيان؛ هذا البناء أهو بناء أصلي أم بناء عارض؟

عارض، لأننا نقول: لا رجلَ في الدار.

كلمة (رجل) معربة أم مبنية من البداية؟ معربة، لكنها في هذا الأسلوب مبنية.

لو قلنا: يا رجلُ. أيضًا مبنية.

مثال: يا محمدُ. (محمد) من غير هذا النداء، لقلنا: محمدٌ رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

إذن؛ هذا النوعان من المبنيات بناؤهما عارض، وهو: اسم (لا) المفرد، والمنادى النكرة المقصودة، والمفرد العلم؛ البناء هنا عارض، لأن الأسماء قبل النداء معربة.

وقلنا أيضًا أن من وسائل التعريف النداء، لما الشيخ قال إن المعارف خمسة؛ قلنا: بل سبعة: المضمر، العلم، اسم الإشارة، الاسم الموصول، المحلى بـ (ال)، المضاف إلى واحد مما ذُكر، والمنادى، ولكن بشرط أن يكون نكرة مقصودة.

{بَابُ اَلْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ.

وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُقُوعِ اَلْفِعْلِ}.

إذن؛ هذا النوع الرابع من أنواع المفاعيل، قلنا: المفعول به، والمصدر -المفعول المطلق-، والمفعول فيه -ظرف الزمان والمكان-، وها هو ذا المفعول من أجله -أو لأجله- وهو ما يُذكر علَّة.

هو: اسم فضلة...

{وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُقُوعِ اَلْفِعْلِ}.

الاسم: فيخرج الفعل والحرف، فلا يكونان في هذا الباب.

إذن؛ من علامات الاسمية أن يكون مفعولًا، أن يكون اللفظ مفعولًا، كأي نوع من المفاعيل الخمسة.

{وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ}،

فيخرج به المرفوع والمجرورو فلا يكون معنا في باب المفعول لأجله في الحقيقة.

{وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ بَيَانًا لِسَبَبِ وُقُوعِ اَلْفِعْلِ}.

الذي يُذكر سببًا لوقوع الفعلِ، يعني يقع في جواب (لِمَ) أو (لماذا).

لما قلت لكم: جئتم رغبة في تعليمكم.

نقدر نضع سؤال يقول: لِمَ جئتنا؟ لماذا جئتنا؟ رغبة في تعليمكم.

مثال: ذهبت إلى المسجد أملًا في ذواب الله.

إذن؛ لِمَ ذهبتَ إلى المسجدِ؟ أملًا في ثواب الله.

قال الله تعالى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]. هنيئًا لهم، اللهم اجعلنا وإياكم منهم.

إذن؛ لِمَ يدعون ربهم؟ خوفًا وطمعًا.

إذن؛ المفعول لأجله: هو الاسم المنصوب الذي يُذكر بيانًا لسبب وقوع الفعل، أو بيانًا لعلة وقوع الفعل.

ولابد في هذا المصدر أن يكون قلبيًّا، أي شيئًا باطنيًّا، مثل: الرغبة، الأمل، الطمع، الخوف.

مثال: قمت إجلالًا للمعلم.

قال الشاعر:

أَهابُكِ إِجلالاً وَما بِكِ قُدرَةٌ ** عَلَيَّ وَلَكِن مِلءُ عَينٍ حَبيبُها

"أَهابُكِ إِجلالاً"، نسأل نقول: لِمَ تهابها؟ إجالًا.

إذن؛ (إجلالًا) تحقق فيه أنه اسم مصدر، أنه فضلة، أنه جاء لبيان العلة.

يُضاف إلى هذه الشروط: أن يكون متحدًا مع العالم والفاعل.

يعني لما أقول: "أَهابُكِ إِجلالاً" ما الذي نصب "إجلالًا"؟ أهاب.

"أهبا" يدل على الحال أو الاستقبال، و"إجلالًا" يدل على الحال والاستقبال.

طيب، مَن الذي يهاب؟ أنا.

ومَن المُجلّ؟ أنا.

إذن؛ اتحدا في الزمان وفي الفاعل.

رب العزة يقول: {حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19]، يعني خوف الموت.

إذن؛ المفعول لأجله يُذكر علِّة.

هذا المفعول لأجله على ثلاثة أنواع:

-إما أن يكون مجرَّدًا من (ال) والإضافة، مثل: {خوفا وطمعا} [السجدة: 16].

- أو مضافًا، مثل: {حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19].

ومثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31].

وقال في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].

ما الفرق؟

المخاطَب في سورة الإسراء: الأغنياء، فطمأنهم على الأولاد {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31].

أما المخاطَبون في سورة الأنعام فهم الفقراء، فناسب أن يطمئنهم على أنفسهم قبل أن يطمئنهم على أولادهم {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151].

إذن؛ عندنا لا نضحِّي بجيلٍ في سبيلِ جيلٍ لم يرَ النور بعد كما هو دأب الشيوعيين -لعنهم الله-، فالشيوعيون يضحون بجيل في سبيل جيل لم يرَ النور بعد، إنما هنا الجيل فقراء، لا، نطمئنهم على أنفسهم {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} [الأنعام: 151]، إنما الأغنياء:

{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31].

سبحان الله! المتكلم رب.

إذن؛ المفعول لأجله هنا: {خَشْيَةَ} مضاف.

طيب، {مِنْ إِمْلَاقٍ}؟

قالوا: المفعول لأجله ممكن في بعض الأحيان نجره بحرف علَّة، مثل (من) للتعليل، الباء كما في قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء 160، 161].

إذن؛ عندا المفعول لأجله:

- إما أن يكون مجردًا من (ال) والإضافة.

- وإما أن يكون مضافًا.

- وإما أن يكون حلًّى بـ (ال)، مثل: قمتُ الإجلال لك، أو الاحترام لك. هذا النوع أقل الأنواع.

فهذا النوع الكثير فيه: الجر بحرف علة، وحرف العلة هنا في النحو غير حرف العلة في الصرف.

حرف العلة في الصرف: الألف والواو والياء.

حرف العلة في النحو: المراد به حرف التعليل، مثل لا م التعليل، ومثل (من) إلى آخره.

وإذا كان مضافًا: جاز النصب، وجاز الجر؛ والنصب أكثر.

إذا كان مجردًا من (ال) والإضافة: يستويان.

الخلاصة:

أن المفعول لأجله: هو الاسم المنصوب، والاسم هنا المراد به المصدر، مثلًا لما أقول: جئتُ لضرب فلان. هذا علة، ولكن شيء بالجوارح؛ فلهذا لازم يكون قلبي حتى يكون مفعول لأجل، لأنه من شروطه أن يكون مصدرًا ولابد أن يكون قلبيًّا.

{نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ إِجْلَالًا لِعَمْرٍو"}.

إذن؛ أين المفعول لأجله؟ "إجلالًا"، مفعول لأجله منصوب بالفعل، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

مَن الذي قام ومَن الذي أجلّ؟ "قام زيد إجلالًا" أي من زيد لك. فاتحدا في الزمان وفي الفاعل.

{وَ"قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ"}.

إذن؛ الأولِ مجرد من (ال) والإضافة)، والثاني: مضاف "قَصَدْتُكَ اِبْتِغَاءَ مَعْرُوفِكَ".

ابتغاء: مفعول لأجله منصوب ومضاف.

معروف: مضاف إليه، ومضاف إلى الكاف.

{بَابُ اَلْمَفْعُولِ مَعَهُ}.

ونقول: جئتُكَ الإجلال.

فهو لم ياتِ بالثالث أنه قليل جدًّا وهو المحلى بـ (ال).

{بَابُ اَلْمَفْعُولِ مَعَهُ}.

وهو النوع الخامس من المفاعيل، وبه يختم المصنف -رحمه الله- المنصوبات من الأسماء، لكن فيه المنصوب الخامس عشر والذي قلنا أنه الفعل المضارع المنصوب بحرف نصب وقلنا بالأمس.

مثل: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28].

يخفف: مضارع منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

{وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ...}.

هو الاسم المنصوب، فهو مثل المفعول لأجله، ولكن المفعول لأجله لابد أن يكون مصدرًا؛ إنما هذا لا يكون مصدرًا.

{وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ مَنْ فُعِلَ مَعَهُ اَلْفِعْلُ}.

" اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ مَنْ فُعِلَ مَعَهُ اَلْفِعْلُ"، مثلًا واحد من عادته أن يذاكر والمذياع مفتوح، فيقول: ذاكرتُ والمذياعَ.

هل المذياع يذاكر؟ أم في مصاحبة المذياع يذاكر؟ فيه ناس لا يحلو لهم المذاكرة إلا هكذا.

يقول: نمتُ والقرآنَ. أي: نمت والاستماع للقرآن.

مثلًا: سِرْتُ والنيلَ. هل النيل يسير معه؟ لا، إنما هذا شيء مصاحب لمَن يُتحدَّث عنه.

إذن؛ هو: اَلَّذِي يُذْكَرُ لِبَيَانِ مَنْ فُعِلَ مَعَهُ اَلْفِعْلُ.

ويكون بعد واوٍ بمعنى (مع).

يعني: سرتُ مع النيل، ذاكرت مع المصابح.

ما علامته يا إخوننا؟

ألا يكونا من جنسٍ واحد.

مثلًا: (ذاكرتُ) هذا عاقل أو غير عاقل؟ عاقل.

والمذياع؟ غير عاقل.

(سرت): عاقل. و(النيل) غير عاقل، إلى آخره.

لكن لو قلنا: (ذاكرتُ وزيدٌ، وزيدًا)، هنا الواو لا يتعيَّن أن تكون للمعيَّة، لأن الاثنين عاقلان.

(ذاكرتُ وزيدٌ، وزيدًا)، ولكن هنا النصب أرجح، لأن شرط العطف على الضمير المرفوع المتصل: أن يوجد فاصل.

مثال: ذاكرت أنا وزيد.

ومثل قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35].

إذن؛ ما بعد الواو يمكن يتعيَّن كونه مفعولًا معه إذا اختلف الذي قبلها والذي بعدها، كأن كان عاقل وغير عاقل.

طيب، ومتى يجوز الوجهان والنصب أرجح؟ مثل: (ذاكرتُ وزيدٌ، وزيدًا).

طيب، لو قلت : (ذاكرت أنا وزيدٌ) لو أتينا بهذا الفاصل سيكون الرفع أرجح -العطف أرجح.

لو قلنا: (اختصم زيد وعمرو)؛ يجب أن تكون الواو عاطفة. لماذا؟

لأن الاختصام لابد أن يكون بين طرفين، فتحصَّل لنا أن ما بعد الواو:

- إما واجب النصب على المفعولية معه.

- أو واجب الرفع على العطف.

- أو جائز النصب والرفع؛ والنصب أرجح.

- أو جائز الرفع والنصب؛ والرفع أرجح.

هذه قصة المفعول معه بإيجاز شديد.

{نَحْوَ قَوْلِكَ "جَاءَ اَلْأَمِيرُ وَالْجَيْشَ"}.

هل هنا يتعيَّن أن تكون الواو للمعية؟ لا يتعين.

ما المراد بالجيش؟ مَن في الجيش -العقلاء.

إذن؛ هذا المثال لا يتعيَّن فيه نصب الجيش على المفعولية معه.

لكن ممكن نقول: (جاء الأميرُ والجيشُ)، مع جواز أن يقال: (جاء الأميرُ والجيشَ).

{وَ"اِسْتَوَى اَلْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ"}. نعم.

{وأما خَبَرُ "كَانَ" وَأَخَوَاتِهَا، وَاسْمُ "إِنَّ" وَأَخَوَاتِهَا، فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمَا فِي اَلْمَرْفُوعَاتِ، وَكَذَلِكَ اَلتَّوَابِعُ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ هُنَاكَ}.

التوابع ما هي؟

النعت، التوكيد، العطف، البدل.

طيب نذكر أمثلة حتى نتذكر:

{وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54]، أين المنصوب هنا؟ (قديرًا) خبر (كان).

{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107]، أين المنصوب هنا؟ (رب) اسم (إن) منصوب بها، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و( رب) مضاف، والكاف مضاف إليه.

فعَّال: خبر مرفوع.

مثال: رأيتُ رجلًا متَّقيًا.

رجلًا: مفعول به.

متَّقيًا: نعت منصوب، لأن نعت المنصوبِ منصوبٌ، وقلنا أنه من التوابع. أليس كذلك؟

لما نقول مثلًا: أكرمتُ زيدًا وعَمْرًا.

زيدًا: مفعول به منصوب.

عَمْرًا: معطوف على المنصوب فمنصوب مثله أيضًا.

لما نقول مثلًا: أكرمتُ زيدًا نفسَه. هنا توكيد معنوي -كما اتفقنا بالأمس.

مثل: أمرتُ زيدًا زيدًا. توكيد لفظي.

العطف قلناه، والتوكيد.

البدل مثل: رأيتُ الطالبَ عمْرًا.

إذن؛ (الطالب): مفعول به منصوب، وعَمْرًا بدل منصوب أو عطف بيان.

{بَابُ اَلْمَخْفُوضَاتِ مِنْ اَلْأَسْمَاءِ}.

بعد أن أنهى الحديثَ عن المرفوعات والمنصوبات آن له أن يتحدَّث عن أخيهم الثالث؛ ألا وهو المجرور -أو المخفوض.

نحن نعرف أن الجر من خصائص ماذا؟ الأسماء.

طيب، الرفع والنصب؟ يشتركان -الله يبارك فيك.

إذن؛ بعد أن أتمَّ الحديثَ عن الإعراب المشتركِ عنَّ له أن يتحدثَ عن الإعرابِ المختصِّ؛ ألا وهو الخفض -أو الجر- فله باب اسمه "باب المجرورات" أو "باب المخفوضات".

طبعًا نحن نعرف -يا إخوة ويا أخوات- إن المخفوض أو المجرور واحد من ثلاثة، قلناهم في أول الكتاب:

• الجر بالحرف.

• والجر بالإضافة.

• والجر بالتبعيَّة.

الجر بالحرف واضح، لكا أقول: مررتُ بزيدٍ، واستمعتُ إلى عمرٍو، ومثل: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [النساء: 126]. أين المجرورات هنا؟

لله: اسم الجلالة مجرور باللام.

ما في السماوات: مجرور بـ (في).

وما في الأرض، كذلك.

مثلًا: فبظلمٍ.

أين المجرور هنا؟ ظلم.

مجرور بماذا؟ بالباء.

فبظلم من الذين: مبني على الفتح في محل جر بـ (من).

حرمنا عليهم: (هِم) ضمير مبني على السكون في محل جر بـ (على)، وهكذا.

إذن؛ المجرور بالحرف قلنا عليه بـ (من، إلى، عن، على، ربَّ)، كل هذا قلناه في أول الكتاب.

طيب، المضاف إليه مثل: جاء غلام زيدٍ.

غلام: فاعل مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

زيدٍ: مضاف.

الغلام: مضاف لـ (زيد).

إذن؛ (زيد) مجرور بماذا؟

عند غير المحققين: مجرور بالإضافة.

عند المحققين: مجرور بالمضاف.

إذن؛ لك هذا ولك ذاك، إن كنت تريد أن تكون من المحققين؛ فتقول: (زيدٍ) مضاف إليه مجرور بالمضاف، وعلامة جرِّه الكسرة الظاهرة.

مثلًا: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 86]، أين الاسم المجرور هنا؟ (القرنين) مضاف إليه مجرور بالمضاف، وعلامة جره الياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها نيابة عن الكسرة لأنه مثنى.

مثال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ} [الأحزاب: 23]، أين المجرور هنا؟ (المؤمنين) اسم مجرور بـ (من) وعلامة جره الياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها نيابة عن الكسرة لأنه جمع مذكر سالم.

مثال: (يا أبا بكرٍ إن لك عندَ رسولِ الله مكانةً عظمى).

يا أبا: منادى منصوب مضاف.

أبا: مضاف.

بكر: مضاف إليه مجرور بالمضاف، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

إن لك: أين المخفوض هنا؟ الكاف، ضمير بارز متصل مبني على الفتح في محل جرٍّ باللام.

عند رسولِ: مضاف إليه مجرور بالمضاف، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، فهو مضاف إليه للسابق، ومضاف للاحق.

رسولِ الله: فـ (رسول) تأخذ موقعين: مضاف إليه بالنسبة لـ (عند)، ومضاف بالنسبة لاسم الجلالة، واسم الجلالة مضاف إليه مجرور بالمضاف وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

"إن لك مكانة عند رسول الله"، لما نقول: "إن لك مكانةً" اسم (إن) مؤخر منصوب بها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

قلنا متى يجوز تقدم (إن) وأخواتها؟ إذا كان شبه جملة.

التبعية، مثل: النعت، والتوكيد، والعطف، والبدل.

مثلًا: تكلمت مع رجلٍ صالحٍ.

رجل: مضاف إليه مجرور.

صالح: نعت حقيقي مفرد مجرور لأن المنعوت مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

لما أقول: تكلمت مع رجلٍ رجلٍ: توكيد لفظي مجرور، لأن المؤكَّد مجرور.

تلكمتُ مع زيدٍ نفسِه: (نفسِ) توكيد معنوي مجرور لأن المؤكَّد (زيد) مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة، (نفسِ) مضاف، والهاء مضاف إليه.

إذن؛ البدل مثل: تذاكرتُ مع الطالبِ عمرٍو.

عمرٍو: بدل أو عطف بيان مجرور، لأن المبدل منه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

{اَلْمَخْفُوضَاتُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مَخْفُوضٌ بِالْحَرْفِ، وَمَخْفُوضٌ بِالْإِضَافَةِ، وَتَابِعٌ لِلْمَخْفُوضِ.

فَأَمَّا اَلْمَخْفُوضُ بِالْحَرْفِ فَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِمِنْ، وَإِلَى، وَعَنْ، وَعَلَى، وَفِي، وَرُبَّ، وَالْبَاءِ، وَالْكَافِ، وَاللَّامِ، وَبِحُرُوفِ اَلْقَسَمِ، وَهِيَ اَلْوَاوُ، وَالْبَاءُ، وَالتَّاءُ}.

قلنا هذا كله بالتفصيل قبلًا، نعم.

{وَبِوَاوِ رُبَّ، وَبِمُذْ}.

(وَاوِ رُبَّ) يقصد أنها نابت عن رُبَّ.

مثل قول امرئ القيس -لعنه الله:

ولَيْلٍ كَمَوْجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُوْلَهُ ** عَلَيَّ بِأَنْوَاعِ الهُمُوْمِ لِيَبْتَلِي

وأنا أنبه لنقطة:

(رُبَّ) حرف جر شبيه بالزائد وما بعدها مبتدأ مجرور اللفظ مرفوع المحل.

{وَبِوَاوِ رُبَّ، وَبِمُذْ وَمُنْذُ}.

وبـ (منذ، ومذ) إذا جرَّا.

مثل: لم أركم منذ الجمعةِ، أو مذ الجمعةِ، لم أركم منذ أسبوعٍ، أو مذ أسبوعٍ.

فإن رفعتَ ما بعد (منذ ومذ) فهما ليسا حرفا جرٍّ؛ وإنما هما ظرفان.

{وَأَمَّا مَا يُخْفَضُ بِالْإِضَافَةِ، فَنَحْوُ قَوْلِكَ "غُلَامُ زَيْدٍ" وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مَا يُقَدَّرُ بِاللَّامِ، وَمَا يُقَدَّرُ بِمِنْ}.

- ما يقدَّر باللام.

- وما يُقدَّر بـ (من).

- وما يُقدَّر بـ (في)، فهو نسي كلمة (في).

مثلًا رب العزة يقول: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33]، أي: بل مكرٌ في الليل وفي النهار.

مثل وسائل الإجرام ما يسمونها الإعلام.

فهنا (مكر) إضافة بمعنى (في).

مثال: خاتم فضةٍ. أي خاتم من فضةٍ.

وأقول مثلًا: غلام زيدٍ، أي: غلام لزيدٍ.

هذه معاني الإضافة.

إذن؛ إما أن تكون بمعنى (من)، أو تكون بمعنى (في) أو تكون بمعنى اللام، والأكثر أن تكون بمعنى اللام.

{فَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِاللَّامِ نَحْوُ "غُلَامُ زَيْدٍ" وَاَلَّذِي يُقَدَّرُ بِمِنْ، نَحْوُ "ثَوْبُ خَزٍّ"}.

خزٍّ: نوع من أنواع الحرير.

{وَ"بَابُ سَاجٍ" وَ"خَاتَمُ حَدِيدٍ" وَاللهُ أَعْلَم}.

بارك الله فيك.

قبل أن نختم أقول جملة:

ما هي علامة الجر؟

الكسرة الأصلية.

وما الذي ينوب عنها؟

الفتحة والياء.

الفتحة في الممنوع من الصرف إذا لم يكن مضافًا ولا محلًّى بـ (ال)، {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا} [النساء: 86].

والياء في المثنى والملحق به، وجمع المذكر السالم والملحق به، والأسماء الستة.

إذن؛ هذه علامات الجر.

وعلامات النصب: الفتحة، والألف، والكسرة، والياء، وحذف النون في الأمثلة الخمسة.

وعلامات الرفع -نذكر بعضنا بها: الضمة.

وينوب عنها: الواو، والألف، وثبوت النون.

طيب، الشيخ تجاهل المجزومات.

كلمة صغيرة:

المجزوم إما بحرف، أو مجزوم باسمٍ -كما تكلمنا.

وعلامة الجزم:

- السكون إذا كان صحيح الآخر.

- أو حذف النون إذا كان من الأمثلة الخمسة.

- أو حذف حرف العلة إذا كان معتل الآخر.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين أجمعين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [سورة العصر].

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات 180-182].

جزى الله كل مَن شارك في هذا العمل العلمي الضخم، أسأل الله أن يثيب الجميع حضورًا مستمعين ومُلقِين ومحبين لهؤلاء جميعًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=62