الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد عبد المعطي
شرح متن الآجرُّوميَّة

لفضيلة الشيخ محمد عبد المُعطي

الدرس (8)

بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله المُحيي المُميت، النَّافع الضَّار، نحمده -سبحانه وتعالى- على نعمائه الغِزَار، ومِننه الكِثَار.

وأشهد أن لا إلهَ إلا الله الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، خالق الليل والنَّهار، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وصفيه من خلقه وخليله، اصطفاه ربُّه ليُبلِّغ الخلقَ طُرًّا، فأدَّى الأمانةَ، وبلَّغ الرسالةَ، ونصح الأمة، وكشف الله به الغُمَّة، فجزاه الله عنَّا خيرَ ما جزى نبيًّا عن قومه، ورسولًا عن أمَّته، وارضَ اللَّهم عن أصحابه الأعلام، وآل بيته الكرام، ومَن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقبت الأيامُ والأعوام.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71].

اللَّهمَّ اجعلنا وإيَّاكم من الفائزين.

وبعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

ونعوذ بالله من النار وما يُقرِّب إليها من قولٍ وعملٍ.

وبعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مُشاهديَّ الكرام، ومُستمعيَّ المجتهدين، نبتدئ اليوم حلقتنا الثامنة من حلقات الأكاديمية المُتعلقة بمتن الآجُروميَّة، سائلين المولى -عز وجل- السَّداد والرَّشاد لنا ولجميع العباد في الدنيا وفي يوم التَّناد.

وصلنا في هذا الخِضَمِّ إلى باب التَّوابع ومنها التوكيد.

ذكرنا أنَّ التَّوابع أربعةٌ: النَّعت، والعطف، والتَّوكيد، والبدل.

الشيخ -رحمه الله تعالى- قدَّم النَّعتَ؛ لأنَّه أهمُّ هذه التَّوابع، فإذا اجتمعت تلك التَّوابع قدَّموا النعتَ على إخوته.

والنَّعت -كما قلنا سابقًا- هو الاسمُ المُشتقُّ أو المُؤوَّل بالمُشتقِّ.

يعني اسم الإشارة أو الاسم الموصول، أو ما شاكل ذلك.

ابن مالك يقول لنا:

وَانْعَتْ بِمُشْتَقٍّ كَصَعْبٍ وَذَرِبْ

وَشِبْهِهِ كَذَا وَذِي وَالْمُنْتَسِبْ

يعني مثلًا: جاء محمدٌ هذا.

"ذا" من "هذا" نعت، لماذا؟ لأنَّه بمعنى: جاء محمدٌ المُشار إليه.

وإذا قلنا مثلًا: جاءني رجلٌ ذو فضلٍ.

فـ"ذو" نعتٌ لـ"رجل" لماذا نعت مع أنَّه جامد؟

قال: لأنَّه مُؤوَّلٌ بالمُشتق، أي: صاحب فضل.

هذا معنى المُشْبِه للمُشتق.

وقد ذكرنا أنَّ النَّعت نوعان: حقيقي، وسببي. وذكرنا ذاك بالتَّفصيل.

وذكرنا أنَّ النعت إمَّا مفرد، أو جملة، أو شبه جملةٍ، ووضحنا أنَّ المفرد في باب الخبر والنَّعت والحال ما ليس جملةً ولا شبه جملةٍ.

وتكلَّمنا بشيءٍ من التَّفصيل عن ذلك.

ثم تحدَّثنا عن العطف، والعطف نوعان، لكن الشيخَ جاء بعطف النَّسق.

عطف النَّسق: يكون بين المعطوف عليه والمعطوف حرفٌ من أحرف العطف التِّسعة، وهو قال عشرة، لكننا قلنا: إنَّ الأفضل والأصح أنَّهن تسع:

ستة يُشَرِّكْنَ في اللَّفظ والمعنى: "الواو، والفاء، وثم، وأم، وحتى، وأو".

وثلاثةٌ يُشَرِّكن في اللفظ، وهن: "لا، وبل، ولكن".

وقلنا إنَّ "إمَّا" ليست حرفَ عطفٍ، ولكنَّها تأتي للتفصيل، وتكون بعد حرف العطف الواو، فالأجدر بالعطف الواو؛ لأنَّها أمُّ باب العطف.

هناك عطفٌ اسمه "عطف بيان"، وهو: "أقسم بالله أبو حفصٍ عمرُ"، فـ"عمر" عطف بيان من "أبو" مرفوع؛ لأنَّ المعطوفَ عليه مرفوعٌ، وعلامة رفعه الضَّمة الظَّاهرة.

عطف البيان في الجوامد نظير النعت في المُشتقَّات، ومن ثَمَّ يُعرِب المُعرِبون قول الله تعالى: ﴿وَيسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: 16]، "صديد" هذا جامد، ومن ثَمَّ يقولون: إنَّه عطف بيانٍ وليس نعتًا، لماذا ليس نعتًا؟ لأنَّه ليس مُشتقًّا ولا شبيهًا بالمُشتق.

الفصل الثالث من فصول التوابع: التوكيد:

والتوكيد نوعان:

- توكيد معنوي.

- وتوكيد لفظي.

والشَّيخ لم يذكر التوكيدَ اللَّفظي.

والتوكيد اللَّفظي هو إعادة المُؤكَّد بلفظه أو بمُرادفه: اسمًا، أو فعلًا، أو حرفًا، أو جملةً.

اسم مثل: جاء محمدٌ محمدٌ.

محمدٌ: فاعل مرفوع.

ومحمد الثاني: توكيد لفظي مرفوعٌ؛ لأنَّ المُؤكَّد مرفوع وعلامة رفعه الضَّمة الظاهرة.

أين التابع؟ وأين المتبوع؟

التابع: محمدٌ الثاني.

والمتبوع: محمدٌ الأول.

ومثال التوكيد اللَّفظي في الفعل: قام قام نبيلٌ.

قام: فعلٌ ماضٍ مبني على الفتح لا محلَّ له من الإعراب.

وقام الثاني: توكيد لفظي للأول.

نبيل: فاعل، لكن لمَن فيهما؟

لـ"قام" الأول؛ لأنَّ "قام" الثاني توكيدٌ لفظي تابع، فيكون فاعلًا لـ"قام" الأول.

مثال التَّوكيد اللَّفظي بالحرف: نعم نعم، لا لا.

ومنه قول جميل بُثينة:

لَا لَا أَبُوحُ بِحُبِّ بَثْنَةَ إِنَّهَا

أَخَذَتْ عَلَيَّ مَوَاثِقًا وَعُهُودَا

"لا" الثانية توكيد لفظي لـ"لا" الأولى، وهما حرفان.

ومثال الجملة قول مُقيم الصلاة: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.

قد: حرف تحقيقٌ مُختصٌّ بالفعل لا يعمل فيه شيئًا.

وقام: فعلٌ ماضٍ، والتاء للتأنيث حرف مبني على السُّكون، وحُرِّك بالكسر لالتقاء السَّاكنين.

والصلاة: فاعل مرفوع.

هذه الجملة أُكِّدت بماذا؟

بـ"قد قامت الصلاة" ثانيةً.

ومثل قول المؤذن: الله أكبر، الله أكبر.

"الله أكبر" الثانية جملة مُؤكِّدة لـ"الله أكبر" الأولى.

عرفنا أنَّ التوكيد اللَّفظي هو: إعادة الشَّيء بنفسه أو بمُرادفه.

مُرادفه مثل: قام وقف عليٌّ.

مثلًا نقول: لا لن.

أو نقول مثلًا: نعم أجل -في الحرف. إلى آخره.

إذن هذا هو التوكيد اللفظي بالنسبة للحروف، وباللَّفظ وبالمُرادف.

وليس من التوكيد اللَّفظي قول الله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: 22].

فقد يبدو للبعض أن يُعرِب "صفًّا" الثانية توكيدًا لفظيًّا لـ"صفًّا" الأولى.

لكن النُّحاة رفضوا ذلك؛ لأنَّ "صفًّا" الثانية غير "صفٍّ" الأولى، أي: وجاء ربك والملائكة صفًّا بعد صفٍّ.

إذن "صفًّا" الثانية غير الأولى؛ لأنَّ أصل الكلام: صفًّا بعد صفٍّ، فحُذِفت "بعد" أي حُذِف المضاف، وأُقيم المُضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه، كقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: 82]، أي أهلَ القرية.

كذلك قول الله تعالى: ﴿كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا﴾ [الفجر: 21]، فليس "دكًّا" الثاني توكيدًا لفظيًّا لـ"دكٍّ" الأول، نفس الكلام، تقديره: دكًّا بعد دكٍّ.

هذه كلمة مُوجَزة عن التوكيد اللَّفظي.

إذن التوكيد اللَّفظي يكون في: الأسماء، والأفعال، والحروف، والجمل.

الشيخ ذكر التوكيدَ المعنوي، والتَّوكيد المعنوي له ألفاظٌ محددةٌ، هنَّ.

اقرأ يا شيخ.

(بَابُ التَّوْكِيدِ:

التَّوْكِيدُ: تَابِعٌ لِلْمُؤَكَّدِ فِي رَفْعِهِ وَنَصْبِهِ وَخَفْضِهِ وَتَعْرِيفِهِ وَتَنْكِيرِهِ.

وَيَكُونُ بِأَلْفَاظٍ مَعْلُومَةٍ).

إذن التوكيد المعنوي خاصٌّ بالأسماء، أمَّا التوكيد اللَّفظي فيشمل الاسمَ والفعلَ والحرفَ والجملة.

كذلك العطف نوعان: عطف نسقٍ، ويشمل: الاسمَ، والفعلَ، والحرفَ، والجملةَ.

إذن عطف النَّسق مثل: جاء محمدٌ وعلي. عطف اسم على اسم.

ومثل: قام وقعد المحمدان. عطف فعلٍ على فعلٍ.

مثلًا: نعم وأجل. عطف حرفٍ على حرفٍ.

حين أقول مثلًا: جاء زيدٌ ومات عمرو. جملة "ومات عمرو" معطوفة على جملة "جاء زيد".

إذن عطف النَّسق يَعُمُّ الأسماءَ، والأفعالَ، والحروفَ، والجمل.

أمَّا عطف البيان فخاصٌّ بالاسم، ويكون في الجوامد كما يكون النعتُ في المُشتقَّات.

التوكيد: لفظي ومعنوي.

اللَّفظي: عام -كما قلنا.

أمَّا المعنوي: فخاصٌّ بالأسماء.

ما الغرض من التَّوكيد المعنوي؟

رفع احتمال شيءٍ آخر.

حين أقول مثلًا: قَدِمَ إلينا الرئيسُ مرسي نفسُه.

لماذا "نفسه"؟

قال: لأنَّه من الممكن أن يكون قد قَدِم إلينا نائبُه، أو قدم إلينا مستشاره، أو قَدِم إلينا أحد معارفه.

فإذا قلنا: "نفسه" إذن لا مجالَ للظنِّ ولا للمجاز.

إذن "نفسه" جاءت لرفع احتمال المجاز.

وحين أقول مثلًا: أقبل الشبابُ على كذا.

"الشباب" من الممكن أن يكون بعضهم، لكن "كلهم" رفعت احتمال البعض، وأبانت أنَّ الكل أقبل.

إذن التوكيد المعنوي له غرضٌ عظيم في اللُّغة، وهو رفع احتمال التَّجوُّز، أو رفع احتمال عدم العموم.

وألفاظ التوكيد المعنوي: "النفس، والعين"، ويُؤكَّد بهما المفرد والمثنى والجمع، مُذكرًا أو مُؤنثًا.

مثال: جاء زيدٌ نفسه، أو عينه.

وجاءت فاطمة نفسها أو عينها.

وجاء الزَّيدان أنفسهما أو أعينُهما.

وجاءت الفاطمتان أنفسهما أو أعينهما.

وجاء الزَّيدون أنفسهم. والهندات أنفسهنَّ -أو أعينهم، أو أعينهن.

إذن "النفس، والعين" يُؤكَّد بهما المفرد، والمثنى، والجمع بنوعيه.

ولابُدَّ من إضافة "النفس والعين" إلى ضميرٍ يعود إلى المُؤكَّد، "نفسه، نفسها..." إلى آخره.

ومن الأساليب المُؤكِّدة التي لم يعرفها العرب قولنا: هذا نفس الشَّيء، أو عين الشَّيء.

هذا لم تعرفه العرب، إنَّما العرب عرفت أنَّ "النفس، والعين" إذا أُريد بهما التوكيد أتيا بعد المُؤكَّد؛ لأننا اتَّفقنا مَن يأتي أولًا التَّابع أم المتبوع؟ المتبوع.

فحين أقول: نفس الشيء، عين الشيء؛ يكون التوكيد قد جاء قبل المُؤكَّد، ولم يأخذ حكمَ المُؤكَّد من رفعٍ أو نصبٍ أو جرٍّ.

وليس من التَّوكيد المعنوي قول الله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: 228]، حيث زعم بعضُ النُّحاة أنَّ الباء زائدة، وأصل الكلام في غير القرآن: والمُطلقات يتربصن أنفسُهُنَّ.

نقول: لا، لا شيء زائد في القرآن عند المحققين، طيب لماذا جاءت الباء هنا؟ قال: للدِّلالة على أنَّ الله تعالى يضع المطلقةَ أمام مسؤوليتها بلا رقابةٍ عليها من أحدٍ، إذ إنَّ العدة للنساء كما أنَّ الطلاق للرجال، فهي أمينةٌ على نفسها، فحين تقول: أنا أنهيتُ العدَّة، فهي مُصدَّقة.

إذن الباء جاءت للدِّلالة على أنَّها مُلتزمة أمام الله لا رقيبَ عليها غير الله.

إذن الباء لها معنى جميل جدًّا، وليست زائدةً، وإنَّما هي باءٌ حرف جر أصلي.

وأنفس: مجرور بالباء، وعلامة جره الكسرة الظَّاهرة، و"أنفس" مُضاف، و"هن" مضاف إليه.

أردت مما ذكرته أن أُنبه على بعض الأشياء.

ومن ألفاظ التوكيد: "كلا، وكلتا"، ويُؤكَّد بهما المثنى: مُذكرًا مع "كلا"، ومُؤنثًا مع "كلتا".

تقول: أقبل الطالبان كلاهما، ورأيت الطالبَتَين كلتيهما، ومررتُ بالطالبين كليهما، وبالطَّالبتين كلتيهما.

فإذا تقدَّمت "كلا، أو كلتا" أُعرِبت على حسب الموقع الإعرابي.

تقول: كلا الرَّجلين مجتهدٌ، وكلتا المرأتين مجتهدةٌ.

مع جواز أن تقول: كلا الرَّجلين مجتهدان، وكلتا المرأتين مجتهدتان.

أي يجوز التَّعامل مع "كلا وكلتا" باعتبار اللَّفظ، وباعتبار المعنى.

قال الشَّاعر:

كِلَانَا غَنِيٌّ -فهو لاحظ اللَّفظ.

كِلَانَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ

وَنَحْنُ إِذَا مِتْنَا أَشَدُّ تَغَانِيَا

طبعًا هذا المعنى جاهلي لا نقبله، ولكن نستدلُّ به على النَّحو.

وقال الآخر:

كِلَانَا مَرِيضَانِ -فهو عامله على المعنى.

كِلَانَا مَرِيضَانِ فِي بَلْدَةٍ

وَكَيْفَ يَعُودُ مَرِيضٌ مَرِيضًا

إذن مرةً راعى اللَّفظ فأفرد وذكَّر، ومرةً راعى المعنى فثنَّى، ومُراعاة اللَّفظ أكثر من مُراعاة المعنى، لكن في هذه الحالة تكون "كلا، وكلتا" توكيد؟ لا تكونان توكيدًا. لماذا؟

لأنَّ المُؤكَّد لابُدَّ أن يتقدَّم على المُؤكِّد أو التوكيد المعنوي.

ربنا يقول في القرآن: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ﴾ [الكهف: 33]، هنا عامل على اللَّفظ: آتت، أي: هي. و"هي" راجعة إلى "كلتا".

قال: ﴿آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا﴾ [الكهف: 33]، فخلالهما: على المعنى.

إذن يجوز في "كلا، وكلتا" أن يتقدَّما على المُؤكَّد، لكن ليس على أنَّهما توكيد، بل على حسب الموقع.

مثال: كلا الرَّجلين مجتهد.

كلا: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمة المُقدَّرة على الألف للتَّعذر.

و"كلا" مضاف، و"الرَّجلين" مُضاف إليه.

ومجتهد: خبر.

مثال: إنَّ كلا الرَّجلين مجتهد.

كلا: اسم "إن".

مثال: سررتُ من كلا..، "كلا" مجرور"، إلى آخره.

إذن "كلا، وكلتا" شرط كونهما توكيد: أن يتأخَّرا عن المُؤكَّد، وحينئذٍ يلزم إضافتهما إلى ضميرٍ يعود إلى المُؤكَّد.

هذا بالنسبة لـ"كلا، وكلتا" كلمات مُختصرة جدًَّا.

وهناك توكيد للجمع: "كل، وجميع، وأجمع، وأبصع، وأبتع، وأكتع"، وهذه اسمها ألفاظ تابعة لبعضها.

مثال: جاء القومُ أجمعون، أكتَعُون، أَبْصَعُون، إلى آخر ما سنقرؤه -إن شاء الله.

قال الله تعالى: ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30، 31]، هل إبليس من الملائكة؟ حاشاهم -عليهم السلام- إبليس ملعونٌ من الجن: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: 50]، ونحن لسنا أعرفَ به من خالقه، فالخالق قال إنَّه من الجن، فهل نقول نحن من الملائكة؟!

إنَّ الملائكة ﴿لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، إنما هذا في أول امتحانٍ سقط، رسب إبليس في أول امتحان، وهو أبو العصيان، فكيف يكون من الملائكة؟!

طيب لماذا استُثنِي؟

هذا اسمه استثناء منقطع؛ لأنَّه كان حاضرًا ساعة الأمر، فهذا اسمه استثناء مُنقطع، وليس استثناءً مُتَّصلًا بدليل قوله تعالى في سورة الكهف الآية 50: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ﴾، أمَّا الملائكة فطائعون: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ﴾ [الكهف: 50]، إذن إبليس له إبليسة، وأنجبوا أبالسة، وإن كان لا أحدَ دعانا لزفافهم! الحمد لله.

أمَّا الملائكة فلا يتناكحون ولا يتناسلون: ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ [الكهف: 50]، هل الملائكة أعداء؟ أبدًا، الملائكة -عليهم السلام- في غاية الحبِّ لبني آدم، والرِّعاية لبني آدم -بإذن الله تعالى.

إذن هذه الآية مُفحمة لكلِّ مَن ادَّعى أنَّ إبليس كان من الملائكة وكان طاووسَ الملائكة، والكلام الفارغ الذي يقوله بعضُ الناس.

إذن كلمة "كل، وأجمعون" هذه الألفاظ يُؤكَّد بها الجمع، أو المفرد الاعتباري، مثل: اشتريتُ العبدَ كلَّه. العبد: مفرد.

طيب لماذا "كله" مع أنَّه توكيدٌ للجمع؟

أقول: العبد هذا من الممكن أن يكون مُبعَّضًا، ومن الممكن أن يكون مملوكًا لعدة سادةٍ، فيخدم هذا الصبح، وهذا الظهر، وهذا المغرب، وهذا كذا، ويُكلفه هذا بفلاحة الحظيرة: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ﴾ [الزمر: 29]، هذه وسيلة إيضاحٍ ربنا يذكرها في القرآن؛ لأنَّهم كان عندهم نظام العبيد.

إذن حين أقول: اشتريتُ العبدَ كله.

تكون "كل" توكيد معنوي للعبد، و"العبد" ليس جمعًا، لكنَّه جمعٌ حُكْمًا؛ لأنَّه يمكن تبعيضه.

لكن لا يمكن أن نقول: جاء زيدٌ كله، فـ"زيد" مفرد لفظًا ومعنى.

وحين أقول: اشتريتُ الحديقةَ كلها، فـ"الحديقة" مفرد، لكنَّه مفرد اعتباري، فمن الممكن أن آخذ نصفَ الحديقة، والثاني عنده الثلث، إلى آخره.

إذن هذه الألفاظ: "كل، وأجمع، وكذا، وكذا" يُؤكَّد بها الجمع، أو المفرد الاعتباري أو الحُكمي.

اقرأ يا بُني.

(وَهِيَ: النَّفْسُ، وَالْعَيْنُ، وَكُلٌّ، وَأَجْمَعُ، وَتَوَابِعُ أَجْمَعَ، وَهِيَ: أَكْتَعُ، وَأَبْتَعُ، وَأَبْصَعُ).

واحد يسألني ما هذه الألفاظ؟

هي نفسها "أجمع"، ونُسميها تبع، مثل أن نقول: هذا حسنٌ بَسَنٌ. ما معنى "بسن"؟ هو حسن، ولكن كلمة "بسن" لا تُذكَر إلا في صحبة "حسن"، يعني لا تقول: هذا بسن. لا، يعني أنَّه من الممكن أن تكتفي بـ"حسن"، أو تُضيف له كلمة "بسن"، لكن لا تقل "بسن" وحدها.

ومثل ذلك: شيطان لَيْطَان، "ليطان" هي "شيطان".

ومثل: هنيئًا مَرِيئًا، "مريئًا" هي "هنيئًا"، يعني لا تُذكَر كلمة "مريئًا" وحدها، بل لابُدَّ أن تُسبق بـ"هنيئًا".

مثل: عفريت نِفْرِيت، عفرية نفرية.

فكل هذه اسمها ألفاظ تابعة لألفاظٍ أخرى.

أيضًا: "أجمع، أكتع، أبصع.." إلى آخره تبع "أجمع".

(وَكُلٌّ، وَأَجْمَعُ، وَتَوَابِعُ أَجْمَعَ، وَهِيَ: أَكْتَعُ، وَأَبْتَعُ، وَأَبْصَعُ.

تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ نَفْسُهُ، وَرَأَيْتُ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ).

"كُلَّهُمْ " لأنَّ هذا توكيد معنوي يتبع ما قبله نصبًا ورفعًا وجرًّا.

جاء: فعل ماضٍ.

زيد: فاعل مرفوع.

نفس: توكيد معنوي مرفوع؛ لأنَّ المُؤكَّد مرفوع بالضَّمة الظَّاهرة. و"نفس" مضاف، والهاء مُضاف إليه.

(رَأَيْتُ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ).

رَأَيْتُ الْقَوْمَ: مفعولٌ به منصوب.

وكلَّ: توكيد معنوي للقوم، والقوم اسم جمع، يعني دلَّ على مادة الجمع، فـ"كل" توكيد معنوي منصوب؛ لأنَّ المؤكَّد منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و"كل" مضاف، و"هم" مُضاف إليه.

ما الفائدة من "كلهم" هذه؟

لأني حين أقول: رأيتُ القومَ. من الممكن أن يكون المراد: رأيت كلَّ القوم، وممكن أن يكون المراد أني رأيتُ بعضَ القوم، يعني يمكن أن يكون الحكم للجميع، ويمكن أن يكون الحكمُ للمجموع.

فنحن لدينا شيئان:

- هناك حكم على الجميع.

- وحكم على المجموع.

مثلًا: ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]، هذا حكم على الجميع، هل هناك أحدٌ تخلَّف عن الضعف؟ فمن لدن آدم -عليه السلام- إلى آخر بشرٍ سيُخلَق ضعيف. إذن هذا حكم على الجميع.

طيب، حين يقول ربنا: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، المجموع، أي مجموع الرِّجال قوَّامون على النساء؛ لأنَّ هناك رجال -الله أعلم بهم- فالنساء أفضل منهم.

ومثل: الرَّجل خيرٌ من المرأة. فليس المراد أنَّ كلَّ رجلٍ خيرٌ من كلِّ امرأةٍ، ولكن المجموع الحسابي أو المتوسط الحسابي للرجال أفضل من المتوسط الحسابي للنساء، لماذا؟ لأنَّ الرجال منهم الأنبياء والمُرسلون، إذ لا تكون امرأةٌ نبيَّةً ولا رسولةً، بل هذا من خصائص الرجال، وكذلك القُضاة، ليس لنا شأنٌ بما حصل أيام المخلوع! انتُخبت وجاءت قاضية رأت البلدُ على يديها أهوال.

إذن الرجال يتميزون بالقُضاة وبالخُلفاء والملوك، وليس لنا شأنٌ ببلقيس؛ لأنَّ شرع مَن قبلنا ليس شرعًا لنا إلا إذا أتى شرعُنا بما يُوافقه: «لَعَنَ اللهُ قَوْمًا وَلَّوا أُمُورَهُمُ امْرَأَةً». صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

إذن حين نقول: الرِّجال خيرٌ من النساء. فهذا حكمٌ على المجموع.

إنَّما ﴿وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28] حكمٌ على الجميع.

وحين نقول: جاء القوم. تحتمل هذه الجملة أن يكون حكمًا على الجميع، أي ما تخلَّف أحدٌ عن المجيء، ويحتمل أن تكون حكمًا على المجموع.

فإذا قلنا: كلهم. كان المُراد الجميع.

إذا أكَّدت: كلهم، أجمعون. صار توكيدًا بعد توكيدٍ بعد توكيدٍ حتى يقوى الحكم.

واضح يا إخواننا؟

أرجو ألا نعبر نقطةً إلا وقد هضمناها وخضمناها وقضمناها -بفضل الله تعالى.

الهضم: للمعدة. والخَضْم: للأسنان. والقَضْم: للأضراس.

رأيت الجمال في اللغة: هضم، خضم، قضم.

(وَمَرَرْتُ بِالْقَوْمِ أَجْمَعِينَ).

بالقوم: جار ومجرور.

أجمعين: توكيد معنوي مجرور؛ لأنَّ المُؤكَّد مجرور، وعلامة الجر الياء نيابةً عن الكسرة؛ لأنَّه جمع مذكر سالم.

(بَابُ الْبَدَلِ).

إذن الشيخ -رحمه الله- ترك "كلا، وكلتا"، إذن هذا من ضمن التَّقصير.

البدل، ويُقال له: التَّرجمة. فله تسميتان:

- البدل: مُصطلح بصري.

- والتَّرجمة: مصطلحٌ كُوفي.

وفي البدل والمُبدَل منه هناك قاعدتان أُريد أن تنتبهوا إليهما:

- المُبدَل على نية الطرح والرَّمي، والبدَل على نيَّة تَكْرَارِ العامل.

"تَكرار" بفتح التاء، وليس "تِكرار" بكسر التاء.

نُطبِّق القاعدة:

أقول مثلًا: أقبل المهندسُ زكي -نُريد أن نخرج من زيد وعمرو.

المهندس: فاعل.

زكي: بدل مرفوع؛ لأنَّ المُبدَل منه مرفوع، وعلامة الرفع الضَّمة الظَّاهرة.

"المهندس" هذا يمكن أن نحذفه ونقول: "أقبل زكي".

أقبل: فعل ماضٍ.

وزكي: فاعل.

كلمة "المهندس" إضافة معلومة جديدة، فيمكن مهندس، ويمكن معلم، ويمكن طبيب، ويمكن بوَّاب، ويمكن أي شيءٍ.

يعني "أقبل زكي" هذه جملة تامَّة، ومن ضمن الفضل -الزيادة- أن نقول: "أقبل المهندس، أقبل التَّاجر، أقبل العالم". إلى آخره.

إذن المُبدَل منه على نية الطرح والرمي، يعني يمكن أن أحذفه، لكن الجملة تكون أكمل عندما نأتي به، ولكن لا تكون ناقصةً.

طيب "زكي"، يمكن أن أقول: أقبل المهندسُ أقبل زكي.

إذن البدل على نية تَكرار العامل، فبدل أن نقول: "أقبل المهندسُ أقبل زكي"، اختصرت اللغةُ؛ لأنَّ اللغة اسمها لغة الإيجاز غير المُخِلِّ.

فالبدل لونٌ من ألوان الاختصار.

إذن جملة "أقبل المهندس زكي" أصلها: "أقبل المهندس أقبل زكي".

إذن "زكي" من جملة "أقبل المهندس" أم من جملةٍ أخرى؟

من جملةٍ أخرى.

إذن هاتان جملتان اختُصِرتا في جملةٍ واحدةٍ، بخلاف "زكي" حين يكون عطفَ بيانٍ، فـ"زكي" يمكن أن يكون بدلًا، ويمكن أن يكون عطفَ بيانٍ، فحين يكون عطفَ بيانٍ يكون من نفس الجملة الأولى؛ لأنَّ "زكي" وَضَّحَ إبهام المهندس، كقولنا: "أقسم بالله أبو حفصٍ عمرُ"، وإذا اعتبرناه بدلًا يكون من جملةٍ أخرى.

إذن هذا فرقٌ كبيرٌ بين عطف البيان والبدل، فعطف البيان من جملة المعطوف عليه، أمَّا البدل فمن جملةٍ أخرى.

تذكروا القاعدة: المُبدَل منه على نية الطَّرح والرمي، والبدل على نيَّة تَكرار العامل.

وللبدل أنواع أربعة إجمالًا، ستة تفصيلًا.

اقرأ يا فتى.

(إِذَا أُبْدِلَ اسْمٌ مِنِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٌ مِنْ فِعْلٍ تَبِعَهُ فِي جَمِيعِ إِعْرَابِهِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ).

اسم من اسم مثل: أقبل المهندس زكي، والطالب علي.

أمَّا فعل من فعلٍ فقد ذكرناها أمس: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ولَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ولَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ﴾ [الفرقان: 68، 69].

فـ"يلقَ أثامًا" هو "يُضاعف له العذاب": ﴿وَيخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ﴾ [الفرقان: 69، 70]، اللَّهمَّ اجعلنا من التَّوابين يا رب المُتطهرين.

أنا عندي في هذه الجملة القرآنيَّة: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ جملة شرطيَّة مُكوَّنة من شرطٍ وجواب، وأخذنا أسماء الشَّرط الجازمة.

﴿يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ﴾ [الفرقان: 68، 69]، فـ"يُضاعف" بدل من "يلقَ" مجزوم مثله.

"ويخلد": عطف نسق، وقلنا أنَّ عطف النَّسق يشمل الفعل والحرف والاسم والجملة.

إذن هنا عطف، وبدل في عالم الأفعال.

﴿يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ﴾ [الفرقان: 68- 70]. هذا مثال البدل في الأفعال.

وفي الأسماء مثل: أقبل الطالبُ فلان، أقبل المعلمُ علان، إلى آخره.

أكمل يا بني.

(وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: بَدَلُ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ، وَبَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، وَبَدَلُ الِاشْتِمَالِ، وَبَدَلُ الْغَلَطِ).

بدل الشَّيء من الشيء: هو الذي يُسميه معظمُ النُّحاة: بدل الكلِّ من الكل، لكن المُحققين من النُّحاة -جعلنا الله وإيَّاكم منهم- يُسمونه بدل المُطابِق من المُطابق، أو بدل المُوافق من المُوافق.

لماذا جنحوا إلى هذه التَّسمية؟

قالوا: لأنَّ البدل قد يكون اسمَ الجلالة، واسم الجلالة لا يُقال له: "كل" ولا "بعض".

كقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ﴾ [إبراهيم: 1، 2]، فاسم الجلالة "الله"، ولا تقل: "لفظ الجلالة"، بل قل: "اسم"؛ لأنَّ اللَّفظ يُشْعِر بالطرح والرَّمي.

﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ﴾، إذن اسم الجلالة ليس نعتًا؛ وإنَّما هو بدل؛ لأنَّ الله يُنعَت ولا يُنعَت به، ومن ثَمَّ يكون بدل مُطابقٍ من مطابقٍ.

إذن بدل الشَّيء من الشَّيء، أو بدل المُطابق من المُطابق، أو بدل المُوافق من المُوافق، أو بدل الكلِّ من الكلِّ، ولكن كما قلنا: لماذا جنح النُّحاة إلى التَّسمية الثانية؟ لأنَّ البدلَ قد يقع اسمَ الجلالة، واسم الجلالة لا يُقال له: "كل"، ولا يُقال له: "جزء".

فمثال: جاء الطالب فلان، أو جاء المهندس زكي. إلى آخره. هذا اسمه بدل الشيء من الشيء، أو المُوافق من المُوافق، أو المُطابق من المُطابق، أو بدل الكلِّ من الكلِّ، إلى آخره.

الثاني: بدل البعض من الكل.

مثل: أكلتُ الرغيفَ نصفَه.

النصف: بدل من الرَّغيف.

طيب، هل هو أكل النصفَ أم الرَّغيف؟

النصف.

إذن المُبدَل منه على نية الطرح والرَّمي، فيكون أصل الكلام: أكلتُ نصفَ الرغيف. لكن قال: أكلتُ الرغيفَ أكلتُ نصفَه، فالبدل على نية تكرار العامل، والمُبدَل منه على نية الطرح والرمي، فتكون: أكلتُ الرغيفَ نصفَه.

قال تعالى: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل: 2- 4]، هذا اسمه بدل بعض من الكل، ولابُدَّ أن يُضاف إلى ضميرٍ يعود إلى المُؤكَّد، طيب.

الثالث: بدل الاشتمال: مثل: أعجبني محمدٌ أدبُه، أو علمُه.

أعجبتني فاطمة خلقُها.

"خلق، وأدب" وما شاكل ذلك اسمه: بدل اشتمال.

طيب، كيف أُميِّز الاشتمال من البعض؟

قال: البعض يكون في الحسِّيَّات، والاشتمال يكون في المعنويَّات.

الاشتمال يكون في: "خلق، أدب، جمال"، إنَّما "وجه، رأس، يد" مثل: قبَّلتُ زيدًا يدَه، أو رأسَه، أو ما شاكل ذلك. اسمه: بدل بعض.

طيب، مثال: أعجبتني فلانة علمُها ونشاطها، إذن بدل اشتمال.

ولابُدَّ أيضًا أن يُضاف إلى ضميرٍ يعود إلى المُبدَل منه.

ومنه قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: 217].

الرابع: بدل غلط:

وهناك بدل نسيان، وبدل إضراب.

هذه ثلاثة مع الثلاثة السَّابقة تصير ستةً.

والاسم الذي يشمل الثلاثة اسمه: بدل مُبَاين من مُباين.

مثلًا: ركبتُ الفرسَ الجملَ.

هل هو ركب الاثنين أم ركب واحدًا؟ واحد.

إن كان ركبَ الجمل ولسانه زلَّ؛ فاسمه: بدل غلط.

ركبتُ الفرسَ الجملَ، بالتَّبعيَّة.

وإن كان قد ركب الفرسَ لكن انتقل سريعًا إلى الجمل، أو كأنَّه ضرب صَفْحًا عن الفرس؛ فاسمه: بدل إضراب.

وإن كان عقلُه نسي المركوبَ؛ فيكون بدلَ نسيان.

إذن الجملة "ركبتُ الفرسَ الجملَ" من الممكن أن تُسميها بدلَ مُبَاينٍ من مُباين؛ لأنَّ الفرس والجمل شيئان؛ فيكون هذا مُباين لهذا -مخالف يعني- فنُسميه: غلط، أو نسيان، أو إضراب. حسب وضعك، أنت ركبت الجمل ولم تركب الفرس؛ فيكون بدل غلطٍ. أنت لسانك زل؛ فيكون بدل غلط. وهناك إضراب، ونسيان عقلي.

(نَحْوَ قَوْلِكَ: قَامَ زَيْدٌ أَخُوكَ).

هنا "قام زيدٌ أخوك" الشيخ ذكره على أنَّه من بدل، لا، هذا نعت، "أخوك" نعت لـ"زيد"؛ لأنَّ هذا من شبه المُشتق، فقد قلنا أنَّ النعت يكون في المُشتق أو شبه المُشتق؛ لأنَّ "أخوك" أي المُلازم لك، لأنَّ الأخوة تعني الملازمة، سواء أكان أخًا من النَّسب، أم من الرضاع، أم من الإيمان: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10]، فـ"أخ" كأنَّه قال: مُؤَاخٍ، فهذا يكون شبيهًا بالمُشتق.

إذن "أخ" من "أخوك" الذي جاء بها الشيخُ على أنَّها بدل شيءٍ من شيءٍ؛ نقول له: هذا نعت شبيه بالمُشتق مرفوع؛ لأنَّ المنعوت مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابةً عن الضَّمة؛ لأنَّه من الأسماء الستة -والتي كان يُقال أنَّها خمسة- و"أخ" مُضاف، والكاف مُضاف إليه.

مثال آخر: أقبل التاجرُ زيدٌ، أو أقبل أخوك زيدٌ -نُعيد ترتيب الجملة- فبدل "زيد أخوك"، نقول: "أخوك زيد"، فـ"أخوك" فاعل، و"زيد" بدل أو عطف بيان.

عدِّلها: أقبل أخوك زيد.

(أَقْبَلَ أَخُوكَ زَيْدٌ، وَأَكَلْتُ الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ).

هذا بدل بعضٍ من الكل.

(وَنَفَعَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ).

هذا بدل اشتمالٍ.

(وَرَأَيْتُ زَيْدًا الْفَرَسَ).

نفس ما قلناه، الفرس والجمل.

(أَرَدْتَ أَنْ تَقُولَ: رَأَيْتُ الْفَرَسَ فَغَلِطْتَ؛ فَأَبْدَلْتَ زَيْدًا مِنْهُ).

بالمناسبة: الغَلَطُ والغلَتُ.

الغلَتُ: الخطأ في الحساب خاصَّةً.

والغلطُ: الخطأ مُطلقًا.

إذن الفرق بين الغَلَت والغَلَط نقول: فلان غلتان -أي في الحساب- أمَّا غلطان -ففي غيره.

(بَابُ مَنْصُوبَاتِ الْأَسْمَاءِ).

هكذا نكون قد انتهينا من مرفوعات الأسماء.

قلنا المرفوعات مُطلقًا: الفعل المضارع الذي تجرَّد من النَّاصب والجازم.

والمنصوبات خمسة عشر، هل المنصوبات من الأسماء والأفعال أم من الأسماء فقط؟

إن كانت في الأسماء فقط فتكون أربعة عشر، والخامس عشر هو الفعل المضارع المسبوق بأداة نصبٍ، وقلنا أنَّ أدوات النصب هي: "أن، لن، كي، إذن"، والكوفيُّون أضافوا فاء السَّببية، إلى آخره.

(الْمَنْصُوبَاتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ: الْمَفْعُولُ بِهِ، وَالْمَصْدَرُ).

المفعول به أخذناه، مثل: أكلتُ الطعامَ، شربتُ الماءَ، فنحن تكلَّمنا عن المفعول به، وهو: الذي وقع عليه فعلُ الفاعل، أو تعلَّق به فعلُ الفاعل على سبيل الإثبات أو النَّفي أو النَّهي أو الشَّرط أو الاستفهام.

مثل: أكلتُ الطعامَ، ما أكلتُ الطعامَ، هل أكلتَ الطعامَ؟ إن أكلتَ الطعامَ فاحمد الله.

إن أكلتَ الطعامَ: مفعول به في حالة الشَّرط.

هل أكلتَ الطعامَ؟ مفعول به في حالة الاستفهام.

ما أكلتُ الطعامَ: مفعول به في حالة النفي.

أكلتُ الطعامَ: مفعول به في حالة الإثبات.

إذن المفعول به هو ما تعلَّق به فعلُ الفاعل إثباتًا أو نفيًا أو استفهامًا أو شرطًا، أوقع من قولهم: ما وقع عليه فعلُ الفاعل.

يكون عاقلًا وغير عاقلٍ، والفاعل يكون عاقلًا وغيرَ عاقلٍ.

فقد يكونان عاقلين: ضرب زيدٌ عمْرًا.

وقد يكونان غير عاقلين: أكلَ الأسدُ الحمارَ -الاثنان غير عاقلين.

وقد يكون الفاعلُ عاقلًا والمفعول غيرَ عاقلٍ: أكلَ زيدٌ الإِوَزَّ.

أو العكس، أقول: ركلَ الحمارُ فلانًا.

إذن قد يكونان عاقلين، وغيرَ عاقلين، وعاقلًا وغير عاقلٍ، وغير عاقلٍ وعاقلًا، القسمة العقليَّة موجودة.

هذا هو المفعول به، ويكون منصوبًا، وطبعًا نعرف علامة النصب: الفتحة، وينوب عنها الكسرة، والألف، والياء، إلى آخر ما قلناه.

(وَالْمَصْدَرُ).

المصدر يعني المفعول المُطلَق، فالمصدر يقصدون به المفعول المطلق، وهو الدَّال على الحدث من غير زمن.

مثل: أكلتُ أكلًا، شربتُ شربًا، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]. ما فائدة ﴿تَكْلِيمًا﴾؟ هذا ردٌّ على مُنكري صفة الكلام لله، كلَّمه عن طريق الشَّجرة، كلَّمه عن طريق...، كلام كله فارغ.

كلمة ﴿تَكْلِيمًا﴾ رفعت احتمال المجاز.

نقول مثلًا: ضربتُ زيدًا، من الممكن أن أكون ضربته، أهنته، لكن حين أقول: ضربتُ زيدًا ضربًّا، فهو نفس الضَّرب.

إذن فائدة المفعول المطلق: بيان أنَّ الفعل مُرادٌ به حقيقته؛ لأنَّ الفعل قد يُقصَد به المجاز، وقد يُقصَد به الحقيقة.

مثل: قمتُ للمعلم، من الممكن أن تكون قمت، أو عظَّمت.

لكن حين أقول: قمتُ للمعلم قيامًا، إذن هو قيام حقيقي.

كلُّ شيءٍ في اللغة العربية في منتهى الإبداع.

إذن المفعول المطلق: هو المصدر المُؤكِّد لعامله، أو المُبيِّن لنوعه، أو المُبيِّن لعدده.

﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء: 164]، مُؤكِّد للعامل.

مُبيِّن للنوع مثل: قمتُ للعلماء قيامًا عظيمًا، أو قيامَ المُؤدَّب.

قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّبْجِيلَا

كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَكُوْنَ رَسُوْلَا

نُريد أن نرجع للقِيَم.

إنما يقولون:

قُمْ لِلْمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَّلْطِيشَا

كَادَ الْمُعَلِّمُ أَنْ يَكُونَ شَوِيشَا

الله يهديهم.

جاؤوا لنا بمدرسة المُشاغبين ومن ساعتها التعليم فسد، ألا لعنة الله على مَن أتى بهذه المسرحية إلى بلادنا. آمين.

المُبيِّن للنوع قلناه.

أمَّا المُبيِّن للعدد فمثل: ضربتُ فلانًا ضربةً، أو ضربتين، أو ضرباتٍ.

لأنِّي حين أقول: ضربتُ فلانًا ضربًا؛ قد يكون ضربةً واحدةً، وقد يكون مليون ضربة.

إنَّما نقول: ضربة؛ فيكون مرةً. وضربتين؛ اثنين. وضربات؛ أكثر من اثنين.

هذا المفعول المُطلَق.

والعامل في نصب المفعول المُطلَق:

- إمَّا الفعل: كالأمثلة السَّابقة.

- أو الوصف: كقوله تعالى: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا﴾ [الذاريات: 1]، ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات: 1، 2].

إذن هذا اسمه الوصف أي المُشتق.

- وقد يكون المصدر: مثل: عجبتُ من قيام زيدٍ قيامًا.

إذن "قيامًا" معمول لـ"قيام" الأولِ.

قال تعالى: ﴿فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا﴾ [الإسراء: 63]، "جزاءً" مفعول مطلق لـ"جزاؤكم".

(وَظَرْفُ الزَّمَانِ).

ظرف الزمان وظرف المكان يُسميان: المفعول فيه.

ما معنى المفعول فيه؟

يعني الذي وقع فيه الحدثُ زمانًا أو مكانًا.

مثل: جئتُم عصرًا. كأني قلتُ: في وقت العصر.

إذن بدل أن نقول: "في وقت العصر" ثلاث كلمات؛ قلنا: عصرًا. إذن هذا مفعول فيه ظرف زمان.

حين أقول مثلًا: جلستُ فوق الكُرسي، أي في الجهة الفوقيَّة. إذن هذا ظرف مكان.

إذن المفعول فيه هو ظرف الزمان وظرف المكان.

قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الكهف: 79]. "وراءهم" أي في الجهة الخلفيَّة أو الأماميَّة؛ لأنَّ "وراء" من أسماء الأضداد.

قال: ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: 24].

وقال تعالى: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ [يوسف: 16]، "عشاءً" مفعول فيه ظرف زمان.

هذا المفعول فيه ظرف الزمان والمكان.

(وَالْحَالُ، وَالتَّمْيِيزُ).

الحال مثل: جئتُ مسرورًا، أقبلتُ فرحًا، جاء فلانٌ ضاحكًا أو باكيًا، أو ما شاكل ذلك.

الحال علامته -يا إخواننا- أنَّه يمكن أن يقع في جواب الاستفهام.

نقول: كيف جاء زيد؟

ضاحكًا.

كيف وقع عمرو؟

مسرورًا.

كيف قبضتم على اللصِّ؟

مكتوفًا، إلى آخره.

(وَالتَّمْيِيزُ).

التَّمييز: هو اسمٌ مُبيِّنٌ لإبهام ما قبله.

مثل: اشتريتُ فدانًا أرضًا، حصدنا إردبًّا أرزًا.

يعني يكون بعد كيلٍ أو وزنٍ أو مساحةٍ أو عددٍ.

بعد كيلٍ مثل: الأردب.

ووزن مثل: القنطار، والرّطل، والكيلو.

والمساحة مثل: القيراط والفدَّان.

والعدد مثل: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾ [يوسف: 4]، "كوكبًا" تمييز منصوب بالمُميَّز.

والمُميَّز هو الاسم السَّابق، والتَّمييز هو الاسم اللاحق، ويكون منصوبًا في معظم أحواله.

قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص: 23]، وقال: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]، هذا تمييز لكنَّه مجرور، مُضافٌ إليه.

والتَّمييز قد يكون تمييز ذاتٍ، وقد يكون تمييز نسبةٍ.

فالأمثلة السَّابقة تمييز ذات، وهي ما بعد العدد والمساحة والكيل والوزن.

ربنا يقول لنا على لسان سيدنا زكريا -عليه الصلاة والسلام: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: 4] ، "شيبًا" هذه تمييز نسبة.

أصل الكلام في غير القرآن: واشتعل شيبُ الرأس.

قال الله تعالى على لسان الكافر: ﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ [الكهف: 34]، "نفرًا" هذه تمييز نسبة، مُحوَّل عن المبتدأ، أي مالي أكثر منك، ونفري أعزُّ منك.

هذا بإيجازٍ شديدٍ جدًّا ما يتعلَّق بالتَّمييز.

(وَالْمُسْتَثْنَى).

هذا كما قلنا: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30، 31]، ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾ [البقرة: 249].

المُستثنى هو: المُخرَج أو المُدْخَل بـ"إلا" أو إحدى أخواتها.

المُخرَج مثل: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: 30، 31]، كأني قلت: لم يسجد إبليس.

إذن هذا مُخرَج أو مُدخَل؟ مخرج.

طيب، ما قام الطلبةُ إلا زيدٌ أو زيدًا. مُدخَل أو مُخرَج؟ مُدخَل.

إذن الأول مُخرَج، والثاني مُدخَل.

وأدوات الاستثناء هي: "إلا، وسوى، وغير، وما خلا، وما عدا، وما حاشا، وليس، ولا يكون"، إلى آخره.

إذن المُستثنى جاء به في المنصوبات لماذا؟

لأنَّ معظم المُستثنى منصوب، ومن ثَمَّ جاء به في هذا المكان.

(وَاسْمُ لَا).

اسم "لا" النافية للجنس، التي أهمل ذكر خبرها في المرفوعات، كقول الله تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ [النساء: 114].

ومثل: لا رجلَ في الدار.

رجلَ: اسم "لا" النافية للجنس مبني على الفتح في محلِّ نصبٍ.

ومثل: لا طالبَ علمٍ مذمومٌ، ولا طالبَ مالٍ محمودٌ.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم وللمسلمين أجمعين، وصلى الله على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 180- 182].

سبحانك اللَّهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].

جزاكم الله خيرًا على حُسن الاستماع، ووفَّقني وإيَّاكم إلى صالحِ العملِ وعملِ الصَّالحات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=62