الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد عبد المعطي
شرح متن الآجُرُّوميَّة

لفضيلة الشيخ محمد عبد المُعطي

الدرس (3)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله نحمده في البدء والختام، أشهد أن لا إلهَ إلا الله الواحد العلَّام، وأشهد أنَّ سيدنا محمدًا النبي الإمام، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأعلام ومَن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقبت الأيام والأعوام.

وبعد، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى، وخيرَ الهدي هدي سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70، 71]. اللَّهمَّ اجعلنا وإيَّاكم من الفائزين.

وبعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

مُشاهديَّ الكرام، نُواصل متن الآجُرُّوميَّة لابن آجُرُّوم، وهذه هي الحلقة الثالثة في هذا الصَّدد -نسأل الله تعالى التَّوفيقَ والمددَ والرَّشاد لنا ولجميع العباد.

وبعد،

(فَصْلٌ:

الْمُعْرَبَاتُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ يُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ، وَقِسْمٌ يُعْرَبُ بِالْحُرُوفِ.

فَاَلَّذِي يُعْرَبُ بِالْحَرَكَاتِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الِاسْمُ الْمُفْرَدُ، وَجَمْعُ التَّكْسِيرِ، وَجَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمُ، وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ الَّذِي لَمْ يَتَّصِلْ بِآخِرِهِ شَيْءٌ، وَكُلُّهَا تُرْفَعُ بِالضَّمْةِ، وَتُنْصَبُ بِالْفَتْحَةِ، وَتُخْفَضُ بِالْكَسْرَةِ، وَتُجْزَمُ بِالسُّكُونِ.

وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: جَمْعُ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمُ يُنْصَبُ بِالْكَسْرَةِ، وَالِاسْمُ الَّذِي لَا يَنْصَرِفُ يُخْفَضُ بِالْفَتْحَةِ، وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ الْمُعْتَلُّ الْآخِرِ يُجْزَمُ بِحَذْفِ آخِرِهِ).

هذا الذي ذُكِرَ أمامكم هو محصلةٌ لما قاله الشيخُ قبلُ، فقد ذكرنا أنَّ الإعرابَ أربعة أنواع: رفعٌ، ونصبٌ، وجرٌّ، وجزمٌ.

وأنَّه قسمان:

- قسمٌ مُشتركٌ بين الاسم والمضارع: وهو الرَّفع والنَّصب.

- وآخر مُختصٌّ بالاسم: وهو الجر.

- وثالث مُختصٌّ بالفعل: وهو الجزم.

والمُعربات تنقسم أيضًا قسمين آخرين:

* قسم يُعرَب بالحركات.

* وآخر يُعرَب بالحروف.

فأمَّا الذي يُعرَب بالحركات فأربعة أنواعٍ:

- المفرد: وذكرنا أنَّ رفعه يكون بالضَّمة، ونصبه بالفتحة، وجرَّه بالكسرة. مثل: "جاء محمدٌ، ورأيتُ محمدًا، وسُررتُ من محمدٍ".

وقد ذكرنا أنَّ الضَّمة تكون مُقدَّرةً وظاهرةً.

- النوع الثاني: جمع التَّكسير. مثل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34]، يعني يُرفع بالضَّمة، ويُنصَب بالفتحة، مثل: "إنَّ الرجالَ مُتعاونون".

ويُجرُّ بالكسرة، مثل: "سررتُ من الرِّجالِ المُؤدبين".

- النوع الثالث: الجمع المزيد بالألف والتاء، وهو المُسمَّى بجمع المؤنث السَّالم -تجوُّزًا.

وهذا النوع يُرفَع بالضَّمة، ويُجرُّ بالكسرة.

يُرفَع بالضَّمة مثل: "الفتيات مُؤدَّباتٌ".

ويُجرُّ بالكسرة مثل: "سررتُ من الفتيات المُؤدَّباتِ".

أمَّا نصبه: فهو وإن كان بحركةٍ إلا أنَّها تنوب عن حركةٍ، مثل: "رأيتُ الفتياتِ المُؤدَّباتِ"، فهو منصوبٌ بالكسرة نيابةً عن الفتحة.

والاسم الممنوع من الصَّرف يُرفَع بالضَّمة، ويُنصَب بالفتحة، لكنَّه يُجرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة بشرط ألا يكون مُضافًا ولا مُحلى بـ"ال" -كما ذكرنا ذلك آنفًا.

مثل: "جاء أحمدُ، وأكرمتُ أنورَ، وسررتُ من أكرمَ"، يعني يُرفَع بالضَّمة، ويُنصَب بالفتحة، ويُجرُّ بالفتحة.

إذن فالجمع المزيد بالألف والتاء تنوب فيه الكسرةُ عن الفتحة نصبًا.

والممنوع من الصَّرف تنوب فيه الفتحةُ عن الكسرة جرًّا.

فهذه هي الأنواع التي تُعرَب بالحركات، يُضاف إلى ذلك: الفعل المضارع، فإنَّه يُرفَع بالضَّمة إذا تجرَّد من النَّاصب والجازم.

مثل: "يُقبِلُ المسلمون على أداء فروض ربِّهم".

ويُنصَب بالفتحة، مثل: "أُحبُّ أن أراكَ مجتهدًا".

فـ"أُحبُّ": مضارع مرفوع بالضَّمة.

و"أرى" مضارع منصوب بـ"أن" وعلامة نصبه الفتحة المُقدَّرة على الألف للتَّعذر.

أمَّا جزمه: فإنَّه يكون بحذف الحركة.

فجزم المضارع يكون بالسُّكون إذا كان صحيحَ الآخر، مثل: "لم يقمْ فلانٌ بواجبه كما ينبغي".

ويُجزم بحذف حرف العلَّة إذا كان مُعتلَّ الآخر:كما مثَّلنا بقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: 36]، وبقوله: ﴿ولَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص: 77]، وبقوله: ﴿ولَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: 77].

وأمَّا إذا كان من الأمثلة الخمسة فإنَّه يُجزَم ويُنصَب بحذف النون.

وأمَّا رفعه فيكون بثبوت النون.

إذن عندنا مُعرَبات بالحركات، والشَّيخ ألحق بالحركات السُّكون، يعني من باب التَّغليب؛ لأنَّ المضارع المجزوم يُجزَم بالسُّكون، ولا يُجزَم بالحركة، لكنَّه سلكه في القسم المُتعلِّق بالحركات؛ لأنَّ السكون هو وإن كان ليس حركةً إلا أنَّه حذف الحركة، يعني يمتُّ للباقي بصلةٍ ما.

(وَالَّذِي يُعْرَبُ بِالْحُرُوفِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: التَّثْنِيَةُ، وَجَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمُ، وَالْأَسْمَاءُ السِّتَّةُ، وَالْأَمْثِلَةُ الْخَمْسَةُ وَهِيَ: يَفْعَلَانِ، وَتَفْعَلَانِ، وَيَفْعَلُونَ، وَتَفْعَلُونَ، وَتَفْعَلِينَ.

فَأَمَّا التَّثْنِيَةُ: فَتُرْفَعُ بِالْأَلِفِ، وَتُنْصَبُ وَتُخْفَضُ بِالْيَاءِ.

وَأَمَّا جَمْعُ الْمُذَكَّرِ السَّالِمُ: فَيُرْفَعُ بِالْوَاوِ، وَيُنْصَبُ وَيُخْفَضُ بِالْيَاءِ.

وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ السِّتَّةُ: فَتُرْفَعُ بِالْوَاوِ، وَتُنْصَبُ بِالْأَلِفِ، وَتُخْفَضُ بِالْيَاءِ.

وَأَمَّا الْأَمْثِلَةُ الْخَمْسَةُ: فَتُرْفَعُ بِالنُّونِ، وَتُنْصَبُ وَتُجْزَمُ بِحَذْفِهَا}.

تمام -بارك الله فيك.

بعد أن ذكر الشيخُ -رحمه الله تعالى- النوعَ الأول من المُعربات الذي يُعرَب بالحركات، سواء أكانت أصليَّةً أم فرعيَّةً.

قلنا: الفرعي يتمثَّل في:

- الممنوع من الصرف، فيُجرُّ بالفتحة نيابةً عن الكسرة.

- والجمع المزيد بالألف والتاء، فيُنصَب بالكسرة نيابةً عن الفتحة.

طيب، القسم الثاني هو: المُعرَب بالحروف.

والشيخ -رحمه الله تعالى- ذكر أنَّ هذا تنضوي تحته أربعةُ أنواعٍ، هنَّ:

- الأسماء الستة: حيث إنَّها تُرفَع بالواو نيابةً عن الضَّمة، وتُنصَب بالألف نيابةً عن الفتحة، وتُجرُّ بالياء نيابةً عن الكسرة.

وقلنا إنَّ هذه الأسماء اجتمعت في قول الله تعالى: ﴿إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [يوسف: 8].

وطبعًا قلنا شروط إعراب الأسماء الستة بالواو والألف والياء، فقلنا: أن تكون مفردةً، ومُكبَّرةً، ومُضافةً، وتُضاف إلى غير ياء المتكلم.

- النوع الثاني: المُثنَّى: حيث إنَّه يُرفَع بالألف نيابةً عن الضَّمة، كقول الله تعالى: ﴿قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ﴾ [المائدة: 23].

ويُنصَب بالياء التي هي ياء لينٍ؛ لأنَّها ساكنةٌ بعد فتحٍ، كقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: 23]، فالياء هنا نائبة عن الفتحة في حالة النَّصب، وهي أيضًا نائبة عن الكسرة في حالة الجر كقوله تعالى حاكيًا عن الكافرين: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: 31].

- النوع الثالث مما يُعرَب بالحروف: جمع المذكر السَّالم، وقد بيَّنَّا في الحلقتين السَّابقتين أنَّه يُرفَع بالواو نيابةً عن الضَّمة، كقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: 1].

ويُنصَب بالياء المديَّة -أي السَّاكنة بعد كسرٍ- نيابةً عن الفتحة، مثل: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ...﴾ [الأحزاب: 35]، الآية.

ويُجرُّ بالياء المديَّة أيضًا نيابةً عن الكسرة كقوله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: 23].

- النوع الرابع: وهذا خاصٌّ بالفعل.

إذن ثلاثة أنواعٍ تُوجَد في الأسماء، ونوعٌ واحدٌ يُوجَد في الفعل؛ لأنَّ الإعراب أصلٌ في الأسماء، فرعٌ في الأفعال: المُضارع الذي هو من الأمثلة الخمسة يُرفَع بثبوت النون نيابةً عن الضَّمة، ويُنصَب بحذف النون نيابةً عن الفتحة، ويُجزَم بحذف النون أيضًا نيابةً عن السُّكون.

وقلنا أنَّ ربنا جمع الثلاثة في قوله تعالى: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 92].

وقد أضاف إلى معلوماتي رجلٌ طيبٌ أمس قول الله تعالى: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: 188].

"لا تحسبنَّ الذين يفرحون": هذا مضارع من الأمثلة الخمسة، مرفوعٌ بثبوت النون نيابةً عن الضَّمة.

"يفرحون بما أتوا ويحبون": مثله.

" أن يحمدوا": مضارع منصوب بـ"أن" وعلامة نصبه حذف النون نيابةً عن السُّكون؛ لأنَّه من الأمثلة الخمسة، وهو مبنيٌّ للمفعول أو للمجهول، أو لما لم يُسمَّ فاعله.

وواو الجماعة نائب فاعل، ضمير مبنيٌّ على السُّكون في محلِّ رفع فاعل.

وأمَّا الثالث: "بما لم يفعلوا": فمضارع مجزوم بـ"لم"، وعلامة جزمه حذف النون نيابةً عن السكون؛ لأنَّه من الأمثلة الخمسة.

وقد عرَّفنا الأمثلة الخمسة قبل بأنَّها: كلُّ فعلٍ مضارعٍ اتَّصلت به ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المُخاطبة.

وقلنا إنَّها ليست خمسةً؛ وإنَّما هي سبعة؛ بل إحدى وعشرون؛ بل ثلاث وستون، ووضحنا ذلك بتوفيق الله -عز وجل.

هناك أيضًا أمثال المضارع المُعتل الآخر، فإنَّه يُرفَع بالضَّمة المُقدَّرة على الواو أو الياء للثِّقل، ويُنصَب بالفتحة المُقدَّرة على الألف الظَّاهرة على الواو والياء، ويُجزَم بحذف حرف العلَّة نيابةً عن السكون.

أي أنَّ إعرابه فرعي في حالةٍ واحدةٍ هي الجزم، حيث إنَّه يُجزَم بحذف حرف العلَّة نيابةً عن السُّكون، واوًا كانت أو ياءً أو ألفًا، والضَّمة دليلٌ على الواو، والكسرة دليلٌ على الياء، والفتحة دليلٌ على الألف، وقد أفضنا الحديثَ في ذلك كلِّه -بفضل الله تعالى.

(بَابُ الْأَفْعَالِ:

الْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: ماضٍ، وَمُضَارِعٌ، وَأَمْرٌ، نَحْوَ: ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ. فَالْمَاضِي مَفْتُوحُ اَلْآخِرِ أَبَدًا.

وَالْأَمْرُ: مَجْزُومٌ أَبَدًا.

وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إِحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ، يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: "أَنَيْتُ" وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَبَدًا، حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ أَوْ جَازِمٌ).

بعد أن تحدَّثنا عن المُعربات وأنواعها عَنَّ للشيخ أن يتحدَّث في هذا الباب عن الفعل.

والفعل الأصل فيه البناء، أمَّا الاسم فالأصل فيه الإعراب.

إذن الأصل في الاسم ماذا؟

الإعراب.

والمُراد بالأصل: الغالب.

والأصل في الفعل البناء -أي الغالب أيضًا- والأصل في الحرف البناء -أي الكل.

ابن مالك يقول:

"وَكُلُّ حَرْفٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْبِنَا...".

أمَّا بالنسبة للماضي والمضارع فيقول عنهما العلامةُ ابنُ مالك:

وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا



وَأَعْرَبُوا مُضَارِعًا إِنْ عَرِيَا

مِنْ نُونِ تَوكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ

نُونِ إِنَاثٍ كَيَرُعْنَ مَنْ فُتِنْ

إذن الأصل في الفعل البناء.

لماذا البناء؟

قال: لأنَّ الماضي دائمًا مبنيٌّ -هذا الثلث- والأمر دائمًا يُبنى على الأرجح -هذا الثلث الثاني- وأمَّا المضارع فهو يُبنى إذا اتَّصلت به نون النُّسوة، أو باشرته نون التوكيد، ويُعرَب إذا تجرَّد من تَيْنِكَ النُّونين.

إذن كأنَّ ثلاثة أرباع الفعل مبنية.

فالشيخ أولًا قسَّم الفعلَ إلى ثلاثة أقسامٍ، وهذا التَّقسيم هو مذهب البصريين؛ لأنَّ البصريين يقولون: إنَّ الفعل إمَّا ماضٍ، وإمَّا مضارعٌ، وإمَّا أمرٌ.

والفعل -بالمناسبة- هو ما دلَّ على حدثٍ في زمنٍ.

نقول مثلًا: "كتب" فتدلُّ على حدث الكتابة، وزمنها، أي الماضي.

"يكتب": تدلُّ على حدث الكتابة، والزمن الحاضر أو المُستقبل.

و"اكتب": يدلُّ على حدثٍ وهو الكتابة، مع الزمن المُستقبل.

هذا بالنسبة للفعل وأقسامه.

إذن المذهب البصري يرى أنَّ الأفعال ثلاثة أنواعٍ.

ولذلك ابنُ مالكٍ قال هذا في ألفيته:

.............................

فِعلٌ مُضارِعٌ يَلِيْ لَمْ كَيَشَمْ

وَمَاضِيَ الْأَفْعَالِ بِالتَّا مِزْ وَسِمْ

بِالنُّونِ فِعْلَ الْأَمْرِ إِنْ أَمْرٌ فُهِمْ

أمَّا الكوفيون فيرون أنَّ القسمة ثُنائيَّة، حيث يزعمون أنَّ الأمر ليس أمرًا مُستقلًا، إنَّما هو في الحقيقة مضارع حُذِفت منه لام الأمر، ثم حُذف منه حرف المُضارعة تخفيفًا، فإذا بقي على سكون أوله أُتي بهمز الوصل، وإلا فلا.

فمثلًا: "اجلس": عندهم أصله "لِتجلس" بلام الأمر.

فلام الأمر حُذفت، ثم تاء المُضارعة حُذفت، فبقي الفعلُ ساكن الأولِ، فأتوا بهمزة الوصل.

أمَّا "قم" فأصله "لِتقم"، حُذفت اللام والتاء -كما أسلفنا- وبقي مُتحرك الأول، فلم يحتاجوا إلى همزة وصلٍ.

وهذا كلامٌ غريبٌ عجيبٌ!

إذن الأفضل المذهب البصري، حيث إنَّه يرى أنَّ القسمة ثلاثيَّة، فالشيخ مشى على المذهب البصري، ولفَّق معه المذهب الكوفي -كما سيتضح الآن إن شاء الله تعالى.

فهو قال: (فَالْمَاضِي مَفْتُوحُ الْآخِرِ أَبَدًا)، وهذا كلامٌ صحيحٌ، هذا أيضًا عند المُحققين، فالماضي دائمًا مبنيٌّ، ومبنيٌّ على الفتح.

غاية الأمر أنَّ هذا الفتح قد يكون ظاهرًا، وقد يكون مُقدَّرًا.

مثال الظَّاهر: "خرجَ محمدٌ من البيتِ"، و"ذهبَ عليٌّ إلى الكليَّةِ".

ومثال الفتح المُقدَّر: "رأى زيدٌ أباه"، "رأى": فعل ماضٍ مبنيٌّ على الفتح المُقدَّر على الألف للتَّعذُّر، لا محل له من الإعراب.

ومثل: "أكرمتُ الضيفَ"، فـ"أكرم" عند المحققين: فعل ماضٍ مبنيٌّ على فتحٍ مُقدَّرٍ منع من ظهوره اشتغال المحل بالسُّكون العارض، وهكذا.

أمَّا فعل الأمر: فمبنيٌّ أيضًا عند من جعل القسمة ثلاثيَّة.

إذن فعل الأمر مبنيٌّ على الأرجح، فهو مبنيٌّ تارةً على السكون، كـ "اقرأ، واكتب، اقرأن يا نساء، واكتُبنَ".

ومبنيٌّ على حذف حرف العلَّة: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125].

ومثلًا: "انهَ عن الشَّرِّ وابغِ الخيرَ"، إذن هذا مبنيٌّ على حذف حرف العلَّة.

ويُبنى على حذف النون إذا كان مُتَّصلًا به ألف الاثنين أو واو الجماعة أو ياء المُخاطبة، قال تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا﴾ [طه: 44]، وقال تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقال تعالى: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾ [مريم: 26].

ويُبنى كذلك على الفتح إذا اتَّصلت به نون التَّوكيد المباشرة، مثل: "أكرمنَّ الضيف، واقعدنْ في خدمته، أو ابقينْ في خدمته".

"أكرمنَّ، وابقينْ" هذان أمران مبنيان على الفتح؛ لاتِّصالهما بنون التوكيد المباشرة، ثقيلة في الأولِ، وخفيفة في الثاني.

إذن فعل الأمر عند مَن جعل قسمة الأفعال ثلاثيَّة مبنيٌّ على: سكون، حذف حرف العلة، حذف النون، بناء على الفتح.

أمَّا عند الكوفيين الذين يرون أنَّ الأمر في الحقيقة مضارعٌ حُذِفت منه لام الأمر وحرف المضارعة، فالأمر هنا مضارعٌ مجزومٌ، ولكن بلام أمرٍ مُقدَّرةٍ.

إذن عند الكوفيين فعل الأمر:

أولًا: هو مُضارع.

ثانيًا: هو مُعرَب مجزوم.

أمَّا عند البصريين الذين يرون القسمةَ ثلاثيَّة فهو فعل أمرٍ، لكنَّه مبنيٌّ يُبنى على ما يُجزَم به مُضارعه.

الشيخ لفَّق بين المذهبين حيث ذكر أنَّ الأمر قسمٌ من الأقسام: ماضٍ، ومضارع، وأمر.

إذن هو اتَّبع مذهبَ البصريين.

لكنَّه قال: "مجزومٌ أَبَدًا". كيف يُجزَم مع كونه أمرًا؟

إذن هو لفَّق بين المذهب البصري والمذهب الكوفي -ننبه لهذه النقطة.

إذن الأمر عند الكوفيين مضارعٌ مجزومٌ، ولكن بلام أمرٍ مُقدَّرةٍ.

أمَّا عند البصريين فهو مبنيٌّ؛ لأنَّه قسمٌ برأسه، مبنيٌّ على كذا وكذا وكذا -ونحن قلناه.

الشيخ ذكر القسمة ثلاثيَّة، ومع ذلك قال إنَّ فعل الأمر مجزوم.

كيف يتَّفق هذا مع ذاك؟

الله أعلم!

ننتقل إلى الفعل المضارع.

قال لك: الفعل المضارع هذا علامته أن يبدأ بأحد أحرف "أنيتُ"، أو "نأيتُ"، أو "تأنَّى"، لك أن تقول هذا أو هذا أو هذا.

إمَّا مبدوءٌ بأحد أحرف "أنيتُ": الهمزة، أو النون، أو الياء، أو التاء.

مثل: "أكتب الدرس، نكتب الدرس، فلان يكتب الدرس، فلانة تكتب الدرس".

هذا الفعل المضارع علامته أن يبدأ بأحد أحرف "أنيت"، أو ما إلى ذلك، وأن يقبل دخول "لم" عليه؛ لأنَّه قد يبدأ الماضي بالهمزة "أكل"، وقد يبدأ بها الأمر "أكرم"، وقد يبدأ الماضي بالنون "نصر"، وقد يبدأ الأمر بالنون "نظِّف"، وقد يبدأ الماضي بالياء "يَبِسَ"، وقد يبدأ به الأمر "يسِّر"، وقد يبدأ الماضي بالتاء "تكلَّم"، وبها يبدأ الأمر أيضًا "تكلَّمْ".

إذن لا مزيَّة للمضارع في هذا الأمر، ولكنَّه ينضم إلى بدئه بأحد أحرف "أنيت" أنَّه يقبل دخول "لم" عليه.

﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة: 1]، و﴿وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾ [مريم: 20]، و"لم تكن سعاد عندنا"، وما شاكل ذلك.

إذن المضارع علامته مكوَّنةٌ من جزأين:

- أن يبدأ بأحد أحرف "أنيت".

- وأن يقبل دخول "لم" عليه. لماذا "لم" بالذات؟

قال: لأنَّ "لم" تجزم، والجزم من خصائص المضارع.

إذن هذا المضارع.

المضارع ما حكمه من حيث الإعراب والبناء؟

سبق أن قلنا: إنَّه إذا اتَّصلت به نون التوكيد المباشرة فإنَّه يُبنى على الفتح، كقوله تعالى: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء: 57]، وكقوله تعالى: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ [العلق: 15].

وقد جمع الله بينهما -أي نون التوكيد الثقيلة ونون التوكيد الخفيفة المباشرتين- في قول الله تعالى على لسان امرأة العزيز عن سيدنا يوسف -عليه السلام: ﴿لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: 32].

"لَيُسْجَنَنَّ ": هذه نون توكيد ثقيلة مباشرة.

"وَلَيَكُونًا": هذه نون توكيد خفيفة مباشرة.

وكيف نعرف أنَّها مباشرة أو غير مباشرة يا إخوة؟

إذا فُتِح ما قبل نون التوكيد دلَّنا هذا على أنَّها مُباشرة، وحينئذٍ يكون الفعل المضارع مبنيًّا على الفتح.

إذن هو يُبنَى على الفتح؛ لأنَّه متَّصلٌ بنون التوكيد المباشرة.

وكيف أعرف أنَّها نون توكيد مباشرة؟

أن تُسبَق بالفتح.

أمَّا إذا سُبقت بغير الفتح فإنَّ المضارع يكون متَّصلًا بنون التوكيد غير المباشرة، وحينئذٍ يُعرَب، مثل: "لتكرمُنَّ الضيفَ يا رجال".

"لتكرمُنَّ" أصله "لتكرمُونَنَّ"، فحُذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، ثم حُذفت الواو لالتقاء السَّاكنين، ولوجود ما يدلُّ عليها وهو الضَّمة قبلها.

مثال: "لتُكرِمِنَّ"، أصله: "لتُكرميننَّ"، حدث فيه ما حدث في "لتكرمُنَّ".

ومثل: "لتُكرمانِّ الضيف يا رجلان"، أصله: "لتكرماننَّ"، حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، ثم أُبقي على ألف الاثنين مع التقاء السَّاكنين، وسُمِحَ بهذا لأنَّه لو حُذِفت الألفُ كما حُذِفت الواو أو الياء؛ التبس خطاب المثنى بخطاب المفرد.

مثلًا نقول: "لتُكرمانِّ الضيف"، نحذف الألفَ لالتقاء السَّاكنين فأقول: "لتُكرمنَّ" سينتقل من خطاب الاثنين إلى خطاب المفرد، فاحتملوا التقاء السَّاكنين؛ لأنَّه لا مناصَ من ذلك حتى لا يلتبس خطابُ الاثنين بخطاب الواحد.

إذن المضارع إذا اتَّصلت به نون التوكيد ثقيلةً كانت أو خفيفةً، وكانت مباشرةً؛ فإنَّه يُبنى على الفتح.

وقلنا إنَّ علامة نون التوكيد المباشرة أن يُفتَح ما قبلها.

أمَّا إذا اتصل بنون التوكيد غير المباشرة، كأن كان ما قبلها مكسورًا أو مضمومًا أو ساكنًا؛ فإنَّ الفعل المضارع حينئذٍ يكون مُعرَبًا.

ويُبنى كذلك المضارع إذا اتَّصلت به نون النسوة، مثل قول الله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ [البقرة: 233]، ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: 228].

فكلٌّ من "يرضع"، و"يتربص"، فعلٌ مضارعٌ مبنيٌّ على السُّكون لاتِّصاله بنون النسوة في محلِّ رفعٍ لتجرده من الناصب والجازم، ونون النسوة ضمير بارزٌ متَّصلٌ مبنيٌّ على الفتح في محلِّ رفع فاعل.

إذن يُبنى الفعل المضارع في كم حالة؟

في حالتين:

- إذا اتَّصلت به نون التوكيد المباشرة، حينئذٍ يُبنى على الفتح.

- وإذا اتَّصلت به نون النسوة -هنا لا نقول مباشرة أو غير مباشرة. لماذا؟ لأنَّ نون النسوة لاصقة في الفعل، فلا يوجد مباشر أو غير مباشر، أمَّا نون التوكيد فهناك المباشرة وغير المباشرة -ويُبنى حينئذٍ على السُّكون.

طيب، هل يكون له محل إعراب؟

بلى، يكون له محل إعرابٍ؛ لأنَّ المضارع مُعرَبٌ في الأساس.

يعني مثلًا: "يتربصن"، "يتربص" من "يتربصن" مضارع مبنيٌّ على السكون في محل رفع. لماذا؟ لتجرُّده من الناصب والجازم.

طيب: ﴿إِلَّا أَن يَعْفُونَ﴾ [البقرة: 237]، "يعفو" من "يعفون" فعل مضارع مبنيٌّ على السكون في محل نصب بـ"أن"، ونون النسوة فاعل.

حتى لو قال لك أحد: كيف يكون المضارع فيه نون مع وجود "أن"، كأنَّه يقول أنَّ القرآن فيه غلط!

تقول له: غلط في عينك!

هنا الفعل المضارع مبنيٌّ، ونون النسوة ليست علامة الرفع؛ إنَّما هي ضمير.

﴿وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا﴾ [البقرة: 237]، هنا الخطاب للرجال، وإنَّما ﴿إِلَّا أَن يَعْفُونَ﴾ الكلام عن النساء، فالنون هنا نون النسوة، وليست نون الرفع.

إنَّما في قوله تعالى: ﴿وَأَن تَعْفُوا﴾ أصلها: "وأن تعفون"، فالنون نون الرفع، حُذفت للناصب وهو "أن".

كذلك قول الله تعالى: ﴿ولَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، "تبرج" من "تبرجن" مضارع مبنيٌّ على السُّكون لاتِّصاله بنون النسوة، في محل جزمٍ بـ"لا" الناهية، ونون النسوة فاعل.

إذن ليس معنى كون الفعل المضارع مبنيًّا أنَّه ليس له محلٌّ من الإعراب، لا، له محل من الإعراب: رفع، نصب، جزم -كما مثَّلنا.

ومثل ذلك نون التوكيد، مثلًا نقول: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ﴾ [الأنبياء: 57]، "أكيد" من "أكيدن" فعل مضارعٌ مبنيٌّ على الفتح؛ لاتِّصاله بنون النسوة في محلِّ رفع لتجرُّده من الناصب والجازم.

حين نقول مثلًا: "لِتضربنَّ المهمل"، "تضربنَّ" مضارعٌ مبنيٌّ على الفتح؛ لاتِّصاله بنون التوكيد المباشرة، في محل جزمٍ بلام الأمر. وهكذا.

طيب، متى يُعرَب الفعل المضارع؟

يُعرَب في حالتين:

- إذا تجرَّد من النونين.

ما هما النونان؟

• نون النُّسوة.

• ونون التوكيد المباشرة.

أو اتَّصلت به نون التوكيد غير المباشرة.

إذن المضارع يُعرَب في كم حالة؟

في حالتين:

- إذا تجرَّد من النونين -أعني نونَ النسوة ونونَ التوكيد المباشرة.

مثل: "يُحبُّ أبناءُ مصرَ مصرَ"، طبعًا المُخلِصون، "يحب أبناء مصرَ المخلصون أمَّهم مصرَ"، فـ"يحب" هنا مضارع معرب أم مبني؟

معرب.

لماذا؟

لتجرُّده من النونين، وهو مرفوعٌ؛ لتجرُّده من الناصب والجازم.

إذن علَّة الإعراب تجرُّده من النونين.

وعلَّة الرفع تجرُّده من النَّاصب والجازم:

ارْفَعْ مُضَارِعًا إِذَا يُجَرَّدُ

مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَـ "تَسْعَدُ"

ويُنصَب مثل ماذا؟

مثل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ﴾ [النساء: 28]، "يريد" مضارع مُعرَب مرفوع، و"يخفف" مضارع مُعرَب منصوب.

مجزوم مثل: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 3، 4]، اللَّهم أَمِتْنا على التَّوحيد يا رب العالمين.

إذن المضارع هنا مُعرَب لماذا؟

لتجرُّده من النونين، مرفوع لتجرُّده من الناصب والجازم، ومنصوب لوجود حرف نصب، ومجزوم لوجود حرف جزمٍ.

طيب، النوع الثاني من المضارع المُعرَب: أن تتصل به نون التوكيد غير المباشرة:

كيف أعرف أنَّها غير مباشرة؟

ألا تُسبَق بفتحٍ، يقول الله تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ [آل عمران: 186].

انظر: "لَتُبْلَوُنَّ" و"لَتَسْمَعُنَّ" قبل نون التوكيد ضمة؛ إذن مباشرة أو غير مباشرة؟

غير مباشرة.

مُعرَب أم مبني؟

مُعرَب.

إذن المضارع يُعرَب إذا اتَّصلت به نون التوكيد غير المباشرة.

أظن -الحمد لله- أنَّ الحائط لو نطق سينتبه -إن شاء الله.

ومثل قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ [مريم: 26]، "تَرَيِنَّ" فعل مضارعٌ مُعرَبٌ؛ لأنَّه اتَّصل بنون التوكيد غير المباشرة.

كيف أعرف أنَّها غير مباشرةٍ؟

بكون ما قبلها مكسور: "تَرَيِنَّ".

إذن هذا مضارعٌ مرفوعٌ؛ لتجرُّده من الناصب والجازم، وعلامة رفعه ثبوت النون التي حُذِفت؛ لتوالي الأمثال نيابةً عن الضَّمة.

طيب، ومثل قوله تعالى: ﴿فَاسْتَقِيمَا ولَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: 89]، الخطاب لمَن؟

لموسى وهارون -عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام- وكانا في غاية الاستقامة، أي: دوما على الاستقامة.

"تتبعانِّ" مضارع مجزوم بـ"لا" الطَّلبية، وعلامة جزمه حذف النون، وهنا لا تقل: لتوالي الأمثال، وإنَّما تقول: حذف النون نيابةً عن السكون، وألف الاثنين فاعل.

إذن خلاصة المضارع: أنَّه يُعرَب في حالتين، ويُبنَى في حالتين:

يُعرَب إذا:

- تجرَّد من النونين.

- وإذا اتَّصلت به نون التوكيد غير المباشرة، ثقيلةً كانت أو خفيفةً.

ويُبنَى في حالتين:

- على السُّكون مع نون النُّسوة.

- على الفتح مع نون التوكيد المباشرة.

وعرفنا أنَّها مباشرة بأن يُفتَح ما قبلها.

هذه خلاصة الفعل المضارع.

ابن مالك قال لنا عن الثلاثة: (وفِعْلُ أَمْرٍ). إذن الشيخ ابن مالك اعترف أنَّ الأفعال ثلاثة أو اثنين؟

ثلاثة؛ لأنَّه سمَّاه فعل أمر.

(وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيٍّ بُنِيَا)، لكن الأول -الماضي- مبنيٌّ اتِّفاقًا، والأمر مبنيٌّ على الأرجح.

قال: (وَأَعْرَبُوا مُضَارِعًا إِنْ عَرِيَا)، عَرِي يَعْرَى: أي تجرَّد: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا ولَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا ولَا تَضْحَى﴾ [طه: 118، 119].

أمَّا "عَرَى - يَعْرُو" بمعنى طرأ عليه شيءٌ.

قال الشاعر:

وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكَ هِزَّةٌ

كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ

إذن هناك فرقٌ بين "عَرِي - يَعْرَى"، و"عَرَى - يَعْرُو".

ما نحتاجها هنا "عَرِي - يَعْرَى".

قال: (وَأَعْرَبُوا مُضارِعًا إِنْ عَرِيَا، مِنْ نُونِ تَوكِيدٍ مُبَاشِرٍ).

يجوز في الحرف أن نُدَلِّله فنقول: نون مباشر، ونون مباشرة، فيجوز هذا ويجوز ذاك.

(مِنْ نُونِ تَوكِيدٍ مُبَاشِرٍ، وَمِنْ نُونِ إِنَاثٍ).

إذن مع نون التوكيد المباشر؛ لأنَّ هنا فيه غير مباشر.

قال: (وَمِنْ نُونِ إِنَاثٍ) لم يقل مباشر أو غير مباشر؛ لأنَّ هذا تقرير واقع.

(مِنْ نُونِ تَوكِيدٍ مُبَاشِرٍ وَمِنْ، نُونِ إِنَاثٍ كَيَرُعْنَ -أي يفزعن- مَنْ فُتِنْ).

أي بجمالهنَّ -نعوذ بالله من ذلك.

اقرأ الفقرة مرةً ثانيةً حتى نعرض ما شرحناه.

(الْأَفْعَالُ ثَلَاثَةٌ: مَاضٍ، وَمُضَارِعٌ، وَأَمْرٌ، نَحْوَ: ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ).

هذا يُسمُّونه: لَفٌّ ونشرٌ مُرتَّبٌ، قال: (مَاضٍ، وَمُضَارِعٌ، وَأَمْرٌ، نَحْوَ: ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ، وَاضْرِبْ).

إذن هذا اسمه: لَفٌّ ونشرٌ مُرتَّبٌ، يعني خُذ الأول للأولِ، والثاني للثاني، والثالث للثالث.

هناك لَفٌّ ونشرٌ غير مُرتَّبٍ، مثل قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: 106] اللَّهم اجعلنا من المبيضَّة وجوههم يا رب.

قال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ [آل عمران: 106]، ثم بعد ذلك قال: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ﴾ [آل عمران: 107].

إذن هذا اسمه لَفٌّ ونشرٌ غير مُرتَّبٍ.

نسأل سؤالًا من باب التَّدبر: لماذا قدَّم المبيضة على المسودة؟

من باب التَّفاؤل، من باب أننا نُقدِّم الخير: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا»، فحين يكون عندك خبران: خبر مُفرِح، وخبر مُحزِن. تبدأ بماذا؟ بالمُفرِح.

طيب، لما جاء في التفصيل قدَّم المُسودَّة على المبيضَّة. قال: لأنَّ هذا المُعظَم، فمُعظم البشر -والعياذ بالله- يكونون يوم القيامة مُسودِّي الوجوه -والعياذ بالله: ﴿وَيوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: 60].

انتبهوا! العالم فيه حوالي ستة ونصف مليار بشر، أو سبعة مليار، ثمانين بالمئة منهم كافر -والعياذ بالله- ثمانين بالمئة أو أكثر قليلًا، انتبهتم!

والعشرون كثيرٌ منهم يُشاورون أنفسهم -والعياذ بالله- أعني المسلمين، تُلاحظون الرَّوافض والخوارج والكذَّابين في الإعلام، كثير.

إذن قدَّم المسودَّة في التفصيل لماذا؟

لأنَّه المُعظَم، فأهل الجنة واحدٌ من ألفٍ من أهل النار.

أكمل يا بُني.

(فَالْمَاضِي مَفْتُوحُ الْآخِرِ أَبَدًا، وَالْأَمْرُ مَجْزُومٌ أَبَدًا).

عرفنا كلمة (مَجْزُومٌ أَبَدًا).

(وَالْمُضَارِعُ مَا كَانَ فِي أَوَّلِهِ إِحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ).

هل كلمة: (إِحْدَى الزَّوَائِدِ الْأَرْبَعِ) تكفي أن نقول أنَّ هذا مضارع أم لابُدَّ من العلامة الثانية "لم"؟

لأننا قلنا: الماضي والأمر يبدآن بالهمزة والنون والياء والتاء.

(الَّتِي يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ "أَنَيْتُ"، وَهُوَ مَرْفُوعٌ أَبَدًا، حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ نَاصِبٌ أَوْ جَازِمٌ).

قلنا متى يُرفَع المضارع؟

إذا تجرَّد من النَّاصب والجازم.

طيب، متى يُنصَب؟

إذا سُبِقَ بأداة نصبٍ.

طيب، متى يُجزَم؟

إذا سُبِقَ بأداة جزمٍ.

(فَالنَّوَاصِبُ عَشَرَةٌ، وَهِيَ:

أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ الْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ).

يعني هذه النَّواصب العشرة تصفو على أربعةٍ، نحن قلنا هذا الكلام من أمس: "أن، ولن، وكي، وإذن"، أمَّا الباقي هذا فتبع "أن" المُضمرة وجوبًا أو جوازًا. لماذا؟

لأنَّ "أن" أمُّ باب نواصب المضارع، فتعمل مُظْهَرَةً وَمُضْمَرَةً.

تعمل مُظْهَرَةً مثل: ﴿وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 184].

ومُضْمَرَة مثل: "ذهبتُ إلى المسجد لأُصليَ"، فـ"أُصلي" فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ"أن" المُضمرة جوازًا، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة.

ومثل: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: 8]، "يكون" فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ"أن" المُضمرة جوازًا بعد لام العاقبة.

مثلًا: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33]، انظر: ربنا رحمهم من الاستئصال ببركة كونهم في أمَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك يُؤذون الرسولَ، ويسبُّون الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

إذن "لِيُعَذِّبَهُمْ": "يعذب" فعلٌ مضارعٌ منصوبٌ بـ"أن" المُضمرة وجوبًا بعد لام الجحود.

إذن النَّواصب ليست عشرةً؛ بل النَّواصب أربعة.

العشرة هذه مذهب الكوفيين، أمَّا الأربعة فمذهب البصريين.

ونحن قلنا: "أن" تعمل مُظهرةً ومُضمرةً. لماذا؟

قال: لأنَّ الأمهات لها خصوصيَّة وأفضليَّة، بدليل أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- وصى عليها ثلاث مرات، والأب مرةً واحدةً.

إذن "أن" تعمل مُظهرةً ومُضمرةً.

(وَهِيَ: أَنْ، وَلَنْ، وَإِذَنْ، وَكَيْ، وَلَامُ كَيْ، وَلَامُ الْجُحُودِ).

لام كي: يعني لام التَّعليل، أو العاقبة.

ما الفرق بين الاثنين؟

لام العاقبة: هي التي تكون غير مباشرةٍ.

أقول مثلًا: ذهبتُ إلى المدرسة لأتوظَّف.

هل أنت تذهب للمدرسة حتى تتوظَّف أم تتعلم؟

فهذه غير مباشرةٍ.

طيب، ذهبتُ إلى المسجد لأُصليَ: هذه لام تعليل.

طيب، ذهبتُ للمسجد لأدخلَ الجنة.

أنت ذهبتَ للمسجد لتدخل الجنة أم لتصلي؟ والصلاة عاقبتها دخول الجنة.

فهمنا الفرق بين لام التعليل -التي تُسمَّى لام كي- ولام العاقبة، مثل: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: 8]، هم ساعة التقاطهم موسى -عليه السلام- كانوا يتصورون أنَّه سيكون لهم عدوًّا وحزنًا أو سيكون قُرَّة عينٍ لهم؟

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لَِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ﴾ [القصص: 9]، ليست "لي، ولك لا تقتلوه"، لا، هي: "لي ولك"؛ لأنَّها لو كان قولها "لي" فقط كان ذبحها وذبح كليم الله موسى -عليه السلام- أليس كذلك؟!

لام الجحود: هي التي تأتي بعد كينونةٍ ناقصةٍ، مثل: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33].

أكمل يا بُني.

(وَلَامُ الْجُحُودِ، وَحَتَّى، وَالْجَوَابُ بِالْفَاءِ، وَالْوَاوِ، وَأَوْ).

الفاء: المراد بها فاء السَّببية.

والواو: المُراد بها واو المعِيَّة.

نحن قلنا النَّواصب كم؟

أربعة، أضاف لها الشيخُ:

- "لام كي": يعني لام التعليل أو لام العاقبة، وفهمنا الفرق بين الاثنين.

- لام الجحود: وهي المسبوقة بكونٍ ماضٍ ناقصٍ مَنْفٍ: ﴿لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا﴾ [النساء: 137]، ﴿وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا﴾ [النساء: 168]، ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33].

عندنا أيضًا "حتى": سواء كانت بمعنى "إلى أن" أو "لكي".

مثل: ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 214]، أي: إلى أن.

مثال: ذاكر حتى تنجح: أي لكي تنجح.

ربنا يقول: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: 9].

فاء السَّببية: قالوا هي:

- التي تُسبَق بطلبٍ محضٍ-أي خالٍ من شائبة الخبر.

- أو نفي محضٍ -أي خالٍ من شائبة الإثبات.

مثال الأول: اقرأ فتستفيدَ. أي: فأن تستفيد.

مثال الثاني: قول الله تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا﴾ [فاطر: 36]، أي: فأن يموتوا.

طيب، عندنا واو المعيَّة: نفس الشَّرطين:

-أن تُسبَق بطلبٍ محضٍ.

- أو نفيٍ محضٍ.

المثال الأول:

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ

عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ

"لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ": أي وأن تأتيَ.

مثال النَّفي المحض قول الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 142]. والمراد بالعلم هنا: علم الظُّهور، لا علم الانكشاف؛ لأنَّ الله له علمان:

- علم إحاطيٌّ انكشافيٌّ سابقٌ على الخلق: وهذا لا مسؤولية ولا مجازاة عليه.

- وعلم ظهوريٌّ: عليه المجازاة ثوابًا وعقابًا.

هذه واو المعيَّة.

ومثال النَّفي: فلان لا يفعل الخيرَ ويضربَ.

المهم، فيه فاء السَّببية، فيه واو المعية، فيه "حتى"، فيه "أو".

وَكُنْتُ إِذَا غَمَزْتُ قَنَاةَ قَوْمٍ

كَسَرْتُ كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا

" أو تَسْتَقِيمَا" أي: أن تستقيما.

كذلك الواو، مثل:

وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرَّ عَيْنِي

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ

هذه العشرة التي قالَ الشيخُ عنها تصفو على أربعةٍ.

أكمل.

(وَالْجَوَازِمُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِي:

لَمْ، وَلَمَّا، وَأَلَمْ، وَأَلَمَّا).

خلاصة الجوازم حتى نختم:

أنَّ الجوازم نوعان:

- نوعٌ يجزم فعلًا واحدًا.

- ونوعٌ يجزم شيئين.

فأمَّا الذي يجزم شيئًا واحدًا فأربعة: "لم، ولمَّا، ولا، واللام".

"لم": ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: 3].

"لمَّا": ﴿كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ﴾ [عبس: 23].

"لا" الطَّلبية: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ولَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ [الإسراء: 29]، ومثل: ﴿لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286] آمين.

واللام الطَّلبية: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ [الطلاق: 7]، ومثل: لِتتداركنا رحمتك يا الله. اللهم آمين.

هذه الأربعة.

الباقي يجزم شيئين، لكن ننتبه أنَّ الشيخ قال: "لم، وألمَّ".

"أَلَمَّ" هذه مكونة من همزة الاستفهام ومن "لم"، فالجازم يكون "لم" أو"ألم"؟

"لم". فكونه يقول "ألم" ويعتبرها واحدًا، لا.

أَلَمْ أَكُ جَارَكُمْ وَيَكُونَ بَيْنِي

وَبَيْنَكُمُ الْمَوَدَّةُ وَالْإِخَاءُ

وقال: "لما"، وقال: "ألمَّا"، أيضًا الجازم "لمَّا" انتبهتم!

إذن "لم" و"ألم" واحد. "لما" و"ألما" واحد، و"لا" الطَّلبية، ولام الطَّلبية.

الباقي يجزم شيئين.

وإلى المُلتقى في الحلقة المُقبلة -إن شاء الله- نسأل الله العونَ والمددَ والتوفيقَ والرَّشادَ لنا ولجميع العباد في الدنيا وفي يوم التَّناد.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمسلمين أجمعين.

وصلى الله على سيِّدنا ومولانا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.

نشكر الله، ثم قناة الرحمة أن أتاحت لنا هذه الفرصة العلميَّة الثَّمينة، ونشكر إخواننا في الرياض الذين تبنوا هذه الأكاديمية -جزاهم الله عنا خير الجزاء.

سبحانك اللَّهم وبحمدك، أشهد أن لا إلهَ إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر].

﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 180- 182].

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=62