الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد حسان
الأكاديمية الإسلامية المفتوحة

الدورة العلمية الثانية

شرح متن أصول السنة

لفضيلة الشيخ محمد حسان

الدرس (9)

السلام عليكم ورحمة الله.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب70، 71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

حياكم الله جميعًا أيها الإخوة الأخيار، وطبتم وطاب سعيكم وممشاكم، وتبوأتم جميعًا من الجنة منزلًا، وأسأل الله الكريم -عز وجل- الذي جمعنا في هذا البيت العامر على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه.

هذا هو لقاؤنا التاسع من لقاءات شرح أصول السنة، وسأواصل الشرح -إن شاء الله- تعالى بعد انتهاء الدورة، واسمحوا لي أن يكون اللقاء أسبوعيًّا يوم الأربعاء من كل أسبوع بعد صلاة العشاء -بإذن الله تعالى.

وأرجو من أبنائي وإخواني الذين يحضرون معي الآن أن يبلغوا إخوانهم ولو تطوع كل أخ من إخواننا بكتابة إعلان عن موعد المحاضرة وصَوَّر منه مجموعة من هذه الأوراق ووزعها على جوامع القاهرة وغيرها؛ ليعلم إخوانكم؛ فجزاه الله خيرصا، وأسأل الله ألا يحرمه أجر كل مسلم وطالب يحرص على سماع هذه الدروس لِما تحويه من فوائد جمَّة، أسأل الله أن ينفعنا جميعًا بها.

فلقاؤنا -إن شاء الله تعالى- في تكملة شرح أصول السنة يوم الأربعاء من كل أسبوع -بإذن الله تعالى- بعد صلاة العشاء مباشرة في هذا الجامع العامر -إن شاء الله.

لازلت أتحدث عن قول الإمام: (وَتَرْكُ الْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ اَلْأَهْوَاءِ).

وقلت: ضوابط هجر أصحاب الأهواء والمبتدعين كثيرة، منها:

أولًا: سلامة القصد وحسن النية.

ثانيًا: هجر المظهرين للبدع الداعين إليها.

ثالثًا: مراعاة أحوال الهاجرين والمهجورين قوَّة وضعفًا وقلة وكثرة.

رابعًا: معرفة نوع البدعة. هل هي بدعة مكفرة أم مفسقة أم يُعذر فيها صاحبها وإن سميت ضلالة؟

خامسًا: العلم والعدل والرحمة. ولا زالت أتحدث في هذا الضابط المهم جدًّا.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- كما ذكرت في اللقاء الماضي: "وأئمة السنة والجامعة وأهل العلم والإيمان فيهم اللاعلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونون فيه موافقين للسنة سالمين من البدعة، ويعدلون مع من خرج منها -أي من السنة- ولو ظلمهم، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8]".

قال شيخ الإسلام: "ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، ولا يقصدون لهم الشر ابتداءً؛ بل إذا عاقبوهم وبيَّنوا خطأهم وجهلهم وظلمهم؛ كان قصدهم بذلك بيان الخق، ورحمة الخلق".

ويقول أيضًا في كتابه الماتع القيِّم الجواب الصحيح لمَن بدَّل دين المسيح، وهو من أروع ما كُتبَ في هذا الباب، قال شيخ الإسلام في المجلد الأول، صفحة 22 : "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل؛ كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس"،

ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار. رجل عرف الحق وقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق وقضى بخلافه فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق ولم يقضِ به فهو في النار).

ويتعاملون مع أهل البدع أيضًا بالعدل والعلم.

قال: "ولما كان أتباع الأنبياء هم أهل العلم والعدل؛ كان كلام أهل الإسلام والسنة مع الكفار وأهل البدع بالعلم والعدل، لا بالظن وما تهوى الأنفس"، وذكر الحديث.

ثم قال -رحمه الله تعالى: "فإذا كان مَن يقضي بين الناس في الأموال والدماء والأعراض إذا لم يكن عالمًا عادلًا كان في النار، فكيف بمن يحكم في الملل والأديان وأصول الإيمان والمعارف الإلهية والمعالم الكلية بلا علم ولا عدل كحال أهل البدع والأهواء؟!".

واضح يا إخواني؟

يعني إذا كان القاضي الذي يقضي بين الناس في الأموال والأعراض والدماء؛ إن لم يكن عالمًا بما يقضي به، إن لم يكن عادلًا فيما يقضي فيه ؛ كان من أهل النار بنصِّ حديث النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-، فكيف بمَن يتكلم بين الناس في الدين والملل وأصول الإيمان؟

لا يجوز له أبدًا أن يتكلم إلا بعلم وعدل حتى ولو كان كلامه مع الكفار فضلًا عن أن يكون كلامه مع أهل البدع.

أنتم معي؟

طيب، قال الله -عز وجل: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].

وقال الله -عز وجل: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} [المائدة: 8].

قال شيخ الإسلام: "مَن قال في الناس بغير علم فقد خالف قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]. ومَن حكم في الناس بغير عدل فقد خالف قول الله تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]".

إذن؛ العالِم وطالب العلم السُّنِّي يتعامل مع الآخرين حتى ولو كانوا من الكافرين، فضلًا عن أن يكونوا من أهل البدع والأهواء؛ يتعامل معهم بعلم وعدلٍ ورحمة.

وأظن أنكم تذكرون قولة شيخ الإسلام ابن تيمية -طيب الله ثراه- حينما قال: "إذا نظرت إلى أهل البدع بعين القدر".

ما معنى بعين القدر؟

يعني الذي قدَّر لك أن تكون من أهل السنة هو الله، حين وفَّقك للسنة كنت من أهلها، وحين خُذِل مَن وقع في البدعة كان من أهلها -أي كان من أهل البدع- فالتوفيق ابتداءً وانتهاءً بيد مَن؟ بيد الله -جل وعلا-، والله أنا لا أملك لنفسي من أمر الهداية شيئًا، وأنت لا تملك لنفسك من أمر الهداية شيئًا، أنا كل ما أفعله الآن إنما هو نوع من نوعي الهداية، فالهداية نوعان:

- هداية دلالة وإرشاد وتعريف وبيان.

- وهداية توفيق.

هداية الإرشاد والتعريف والدلالة والبيان هي وظيفة الأنبياء، والرسل، ومَن سار على طريقهم من العلماء والدعاة إلى الله -عز وجل- على بصيرة.

أما هداية التوفيق فلا يمكلها الملائكة المقربون، ولا الأنبياء المرسلون، ولا العلماء الربانيون، ولا الدعاة الصادقون؛ إنما هي مِلْكٌ لربي -سبحانه وتعالى- وحده بلا منازع أو شريك.

قال تعالى لسيد الدعاة وإمام التقاة: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي من يشاء} [القصص: 56].

ألا ترى تعارضًا -أيها الشيخ- بين هذه الآية التي ذكرتَ الآن وبين قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] ؟

لا، لا تعارض. {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي}، هذه الهداية هي هداية الدلالة والإرشاد والتعريف والبيان.

أما الهداية المنفيَّة عنه -صلى الله عليه وسلم- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي} هي هداية التوفيق.

أرجو أن تنتبهوا لهذا، لأن البعض يتصور أن تعارضًا ما بين آيتين من كتاب الله، وحاشا وكلا؛ فالحق يخرج من مشكاة واحدة.

فالهداية المثبتة لنبينا هي هداية الدلالة والإرشاد والتعريف والبيان، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، هداية إرشاد وتعريف.

أما الهداية المنفيَّة عنه فهي هداية التوفيق، لو كان يملك أحد هداية التوفيق لهدى نوحٌ ابنَه، أنا لا أقدر أهدي ابني، والله لا أقدر، محمد حسان لا يقدر، أنا فقط أدله، أقول له: يا بني هذا حلال وهذا حرام، وهذا صح وهذا غلط، لكن يهتدي للحق أو لا يهتدي لا أملك هذا.

لو كانت هداية التوفيق بيد أحد لهدى نوحٌ -نبي من أولي العزم- ابنَه، لم يعرف يهدية، الولد كفر، قال: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود: 42]. سبحان الله!

فلم يستطع نوح نبيٌّ كريمٌ من أولي العزم الخمسة أن يهدي ولده؛ بل ولم يستطع إمام الموحدين وقدوة المحققين -واسمع الثالثة التي سأقولها- وأسوة سيد النبيين. وهل فيه أسوة للنبي؟ نعم. مَن؟ خليل الله إبراهيم إمام الموحدين، وقدوة المحققين، وأسوة سيد المرسلين: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]، ومع ذلك لم يستطع إبراهيم الخليل أن يهدي أباه، لم يملك هداية والده آزر، وآزر هو والده، وليس كما قال شيخنا الشعراوي -رحمه الله تعالى-، آزر هو والده بنصِّ الحديث في الصحيحين، ربما لم يقف شيخنا -غفر الله لنا وله- على هذا الحديث المُخرَّج في الصحيحين من حديث أبي هريرة.

فآزر هو والد إبراهيم، ومع ذلك لم يملك إبراهيم هداية والده، ولم يملك أيضًا نوح هداية امرأته، ولم يملك لوط هداية امرأته، فخيانة امرأة نوح وخيانة امرأة لوط ليست خيانة فراش إنما هي خيانة عقيدة، {فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10].

لم يملك نوح ولا لوط هداية التوفيق لامرأتيهما، وكذلك لم يستطع سيدنا رسول الله أن يهدي عمه أبا طالب.

يا الله! لم يقدر، حتى لا أحد يتفذلك على الثاني، لا أحد يتكبر على الثاني، لم يقدر!

وقد تراه على ضلال وعلى بدعة، ولكن تنصحه باحترام وخلق، لا تنسى القدر، انظر للخلق جميعًا بعين القدر؛ ستضع أنفك في الطين شكرًا لربك أو فقك للتوحيد والسنة.

وَمِمَّـا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا ** وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي ** وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا

باختيار منك أو مني؟! لا والله.

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].

قال -صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى إذا كان بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى إذا كان بينه وبينها ذارع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)، فلا تغترَّ أبدًا، وحذاري أن تغتر بعلم، فالقلوب بين يدي الرحمن يقلبها كيف يشاء.

ولله در القائل:

ما سمي القلب إلا من تقلبه ** فاحذر على القلب من قلبٍ وتحويلِ

اللهم ثبت قلوبنا على الحق.

ما سمي القلب إلا من تقلبه ** فاحذر على القلب من قلبٍ وتحويلِ

لهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يُكثر في دعائه من قول: (يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، النبي محمد صاحب القلب الموصول بالله يقول: (يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك).

السيدة أم سلمة -وهذه الرواية في مسند الإمام أحمد بسندٍ صحيحٍ- قالت: يا رسول الله، أوَ إن القلوب لتتقلَّب؟

قال: (نعم، ما من قلب من قلوب بنيِّ آدم إلا وهو بين أُصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد، إن شاء الله أقامه -يعني ثبَّته- وإن شاء الله أزاغه).

تثبيت القلوب ممن؟ من الله فقط.

أريدك تتذكر هذه الآية، وأنا أعرف أنك تحفظها، لكن قلَّ منكم مَن عاش مع الآية! قلَّ منكم مَن تدبرها،! قلَّ منكم مَن فكَّر فيها! قلَّ منكم مَن كسرت هذه الآية قلبه! قلَّ منَّا جميعًا! ألا وهي قول الله -عز وجل- لنبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- واسمع! {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} [الإسراء: 74].

كأن النبي يحتاج إلى تثبيت من الله، أنت عشتَ مع هذه الآية من قبل؟! تدبرت الآية قبل ذلك؟!

{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} فرسول الله يحتاج إلى تثبيت من الله، فكيف حالي وحالك؟!

لولا تثبيت الله لنا لخُذِلنا، لافتضحنا، لهلكنا، لزللنا؛ ذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء، أنا أُركِّز على المعاني هذه لأني ألمح التأسُّد والتنمُّر والاستعلاء والكبر في كثير منَّا على إخوانه.

ففي هذه الدروس أتربى معكم على هذا المنهج الحق؛ أن يورثنا هذا العلم خشية الرب سبحانه، أو يورثنا هذا العلم الأدب مع الخلق، والرحمة بالخلق، والعدل مع الخلق.

قال: "إذا نظرت إلى أهل البدع بعين القدر، والحيرة مستولية عليهم، والشيطان مستحوذ عليهم رحمتهم وترفَّقت بهم، أوتوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً، وأُعطُوا فهومًا وما أوتوا علومًا، وأُعطوا السمع والأبصار والأفئدة، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء".

فتدبر فضل الله عليك، وكن دائمَ الشُّكرِ له ودائمَ التذلل له.

قالت أم سلمة: أوَ إن القلوب لتتقلب يا رسول الله؟

قال: (نعم، ما من قلب من قلوب بنيِّ آدم إلا وهو بين أُصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد، إن شاء الله أقامه وإن شاء الله أزاغه).

وقال شيخ الإسلام في مقارنة بين الروافض وبين الفرق الأخرى من فِرَق الضلال، فيقول بعد هذه المقارنات، يقول شيخ الإسلام: "ومع هذا فإن أهل السنة يستعملون معهم -يعني مع الروافض- العدل والإنصاف ولا يظلمونهم".

فأهل السنة يستعملون معه العدل والإنصاف ولا يظلمونهم.

ركِّز معي.

ومع هذا فأهل السنة يستعملون معهم العدل -مع الروافض- ومع سائر فِرَق البدع والضلال يستعملون معهم العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام.

فأهل السنة لكل طائفة من أهل البدع والضلال خيرٌ من بعضهم لبعض، أي خير من بعض أفراد هذه الطوائف لبعضهم البعض؛ بل هم -أي بل أهل السنة- للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعضهم البعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا.

فكن عدلًا منصفًا المبتدع، فضلًا عن يكون مع أخيك الذي هو على مذهب أهل السنة والجماعة.

فلا تظلم مسلمًا مبتدعًا، ولا تظلم كافرًا {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].

ويقول أيضًا في منهاج السنة، المجلد الرابع -وأنا ذكرت هذا القول أول أمس، لكنه جميل: "ومَن سلك طريق الاعتدال؛ عظَّم مَن يسحقُّ التعظيمَ وأحبَّه ووالاله، وأعطى الحق حقه، ويعظم الحق،ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد يكون حسنات وسيئات، فيُحمد ويُذم، ويثاب ويُعاقب، ويُحَبُّ من وجهٍ ويُبغَضُ من وجه. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافًا للخوارج والمعتزلة ومَن وافقهم".

انظروا للعدل! العلم والعدل والحق؛ منهج لو لم نلتزم إلا بهذا الضابط مع أهل البدع وغيرهم؛ لسعدنا في الدنيا والآخرة، ولَمَا ظلمنا أحدًا قطّ.

قال شيخنا ابن القيم بعد أن ذكر قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]، يقول: "فإذا كان الحق -تبارك وتعالى- قد نهى عباده أن يحملهم بغضهم لأعدائهم ألا يعدلوا معهم مع ظهور عداوتهم ومخالفتهم، وتكذيبهم لله ورسوله"، فالله -جل وعلا- نهى عباده ألا يحملهم بغضهم لأعدائهم ألا يعدلوا معهم مع ظهور عداوة أعدائهم ومخالفة أعدائهم وتكذيبهم لله ورسوله.

يقول شيخنا ابن القيم: "فكيف يسوغ لمن يدَّعي الإيمان أن يحمله بغضه لطائفة منتسبة إلى الرسول تصيب وتخطئ على ألا يعدل فيهم؛ بل يُجرِّد لهم العداوة -واقع الآن بين أهل السنة- وأنواع الأذى".

.... بالحق والهدى والقيام بالواجب مني، ما الذي يمنحك هذا الحق الذي منحته لنفسك، وحجبته عن الآخرين؟!

بعض الناس يقول: أنا أعلم الناس بالجرح والتعديل، وأنا الحريص على المنهج، وأنا الحريص على السنة، إلى آخر هذه الدعايا العريضة! مَن الذي يمنحك هذا الحق؟ أنسبه لنفسي وةأسلبه عن غيري! هذا ظلم.

يقول شيخنا ابن القيم: "ولعله لا يدري أنهم أولى بالله ورسوله وما جاء به منه، علمًا وعملًا ودعوة إلى الله على بصيرة، وصبرًا من قومهم على الأذى في الله...".

والله العظيم كلام أغلى من الذهب.

ويقول أيضًا في شفاء العليل: "وما أصدق هؤلاء وما أرحمهم بالخلق، وما أعلمهم بمراد الله ورسوله".

يقول: أهل السنة يوافقون الحق على لسان أي أحد، ويقبلون به على لسان أي أحد، ويردون الباطل على لسان أي أحد ولو كان على لسان إمامٍ من أئمة أهل السنة، فهم لا يعبدون الأشخاص؛ وإنما يعبدون الحق بحق، اعرف الحق تعرف أهله، فإن الحق لا يُعرَف بالرجال، ولكن الرجال هم الذي يُعرفون بالحق.

فكل حق مع طائفة من الطوائف فهم يوافقونهم فيه، وهم براء من باطلهم، فمذهبهم -مذهب أهل السنة- جمع حق الطوائف بعضه إلى بعض، والقول به، ونصره، وموالاة أهل من ذلك الوجه، ونفي باطل كل طائفة.

فهم حكام بين الطوائف، لا ينحازون إلى فئة من على الإطلاق، ولا يردون حق طائفة من الطوائف، ولا يقبلون بدعة من بدع الطوائف، ولا يقبلون باطلًا من باطلهم، ولا يحملهم شنآن قومٍ -أي بغض قوم- يعادونهم ويكفرونهم على ألا يعدلوا فيهم؛ بل يقولون فيهم الحق.

لو ظللنا نردد هذه الكلمات ما كفى.

مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يجمعون الحق على لسان أي أحد، وعند أي طائفة، وينصرون الحق، ويدعون إليه ويعملون به، ويردون باطل كل طائفة ويكسرونه، ويحذرون الناس منه، فمذهبهم الحق، ويقولون به ويعملون به على لسان أي أحدٍ كان، ومذهبهم ردّ الباطل وكسره وتحذير الناس منه على لسان أي كائن كان.

يقول شيخ الإسلام: "ليس لأحد أن يُنصِّب للأمة شخصًا يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس لأحدٍ أن يُنصِّب للأمة كلامًا يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير كلام الله ورسوله، وما أجمعت عليه الأمة".

انتبهوا والله العظيم هذا كلام غالي جدًّا.

ممكن طالب علم يترك مجلس علم من المجالس لا يُقال فيه أبدًا إلا قال الله، قال رسوله، قال أئمة السلف المرضيين. لا تقال فيه كلمة بدعة أبدًا، ومع ذلك قد يهجر مثل هذا المجلس لأنه يوالي ويعادي على الأشخاص، شيخه الذي يعلمه يقول له: صاحب هذا المجلس مبتدع!

شيخي فلان؛ إذن لن أجلس للشيخ الفلاني -وهو من أهل السنة- بل أغضب أحيانًا إذا جلست في مجلس علم وسألت عن طالب من طلابي....

أغضب وأتألَّم وأحزن؛ حينئذٍ يجب عليَّ أن أجدد توبتي، وأن أطهر سريرتي، وأن أحبس نفسي في بيتي حتى أصحح النية وأُخلص السريرة والطويَّة؛ لأني حينئذٍ لستُ أهلًا لأن أبلِّغ عن الله ورسوله، أنا في قلبي دغل، وفي قلبي مرض، لماذ أغضب؟!

لماذا أغضب وقد ترك هذا المجلس بعد ما أخذ ما فيه وذهب إلى شيخ آخر ليأخذ ما عنده من العلم وهو من شيوخ أهل السنة؟

لكن أغضب إذا ترك مجلس السنة وذهب إلى مجلس بدعة وضلالة، وذهب إلى مجلس معصية، وذهب إلى مجلس غِبية ونميمة؛ لكن حين يترك مجلسي إلى مجلس شيخ آخر من شيوخ أهل السنة وأغضب! فيجب عليَّ أن أجدد التوبة، وأن أطهر السريرة والطوية.

يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عن- وإن كان الأثر في سنده ضعف -كما ذكرت لكم قبل ذلك- قال: "يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم مَن علم ثم عمل، ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوام يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حِلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب إن تركه جليسه وجلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله -عز وجل".

ألم يقل النبي: (مَن تعلم العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه؛ فهو في النار)؟

اللهم إنا نعوذ بك من ذلك يا رب، اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص.

والله يا إخواني أشهد الله وسأُسئَل بين يدي ربي على هذا القسم؛ إذا رأيتُ أحدَ إخواني من علماء أهل السنة على شاشة فضائية أو في درس من الدروس؛ والله الذي لا إله غيره أرفع أكف الضراعة إلى الله وأظل أدعو الله -عز وجل- له ما قُدِّر لهذا الشيخ أن أدعو له، ولا مرةٍ، لأني لا أستطيع أبدًا أن أحمل الراية وحدي، ولا أستطيع أبدًا أن أحمل المنهج وحدي.

انظر إلى القاهرة فيها كم طبيبة في القلب، وكم طبيب في الأذن، وكم طبيب في الأسنان؛ إلى غير ذلك من التخصصات، عشرات؛ بل مئات؛ بل آلاف. لكن انظر إلى القاهرة في نفس الوقت فيها كم داعٍ إلى الله؟ فيها كم عالم مؤثر في الأمة؟ قلة قليلة جدًّا.

فلا ينبغي أن يتوهَّم أحد أن أرض الدعوة لا تتسع إلا له؛ بل أرض الدعوة تتسع لكل الزراع، بشرط أن يكون بذرهم وزرعهم صحيحًا على الكتاب والسنة بفهم سلف الأم، فأنا دائمًا أقول: ليست العبر مَن يرفع الراية؛ المهم أن تُرفع الراية، ليس المهم مَن يقول الحق؛ المهم أن يُقال الحق على لساني أو على لسان أحد إخواني من دعاة أهل السنة والجماعة.

فهذا أمر جميل، وأمر كريم، وأمر يرزقك الله -عز وجل- به مزيدًا من الفضل والتوفيق والسداد والقبول، مَن دعا ربه أن يوفق الله إخوانه من أهل العلم والدعوة؛ وفَّقه ربه، ورفع الله قدره، زاده الله توفيقًا وتسديدًا وقبولًا، فدعكم من هذه النانية، ودعك من هذا الحق والحسد والدخن، واعلم بأن الله -جل وعلا- لا يوفق إلا المخلصين، ولا يُسدد إلا الصادقين، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، اللهم اجعلنا مع الصادقين.

يقول شيخنا ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إعلام الموقعين، المجلد الثالث، صفحة 94، يقول: "والله تعالى يحب الإنصاف"، اللهم اجعلنا من أهل الإنصاف، الإنصاف عزيز حتى بين العلماء، لما تُنصِف أخًا من إخوانك من نفسك، يعني إن وجدت أخًا من إخوانك على الحق بالدليل؛ فأنصفته وقلت إنه على الحق بالدليل وأنا مخطئ، هذا أخ عزيز.

... إلا مَن وفقهم الله سبحانه.

ولذلك قلنا -كما في صحيح البخاري- من حديث عمار بن ياسر موقوفًا عليه: "ثلاث مَن جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، والإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالَم".

احفظوا هذا الأثر الجميل.

قال: "الإنصاف من نفسك، والإنفاق من الإقتار -أي من القلة والضيق- وبذل السلام للعالَم".

قال شيخنا ابن القيم: "والله تعالى يحب الإنصاف؛ بل هو أفضل حلية تحلى بها الرجل، خصوصًا مَن نصب نفسه حكمًا بين الأقوال والمذاهب".

يعني إذا كان عالمًا لا سيما إن كان من علماء الجرح والتعديل أو من علماء الحديث الذين يتكلمون في فلان وفلان وفلان، فيُجرِّحون ويُعدِّلون، قال: "بل هو -أي الإنصاف- أفضل حلية تحلى بها الرجل، خصوصا مَن نصب نفسه حكمًا بين الأقوال والمذاهب، وقد قال الله تعالى لرسوله: {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15]، فورثة الرسول"، وهم مَن؟ العلماء (ألا وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمصا؛ وإنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه فقد أخذ بحظٍّ وافر)، رواية أبي الدرداء الطويلة بسندٍ حسن.

يقول: "فورثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل أحدهم مع قريبه، وذوي مذهبه"، لا تَمِلْ مع شيخك، لا، إن وجدتني على باطل، قل لي: يا شيخ أنت على باطل بالدليل. لكن بأدب، لأنك لو لم تقل لي بأدب لن أقبل منك أبدًا، هذا منهج ينبغي أن يؤصَّل بين طلاب العلم، إن كنت صادقًا فعلًا في أنك تريد أن ترد الشيخ إن أخطأ إلى الصواب؛ فبيِّن له الخطأ بغير خطأ، وبأدب جمٍّ، معي أو مع غيري.

يقول ابن تيمية -رحمه الله تعالى: "فورثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- منصبهم العدل بين الطوائف، وألا يميل أحدهم مع قريبه وذوي مذهبه وطائفته ومتبوعه؛ بل يكون الحق مطلوبه، يسير بسيره، وينزل بنزوله، ويدين بدين العدل والإنصاف"، كلام جميل.

ثم يقول أيضًا في منهاج السنة النبوية، المجلد الخامس، صفحة 127، يقول: "وهذه الآية -قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8]، الآية- نزلت بسبب بغضهم الكفار، وهو بغض مأمور به".

َتُحِبُّ أعداء الحبيب وتـدعي ** حُبًّا له؟! ما ذاكَ فـي إمكـانِ

وكذا تعادي جاهدًا أحبابه ** أين المحبة يا أخا الشيطان

شرط المحبة أن توافق من تحب ** على محبته بلا نقصان

فإن ادعيت له المحبة مع خلافك ** ما يحب فأنت ذو بطلان

لو صدقت الله فيما زعمته ** لعاديت مَن بالله ويحك يكفرُ

وواليت أهل الحق سرًّا وجهرة ** ولَمَا تعاديهم وللكفر تنصر

فما كل من قد قال ما قلتَ مسلم ** ولكن بأشراط هنالك تذكر

مباينة الكفار في كل موطن ** بذا جاءنا النص الصحيح المقرر

وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم ** وتدعوهمُ سرًّا لذاك وتجهر

هذا هو الدين الحنيفي والهدى ** وملة إبراهيم لو كنت تشعر

اللهم اجعلنا من أهل الولاء، واجعلنا من أهل البراء.

فيقول شيخ الإسلام: "وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار، وهو بغضٌ مأمور به، فإذا كان البغض -وانتبه!- فإذا كان البغض الذي أمر الله به -الله أكبر- قد نُهيَ صاحبه أن يظلم مَن أبغضه".

أنتم معي؟ المعلومة وصلت لكم؟

يقول: "فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نُهي صاحبه أن يظلم مَن أبغضه، فكيف بغضٍ بتأويلٍ وشبهةٍ أو بهوى نفس؟!".

يقول شيخ الإسلام: "هذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار" نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ} [المائدة: 8]، الآية.

يقول: "فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نُهيَ صاحبه أن يظلمم مَن أبغضه؛ فكيف في بغض مسلمٍ بتأويل وشبهةٍ أو بهوى نفس".

يعني أنت تظلم أخًا من إخوانك بتأويل منك، لم تقف على حقيقة أو بينة أو لم تتثبَّت، وتظلمه بشبهة، وتظلمه بهوًى في نفسك -كما ذكرتُ في أول اللقاء.

قال شيخ الإسلام: "فهو أحق -أي أخوك- ألا يُظلَم؛ بل يجب عليك أن تعدل معه".

قال الإمام الشووكاني أيضًا في كتابه فتح القدير في تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152]، قال: "أي إذا قلتم بقولٍ في خبرٍ أو شهادةٍ أو جرحٍ أو تعديلٍ؛ فاعدلوا فيه، وتحروا الصواب، ولا تتعصبوا في ذلك لقريب ولا على بعيد، ولا تميلوا إلى صديق ولا عدو؛ بل سوُّوا بين الناس، فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به".

أكرر، كلام جميل، كلام كله عد وكله نور، وأنا كان ممكن أكتفي بنقل أو بنقلين في كل ضابط؛ لكن أنا متعمِّد أن أنقل لكم أقوال عديدٍ من أئمتنا وسادتنا وكبرائنا وعلمائنا لتعلموا أنه منهج اتفق عليه أئمة وسادة أهل السنة، ليست مجرد كلمة لعالم؛ لا، هذا منهج.

يقول الشوكاني في قوله تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام: 152]: "أي إذا قلتم بقولٍ في خبرٍ"، الأخبار اليوم المضلِّلَة على مواقع التواصل، وفي الجرائد، وفي المجلات، والفضائيات التي تصيب البلد بالشلل والذعر والخوف والرعب، وتختزل بلدًا كبيرة جدًّا كمصر في شارع أو شارعين أو ميدان أو ميادنين.

قال: "أي إذا قلتم بقولٍ في خبرٍ أو شهادةٍ أو جرحٍ أو تعديلٍ؛ فاعدلوا فيه، وتحروا الصواب، ولا تتعصبوا في ذلك لقريب ولا على بعيد، ولا تميلوا إلى صديق ولا على عدو؛ بل سوُّوا بين الناس، فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به".

اللهم ارزقنا العلم والعدل والحق، وجنبنا الظن والظلم والحقد والهوى.

في كلمة جميلة أيضًا للشيخ مقبل بن هادي الوادعي، حتى لا أحرمكم من قول أي عالم من القدامى أو المعاصرين، أسأل الله أن يرحمه رحمة واسعة، يقول الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في كتابه تحفة المجيب على أسئلة الحاضر والغريب، صفة 188، يقول: "لابد من العدالة في الكلام على الحزبيين، حتى أولئك".

ويقول أيضًا: "منهج أهل السنة والجماعة في الكلام عن الأفراد والجماعات هو منهج العدالة".

وقال شيخي ابن القيم في الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، وهذا من أمتع وأقوى ما كتب ابن القيم -رحمه الله تعالى- المجلد الثاني، صفحة 516، يقول: "فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع مَن كان، ولو كان مع مَن يُبغضه ويعاديه" يا الله ! لا يقدر عليها أي أحد.

قال: "فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع مَن كان، ولو كان مع مَن يُبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان، ولو كان مع من يحبه ويواليه؛ فهو ممن هدى الله لما اختلف فيه من الحق بإذنه".

أقولها ثاني وثالث.

أنت تدعو، وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك).

الحق فيه اختلاف نعم، وأنت تدعو الله أن يهديك للحق الذي يوافق مراد الله ومراد رسوله.

مَن الذي يهتدي إلى هذا الحق الموافق لمراد الله ورسوله؟

يقول ابن القيم: "فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع مَن كان -يعني الحق- ولو كان مع مَن يبغضه ويعاديه، وردِّ الباطل مع مَن كان، ولو كان مع مَن يحبه ويواليه؛ فهو ممن هدى الله لما اختلف فيه من الحق".

يقول شيخنا ابن القيم: "فمن هداه الله سبحانه إلى الأخذ بالحق حيث كان، ومع مَن كان ولو كان مع مَن يبغضه ويعاديه، وردِّ الباطل مع مَن كان، ولو كان مع مَن يحبه ويواليه؛ فهو ممن هدى الله لما اختلف فيه من الحق".

جاءني الآن أوراق من إخواني وأبنائي يقولون بأن شيخنا الشيخ يعقوب له درس يوم الأربعاء، وأنا لا أريد أبدًا أن يُحرَم أبناؤنا من درس الشيخ محمد، ويعلم الله لو كان عندي متسع لذهبت معكم لسماع أبي علاء، أسأل الله أن ينفع به.

فإن شاء الله تعالى هل يناسب أن يكون الدرس الثلاثاء؟

فإن شاء الله يكون درسنا الثلاثاء -بإذن الله- من كل أسبوع حتى لا تحرموا من درس الشيخ محمد، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يتقبل منا ومنكم جميعًا صالح الأعمال.

إن شاء الله نلتقي الثلاثاء المقبل أو نأخذه أجازة؟ ما في أجازة.

أريدكم أنتم تتولوا الإعلان عن الدرس في أماكنكم، لأن كثيرًا من أبنائي وإخواني يشكون أنهم لم يعلموا بكل هذه الدورة بكل أسف، وقلَّ مَن يتابع الفضائيات، ففيه كثير من أبنائنا وطلابنا لا يتابعون الفضائيات في ظل هذا الواقع المليئ بالفتن، فأنا أرجو أن تتولوا أنتم الإعلان عن الدرس الأسبوعي، كل ثلاثاء من كل أسبوع -بإذن الله- في هذا الجامع بعد صلاة العشاء إن شاء الله.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك فيكم، وأن يتقبل منا ومنكم جميعًا صالح الأعمال، وإن شاء الله تعالى الدكتور طلعت سيأتي، وأنتم إن شاء الله- على موعد -بإذن الله- بعد صلاة العشاء في نهاية الدورة المباركة، أسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال مع أخي الحبيب فضيلة الشيخ راشد الزهراني، ويشرفنا أيضًا فضيلة الشيخ الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف.

عبدالله بن المبارك يقول: "نحن إلى قليل من الأدب أحوج منَّا إلى كثير من العلم".

فأسأل الله أن يرزقنا وإياكم الأدب، أرجو ألا تحرموا أنفسكم من دروس العلم في أي مكان لأي عالم من أئمة وعلماء أهل السنة.

وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والقبول، وأقم الصلاة.

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=61