الحقوق محفوظة لأصحابها

راشد الزهراني
الأكاديمية الإسلامية المفتوحة

الدورة العلمية الثانية

شرح متن الأصول الثلاثة

لفضيلة الشيخ/ راشد الزهراني

الدرس (7)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وزدنا علمًا وهدًى وتقًى يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وميتة الشهداء، والنصر على الأعداء، اللهم كن لنا يا رب الأرض والسماء، يا ذا الجلال والإكرام.

أما بعد أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأسأل الله كما جمعنا وإياكم في هذا المكان الطيب المبارك، وكما اجتمعنا على طاعته وعلى المحبة فيها؛ أن يجمعنا جميعًا إخوة على سرر متقابلين، في جنات النعيم. قولوا آمين، اللهم آمين.

كنا تحدثنا بالأمس عن الأصل الأول من الأصول الثلاثة التي ذكرها المصنف -رحمه الله-، والتي قال إنه يجب على كل مسلم ومسلمة معرفتها، وهي: معرفة العبد ربه، ومعرفة العبد دينه، ومعرفة العبد نبيه -صلى الله عليه وسلم.

تحدثنا عن معرفة العبد ربه، وقلنا كيف نعرف الله؟ بآياته ومخلوقاته.

وقلنا إن آيات الله على نوعين:

الأولى: آيات كونية.

والثانية: آيات شرعية.

مثال الآيات الكونية: الشمس والقمر والليل.

والآيات الشرعية: هي الوحي، كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.

ثم بيَّن -رحمه الله- أن الله -عز وجل- هو المستحق للعبادة، وأن الأمر إذا ثبت كونه عباده؛ فلا يجوز صرفه لغير الله -جل وعلا.

وأعظم ما أمر الله به: التوحيد. وأعظم ما نهى عنه: الشرك، وهو دعوة غيره معه.

قال -رحمه الله: (الأَصْلُ الثَّانِي).

نحن ذكرنا الأصل الأول: معرفة العبد ربه.

الآن يتحدث عن الأصل الثاني، وهو معرفة العبد دينه، ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب وهذه الرسالة، أنها تتحدث عن هذه الأصول العظيمة التي لا يستغني مسلم عن معرفتها.

قال -رحمه الله: (الأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ).

ما المراد بالدين؟ ما معنى الدين في القرآن؟

أنا ذكرت لكم من الكتب المفيدة والنافعة في التفسير كتاب ماذا؟ زاد المسير للإمام ابن الجوزي -رحمه الله- هو ممن يهتم بجمع هذه النظائر، يقول لك: "الأمة" وردت في القرآن في آيات كثيرة، ثم يذكر لك أنها وردت على خمسة معانٍ.

طيب، يقول الله -عز وجل: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، ما معنى {الدِّينِ}؟

قال لك: الدين يأتي في القرآن على عدة معانٍ:

- الدين يأتي بمعنى الطاعة.

- ويأتي بمعنى: يوم الحساب، قال -عز وجل: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4]، أي يوم الحساب، وقال -عز وجل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الإنفطار: 17]، يعني يوم الحساب.

فالدين يُراد به الطاعة، ويُراد به يوم الحساب.

يقال لك: بماذا تدين؟ يعني يماذا تتعبد وبماذا تطيع.

فالدين يأتي بمعنى الطاعة، ويأتي بمعنى يوم الحساب.

قال -رحمه الله: (الأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ).

ما المراد بالإسلام؟

الإسلام إما أن يكون يُراد به إسلام العام، وهو دين جميع الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- فجميع الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسام- دينهم الإسلام.

ما الدليل على هذا؟

يعني لما يسألك شخص ويقول لك: ما دين محمد؟ الإسلام.

ما هو دين موسى؟ الإسلام.

ودين عيسى؟ الإسلام.

وهكذا سائر الأنبياء.

والدليل على هذا: قول الله -عز وجل: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132].

وقول الله -سبحانه وتعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133].

وقالت بلقيس: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

فدين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- واحد، وهو الاستسلام لله بماذا؟ بالتوحيد. الاستسلام لله بالتوحيد هو دين جميع الأنبياء، قال -عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] و قال -عز وجل- عن عاد وثمود، {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وقال -عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]، وقال -سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، فكل هذا يأتي بمعنى الإسلام العام، وهو دين جميع الأنبياء والمرسلين.

يقول سيدي -صلى الله عليه وسلم: (أنا أحق بعيسى بن مريم، الأنبياء إخوة لعلَّات، دينهم واحد، وأمهاتهم شتَّى)، فالشرائع مختلفة، طريقة العبادة في شريعة عيسى -عليه السلام- تختلف تفاصيلها عن محمد، تختلف تفاصيلها عن موسى، لكن الدين والعقيدة التي كانوا يدعون إليها هو دين واحد، وهو الدعوة إلى "لا إله إلا الله".

ويأتي الدين بمعناه الخاص، وهو دين الإسلام دين محمد -صلى الله عليه وسلم- {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

فلا يقبل الله من أحد دينًا إلا الإسلام.

يقول الله -عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

ويقول -صلى الله عليه وسلم: (لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي؛ إلا حرم الله عليه الجنة).

قال -رحمه الله: (مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ).

ديننا ينهى عن التقليد؛ بل هو يحثُّ الأمة على أن تتمسك بالكتاب والسنة، وأن يكون التمسك بالعمل بها، لو صعد خطيب على هذا المنبر وقال: افعلوا كذا، قولوا كذا؛ فنقول له ماذا؟ ما الدليل؟

قال سيدي -صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وسنتي).

قال -رحمه الله: (وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ).

هذا تعريف الإسلام.

ما هو الإسلام؟

الإسلام في اللغة: يأتي بمعنى الإذعان والانقياد، وهو انقياد لا يكون معه إباء ولا امتناع.

قال:(وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ).

ما علامة أنك مسلم؟

أول علامة: هو إذعانك وانقيادك وطاعتك لله بهذا التوحيد العظيم.

قال: (وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ).

ما هو التوحيد؟

كما تقدم، هو: مصدر وحَّد، يوحِّد، توحيدًا، غذا جعلت الشيء واحد، وقد ورد في القرآن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [طه: 98] {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة: 163]، كل هذا يأتي بمعنى التوحيد.

وقد عرَّف المصنف -رحمه الله- التوحيد أنه: إفراد الله بالعبادة.

قال: (وَهُوَ: الاسْتِسْلامُ للهِ بِالتَّوْحِيدِ، وَالانْقِيَادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ).

لا يكفي أن تأتي وتقول: أنا مسلم وموحد، ولا تصلي ولا تعبد الله، ولا تذكر الله، ولا تأتي بفرائض الله، لا يكفي؛ لابد أن يكون مع هذا الاستسلام انقياد لله بطاعته -سبحانه وتعالى.

قال -رحمه الله: (وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ).

جاء في بعض النسخ: (وَالخُلُوصِ مِنَ الشِّرْكِ). ما معنى (الخلوص)؟

الخلوص: أن تتخلص من الشرك. لكن البراءة أمر أعم من الخلوص، وهو الخلوص وتركه، ولذلك النسخ المعتمدة التي بخط المصنف -رحمه الله- ليس فيها (الخلوص)، وإنما فيها (وَالْبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ). لماذا؟

لأن هذا هو تعبير القرآن كما قال -سبحانه وتعالى- عن إبراهيم -عليه السلام- وقد استدل بها المصنف: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} [الزخرف: 26].

قال -رحمه الله:(وَهُوَ ثَلاثُ مَرَاتِبَ: الإسْلامُ، وَالإِيمَانُ، وَالإِحْسَانُ. وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ لَهَا أَرْكَانٌ).

كل مرتبة من هذه المراتب لها أركان.

هنا فائدة علمية لمن يريد أن يؤلف كتابًا أو يكتب رسالة: يجوز أن يكون تقسيم الشيء بعض أفراده.

فأنت تقول: الإسلام ثلاث مراتب. المرتبة الأولى ما هي؟ الإسلام.

فلا بأس أن يكون الشيء جزءًا من مراتب الأصل الذي تذكره.

قال: (المرتبة الأولى: الإسلام. والثانية: الإيمان. والثالثة: الإحسان).

علماؤنا يشبهون هذه المراتب الثلاث بثلاث دوائر:

الدائرة الأولى: هي دائرة الإسلام. وهي الدائرة الواسعة التي يدخل فيها كل مَن قال: أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

لماذا هي الدائرة الأوسع؟ لأنها تبنى على الأعمال الظاهرة.

الدائرة الأضيق: دائرة الإيمان، وهي التي تبنى على أعمال القلوب.

الدائرة الأضيق -جعلنا الله وإياكم من أهلها: درجة الإحسان، وهي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك -سبحانه وتعالى.

ما الدليل على هذه المراتب الثلاث؟

الدليل عليها حديث عمر -رضي الله عنه- والذي ذكرت لكم أن ابن دقيق العيد سمَّاه حديث أم السنة.

قال: (بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منَّا أحد). وهذا يدعو لماذا؟ للاستغراب، يعني شخص الآن يأتي، لم يأتِ من سفر، لو أتى من سفر لرؤيَ على حاله، لكن شعره شديد السواد، وثيابه شديدة البياض، يعني كان بيننا قريبًا منَّا.

قال: (لا يعرفه منَّا أحد، حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسند ركبيته إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه)، وهكذا يكون الأدب مع أهل العلم.

قال: (فقال يا محمد -صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الإسلام.

قال: أن تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج بيت الله الحرام.

قال: صدقت.

قال: فعجبنا، يسأله ويصدقه!

قال: فأخبرني عن الإيمان.

قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخرو وتؤمن بالقدر خيره وشره.

قال: صدقت.

قال: فعجبنا، يسأله ويصدقه!

قال: فأخبرني عن الإحسان.

قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه -المرتبة الثالثة- فإنه يراك.

قال: فأخبرني عن الساعة -متى تقوم الساعة؟

قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.

قال: أخبرني عن أماراتها.

قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان. ثم انصرف.

قال النبي -صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري من السائل؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم -أو: دينكم).

فهذه هي أركان الإسلام الثلاث: الإسلام، والإيمان، والإحسان.

قد يكون الإنسان مسلمًا؛ لكنه لا يكون مؤمنًا. ما الدليل؟

قول الله -عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].

ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟

قال العلماء: الإسلام والإيمان من الكلمات التي إذا اجتمعت افترقت، وإذا افترقت اجتمعت، فإذا أتت في آية واحدة فيكون لكل منها معنى، وإذا أتت في آيتين مستقلتين فيكون كل واحد منهما يحمل معنى الآخر.

فما الفرق؟

قالوا: الإيمان هو الأعمال الباطنة، الأعمال القلبية.

والإسلام: هو الأعمنال الظاهرة.

والدليل على هذا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما أجاب جبريلَ -عليه السلام- جعل أركان الإسلام كلها أعمالا ظاهرة : أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، تقيم الصلاة، تؤتي الزكاة، تصوم رمضان، تحج البيت؛ كلها أعمال ظاهرة.

بينما في الإيمان: تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.

قال -رحمه الله: (فَأَرْكَانُ الإِسْلامِ خَمْسَةٌ: شَهَادَةُ أَن لا إله إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ).

هذه تسمى بأركان الإسلام.

أول ما يدخل الإنسان في هذا الدين يجب عليه أن يتعلم هذه الأركان، وهذه الأركان تسمى أركان الإسلام، وتسمى مباني الإسلام.

والدليل على هذا قول ابن عمر في حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (بُنيَ الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله...) الحديث.

ثم بدأ -رحمه الله- ببيان معنى كل ركن من هذه الأركان فقال: (فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ:).

يعني الركن الأول، وهو شهادة ألا إله الله وأن محمدًا رسول الله.

قال: (فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ: قَوْلُ الله تَعَالَى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إل?ه إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران، 18]).

هذه الآية استدل بها الإمام المبجل ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه العظيم مدارج السالكين، أو في كتاب مفتاح دار السعادة؛ استدل بهذه الآية على فضل أهل العلم، وقال: "وهذه الآية تدل على فضل العلماء من وجوه"، وذكر وجوهًا كثيرة، حتى إن بعض العلماء استنبط من هذه الآية مئة وجه تدل على فضل العلماء.

أعظم هذه الوجوه: أن الله -جل وعلا- قَرَن شهادتهم بشهادة الله، قال: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ}.

الأمر الثاني: أن الله استشهدهم على أعظم مشهود وهو توحيد الله -سبحانه وتعالى.

قال: (وَمَعْنَاهَا:)، ما معنى "لا إله إلا الله"؟

قال: (وَمَعْنَاهَا: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إلا اللهُ).

يقول العلماء: أن (لا) النافية للجنس -هنا (لا) تسمى نافية للجنس- إذا كان خبرها مشاعًا ومعلومًا؛ فإن الخبر يسقط، لا يكون ظاهرًا.

والإمام ابن مالك -رحمه الله- النحوي يقول:

وَشَاعَ فِى ذَا الْبَابِ إِسْقَاطُ الْخَبَرْ ** إِذَا الْمُرَادُ مَعْ سُقُوطِهِ ظَهَرْ

فإذا ظهر المعنى؛ فإن الخبر يسقط.

واستدلوا على هذا بهذه الآية، قالوا: لا إله إلا الله، فخبر (لا) النافية للجنس مستتر وتقديره (بحق)، لأن بعض الناس يقولون: تقديره (موجود).

نقول: لا، لأن هناك آلهة موجودة، لكنها آلهة تعبد بماذا؟ بالباطل.

قال ربي -جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62].

فهناك آلهة تعبد من دون الله، اللات والعزى والأصنام ومناة الثالثة الأخرى، وهبل، وغيرها، كانت تُعبَد من دون الله، لكنها تُعبَد بالحق أم بالباطل؟ تُعبَد بالباطل.

فالتقدير الحقيقي هو: لا إله بحق إلا الله.

ما معنى "لا إله"؟ البعض يفسر "لا إله إلا الله" بتوحيد الربوبية، فيقول: معنها: هو المستغنِ عمَّا سواه، المفتقر إليه كل ما عداه.

المعنى صحيح، لكنه لا يُفسَّر بتوحيد الألوهية، فـ " لا إله إلا الله": لا معبود بحقٍّ إلا الله.

قال -رحمه الله: ("لا إله" نَافِيًا جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ "إِلا اللهُ" مُثْبِتًا الْعِبَادَةَ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ).

"لا إله إلا الله" تقوم على أمرين: تقوم على نفي، وإثبات.

فالنفي: نفي جميع الآلهة من دون الله.

والإثبات: إثبات العبادة لله الحق -سبحانه وتعالى.

قال -رحمه الله: (وَتَفْسِيرُهَا: الَّذِي يُوَضِّحُهَا).

التوحيد لا ينفع فيه كثرة الكلام؛ بل إن مدرسة الكلام التي ظهرت وأدخلت في العقيدة أمورًا ليست منها؛ قال عنها إمامنا محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله- قال: "حكمي في أهل الكلام: أن يُطاف بهم على الحمير والبغال، ويُضربوا بالجريد والنعال، ويقال هذا جزاء من أخذ الكلام وترك كلام الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم".

فالعقيدة لابد أن يكون الاستدلال فيها ماذا؟ بالكتاب والسنة.

قال -رحمه الله- يفسر هذا المعنى بالقرآن, قال: (وَتَفْسِيرُهَا: الَّذِي يُوَضِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ}).

هنا يستشهد بإمام الحنفاء إبراهيم -عليه السلام- يستشهد بقصته، ويستشهد بقوله -عليه الصلاة والسلام.

قال: (وَتَفْسِيرُهَا: الَّذِي يُوَضِّحُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآء مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ *وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26 - 28]).

ماذا قال؟

قال: {إِنَّنِي بَرَآء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} هذا ماذا؟ هذا النفي، ينفي أي آلهة تُعبد بحق إلا الله -سبحانه وتعالى.

وهذا يذكرني بقول الله -جل وعلا: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام 76-79]، ما هذا الإله الذي يذهب ويأتي، تارة ينير، وتارة يُظلم؟! فعبَد الله -سبحانه وتعالى.

فهنا قال النفي: {إِنَّنِي بَرَآء مِّمَّا تَعْبُدُونَ}.

أين الإثبات؟ {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}.

قال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً}. ما هي الكلمة الباقية؟

- قيل الإسلام.

- وقيل -وهو الصحيح: لا إله إلا الله.

هنا يذكرنا هذا الأمر بموقف لحصين بن عبد الرحمن، أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: يا حصين، كم تعبد؟

قال: سبعة.

قال: (أين هم؟).

قال: ستة في الأرض، وواحد في السماء.

قال: (لمن رغبك ورهبك؟).

قال: للذي في السماء.

قال: (اعبد الذي في السماء واترك الذي في الأرض).

مادام أن رغبك ورهبك لله؛ فكن مع الله -سبحانه وتعالى.

أيضًا الإله يأتي بمعنى: المعبود.

ما الدليل؟

قالوا: إن "الإله" مأخوذة من أَلَهَ، يَأْلَه، أُلُوهَةً: أي عبد يعبد عبادة.

ما الدليل من قول العرب؟

قال:

للهِ دَرُّ الغانِياتِ لمُدَّهِ ** سْبَّحْنَ واسْتَرْجَعْنَ من تأَلُّهي

يعني من عبادتي.

قال -رحمه الله: (وقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. [آل عمران: 64]).

هذه الآية نزلت في وفد نصارى نجران الذين أتوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وطلب منهم المباهلة، قالوا: نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.

فأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبتهلوا. ما معنى الابتهال؟

يجتمع النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، ويجتمع هؤلاء وقومهم، وكل واحد منهم يدعو على نفسه باللعنة والهلاك إن كان من الكاذبين.

فأبَوْا، علموا أن الحق ليس معهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: (لو باهلوني؛ لأحرقتهم النار)، ثم رضوا بأن يدفعوا الجزية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم.

قال: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} [آل عمران: 64].

أين النفي والإثبات في هذه الآية؟

{أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ} ما هذا؟ إثبات.

{وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} هو النفي الذي أمر به الله -سبحانه وتعالى.

قال: {وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ}، كانوا يتخذون أصنامهم وأحبارهم أربابًا من دون الله.

ما معنى أنهم كانوا يتخذونهم أربابًا من دون الله. هل كانوا يعبدونهم؟

قال: (لا، إنهم -كما في الحديث الآخر- إذا أحلوا لهم الحرام استحلوه، وإذا حرموا عليهم الحرام حرَّموه)، فكانت هذه عبادتهم من دون الله.

قال ربي -جل وعلا: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31].

"لا إله إلا الله" قال عنها -صلى الله عليه وسلم- في فضلها: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؛ دخل الجنة)، اللهم اجعلها آخر كلامنا من الدنيا.

"لا إله إلا الله"، هي من أبسط الكلمات التي يتلفظ بها للسان. لماذا؟

لأن حروفها جميعًا جوفية، فلا يجد الإنسان مشقة وهو يقولها، ومع هذا إذا كان في لحظة احتضاره يريد أن يقولها؛ فأحيانًا لا يتمكَّن، وكم من إنسان -كما ذكر ابن أبي الدنيا، اقرؤوا كتبه وأحوال الناس عند احتضارهم- يقولون له: قل لا إله إلا الله.

يقول: والله لا أستطيع.

قل: لا إله إلا الله.

فيقول: لا أستطيع.

وتعرفون قصة ذاك الرجل الذي أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، لما حلَّت عليه الوفاة، قال له أبناؤه: يا أبتِ هذا كتاب الله، اقرأ قليلًا من القرآن.

قال: أحضروه؛ فأحضروه مسرعين.

قال: هل رأيتم هذا القرآن؟

قالوا: نعم.

قال: فإني كافر بكل ما فيه.

وكانت هي آخر كلمة قالها في هذه الحياة.

وقد قال -صلى الله عليه وسلم: (يُبعث أحدكم على ما مات عليه)، يكون القرآن خصيمه -والعياذ بالله- فاسألوا الله نقاء السريرة، واسألوا الله صفاء القلوب، واسألوا الله أن يحييكم على الإسلام، وأن يبعثكم على الإسلام وهو راضٍ -سبحانه وتعالى.

وقال -صلى الله عليه وسلم: (مَن كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله؛ دخل الجنة).

لكن الحسن البصري -رحمه الله- قيل له: لا حاجة لنا في العمل ما دام أن "لا إله إلا الله" تكفينا، فلا حاجة لأن نعمل.

فقال لهم: ورد أن ("لا إله إلا الله" مفتاح الجنة)، لكن المفتاح لابد أن يكون له أسنان حتى تستطيع أن تفتحه، وأسنانه سبعة، لا يقبل الله منا هذه الكامة إلا بسبعة شروط:

أول هذه الشروط: العلم.

ثانيًا: اليقين.

ثالثًا: الصدق.

رابعًا: الإخلاص.

قال الشاعر لمن أراد أن يحفظها في بيت شعر، هي سبعة شروط، قال:

علمٌ، يقينٌ، وإخلاصٌ، وصدقُكَ مَعْ ** مَحَبَّةٍ، وانقيادٍ، والقبولِ لها

أولًا: العلم المنافي للجهل.

الثاني: اليقين المنافي للشك.

الثالث: الإخلاص المنافي للنفاق.

الرابع: الصدق المنافي للكذب.

قال: الخامس: المحبة المنافية للبغض.

والسادس: الانقياد المنافي للإعراض.

والسابع: القبول لها.

وفي بعض الأبيات قال: "وَزِيدَ ثَامِنُهَا الكُفْرَانُ مِنْكَ بِمَا سِوَى الإِلَهِ".

هذه سبعة شروط لهذه الكلمة العظيمة، وهي شهادة ألا إله إلا الله. لا يقبلها الله -عز وجل- إلا إذا حقق العبد هذا المعنى العظيم.

من الكتب المفيدة التي تقرب لك هذه المعاني على صيغة سؤال وجواب: كتاب للشيخ حافظ الحكمي، الشيخ حافظ الحكمي صاحب كتاب ماذا؟ معارج القبول، وله كتاب اسمه مئتي سؤال وجواب في العقيدة، أنا أنصحكم جميعًا باقتنائه، مَن استطاع أن يقتنيه فأيضًا يقوم بتوزيعه على إخوانه، مثلًا عن طريق النت.

هذا الكتاب يقرب لك الدين، ويأتي بهذه الأصول الثلاثة بطريقة سهلة ميسرة مختصرة على صيغة سؤال وجواب، حتى أيضًا تقربوا هذه العلوم إلى أهلكم وأحبائكم وأقربائكم، كتاب مئتي سؤال وجواب للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله- وهو صاحب الكتاب الشهير معارج القبول، وهو يقع في ثلاث مجلدات.

قال -رحمه الله: (وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. [التوبة: 128]).

لا يتم الإيمان إلا بشهادة أن محمدًا رسول الله.

لو شخص قال: أنا أؤمن بالله، وأنه "لا إله إلا الله" لكنني لا أؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم.

نقول: إيمانك لا يُقبل.

فلا يتم هذا الدين إلا بشهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه.

قال:(وَدِليلُها: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}. أي ليس مَلَكًا، وليس من كوكب آخر؛ بل هو منكم، وهذا من الأمور التي كان المشركون يعيبونها، {لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7]، وأيضا في الآية الأخرى قال: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7].

بل الله -عز وجل- بيَّن أنه حتى لو أنزل عليهم ملكا لَمَا عبدوا الله -سبحانه وتعالى.

وفي بعض القراءات قال: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}، وفي قراءة: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفَسِكُمْ}، أي من أعظمكم وأفضلكم وأطهركم وأحسنكم حسبًا، وهو محمد بن عبد الله -صلوات ربي وسلامه عليه.

طيب. نحن تحدثنا وقلناكيف نقول شهادة ألا إله إلا الله، وكيف نؤمن بهذا المبدأ.طيب، كيف نؤمن بأن محمدًا رسول الله؟ بثلاثة أمور، احفظوها، وعوها.

قال: (وَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَه رَسُولُ الله).

"طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ" يجب طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطاعة رسول الله تأتي باستقلال، بحيث لو أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر لا يوجد في القرآن فيجب علينا طاعته.

قال الله -عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة: 92]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، وقال الله -جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24].

بل إن الله -جل وعلا- حينما فرَّق بين حقه وحق رسوله؛ جعل من حق رسوله طاعته.

قال -عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} [النور: 52]، فطاعة الرسول هي طاعة لله -جل وعلا.

طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا -عليه الصلاة والسلام- أنه في آخر الزمان تأتي طائفة ترفض سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، أسماها العلماء بالطائفة القرآنية.

يقولون: نحن لا نؤمن إلا بالقرآن، ما جاء من القرآن فعلى العين والرأس، ما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نقبله، وقد أخبر النبي بهؤلاء القوم في مسند الإمام أحمد، قال -صلى الله عليه وسلم- واسمع وانظر إلى التنفير، قال: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو مما نهيت عنه، فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما كان منه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمانه)، قال -صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني قد أوتيت القرآن ومثله معه)، فيجب طاعة النبي -صلى الله عليه وسلم.

بعض الإخوة طلب أن أعيد الحديث. قال: (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو مما نهيت، فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما كان منه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمانه)، قال -صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني قد أوتيت القرآن ومثله معه).

فيجب تصديق النبي -صلى الله عليه وسلم.

ثم نقول لمن يقول أنا لا أقبل إلا القرآن، نقول: تعالَ. أنت تصلي؟

يقول لك: نعم.

كم تصلي صلاة الظهر؟

يقول: أربع ركعات. والعصر؟ أربع. والمغرب؟ ثلاث. والعشاء؟ أربع. والفجر؟ ركعتين.

أعطني دليلا من القرآن على هذا التقسيم، لا يوجد. مَن الذي أخبرنا بها؟ النبي -صلى الله عليه وسلم.

طيب، أعطني دليلا من القرآن على تقسيم أنصبة الزكاة؟ لا يوجد.

فقال -صلى الله عليه وسلم: (ألا وإني قد أوتيت القرآن ومثله معه).

قال: (وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ).

النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا عن أحوال الأمم السابقة، وأخبرنا عما يحدث في آخر الزمان، فماذا نقول؟ سمعنا وأطعنا، وعلى العين والرأس وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصحَّ به الخبر لابد أن يتحقق،لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌّ يوحى.

هناك مدرسة تسمى المدرسة العقلية.

يقول لك: الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي لا توافق عقلي فهي غير صحيحة.

مثل: النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقف مع صحابته قبل غروب الشمس، فلما غربت الشمس، قال لأصحابه -عليه الصلاة والسلام- يقول لأبي ذرك (يا أبا ذر، أتدري أن تذهب الشمس)، والحديث صحيح.

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: (فإنها تذهب فتستأذن فتسجد عند العرش، وإنه يوشك أن تأتي يومًا فتستأذن فلا يؤذن لها، ويقول لها: عودي من حيث شئتِ، فتطلع الشمس من مغربها، فذلك نهاية الساعة).

يقول لك: والله الحديث هذا ما يدخل رأسي.

رأس مَن؟! مَن أنت؟! رأس مَن؟!

ولهذا نقول لهم دائما: أي عقلٍ تتحاكمون إليه؟ عقلي أم عقلك أم عقل الثاني أو الثالث، عقل الفلاسفة، أم عقل أهل الكلام؟ عقل مَن؟

فالأمر لا يستقيم.

فإذا أتانا الأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- نقول: سمعنا وأطعنا.

قال: (واجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ رسول الله) صلى الله عليه وسلم.

لعلنا نكتفي بهذا القدر من الحديث ونكمل غدًا بإذن الله -سبحانه وتعالى- مزيد من الحديث عن تعريف شهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.

اللهم آمنَّا في أوطاننا، اللهم أصلح أمورنا، اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وميتة الشهداء، والنصر على الأعداء.

اللهم كما جمعتنا في هذا المكان؛ اللهم اجمعنا في دار كرامتك إخوة متحابين في جلالك.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات 180- 182].

http://islamacademy.net/media_as_home.php?parentid=60