الحقوق محفوظة لأصحابها

راشد الزهراني
مادة البناء العلمي

لفضيلة الشيخ/ راشد الزهراني

الدرس (3)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المُصطفى، وآله وأصحابه ومَن اقتفى، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا إلى يوم الدين.

أمَّا بعد:

أيُّها الإخوة والأخوات، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله -عز وجل- أن يملأ حياتنا بالإيمان، وأن يُسعد أرواحنا بالقرآن، وأن يجعلنا من أتباع المصطفى -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.

لا زلنا نتحدث في هذه الدروس عن (البناء العلمي)، والذي من خلاله نريد أن نجمع بين أمرين:

- بين آدابٍ يجب على طالب العلم أن يُراعيها.

- وبين أسسٍ يجب على طالب العلم أن يسير عليها.

تحدَّثنا في الدرس الماضي عن مجموعةٍ من الآداب المُهمة التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها، وذكرنا لكم أنَّ طالب العلم يجب أن يكون مُتميزًا عن غيره، وهذا التَّميز ليس لأجل أمرٍ من أمور الدنيا لديه، ولكن صيانةً للعلم الذي شرَّفه الله -عز وجل- به، فيجب عليه أن يصون هذا العلمَ وأن يحفظه.

وكما ذكر ابنُ مسعودٍ -رضي الله عنه- حينما قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناسُ نِيام، وبنهاره إذا الناس مُفطِرون".

أمَّا إذا أصبحت بين الناس لا تُميز طالب العلم ولا العالم عن غيره، فإنَّ العلم لم يكن ولم يعد له أثرٌ في حياة طالب العلم.

ذكرنا لكم مجموعةً من الآداب، والآن نتواصل في بقية هذه الآداب:

من هذه الآداب: ظهور أثر العلم:

فلابُدَّ أن يكون للعلم أثرٌ، فأنت حفظتَ القرآن؛ فأين خشوعك؟ وأين حضور قلبك؟ وأين خوفك من الله؟ وحينما تقرأ آيات الوعيد، أين بكاؤك؟ وأين رجاؤك؟

إذن لابُدَّ أن تختلف عن غيرك، يقولون أنَّ أم سفيان الثوري -رحمها الله، ورحم سفيان الثَّوري- قالت له: "يا بني، اذهب فتعلم العلم وأَعُولُك بمغزلي هذا، فإن وجدتَ في نفسك أثرًا فأكمل، وإلا فلا تتعنَّى". فإذا لم تجد فائدةً ولم تجد ثمرةً؛ فلا تتعنَّى في طلب العلم.

يقولون: أتى القاسمُ بن منيع إلى الإمام أحمد -رحمه الله- فقال: "يا إمام، أريد أن أطلب العلم على يد سُويد بن سعيد، فأُريدك أن تكتب لي كتابًا". وهذا مثل التَّزكية في زمننا، فكتب الإمامُ أحمد: "حاملها رجلٌ يكتب الحديث". فقال: "يا إمام، أُريدك أن تكتب: هو من أصحاب الحديث". فقال: "صاحب الحديث الذي يستعمله، وأنا لا أعرف هذا الأمر عنك".

إذن لابُدَّ أن يكون للعلم أثرٌ في حياة طالب العلم.

يقول الحسن -رحمه الله: "قد كان الرجلُ يطلب العلمَ فلا يلبث أن يُرى أثر العلم في سَمْته، وفي خشوعه، وفي لسانه، وفي هديه، وفي خوفه من الله -سبحانه وتعالى". وهذا معنى قولهم :"طلبنا العلمَ لغير الله فأبى العلمُ إلا أن يكون لله".

فالعلم الصحيح والعلم النافع هو الذي يدلُّ صاحبه على تقوى الله وطاعته.

أيضًا من الآداب: أن يكون طالبُ العلم صادقًا:

والصدق أعني به هنا: الصِّدق في القول، فهو لابُدَّ أن يكون صادقًا في عمله، وفي حياته، وفي معاني الصِّدق المختلفة. لكن المراد بالصدق هنا: الصِّدق في القول؛ لأنَّه إذا طلب العلمَ يريد بعد هذا الطلب أن يُبلِّغه للناس، وحينما يُعرَف طالبُ العلم بالصدق؛ فإنَّ ذلك يكون له الأثر في القبول عند الناس.

والنبيُّ -عليه الصلاة والسلام- حينما دعا الناس؛ لم يكن لأحدٍ من المُشركين مَطْعَنٌ فيه؛ بل كانوا يقولون عنه: الصَّادق الأمين -عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام.

من الآداب أيضًا: التواضع:

يقول الله تعالى في كتابه: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ [الفرقان: 63]، فيجب على طالب العلم أن يكون من أكثر الناس تواضُعًا، وإلا فإنَّه يستجلب سخطَ الله، يقول -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، وَلَا يَبْغِي أَحَدُكُمْ عَلَى أَحَدٍ».

وكما قال الأول:

تَوَاضَعْ تَكُنْ كَالنَّجْمِ لَاحَ لِنَاظِرٍ *** عَلَى طَبَقَاتِ المَاءِ وَهْوَ رَفِيعُ

وَلَا تَكُ كَالدُّخَانِ يَعْلُـو بِنَفْسِهِ *** عَلَى طَبَقَاتِ الجَـوِّ وَهْـوَ وَضِيعُ

فطالب العلم يجب أن يحمل هذا الخُلقَ العظيم، وهو خُلُق التَّواضُع.

فأولًا يجب على طالب العلم أن يتواضع لله، وأن يذلَّ وينكسِر بين يدي ربِّه ومولاه -سبحانه وتعالى- لأنَّه:

إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى *** فَأَوَّلُ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ

والإمام ابن تيمية -رحمه الله- كان يذهب في بعض القُرى فيُعَفِّر جبينه ووجهه في التُّراب؛ ليكسر الكبرَ والتَّعالي الذي قد يأتي إلى النفس، ويقول:

أَنَا المُكَدِّي وَابْنُ المُكَدِّي *** وَكَذَا كَانَ أَبِي وَجَدِّي

وكان يقول: "ما لي شيءٌ، ولا مني شيءٌ، ولا فيَّ شيءٌ"، وهذا التَّواضُع أكسبه الله -عز وجل- به رفعةً إلى يومنا هذا، فمَن منَّا لا يعرف ابن تيمية؟ ومَن منَّا ليس عيالًا على كتب ابن تيمية -رحمه الله تعالى؟ فما أجمل أن تتواضع لله، وأن تنكسر بين يدي ربك ومولاك.

فإذا استشعر طالبُ العلم هذا الذُّلَّ وهذا الفقرَ وهذه الحاجة في نفسه؛ فسيكون ذلك -بإذن الله عز وجل- عونًا له على وصوله لغايته وبغيته.

وابن القيم -رحمه الله- له كتابٌ نفيسٌ جدًّا اسمه "طريق الهِجرتين" تحدَّث فيه عن هذه المعاني العظيمة التي يجب على طالب العلم أن يسكبها في قلبه.

أيضًا من الآداب: التواضع للحقِّ: فإذا قلت قولًا وتبيَّن لك خطؤُه؛ فليس عيبًا أن تخرج للناس وتقول: إنَّ هذا خطأ. بل هذا من تفوق العالم، ومن خوفه من الله -سبحانه وتعالى.

والفُضَيل بن عِياض قيل له: ما هو التَّواضع؟ قال: "يخضع للحقِّ، وينقاد إليه، ويقبله ممن كان".

ترى بعض الناس يقول: أنا لا أقبل إلا من فلان. لا، أقبل الحقَّ ممن كان.

وإذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- استفاد الحقَّ من إبليس حينما أخبره بآية الكرسي، فكيف لا تستفيد الحقَّ من مسلمٍ قد يكون أقلّ شأنًا منك؟!

وابن شُبْرُمَة قال في مسألةٍ بقولٍ جانبٍ فيه الصواب، فقال له نوح بن درَّاجٍ: لقد جانبت الصواب، الحقُّ فيها كذا. فقال: صدقت. ثم قال:

كَادَتْ تَزِلّ بِنَا مِنْ حَالِقٍ قَدَمٌ *** لَولَا تَدَارَكَهَا نُوحُ بْنُ دَرَّاجِ

الحالق: هو الجبل الشامخ.

أيضًا من الآداب: نقاء السَّريرة:

أن يكون قلبُ العبد صافيًا، ليس فيه غلٌّ ولا حقدٌ ولا حسدٌ، فالقلب الذي يتآمر على الله، ويتآمر على رسوله، ويتآمر على المسلمين؛ لا يستحقُّ أن يكون طالبَ علمٍ.

ولهذا يقول أحد العلماء وهو سهل بن عبد الله -رحمه الله: "حرامٌ على قلبٍ أن يدخله النورُ وفيه شيءٌ مما يكرهه الله".

"وفيه شيءٌ مما يكرهه الله" أي فيه حسدٌ، أو فيه حقدٌ، أو فيه خَبِيئة سُوءٍ، وهي المعاصي التي تحدث في الخَلَوات، والتي يفضحها الله -عز وجل- على رؤوس الأشهاد.

وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ *** وَإِنْ خَالَها تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ

إذن حرامٌ على قلبٍ أن يدخله النورُ؛ وفيه شيءٌ مما يكرهه الله.

وقديمًا قالوا: "إذا عَلِقَ القلبُ فهو كالرَّهْنِ إذا أُغْلِقَ". فإذا علِقَ القلبُ بالذُّنوب والمعاصي أُغْلِقَ، مثل الرَّهن الذي يُغلَق على صاحبه.

ومن أعظم الأشياء التي يجب على طالب العلم أن يتجنَّبها: الحسد.

أيُعْقَل أن نتحدث عن الحسد ونحن نتحدث عن طلب العلم؟!

نعم؛ لأنَّ التنافس أحيانًا إذا لم يكن لله -عز وجل- يُولِّد العداوة، ويُولِّد الحسد، وحينما يتنافس اثنان تجد أنَّ بينهما من العداوة والحسد ما لا يعلم به إلا الله، وسيأتي معنا -بإذن الله عز وجل- حديثٌ عن هذا الأمر.

إذن يجب على طالب أن يُجنِّب قلبَه الحسد، قال معاوية -رضي الله عنه: "كلُّ الناس أقدر على إرضائه؛ إلا صاحب حسدٍ لا يُرضيه إلا زوال النِّعمة".

وقديمًا قالوا:

كُلُّ الْعَدَاوَاتِ قَدْ تُرْجَى إِمَاتَتُهَا *** إِلا عَدَاوَةُ مَنْ عَادَاكَ بِالحَسَدِ

وابن تيمية -رحمه الله- يقول: "ما يخلو جسدٌ من حسدٍ، لكن الكريم يُخْفِيه، واللَّئِيم يُظهره".

أيضًا من الآداب: تجنُّب مجالس السُّفهاء:

فاعلم يا طالب العلم أنَّ الناس ينظرون إليك وأنت تحمل القرآن والسُّنة، فيجب أن تترفع عن مجالس السُّفهاء، وألا تكون في مجالس السُّفهاء، ولهذا كان العلماءُ ينهون عن أن يكون طالبُ العلم في "الهُوشات"، وهي الأماكن التي يحدث فيها خلافٌ وقيل وقال.

ومن هذا ما وقع لنصر بن علي الجَهْضَمِي، فكان له جارٌ طُفيلي، فإذا دُعِيَ نصر بن علي الجهضمي إلى مناسبةٍ أو إلى وليمةٍ ركب لركوبه، فالناس تُكرمه لإكرام الجَهْضَمي، فيومًا دعاه والي البصرة جعفر بن سليمان، فقال الجَهْضَمي: والله لئن أتى معي لأفضحنَّه هذه المرة. فلما ركب ليذهب لجعفر بن سليمان؛ ركب الطُّفيلي، فدخل إلى دار الأمير، وأُكرِمَ لإكرام الجهضمي، فقال وهو يجلس مع الأمير على مائدة الطَّعام: أيُّها الأمير، حدَّثنا دُرُسْت بن زياد قال: أخبرنا أبان قال: أخبرنا نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَشَى إِلَى طَعَامٍ لَمْ يُدْعَ إِلَيهِ دَخَلَ سَارِقًا، وَخَرَجَ مُغِيرًا». هو يقصد مَنْ؟ يقصد الطُّفيلي، لكن الطُّفيلي -وهو طفيلي تجد لديه من العلم ما ليس لدى البعض الآن- نظر إلى الجهضمي وقال: والله لقد استحييتُ من كلامك يا أبا عمرو، والله ما في هذا المجلس أحدٌ إلا ويظنّك تعنيه بهذا الكلام -فأخرج نفسه من القضية.

قال: لا يوجد أحدٌ في هذا المجلس إلا ويظنّك تعنيه بهذا الكلام، ولكن أين أنت من هذا الحديث: حدَّثنا فلان عن فلان قال -صلى الله عليه وسلم: «طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَينِ، وَطَعَامُ الِاثْنَينِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ». قال: فطأطأتُ برأسي واستحييتُ، فلمَّا خرجنا التفتُّ إليه فقال: أوتظنني أتركها؟!

وَمَن ظَنَّ مِمَّن يُلَاقِي الحُرُوبَ *** بِأَلا يُصَابَ فَقَدْ ظَنَّ عَجْزًا

فنصر بن علي الجهضمي أوقع نفسَه في هذا المأزق مع هذا الطُّفيلي السَّفيه الذي أحرجه أمام الأمير وأمام الناس.

إذن يجب على طالب العلم أن يتجنَّب مجالسة السُّفهاء، وليبتعد عنهم قدر الإمكان، وأن يُصاحِب مَن يستزيد منه علمًا وأدبًا وخُلُقًا، وأن يكون في أخلاقه وفي حياته على وَفْقِ سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم.

من الأدب كذلك: التَّوازُن:

والتَّوازن في حياة طالب العلم مُهمٌّ جدًّا، كالتَّوازن في تلقِّيك للعلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِبَدَنِكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ».

فتحتاج إلى التوازن في الطلب، وتحتاج إلى التوازن في التَّعامل، وتحتاج إلى التوازن في المشاعر. فهذه ثلاثة أشياء:

- توازن في طلب العلم، فلا تطلب العلمَ وتُهمِل نفسَك، أو تُهْمِل أهل بيتك، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو إمام الأوَّلين والآخرين، وكان مُتزوِّجًا، وله أسرةٌ، وله بناتٌ، وكان -عليه الصلاة والسلام- قادرًا على أن يجمع بين هذه الأمور جميعًا.

- والتَّوازن في التَّعامل مع الناس.

- وكذلك التَّوازن في المشاعر، وقد جاء في الأثر: "إذا أحببتَ حَبيبَك يومًا ما فأَحْببه هونًا ما؛ عسى أن يكون بَغِيضَك يومًا ما، وإذا أَبْغَضتَ بغيضَك يومًا ما فأبغِضْه هونًا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يومًا ما".

والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يُحب في الزِّيارة أن تكون مُتفرقةً وليست مُتواصلةً؛ حتى يكون هناك توازنٌ في الناس، فالإقبال مشكلة، والإعراض مشكلة، وتذكرون أننا تحدَّثنا عن وصية الشافعي ليونس، حيث قال له: "يا يونس، لا تنقبض عن الناس فتكسب عداوتهم، ولا تنبسط فتجلب قُرناء السُّوء". فإذا انبسط الإنسانُ مع الناس وبدأ بالدُّعابة والمِزَاح؛ يجتمع قُرناء السُّوء، "ولكن كن بين الانقباض والانبساط".

أيضًا من الآداب: ألا تتعجَّل الفُتيا:

فبعض الناس لديه حرصٌ على الفُتيا بشكلٍ غير طبيعيٍّ، مع أنَّ الصحابة -رضوان الله عليهم- وهم أعلم الناس بهذا الدين لم يكونوا يتدافعون على الفُتيا.

يقول عُمَير بن سعيد -رحمه الله: "أتيتُ إلى علقمة فسألته عن مسألةٍ فقال: ائتِ عبيدة. فذهبت إلى عبيدة وقلت: ما حكم كذا؟ قال: ائتِ علقمة. قلت: هو أرسلني إليك. قال: ائت مسروقًا. فذهبت إلى مسروقٍ فقلت: ما رأيك في المسألة؟ قال: ائت علقمة. قلت: ذهبتُ إلى علقمة، وعلقمة أرسلني إلى عبيدة، وعبيدة أرسلني إليك. قال: اذهب إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى. فذهبت إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى فكأنَّه كره المسألةَ أيضًا، فعدتُ إلى علقمة فقلت: ما لكم؟ قال: كانوا يقولون: أجرؤكم على الفُتيا أقلُّكم علمًا".

والإنسان حينما يستشعر عظمة الفُتيا، وأنَّه قد يُوقِع الناسَ في خطأ -لا قدَّر الله- يعرف عند ذلك عظمة هذا الأمر، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: 116]، فحينما يُسأل الإنسانُ عن مسألةٍ لا بأسَ أن يُجيب إذا كان يعرف، وإن وجد غيرَه فالأفضل أن يدفع بها إلى غيره.

يقول العلماء: "سرعة الجواب على السؤال أشدّ من فتنة المال".

فبعض الناس عنده شغفٌ ويُحبُّ أن يكون سريعًا في الإجابة، وسريعًا في تقبُّل السؤال، ويرى أنَّ هذا دليلٌ على فهمٍ وحفظٍ وعلمٍ، لكن هذا فتنة للإنسان؛ لأنَّه قد يقع في الزَّلل وهو لا يشعر، وحينما تُوقِع الناسَ في الزَّلل وتُوقِّع عن ربِّ العالمين فقد اقترفت خطأً كبيرًا، وابن القيم له كتاب "إعلام المُوقِّعين عن ربِّ العالمين"، يقول فيه: "إذا كان مَن يُوقِّع عن الملوك بالمحل الكبير، فكيف بمَن يُوقِّع عن ربِّ العالمين؟!". فأنت تقول للناس: هذا حكم الله، وهذا حكم رسوله -صلى الله عليه وسلم.

ذكر العلماءُ قصَّةً تدلُّ على تسارع البعض إلى الجواب عن المسألة دون تَرَوٍّ، يقولون: رجلٌ عاش في باديةٍ، فقال له والده: كلما سُئِلتَ عن مسألةٍ فقل: فيها قولان، وبالفعل فيها قولان: حلال وحرام، وفيها قولان: يجوز ولا يجوز. فجعل الناسُ يشكُّون في أمره، فقال له أحد الناس سريعًا: يا شيخ، أفي الله شكٌّ؟ قال: فيها قولان! لماذا؟ لأنَّه اعتاد على هذه المسألة دون علمٍ ودون رويَّةٍ.

ويذكرون أنَّ رجلًا كان يجلس للناس يُعلِّمهم اللغة العربية، وكلما سُئل عن كلمةٍ قال: نعم، والعرب يعرفون هذه الكلمة، ويبدأ يستدلُّ بأبياتٍ من الشعر.

فقال بعضُ الناس: نُريد أن نجمع كلمةً لا نعرفها نحن. وكانوا ستةً، فقال كلُّ واحدٍ منهم حرفًا واحدًا.

فقال الأول: خاء. وقال الثاني: نون. وقال الثالث: فاء. وقال الرابع: شين. وقال الخامس: ألف. وقال السادس: راء.

فأصبحت "خُنْفُشَار"، فذهبوا إلى هذا الرجل وقالوا له: ما معنى كلمة "خُنفشار"؟ فقال ولم يتروَّ: الخُنْفُشَار هو: نباتٌ طيبٌ بأرض اليمن، إذا وُضِعَ على الحليب راب، والعرب تعرف هذا. ثم قال:

لَقَدْ عَقَدَتْ مَحَبَّتُكُمْ فُؤَادِي *** كَمَا عَقَدَ الحَلِيبَ الخُنْفُشَارُ

فاكتشفوا أنَّه يكذب، وأنَّه يقول ما لا يعلم. ولهذا يقولون: لا تكن خُنْفُشَارِيًّا.

من الآداب كذلك -وهو الأدب الأخير: التَّهيُّؤ للعلم بالعبادة:

أن نتهيَّأ للعلم بالعبادة، فالعلم عبادةٌ تتقرب بها إلى الله، فإذا أردت ثمرةَ العلم، وإذا أردت أن تشعر بلذته؛ فتهيَّأ له بالعبادة، واجعل له قلبًا صافيًا، واجعل له لسانًا ذاكرًا، واجعل له سمعًا لا يسمع إلا إلى ما أباح الله، واجعل له نظرًا لا تستخدمه إلا في طاعة الله، وهيِّئ حياتك للعلم الشرعي بشكلٍ إيجابي.

ولهذا يقول العلماءُ: "كانوا يتهيَّؤون للعلم بالعبادة، وكان أحدُهم قبل أن يكتب الحديثَ يتعبَّد الله -عز وجل- عشرين سنةً".

للعبادة أثرٌ عظيمٌ في حياة طالب العلم. لماذا؟

لأنَّ الله -عز وجل- يقول: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17]، فبقدر قُربك من الله بقدر ما يفتح الله -عز وجل- عليك من أنواع العلم، ومن أنواع المعارف.

هذه جملةٌ من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها، وكما ذكرتُ لكم سابقًا أنَّ طالب العلم بحاجةٍ إلى أن يقرأ كثيرًا، خاصَّةً في آداب الطلب؛ ليُقدِّم صورةً ونموذجًا حسنًا عن العلم وأهله، ويكون كما كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقد كان خلقُه القرآن، فطالب العلم أيضًا بحاجةٍ إلى أن يكون خلقُه القرآن.

ننتقل إلى أسس البناء العلمي:

قلنا: يجب على طالب العلم أمران، فأمران يجب أن يأتي بهما، هما:

- الآداب: فنتهيَّأ للعلم بالأدب.

- وأيضًا أن يأخذ بطرائق العلماء في التعلم.

وقبل أن نذكر هذه الطَّرائق وهذه الأُسس التي بيَّنها العلماءُ نذكر أعظم أمرٍ يصرف طالبَ العلم عن العلم، فما هو؟

أن يحتقر نفسَه، فيقول لك: يا أخي من أنا؟! أنا لا يمكن أن أكون في يومٍ من الأيام من العلماء! فهل يُعقَل أن أكون يومًا مُفتيًا؟! هل يُعقَل أن أُناقش كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وأناقش كتب العلماء، والناس يقولون: أفتى بها عبد الله؟!

فأسوأ شيءٍ في الإنسان أن يحتقر نفسَه.

أضرب على ذلك مثالًا: حينما تُوفي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كم كان عمر الصَّحابي عبد الله بن عباس؟ كان عمره ثلاث عشرة سنةً، فكان غلامًا صغيرًا، ومع هذا فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا له فقال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ»، فلم يتكل الصحابي الجليل على دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقل: والله هذا الدُّعاء كافٍ في أن يستجيب الله. لكنَّه أيضًا عمل.

فلما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب ابنُ عباسٍ إلى أحد الأنصار وقال له: هلُمَّ لنتعلم من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فقال الأنصاري: والله أمرك عجبٌ يا ابن عباس! أتظن الناسَ يحتاجون إليك وفيهم أبو بكر، وفيهم عمر، وفيهم كبار الصَّحابة؟ قال: أما أنا فسأطلب العلم.

فذهب -رضي الله عنه- يقول: فكنتُ أسمع أنَّ أحدهم -أحد الصحابة- سمع حديثًا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فآتيه فأجده في وقت القَيلُولة، فأَتَوسَّد عتبةَ بابه، تسفي الريحُ على وجهي، فيخرج فيقول: ما لك يا ابن عم رسول الله؟ قال: حديثٌ سمعتُ أنَّك تُحدِّث به. قال: أفلا أخبرتني، نحن نأتي إليك. وذلك من تقديرهم لآل بين النبي -صلى الله عليه وسلم.

فقال -رضي الله عنه وأرضاه: بل هكذا يجب أن نأتي نحن إليك؛ لأنَّك تحمل حديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم.

تمرُّ الأيام وتذهب الليالي، ويمرُّ الأنصاري الذي عرض عليه ابن عباس أن يتعلم معه بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا بغلامٍ شابٍّ يجلس في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحدهم يقول: مَن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليدخل. فتدخل أممٌ فيسألون ثم يخرجون، ثم يقول: مَن أراد أن يسأل في الحديث فليدخل. فتدخل أممٌ فيسألون ثم يخرجون، ثم يقول: مَن أراد أن يسأل في أشعار العرب فليدخل. فأممٌ تخرج وأممٌ تدخل.

فقال الأنصاري: مَن هذا الذي اجتمعت عليه أُمَّةُ محمد -صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: هذا عبد الله بن عباس. قال: كان هذا الفتى أعقل مني.

فإذا كان الإنسانُ يطلب العلمَ فقط لمجرد أن يكون عالمًا فقد يقول: والله فعلًا، أبو بكر موجود، وعمر موجود، وكبار الصَّحابة موجودون، فلن يحتاج الناسُ إليَّ. لكن مع هذا احتاج الناسُ إليه، فكان عمر -رضي الله عنه وأرضاه- يجمع كبارَ الصَّحابة إذا عرضت له مسألةٌ، ويجمع معهم الصحابي الجليل عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فقالوا له: يا عمر، تجمع هذا مع شيوخ قريش؟! فقال: سأُخبركم لماذا.

فجمعهم ذات يومٍ وقال: أخبروني عن قول الله -عز وجل: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [سورة النصر]. فكلُّ واحدٍ منهم قال ما يعرف، فقال عمر: وأنت يا ابن عباس؟ فقال ابن عباس: أما أنا فأرى أنَّ في هذا نعيًا بدُنُوِّ أجل النبي –صلى الله عليه وسلم.

﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾: فتح مكة.

﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾: عام الوفود.

﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾: لأنَّ أجلك قد دنا.

﴿إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾.

فضرب عمر بيده على صدر ابن عباس وقال: "هذا فتى الكُهول، له لسانٌ سَؤُولٌ، وقلبٌ عَقُولٌ".

من أعظم الكلمات التي خلَّدها التاريخ لعلي بن أبي طالبٍ -رضي الله عنه وأرضاه- والتي يجد الإنسان فيها مُحفِّزًا لطلب العلم، قال: "قِيمَة كُلِّ امرئٍ ما يُحسِنه"، فلا أنفع لطالب العلم من هذه الكلمة، فإذا كنت تريد معرفتك؛ فانظر ما تُحسِنه، فقيمتك عند الآخرين هي ما تُحسِنه.

قال: "ولا أضرَّ على طالب العلم من قول: ما ترك الأول للآخر من شيءٍ"، فتجد أناس تقول: يا أخي، العلماء كفَّوا ووفَّوا؛ إذن ليس لك فائدةٌ!

فيقول: "ليس أضرّ على العلم من قول: ما ترك الأول للآخر من شيءٍ". وليس أنفع لطالب العلم من قول عليٍّ -رضي الله عنه: "قيمة كلِّ امرئٍ ما يُحسِنه".

الآن ننتقل إلى الحديث عن الأسس والقواعد:

أول هذه الأسس: العلوم الشَّرعية على قسمين:

القسم الأول: علوم الغاية.

والقسم الثاني: علوم الوسائل.

ما هي علوم الغاية؟

هي التي من أجلها تطلب العلم، وهذه العلوم أربعة:

- علم الفقه.

- علم التفسير.

- علم الحديث.

- علم العقيدة.

فهذه تُسمَّى بعلوم الغاية التي يسعى طالبُ العلم لأن يتمكن منها تمكُّنًا جيدًا.

العلوم الأخرى هي علوم الوسائل: وأحيانًا تُسمَّى العلوم الصناعية عند بعض المُؤلِّفين، والبعض يُسميها علوم الآلة، وهي العلوم التي يُقصَد من تعلمها فهم كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- فعلوم الغاية لا تستطيع أن تفهمها بشكلٍ جيدٍ إلا إذا أخذت بعلوم الوسائل، ما هي علوم الوسائل؟

يجمعها أربعة:

الأول: علم أصول الفقه.

والثاني: علم مصطلح الحديث.

والثالث: علم اللغة بأنواعه: علم النحو، والصرف، والغريب، والبلاغة.

والرابع: علم أصول التفسير، ويدخل في ضمنه علم التَّجويد.

إذن هذه أنواع العلوم.

لماذا ذكرنا أنَّها علوم غاية وعلوم وسيلة؟

لأنَّ طالب العلم يحتاج من علوم الوسائل ما يكفيه لفهم كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يحتاج إلى أن يتوسَّع فيه توسُّعًا قد يشغله عن علوم الغاية، فعلوم اللُّغة يكفي منها ما يُقِيمُ اللِّسان، وتَفَهُّم كلام الرحيم الرحمن، وسُنَّة سيد ولد عدنان -عليه أفضل الصَّلاة والسلام.

القاعدة الثانية أو الأساس الثاني من أسس البناء العلمي: أنَّ العلوم في محتواها تنقسم أيضًا إلى قسمين -وهذه ذكرها الشَّاطبي رحمه الله- علم العُقَد، وعلم المُلَح.

فعلوم العُقَد لماذا سُمِّيَت بهذا الاسم؟

لأنَّها كالعُقدة تحتاج إلى حلٍّ لها حتى تستوعبها، فمثلًا علم النحو من العُقَد؛ لأنَّه يحتاج إلى أن تستوعبه، فهنا تدخل العلوم الثمانية -علوم الغاية وعلوم الوسيلة- في علم العُقَد.

العلم الثاني: المُلَح، وهي التي يستفيد منها طالبُ العلم في تسلية نفسه؛ لأنَّهم يقولون: النفس تأتيها حُنْظَةٌ بسبب الإقبال على شيءٍ مُعينٍ، فكان العلماءُ يصرفون هذه الحُنْظَة بمطالعة الأشعار، ومُطالعة كُتُب التاريخ، ومطالعة كُتُب القصص، فهذه اسمها علم المُلَح، فهي من العلوم التي لا يحتاج الإنسانُ مثلًا إلى أن يقرأ فيها على عالمٍ، فهي للتَّسلية، أن يُسلي الإنسانُ فيها عن نفسه، وأيضًا تُبعده عن السَّآمة والملل.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً». ما معنى «شِرَّة»؟ نشاط، «وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَة»، الفترة: السُّكون. «فَمَنْ كَانَتْ شِرَّتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَد أَفْلَحَ، وَمَن كَانَت فَتْرَتُه إِلَى غَيرِهَا فَقَد هَلَكَ». لأنَّ طالب العلم قد يأتيه الملل، فينشط بمثل هذه العلوم والمعارف.

وأيضًا ميزة هذه العلوم أنَّها تجعل طالبَ العلم مُتواصل بالعلم حتى ولو لم تكن علومًا أصيلةً، لكنَّه ينشط ويستمر في القراءة وفي البحث وفي الاطلاع.

وللإمام ابن عبد البر -رحمه الله- كتب فقهية كثيرةٌ، فله "الاستيعاب"، وله "التَّمهيد"، وله "الكافي"، وله "الاستذكار"، ومع هذا كله ألَّف كتابًا اسمه "بهجة المجالس"، وهذا من الكتب التي هي من كتب المُلَح التي يستفيد منها الطالب.

كذلك من الأُسس في البناء العلمي: طلب العلم في الصِّغر:

أنا أقول: طالب العلم في مقتبل عمره، في مُقتبل حياته؛ يجب أن يحرص على طلب العلم في الصِّغر، يعني يقولون: "العلم في الصِّغر كالنَّقش على الحجر، والعلم في الكِبَر كالنَّقش على الماء".

لما سمع الأحنفُ مقولة: "العلم في الصِّغر كالنَّقش على الحجر" قال: "الكبير أكثر عقلًا، لكن قلبه أكثر شُغلًا".

ولهذا كان عمر يقول: "اطلبوا العلمَ وأنتم صغار"، فالإنسان إذا تزوج ينشغل، وإذا رُزقَ بالأبناء ينشغل، فمُقتبل عمره ومُقتبل حياته يبدأ في طلب العلم.

بَادِرْ إِلَى العَيْشِ وَالأَيَّامُ رَاقِدَةٌ *** ولَا تَكُنْ لِصُرُوفِ الدَّهْرِ تَنْتَظِرُ

فَالعُمْرُ كالْكَأسِ يَبدُو فِي أَوَائِلِه *** صَفْوٌ وَآخِرُه في قَعْرِهِ الكَدَرُ

قيل لعبد الله بن المبارك: غلبنا عليك هؤلاء الصِّبيان. فقال -رحمه الله: "هؤلاء أرجا عندي منكم، أنتم كما تعيشون، وهؤلاء عسى الله أن يبلغ بهم".

ومَن قرأ حياة العلماء -رحمهم الله تعالى- يجد في تصانيفهم وفي حياتهم الإقبال الكبير منذ نُعومة أظفارهم على العلم.

ولهذا نقول: إذا رُزِقَ الإنسانُ حافظةً، ورأى في أبنائه ورأى في إخوانه إقبالًا؛ فعليه أن يجعلهم مُقبلين على العلم، فما حفظه الإنسانُ وهو صغيرٌ فإنَّه يُنْقَش في قلبه وفي عقله، وأنتم تتذكرون الآن بعض الأمور التي حُفِظَت في المرحلة الابتدائية من الأناشيد أو الآيات؛ فتجد أنَّها لا تزال راسخةً في الذهن؛ لأنَّها حُفِظَت في وقت الصِّغر والقلب خالٍ من الأشغال، ومن الهموم.

فهل لا يطلب الإنسانُ العلمَ إذا أصبح كبيرًا؟

بالطبع لا، لكن نحن نقول: إذا كان صغيرًا فليُبادر بطلب العلم، وإذا كان كبيرًا كذلك يطلب العلم، وأحد العلماء قيل له: متى يطلب الإنسان العلم؟ قال: ما دام حيًّا.

فما دُمتَ على قيد الحياة فاطلب العلم، وأحيانًا يكون وصف الإنسان بالجهل وهو كبيرٌ في السن طريقًا له ليكون من العلماء.

فأنا أذكر أنَّ الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- قال عن ابن حزم -وهو العالم المعروف- أنَّه طلب العلم وهو كبيرٌ في السن.

وفي مصر أحد علماء النحو وهو الشيخ خالد الأزهري -رحمه الله- توفي سنة (905)، وكانوا يقولون له "الوقَّاد"، فكان يعمل وقَّادًا في جامع الأزهر، فيأتي بالسُّرُج فيضع فيها الفتيلَ ثم يُشعِل الضَّوء لطلاب العلم، وفي يومٍ من الأيام أراد أن يُشعِل الفتيلَ فسقط على كتب أحد طلبة العلم وانسكب الزيتُ عليه، فقال له: أنت جاهل.

فأخذت هذه الكلمة في نفسه موقعًا كبيرًا، فبدأ يطلب علم النحو حتى أصبح -وإلى الآن- من كبار علماء اللُّغة، وألَّف "شرح الآجُروميَّة" المعروف، وألَّف "شرح التصريح بمضمون التوضيح"، وهو شرحٌ على ألفية ابن مالك، وله "الألغاز النَّحوية"، وله عدَّة تصانيف نافعة وماتعة.

فقد طلب العلم وعمره ستة وثلاثون عامًا.

والإمام إبراهيم بن قَطَن القيرواني -من بلاد القيروان في تونس- كان أيضًا من كبار علماء النحو، يقول العلماء: "فخمل ذكره بذكر أخيه أبي الوليد عبد الملك بن قَطَن القيرواني"، وأبو الوليد دخل يومًا على أخيه إبراهيم -وكان من كبار علماء اللُّغة- فرأى كتابًا، فمدَّ يده إليه، فنهره الإمامُ إبراهيم وقال له: تأخذه وأنت جاهل! فهذه الكلمة أثَّرت في نفسه، فذهب وطلب العلم وتفوَّق على أخيه حتى أصبح هو المُقدَّم عند العلماء ونُسِيَ أخوه.

إذن العلم ليس له سِنٌّ، فقد يطلب الإنسانُ العلمَ في الصِّغر، وقد يطلبه كذلك في الكِبَر.

فإذا طلبتَ العلم فهناك سؤالٌ مُهمٌّ وهو: إلى متى أطلب العلم؟

الجواب: إلى أن تموت، فالعلم له وقتٌ تُؤسِّس فيه نفسَك، وهذا بسيطٌ، فيُؤسِّس الإنسانُ نفسه في سبع سنوات أو عشر سنوات، لكن لا نهايةَ لهذا العلم.

فالإمام أحمد -رحمه الله- رآه أحد العلماء وهو يركض -يعني قد أخذ نعليه ويجري- وكتابه في يده فقال: إلى متى؟ قال: "من المهد إلى اللَّحد"، وفي روايةٍ قال: "مع المَحبرة إلى المقبرة".

وابن المبارك قيل له: إلى متى تطلب العلم؟ قال: "لعلَّ الكلمةَ التي تنفعني لم أَصِلْ إليها بعد".

والعلماء -رحمهم الله- كانوا يطلبون العلمَ حتى في آخر لحظةٍ من لحظات حياتهم، فأبو زُرْعَة كان على فراش الموت فأُغْمِي عليه، فكان أحد الذين يقفون بجواره يقول للآخر: هل تحفظ الحديثَ فيما يُلقَّن الميِّت؟ ماذا يُلقَّن الإنسانُ عند موته؟ قال: فقام أبو زُرعة -رحمه الله- وقال: حدَّثنا فلان عن فلان عن فلان قال -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ آخِر كَلامِهِ مِن الدُّنْيَا لا إِلَهَ إلا اللهُ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ». ومات -رحمه الله.

إذن إلى آخر لحظةٍ في حياته وهو يطلب العلم ويُقبِل عليه حتى لا يغلبه أحدٌ.

أيضًا من القواعد: تقديم الأهم ثم المهم:

بماذا يبدأ طالب العلم؟ سيأتي معنا أنَّه يبدأ بالقرآن، فيحفظ القرآن؛ لأنَّ الشافعي قال: "مَن حفظ القرآنَ عَظُمَت قيمتُه"، ثم يبدأ بالاعتقاد، ثم يبدأ بالفقه، وهكذا.

وقد استفاد العلماءُ من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي موسى الأشعري حينما أرسله إلى اليمن: «إِنَّكَ تَأْتِي قَومًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَلْيَكُن أَوَّل مَا تَدْعُوهُم إِلَيهِ شَهَادَة أَلا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَنَّ مُحمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَإِن هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلكَ فَأَعْلِمْهُم أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِم خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَومِ وَاللَّيلَةِ، فَإِنْ هُم أَطَاعُوكَ لِذَلكَ فَأَعْلِمْهُم أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيهِم زَكَاةً تُؤخَذُ مِن أَغْنِيَائِهِم فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِم، وَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالهِم، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَينَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ».

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب "التوحيد": "ويُؤخَذ من هذا الحديث: تقديم الأهم ثم المهم".

القاعدة الأخيرة التي نتحدَّث عنها في هذا اللِّقاء: العلم كثيرٌ، وفنونه عديدةٌ، ومسائله كثيرةٌ، فكيف يستطيع طالبُ العلم أن يجمع هذه المسائل؟

يعني لو أخذنا مثلًا كتاب "المُغنِي" لابن قُدامة، فهو ثلاثة عشر مُجلَّدًا، وفيه آلاف المسائل، فهل بإمكان طالب العلم أن يحفظ آلاف المسائل؟

لابُدَّ من الاهتمام بالقواعد والأصول والضَّوابط، فيهتم بالقواعد الفقهيَّة، وأصول الفقه.

وكذلك يهتم بالضَّوابط الفقهيَّة.

والفرق بين القواعد والضوابط: أنَّ القواعد تضبط لك المسألة في جميع أبواب الفقه.

مثلًا قاعدة: الأمور بمقاصِدها، فهذه في جميع أبواب الفقه.

وهناك قواعد تضبط لك بابًا مُعيَّنًا، أو فصلًا مُعيَّنًا.

فطالب العلم إذا تعلَّم القواعد، وتعلم الأصول، وتعلم الضَّوابط؛ فسيجمع من خلال كلماتٍ مُعينةٍ علمًا كثيرًا، مثل قاعدة "لا ضررَ ولا ضرارَ"، وقاعدة: "الأمور بمقاصدها". وهكذا يستطيع طالبُ العلم أن يجمع هذه القواعد وهذه الأصول والضَّوابط حتى يستطيع أن يستوعب العلمَ الشرعي كما حثَّ على ذلك العلماء.

والله -عز وجل- يقول: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: 189]، أبواب العلم هي هذه القواعد والأصول والضوابط.

ويقول بعضُ العلماء: "مَنْ حُرِمَ الأصُول حُرِمَ الوصول، ومَنْ رامَ الوصُولَ طَلَبَ الأصُولَ".

فهذه بعض القواعد وبعض الأُسس العلمية التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها ويهتم بها، وبإذن الله -عز وجل- في الحلقة القادمة سنتحدث عن عددٍ آخر من هذه الأسس والقواعد والضَّوابط المُهمة التي ينبغي على طالب العلم أن يُراعيها.

هنا -ما شاء الله- أسئلةٌ كثيرةٌ، نأخذ عددًا من هذه الأسئلة، وأيضًا إذا كانت هناك أسئلة عبر الهاتف فلا بأس.

سائل يقول: {كيف يظهر أثرُ العلم على طلبة العلم يا شيخ؟ يُرجى التفصيل}.

أثر العلم في أمرين:

- في العمل.

- وفيما يظهر على تقاسيم وجه الإنسان، وفي حياته.

فالأثر في العمل: أنَّ الإنسان إذا علم أمرًا عَمِلَ به، فالإمام أحمد -رحمه الله- يقول: "ما قرأتُ حديثًا إلا عَمِلْتُ به ولو مرةً واحدةً؛ لئلا يكون حُجَّةَ الله عليَّ يوم القيامة". إذن هذا نوعٌ من الأثر.

ومن الأثر كذلك: السَّمْت، كخشوع الإنسان، وحضور قلبه مع الله -عز وجل- وحرصه على قيام الليل، وحرصه على الأذكار؛ فكلُّ هذا دلالة على أثر العلم.

سائل يقول: {هل يجوز لطالب العلم أن يطلب العلمَ وهو لم يُنهِ حفظَ كتاب الله؟}

نعم، نحن نقول: إذا كان الإنسانُ قد حدَّد فترةً زمنيةً لحفظ القرآن؛ فيبدأ بحفظ القرآن وينتهي منه، فإذا أراد أن يجمع معه أمورًا أخرى؛ فلا بأس. لكن دائمًا في حياتك ضع حدٍّ لأيِّ أمرٍ تقوم به، إلا العلم؛ فالعلم لا حدَّ له، لكن إذا أردت أن تحفظ القرآن فضع حدًا للقرآن، وإذا أردت أن تتعلم السُّنة فضع حدًّا كذلك حتى تنتهي.

سائل يقول: {قضية رفع الهمة، كيف نرفع من هِممنا؟ فمن الناس مَن يشكو أحيانًا من ضعف الهمَّة، وجزاكم الله خيرًا}.

من القواعد التي سنتحدَّث عنها: الهمَّة في طلب العلم كأحد الأسس التي تُحفِّز طالبَ العلم على الطلب، لكن حتى لا يتكرر الكلام سيأتي ذلك معنا في الدرس القادم أو الذي يليه -إن شاء الله.

لكن باختصارٍ: أهم ما يُحفِّز طالبَ العلم في طلب العلم هو أن يقرأ في سِيَر العلماء، فاقرأ كتاب "صفحات من صبر العلماء"، وكتاب "سِيَر أعلام النُّبلاء" للإمام الذهبي، وغيرهما؛ فإنَّها تكشف لك عن كثيرٍ من الأمور.

سائل يقول: {أنا لا أصبر على الجلوس والمذاكرة، فلا أمكث ساعةً كاملةً وأتحرك كثيرًا، وهذا مُستمرٌّ}.

العلم بالتعلم، فحتى حركات الإنسان وتعامله هي كلها مُكتَسبة، وليس هناك شيءٌ صعبٌ، لكن ينبغي أن تعمل وتجدَّ حتى تصل إلى ما تريد.

فقضية أنَّه لا يستطيع أن يمكث ساعةً كاملةً؛ لا تمكث ساعةً، فيمكن كلّ ربع ساعة أن تتوقَّف، لا بأس، ويبدو أنَّ السؤال كان عن القراءة، فلو توقفت كل ربع ساعة، أو كل نصف ساعة لتنشط ثم تعود مرةً أخرى؛ فلا بأس بذلك.

سائل يقول: {كيف التآمر على الله -عز وجل؟}

قلت: إنَّ الإنسان في نفسه يتآمر على الله، يعني أقصد كما قال الله: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ﴾ [الأنفال: 30]، يعني يُحدِّث نفسه بالمعاصي، فهو يُريد أن يقع في المعصية، ويسُبّ الله، ونحو ذلك من الأمور.

سائل يقول: {كيف يُواجه طالبُ العلم المعاصي والشَّهوات، وخاصَّة وهو في بداية الطلب؟}

مَنْ وجد الله فماذا فقد؟ ومَنْ فقد الله فماذا وجد؟

إن كنت قد وجدت الله -سبحانه وتعالى- وأحببت الله وأحببت رسوله؛ فلابُدَّ أن يطرد هذا الحبُ من قلبك كلَّ معصيةٍ لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- فأنت بقدر تعظيمك وتوقيرك لله -عز وجل- تستطيع أن تطرد هذه الذُّنوب والمعاصي.

والإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ختم كتاب "التوحيد" بباب: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ﴾ [الزمر: 67]؛ ليقول لك: إنَّ التوحيد الذي تتعلمه لابُدَّ أن يقودك إلى تعظيم الله -عز وجل.

سائل يقول: {تحدَّثتم عن التوازن، فكيف نُحققه؟ فأنا لا أفعل شيئًا إلا على حساب أشياء، فالعلم الشرعي إذا انشغلتُ به يكون على حساب نفسي}.

هنا تأتي قضية التَّوازن في حياة الإنسان، فأبو الدَّرداء كان يأخذ على نفسه بالعزم، فمرَّ سلمان -رضي الله عنه- والنبي –صلى الله عليه وسلم- قد آخى بينهما، ورأى أمَّ الدَّرداء في حالةٍ رَثَّةٍ فقال: ما لكِ يا أم الدَّرداء؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا.

فأتى إليه -وكان أبو الدَّرداء صائمًا رضي الله عنه- فقدَّم الطعام، فقال: كُلْ. قال: إني صائمٌ. قال: عزمتُ عليك أن تأكل. فأكل.

فلما أتى في أول الليل قام أبو الدَّرداء يُصلي، فقال سلمان: عزمتُ عليك أن تنام. فنام حتى أتى الثُّلث الأخير من الليل فقاما فصليا، فلمَّا فرغا قال سلمان لأبي الدَّرداء: "إنَّ لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه". فهذا يُحقق التوازن في حياة الإنسان.

سائل يقول: {في زمن تكثر فيه المُلْهِيَات، هل يجوز الانقطاع لطلب العلم والابتعاد عن التواصل مع الأهل والأصدقاء؛ لعدم القُدرة على الجمع بين الأمرين؟}

لماذا لا يستطيع الإنسان أن يجمع بين الأمرين؟! لابُدَّ أن يجمع بين طلب العلم والاختلاط بالناس، فالذي يُخالِط الناسَ ويصبر على أذاهم خيرٌ ممن لا يُخالطهم، ولا يصبر على أذاهم.

سائل يقول: {كيف يُوازن طالبُ العلم في حياته بين طلب العلم والأمور الحياتية؟}

حينما نقول: توازن مثلًا في اليوم، لا يعني ذلك أن يجعل طالبُ العلم أربعًا وعشرين ساعةً في العلم، فهناك وقتٌ للنوم، وهناك وقتٌ للأكل، وهناك وقتٌ للراحة، وهناك وقتٌ يجعله الإنسانُ في يومه –ساعتين أو ثلاث ساعات- ينقطع فيه تمامًا للعلم.

سائلة تقول: {أنا حفظت القرآن وحدي في أمريكا، وحفظت الأحاديث، ولكني لما سمعت تلاوة الشيخ محمد حسان والشيخ محمد جبريل وجدتُ أخطاء كثيرةً عندي في حفظي، مع أني حفظتُ بتجويدٍ}.

طيب، هذا الكلام فيه فائدةٌ، وفيه إجابةٌ على سؤالك.

الفائدة: أنَّها في أمريكا، وتكثُر الفتن والمُغْرِيات والمُلْهِيات، ومع ذلك حفظت القرآن الكريم.

وتقول: لما بدأت أستمع إلى بعض المشايخ أصبحت أرى أنَّ قراءتي خاطئة، ماذا تفعلين؟

أنا أقترح عليكِ -بارك الله فيكِ- أن تأخذي المصحف الكامل، فهو موجودٌ على شبكة الإنترنت، إمَّا للشيخ عبد الباسط، أو للشيخ المِنشاوي، أو للشيخ الحُذيفي، أو لغيرهم؛ وتبدئي تستمعين إلى قراءة هذا العالم وتُردِّدين وراءه حتى تكون قراءتك سليمةً صحيحةً.

أسأل الله -عز وجل- أن يُقِرَّ القرآنَ في قلبكِ، وأن يكون شفيعًا لكِ يوم القيامة، بارك الله فيكِ يا أختي.

طيب، هنا مجموعة من الأسئلة أيضًا.

سائل يقول: {ما نصيحتك لضعيف الحفظ؟}

لدينا -إن شاء الله- حديثٌ كاملٌ عن الحفظ في اللِّقاء القادم.

سائل يقول: {كيف يُمكن الربط بين علوم الدنيا والدين، فأنا الآن مُعلِّمة لمادة الرياضيات وعندي شغفٌ لطلب العلم الشرعي؟}

ليس هناك تناقُضٌ، فنحن نتمنى ممن لديهم تخصُّصات دُنيوية أن يكونوا أيضًا من طلبة العلم الشرعي، فيجمعوا بين الأمرين فتكون في ذلك فائدةٌ، وبالإمكان الجمع بين هذه الأمور جميعًا ولا حرجَ في ذلك -إن شاء الله.

سائل يقول: {هل من الأفضل لطالب العلم أن يهتم بعلمٍ مُعينٍ أو يأخذ جانبًا من كلِّ علمٍ؟}

الطريقة التي سنذكرها -إن شاء الله- في اللِّقاء القادم هي أنَّ كلَّ علمٍ تُحدد له سنةً، فتجعل لكلِّ علمٍ وقتًا مُعيَّنًا، ولا تخلطه مع العلوم الأخرى؛ وستجد نفسك -إن شاء الله- بعد فترةٍ من الزمن تستطيع بعد أن تتأصَّل في هذه العلوم أن تأخذ من كلِّ علمٍ بطرفٍ.

وهناك -إن شاء الله- حديثٌ كاملٌ حول قضية التَّدرج في طلب العلم، وهل يكون هناك اقترانٌ بين العلوم أو تفصل كلَّ علمٍ بوقتٍ مُحددٍ؟

وطبعًا هناك أسئلة من فرنسا ومن المغرب ومن الجزائر ومن السعودية ومن مصر، ونعتذر لهم لضيق الوقت، ولكن نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن ينفعنا بالعلم النافع والعمل الصَّالح، وأسأله سبحانه أن يُبارك لنا ولكم جميعًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

http://islamacademy.net/cats3.php