الحقوق محفوظة لأصحابها

راشد الزهراني
مادة البناء العلمي

لفضيلة الشيخ/ راشد الزهراني

الدرس (2)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيُّها الإخوة والأخوات، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله العظيم ربَّ العرش الكريم بمنِّه وكرمه أن يجعلنا وإيَّاكم جميعًا ممن يجتمع في هذه الحياة على طاعته، ويوم القيامة في جنَّته، إنَّه -عز وجل- جوادٌ كريمٌ.

هذا هو الدرس الثاني من دروس البناء العلمي، والذي يُقدَّم لكم من خلال هذه الدورة العلمية، والتي أسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يجعلها نافعةً ومفيدةً لنا جميعًا.

ولعلي في بداية هذا اللِّقاء أتقدَّم لكم -أيُّها الإخوة الحاضرين- بالشكر على حضوركم ومُشاركتكم وتفاعلكم معنا، ونتذكر جميعًا نحن الحاضرين وأيضًا من يُتابعوننا عبر الشَّاشات وفي موقع الإنترنت قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «وَمَا اجْتَمَعَ قَومٌ فِي بَيتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُم إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيهِمُ السَّكِينَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

فأسأل الله -عز وجل- أن يشملنا برحمته الواسعة.

تحدثنا في الدرس الماضي عن مُقدِّماتٍ مُهمةٍ في فضل العلم الشرعي، وبيَّنَّا أيضًا لماذا الحديث عن البناء العلمي، وأنَّه من خلاله -بإذن الله عز وجل- سنُرشد طلاب العلم الشرعي إلى المنهج الصَّحيح المُختصر الذي يُوصلهم -بإذن الله عز وجل- إلى غايتهم، وإلى بُغيتهم، وهي أن يكونوا من أهل العلم، والله -عز وجل- قال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24]، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة: 189]، فالعلم له طرقٌ إن سار عليها الطالبُ فإنَّه سيُوفَّق -بإذن الله عز وجل- للوصول إلى بُغيته.

أيضًا تحدَّثنا عن فضل العلم في القرآن، وفضل العلم في سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتحدَّثنا عن بعض الأمور التي قد تصرف طالبَ العلم عن طلب العلم الشرعي، وذكرنا أنَّ العلم هو أفضل مطلوبٍ، وطلبه لله -عز وجل- من أعظم الأعمال التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه ومولاه.

وفي هذا اللِّقاء لن نتحدَّث أيضًا عن البناء العلمي، فسيكون الحديث عن البناء العلمي -إن شاء الله- ابتداءً من اللِّقاء القادم.

هناك مجموعة قواعد وضوابط إذا سار عليها الطالب -بإذن الله عز وجل- سيُوفَّق لسلوك منهج العلماء في طلب العلم، ولكنني في هذا اللِّقاء سأتحدَّث عن موضوع في غاية الأهمية، وهو ما يتعلَّق بأدب طلب العلم.

فطلب العلم له آدابٌ يجب على طالب العلم أن يُراعيها، ولهذا لو تأمَّلتم مُؤلَّفات بعض العلماء الذين ألَّفوا في العلم مثل الإمام ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- وهو من أئمَّة المالكية، فقد ألَّف كتاب "التمهيد"، وألَّف كتابًا نافعًا مفيدًا أسماه "جامع بيان العلم وفضله" ضمَّنه عددًا من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها.

كذلك الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "المجموع" -وهو من أئمَّة الشَّافعية- ذكر مُقدِّمات في غاية الأهمية تتعلَّق بآداب طالب العلم.

فالأدب من أعظم الأمور التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها، وسيأتي معنا -بإذن الله عز وجل- عددٌ من النصوص والنُّقول عن أئمَّة أهل السُّنة والجماعة، وعن السَّلف الصالح الذين أكَّدوا على هذا الأمر.

والتحلي بالآداب بشكلٍ عامٍّ هو من العبادات العظيمة التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه -سبحانه وتعالى.

قال -صلى الله عليه وسلم: «أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»، وقال -عليه الصلاة والسلام- وهو يُبيِّن فضل الأدبِ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، المُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ»، ويقول -عليه الصلاة والسلام: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

إذن هذه عدَّة آياتٍ، والله -عز وجل- أثنى على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].

وحينما تحدَّث النووي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن" قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرَف بليله إذا الناسُ نِيام، وبنهاره إذا الناس مُفطِرون"، لماذا؟ لأنَّه يحمل هذا القرآن العظيم الذي يجب عليه أن يُراعيَ حفظه ومكانته؛ لأنَّ الله -عز وجل- جعله في صدره، فيجب أن يكون هذا الصدر وهذا القلب موطِئًا لكلِّ خيرٍ، ويُبعِدُ عنه كلَّ شرٍّ؛ حفاظًا وتقديسًا وتعظيمًا لكتاب الله -سبحانه وتعالى.

إذن: إذا كنا نقول: إنَّ على المسلمين أن يتحلُّوا بالأخلاق الحسنة؛ فإنَّ على طلبة العلم خاصَّة أن يكونوا هم القُدوة الحسنة والصَّالحة في هذه الأخلاق الحميدة.

وحينما ترى الرجل كثيرَ العلمِ قليلَ الأدبِ؛ فإنَّ هذا عنوان لعقوبة الله -عز وجل- له، وحرمان الله -عز وجل- له من الخير.

ولما سُئِلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كيف كان خُلُقُ النبي -عليه الصلاة والسلام؟ قالت: "كان خلقه القرآن".

يقول الإمام الشَّاطبي -رحمه الله تعالى- في كتاب "الاعتصام" -وكتب الإمام الشَّاطبي من الكتب المُهمَّة التي يجب علينا أن نقرأها ونتأمَّل فيها؛ لأنَّها تبني طالب العلم فيما يتعلَّق بمقاصد الشَّريعة بناءً علميًّا عظيمًا- يقول -رحمه الله: "وإنَّما كان -صلى الله عليه وسلم- خلقه القرآن لأنَّه حكَّمَ الوحيَ على نفسهِ، فلا يصدر عنه قولٌ ولا فعلٌ إلا وهو مُوافقٌ لكلام الله -سبحانه وتعالى". بل إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في رسالته قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلَاقِ».

مَن أراد أن ينظر أيضًا إلى أهمية ومكانة التأسي بالأخلاق الحسنة فليتأمَّل في قول الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله- حيث يقول -رحمه الله: "أدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلَّة أدبه علامة على حرمانه وبَوَاره، وما استُجلِبَ خيري الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلبَت الشُّرور بمثل قلَّة الأدب".

ثم يقول: "تأمَّل إلى ذلك الرجل الذي انحدرت عليه صخرةٌ على الغار الذي كان فيه، فتقرَّب إلى الله -عز وجل- ببره بأبويه فنجَّاه الله -عز وجل- وتأمَّل إلى ذلك المُصلي الذي تأوَّلَ أن يبقى في صلاته ولا يقطعها لأجل أمِّه، ماذا كانت النتيجة؟ هُدِمَت صومعته، وضُرِبَ من الناس، ورُمِيَ بالفاحشة".

فهذا أيضًا دليلٌ على أهمية الأدب الذي يجب أن يتحلى به المسلمُ، فضلًا عن طالب العلم.

ويقول ابن القيم أيضًا -رحمه الله: "وتأمَّل إلى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حينما طُلِبَ منه -رضي الله عنه وأرضاه- أن يَؤُمَّ الناسَ بين يدي رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فماذا قال؟ قال: ما ينبغي لابن أبي قُحافة أن يتقدَّم بين يدي رسول الله". يقول: "فكانت نتيجة هذا الأمر أن قدَّمه المسلمون بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم".

فالأدب من أعظم الأمور التي يُستَجلَبُ بها خيري الدنيا والآخرة، بل إنَّ ابن القيم -أكثرنا من النقل عنه- قال أيضًا -رحمه الله: "الأدب هو الدين كله، وكان يُقال: أربعة يسود بها العبدُ: العلم، والأدب، والفقه، والأمانة".

فحينما نتحدَّث عن الأدب فأول ما نتحدَّث عنه هو أدب العبد مع ربِّه -سبحانه وتعالى- فكيف يتأدَّب العبدُ مع ربِّه -عز وجل؟

بثلاثة أمورٍ:

الأمر الأول: صيانة مُعاملته لله أن تشُوبها نقيصةٌ، فإذا قمتَ إلى الصلاة فأدِّ الصلاةَ كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنَّه قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».

إذن: التَّأدُّب مع الله -عز وجل- أولًا: أن يصون العبدُ معاملته لله أن تشُوبها نقيصَةٌ.

الأمر الثاني: أن يصون قلبَه عن التَّعلق بغير الله.

والأمر الثالث: أن يصون إرادته أن تتعلَّق بما يمقته الله -عز وجل- عليه، فلا تكون إرادتُه في عمل السُّوء، ولا تكون إرادتُه في تتبع الفواحش، ولا تكون إرادتُه في تتبع العَثَرات؛ وإنَّما تكون فيما يُقرِّبُه من ربِّ الأرض والسماء.

إذن هناك ثلاثة أمورٍ مَن أتى بهن فقد أتى بالأدب من الله -عز وجل:

الأمر الأول: أن يصون العبدُ مُعاملته لله عن أيِّ نقيصةٍ.

الأمر الثاني: أن يصون قلبَه عن التَّعلُّق بغير الله.

والثالث: أن يصون إرادته عما يمقته الله -عز وجل- عليه.

مَن أعظم الناس أدبًا مع الله؟

هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام.

تأمَّل هذا الخطاب القرآني العظيم، حينما يقول الكريم -عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ﴾ [المائدة: 116] هذه ماذا؟ استفهام، فالله -عز وجل وهو أعلم – يقول: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ﴾، فلم يقل عيسى -عليه السلام: لا، وإنَّما ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ انظر إلى الأدب، ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾، ثم عظَّم الله فقال: ﴿إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾، ثم عظَّمه فقال: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾، ثم أجلَّه فقال: ﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، ثم بيَّن له فقال: ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ﴾ [المائدة: 117]، فهذا أيضًا من الأدب مع الله -عز وجل.

وإبراهيم -عليه السلام- قال: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 79، 80]، فإنَّه لما أتى بالمرض لم ينسبه إلى الله -عز وجل- وإنَّما نسبه إلى نفسه.

إذن هذا نوعٌ من أنواع الأدب التي يجب أن يُراعيها المسلم، فضلًا عن طالب العلم.

الأدب الثاني: الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فالله -عز وجل- يقول: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفتح: 8، 9]، إذن تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- وإجلاله هو من دين الله -سبحانه وتعالى- الذي يجب علينا أن نحرص عليه، فيُعظَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وكذلك كما يقول القاضي عياض -رحمه الله: "وحتى بعد موته" -عليه الصلاة والسلام.

قول الله -عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الحجرات: 1] يشمل حياته وكذلك بعد مماته -صلى الله عليه وسلم- فلا نُقدِّم على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قول أحدٍ كائنًا مَن كان، ولا نُقدِّم كذلك أهواءنا ورغباتنا؛ بل نُقدِّم أمر الله وأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم.

مَن أعظم الناس أدبًا مع النبي -عليه الصلاة والسلام؟

الصَّحابة -رضوان الله عليهم.

فالعباس بن عبد المطلب عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: أيُّهما أكبر أنت أم النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فقال -رضي الله عنه: "هو أكبر مني، وأنا وُلدتُ قبله".

ويقول بعضُ الصحابة: "كان أصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرعون أبوابَ النبي -صلى الله عليه وسلم- بأظفارهم؛ خشيةً من إيذاء النبي -عليه الصلاة والسلام.

هذه النَّماذج العظيمة تستوجب منَّا -وخاصَّةً طلبة العلم- أن نكون من أعظم الناس تعظيمًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم.

والإمام مالك -إمام دار الهجرة- كان إذا ذُكِرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي بكاءً عظيمًا، وينحني أمام تلاميذه -رحمه الله تعالى- حتى يُشفقوا عليه، فلما كلَّموه؛ قال: "لو رأيتم ما رأيتُ لَمَا أنكرتم. قالوا: ماذا رأيت -رحمك الله؟ قال: رأيتُ محمدًا بن المُنْكَدر إذا ذُكِرَ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي بكاءً عظيمًا حتى نرحمه من شدَّة بكائه".

الآن كم مرَّة نسمع أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وحياته، ومع ذلك لا نجد في قلوبنا وفي أنفسنا ذلك التأثير؟!

فنسأل الله أن يرحمنا برحمته -عز وجل.

والإمام مالك -رحمه الله- كان إذا أراد أن يذهب إلى مجلس الذكر يغتسل ويتبخَّر، ويلبس أحسن الثياب، وأحسن ما لديه من عمائم، ثم يذهب إلى مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا بدؤوا في ذكر حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بالخشوع والخشية تعلوهم جميعًا -رحمهم الله تعالى رحمةً واسعةً.

والإمام سعيد بن المسيب كان في فراشه من مرضٍ عظيمٍ أصابه، فأتاه آتٍ فسأله عن حديثٍ، فقام -رحمه الله تعالى- وجلس على فراشه فقالوا: لو لم تتعنَّ يا إمام؟ قال: "أأذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا مُضطجعٌ على فراشي؟!"

فإذا كان هذا تعظيمهم في السماع، وتعظيمهم في الحديث؛ فكيف كان تعظيمهم في العمل بهدي النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التَّسليم؟

كيف نتأدَّب مع النبي -صلى الله عليه وسلم؟

التَّأدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يكون بأمورٍ:

فيكون بطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يُعبَد الله إلا بما شرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنَّه قال -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح البخاري ومسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»، وفي روايةٍ لمسلمٍ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»، أي مردودٌ على صاحبه.

إذن هذا هو ما يتعلَّق بالأدب مع الله، والأدب مع رسوله -صلى الله عليه وسلم- وكذلك الأدب مع العلماء، وهناك أيضًا الأدب مع الناس.

كيف تتأدب مع الناس؟

طبعًا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ المُعَامَلَةُ»، وهو أن يُعامَل الناسُ بحسب أقدارهم، فمعاملة الإنسان لوالديه تختلف عن غيرهما، ومعاملته لشيخه تختلف عن غيره، وهكذا كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِجْلَالَ ذِي الشَّيبَةِ المُسْلِمِ».

هناك قاعدة يحسن بطلاب العلم أن يتنبَّهوا لها في تعاملهم مع الخلق جميعًا، وهي من الأمور التي أوصى بها الإمامُ الشافعي -رحمه الله- تلميذه يونس، حيث قال له: "يا يونس، الانقباض عن الناس يُكسِبُ عداوتهم"، فإذا لم تختلط بالناس فإنَّهم يُعادونك؛ لأنَّهم يبدؤون في التحليل والكِبْر، ويذكرون أمورًا أخرى عنك فتبدأ عداوتهم.

قال: "الانقباض عن الناس يُكسِب عداوتهم، والانبساط إليهم يجلِب قُرناء السُّوء، فكن بين الانقباض والانبساط".

هذه مقولةٌ رائعةٌ، وحكمةٌ بديعةٌ، قال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269].

أُعِيد وصية الإمام الشافعي -رحمه الله- لتلميذه يونس: قال: "يا يونس، الانقباض عن الناس يُكسِب عداوتهم، والانبساط إليهم يجلِب قُرناء السُّوء، فكن بين الانقباض والانبساط". والوسط في جميع أمور المسلم جيدٌ، كالوسط في الاعتقاد، والوسط في التعامل.

وللإمام السَّخاوي -رحمه الله- رسالة نفيسة اسمها "الجواب الذي انضبط في لا تكن حُلوًا فتُسترط، ولا مُرًّا فتُعْقَى، وخير الأمور الوسط".

سنذكر لكم جملةً من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلى بها، وهي كثيرةٌ، لكن سنذكر جملةً منها نُذكِّر بها، ومَن أراد أن يتوسَّع فكتب الأدب بشكلٍ عامٍّ مُتوافرة، وكذلك كتب أدب الطلب خاصَّة فلابُدَّ من الحديث عن هذه القضايا.

أول ما يُؤكَّد على طالب العلم في الآداب هو الإخلاص لله -عز وجل- فالعلم الذي تتعلَّمه إمَّا أن يكون لك، أو يكون وبالًا عليك، فتتعلم وتسهر وتُعلِّم وتدعو وتبذل هذا العلم للناس جميعًا، لكنَّه إذا لم يكن لله سيكون وبالًا على صاحبه، ولهذا سنذكر عدَّة مسائل في غاية الأهمية تتعلَّق بأدب الإخلاص.

أول هذه المسائل: ما معنى الإخلاص؟

الإخلاص باختصارٍ: هو إفراد الله -عز وجل- في الطَّاعة بالقصد، في الصلاة، في العبادة، في العلم، في جميع ذلك يكون قصدك به وجه الله -عز وجل- وألا يكون لك فيها حظٌّ من حظوظ الدنيا، هذا هو معنى الإخلاص.

والإخلاص هو ركنٌ ركينٌ في قبول أيِّ عملٍ يتقرب به العبدُ إلى الله -سبحانه وتعالى- يقول القاضي عِياض -رحمه الله: "إنَّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا صوابًا". قالوا: كيف يكون خالصًا صوابًا؟ قال: "خالصًا: يُبتغى به وجه الله، وصوابًا: يكون على سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم".

وفي كلِّ عملٍ يُقال: أيُّ عملٍ لا يُقبَل إلا بركنين: الإخلاص والمتابعة، أو: الخالص والصَّواب -الذي ذكره القاضي عياض رحمه الله تعالى.

ما الدليل على أنَّ العمل لابُدَّ أن يكون خالصًا لوجه الله؟

قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ولَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، وقال -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5].

أيضًا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلَا إِلَى أَجْسَامِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ»، ماذا تكتنف هذه القلوب من عملٍ خالصٍ لله -سبحانه وتعالى؟ فهذا الذي ينفع صاحبه يوم القيامة.

الحديث الصَّحيح في صحيح البخاري ومسلم الذي تعرفونه جميعًا عن عمر -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»، هذا الحديث من أعظم الأحاديث؛ بل إنَّ الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- افتتح صحيحه به.

قال العلماء: "ينبغي لمَن ألَّف كتابًا، أو تحدَّث مع طلبة العلم أن يُذكِّرهم بحديث عمر -رضي الله عنه وأرضاه"، بل إنَّ بعض العلماء قال: "حديث عمر ثلث الإسلام". يعني ثلث الإسلام في هذا الحديث؛ لأنَّ أيَّ عملٍ لا يُقْبَل إلا بأن ينوي به صاحبه وجه الله -عز وجل- والدار الآخرة.

يقول الإمام عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله، وهذه فائدةٌ نفيسة: "حديث عمر ميزانٌ للأعمال الباطنة"، فالأعمال على نوعين:

- أعمال ظاهرة.

- وأعمال باطنة.

فميزان الأعمال الباطنة هو حديث عمر -رضي الله عنه وأرضاه.

أيضًا من الأمور التي تحدَّث عنها العلماءُ: قول الإمام سفيان -رحمه الله: "لا أعلم شيئًا من الأعمال أفضل عند الله -عز وجل- من طلب العلم لمَن حسُنت نيَّته"، فيجب على طالب العلم أن يتحرَّى هذا الأمر حتى يكون له أثرٌ في حياته؛ لأنَّ الله -عز وجل- قال: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17].

فالعلم ليس بكثرة الرواية وكثرة الحديث؛ وإنَّما بما يقع في قلب صاحبه، ولهذا كان النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ».

وهذا يُؤكد على أهمية أن نُذكِّر بعضنا بعضًا دائمًا بقضية الإخلاص، يقول -صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَنْ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارَ يَومَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلهُم: رَجُلٌ اسْتَشْهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، فَقَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: جَاهَدْتُ فِي سَبِيلِكَ وَقَاتَلْتُ حَتَّى اسْتَشْهَدْتُ. فَقَالَ اللهُ -عزَّ وَجَلَّ: كَذَبْتَ؛ بَلْ قَاتَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَب عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». أو في روايةٍ: «حَتَّى يُكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ».

ثم قال: «ثُمَّ يُؤتَى بِرَجُلٍ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ القُرْآنَ وَأَقْرَأَهُ، فَيُؤتَى بِهِ فَيُعرِّفهُ نِعَمَهُ فَيَعْرِفهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ بِهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ الْقَرْآنَ. فَيَقُول اللهُ: كَذَبْتَ؛ بَلْ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ لِيُقَالَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَب عَلَى وَجْهِهِ فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ. ثُمَّ يُؤتَى بِرَجُلٍ قَدْ وَسَّعَ اللهُ عَلَيهِ مِنْ صُنُوفِ الأَمْوَالِ كُلِّهَا، فَيُؤتَى بِهِ فَيُعرِّفهُ نِعَمَهُ فَيَعْرِفهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ بِهَا؟ قَالَ: لَمْ أُبْقِ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الخَيْرِ تُحِبّهُ إِلَّا بَذَلْتُ المَالَ فِيهِ. فَيَقُول اللهُ: كَذَبْتَ؛ بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْحَب عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ».

هذا الحديث يجب أن يكون بين عيني طالب العلم في كلِّ حركاته، وفي كلِّ سكناته؛ حتى لا يكون هذا العلم وبالًا عليه، وبدلًا من أن يُقدمه إلى الجنة يكون تقدمةً له إلى نارٍ تلظَّى، لا يصلاها إلا الأشقى -والعياذ بالله.

ولهذا كان الصَّحابيُّ الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- إذا ذكر هذا الحديث يبكي بكاءً عظيمًا حتى يُغشى عليه -رضي الله عنه وأرضاه.

هل معنى هذا أنَّ الإنسان يبدأ في القلق ويبدأ في الخوف؟

لابُدَّ أن يقلق، ولابُدَّ أن يخاف، ولابُدَّ أن يعمل؛ لكن لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يكون سببًا في أن يصرفه عن طلب العلم، وهذه من الأمور التي ذكرها الإمامُ ابن الجوزي -رحمه الله- في "تلبيس إبليس" فذكر أنَّ مما يُلبِّس الشيطانُ على ابن آدم أن يقول له: إن دخلت في طلب العلم فستُلقَى في نار جهنم؛ فابتعد عنه. فقال: "لا يُلبِّس عليه الشيطانُ، ولكن ليَسْتَعِن بالله -عز وجل- ويطلب العلمَ في مظانِّه؛ حتى يصل إلى بُغيته وإلى غايته".

أيضًا من المسائل التي نتحدث عنها فيما يتعلَّق بالإخلاص: إذا كان الإخلاصُ بهذه الأهمية، فكيف أكون مُخلصًا لله -عز وجل- في عملي؟

وهذا سؤالٌ في غاية الأهمية، فلابُدَّ من الإخلاص، فما الميزان الذي أعرف به أنني مُخلصٌ لله -عز وجل- في العمل؟

يقول الإمام أحمد -رحمه الله: "لا مَثَلَ للعلم لمَن حسُنَت نيَّتُه". قيل له: وكيف تحسن النية؟ قال: "أن يقصد به رفعَ الجهل عن نفسه وعن الناس".

إذن هذا هو الميزان، فتطلب العلمَ لله، وتقصد بطلبك وجه الله، وتقصد رفع الجهل عن نفسك، وهذا ما ذكره الفُضَيل بن عِياض حيث قال: "إنني أطلب العلم لأجل نفسي؛ لأرفع الجهل عن نفسي".

فمعيار الإخلاص في طلب العلم: أن يقصد به العبدُ وجه الله، وأن يقصد به رفع الجهل عن نفسه وعن المسلمين.

أيضًا من القضايا التي من المهم الحديث عنها فيما يتعلَّق بالإخلاص: ثمرة الإخلاص. طيب، ما الثمرة؟

الثَّمرة ما ذكره الإمام محمد بن واسع -رحمه الله، وهذه دوِّنوها وسجِّلوها وانقشوها في قلوبكم وأذهانكم- يقول: "إذا أقبل العبدُ إلى الله أقبل اللهُ بقلوب العباد عليه".

وهذا الأمر هو مما دلَّ عليه قولُ النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ».

أيضًا يقول بعضُ الصَّالحين: "ما كان لله دام واتَّصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل".

تأمَّل إلى ما تركه بعضُ الأئمَّة، كالإمام النووي -رحمه الله- فبيننا وبينه مئات السنين ولا يزال كتابه "رياض الصَّالحين" في كلِّ مسجدٍ يذكره الناسُ ويدعون لصاحبه، ويطلبون من الله -عز وجل- أن يرحمه، لماذا؟ لابُدَّ أنَّ هناك نيَّةً طيبةً وعملًا صالحًا تقدَّم به إلى الله -عز وجل- فما كان لله دام واتَّصل ولو بعد سنين، وما كان لغير الله انقطع وانفصل ولو بعد أيامٍ.

فلهذا أعظم ما يرفع طالب العلم أن يقصد بعلمه وجه الله -عز وجل- والدار الآخرة.

الصِّفة الثانية: العمل بالعلم:

فهل يجدر بمَن قرأ القرآن، وعرف سُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون بذيء اللسان؟! وهل يجدر بمَن كان في قلبه كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قليلَ العمل؟!

إنَّ العالم يجب أن يكون أول ما يبدأ به العمل بهذا العلم الذي يتقرَّب به إلى الله -عز وجل.

كانت أمُّ سفيان تأتي بابنها وتقول: "يا بني، اذهب فاطلب الحديث، وأَعُولك بمِغْزَلي"، فهي تقول: أنا سأتعب من أجل أن تطلب العلمَ، ولكن انظر فيما بعد، فإن رأيت أنَّ هذا العلم يُقرِّبك إلى الله وإلا فاتركه؛ فإنَّ غيره أولى بك.

إذن من الأمور العظيمة التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها أن يكون عاملًا بعلمه، ففي الحديث الصَّحيح: «يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَومَ الْقِيَامَةِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ»، تَنْدَلِق أقتابُ بطنه: أي أمعاؤه، «فَيَدُور بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ فِي الرَّحَى، فَيُقَال لَهُ: يَا فُلَان، مَا لَكَ؟ أَلَمْ تَكُ تَأْمُر بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: بَلَى، كُنْتُ آمُرُ بِالمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ». والعلماء يقولون: "العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل".

والإمام أحمد -رحمه الله- كان ينصح تلاميذه ويقول: "ما قرأتُ حديثًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وعملتُ به ولو مرةً واحدةً؛ حتى لا يكون حجَّة الله -عز وجل- عليَّ يوم القيامة"، هذا كان من فقههم -رضي الله عنهم.

وأبو الدَّرداء -رضي الله عنه- كان يقول وهو يتحدث عن أهمية العمل بالعلم: "أخشى ما أخشاه أن يُقال يوم القيامة: أجهلتَ أم علمتَ؟ فأقول: بل علمتُ". يقول: "فلا تبقى في كتاب الله آية إلا وتسألني: ماذا عملت بها يوم القيامة؟ فتسألني الآمرةُ: بماذا ائتمرت؟ وتسألني الزَّاجرة: بماذا زجرت؟" ثم قال: "اللَّهم إنِّي أعوذ بك من علمٍ لا ينفع".

الصِّفة التي تليها التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها هي: الدَّعوة إلى الله -عز وجل- فالدعوة إلى الله من أعظم القُربات التي يتقرَّب بها العبدُ إلى ربِّه -عز وجل- فالله -سبحانه وتعالى- قال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].

وبالمناسبة: حبذا لو جمع واحدٌ وصايا ونصائح وحِكَم الحسن البصري –رحمه الله- فقد كان ممن أُوتي الحكمةَ، وكانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- إذا استمعت إليه تقول: "مَن هذا الذي له كلامٌ يُشبه كلام النُّبوة؟" وقيل: "ما زال الحسنُ يتحرَّى الحكمةَ حتى أُوتيها".

فهو -رحمه الله- لما تلا هذه الآية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ﴾ قال: "هذا حبيب الله، هذا وليُّ الله، هذا خيرة الله من خلقه، عمل صالحًا ودعا الناس إليه، وقال: إنني من المسلمين".

والنبي -عليه الصلاة والسلام- كذلك يقول: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَو آيَةً».

وهنا أيضًا كان من ضمن الأسئلة التي يكثر الحديث عنها: أيُّهما أُقدِّم العلم أم الدعوة إلى الله؟

لا شكَّ أنَّ الجواب أن تُقدِّم العلم، لكن ليس معنى أن تُقدِّم العلم ألا تدعو إلى الله -عز وجل- فأيُّ علمٍ تعلَّمته ادعُ الآخرين إليه، فالذي يُنهى عنه طالب العلم هو أن يُفتي بغير علمٍ كما سيأتي -بإذن الله سبحانه وتعالى.

بالمناسبة: الصِّفات السَّابقة المُتقدمة تحدَّث عنها الإمامُ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في مُقدِّمة "الأصول الثلاثة" فقال: "اعلم أنَّه يجب على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ تعلم أربع مسائل: العلم، والعمل به، والدَّعوة إليه، والصبر على الأذى فيه". ثم تلا قول الله -عز وجل: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [سورة العصر]، قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى: "لو ما أنزل الله حُجَّة على خلقه إلا هذه السُّورة لكفتهم".

وقال الإمامُ ابن القيم -رحمه الله- في كتابه العظيم "الرسالة التَّبوكيَّة": "إنَّ مدار الكمال البشري على هذه الأمور الأربعة: على العلم، والعمل، والدَّعوة، والصبر على الأذى فيه". فالصبر نحن وضعناه لكم من ضمن القواعد التي يجب على طالب العلم أن يُراعيها.

الصِّفة الخامسة: ترك الذُّنوب: فمن أسوأ الأمور أن يكون طالبُ العلم مُقترفًا للمعاصي والذُّنوب؛ لأنَّ الذنوب والمعاصي تُمِيت القلوبَ.

قال الشاعر:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغيرَها *** وَكَبيرَها ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوقَ أَرضِ *** الشَّوكِ يَحذَرُ مَا يَرى

لا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً *** إِنَّ الجِبالَ مِنَ الحَصى

فالذُّنوب تتراكم على قلب صاحبها كما قال الله -عز وجل: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14]، ولا يزال الإنسانُ بالذُّنوب والمعاصي يُتابعها حتى تصده عن هذا العلم الشرعي.

يقول الإمامُ ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن هذا: "ومما يُعاقِب الله -عز وجل- عليه بالذُّنوب والمعاصي حِرمان العلم، كما قال -سبحانه وتعالى: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: 155]، وقوله -سبحانه وتعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا﴾ [البقرة: 10]، فالذُّنوب والمعاصي يُحرَم بها صاحبها من العلم".

وكما قال الشافعي -رحمه الله:

شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ المَعَاصِي

وَقَالَ اعْلَمْ بِأَنَّ العِلـْمَ نُورٌ *** وَنُورُ اللهِ لا يُؤتَاهُ عاصِ

فإذا رأيت العالم ورأيت حافظ القرآن فاعلم أنَّ ذنوبه أقلُّ من غيره؛ لأنَّ الله -عز وجل- لن يستودع دينَه في قلبٍ مُظلمٍ بالذنوب والمعاصي، فمَن أظلم قلبُه بالذُّنوب والمعاصي فلن يُنير القرآنُ في قلبه، ولن يُنير في حياته، ولن يكون لكلامه أثرٌ، ولا لقوله أثرٌ، نسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه السَّلامة والعافية.

أيضًا من الصِّفات -وهي الصفة السادسة- صيانة العلم:

فالعلم مِنحةٌ إلهيةٌ من الله -عز وجل- تفضَّل بها عليك من بين كثيرٍ من البشر، إذن لابُدَّ أن تعرف هذه النِّعمة، وأن تعرف قدرها، وأن تحفظ كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم.

فأنت قدرك عند الناس ليس في ذاتك؛ وإنَّما فيما تحمله من علمٍ، فيجب عليك أن تصُون العلم، وصيانتك للعلم من شعائر الله التي قال الله -عز وجل- عنها: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

يقول أحدُ العلماء: "دخلتُ على حماد بن سلمة وكان جالسًا في منزله، وكان فقيرًا -رحمه الله- يجلس على حصيرٍ، وقريب منه ماء؛ ليتوضأ به، ومصحفه، وكتبه، فدخل عليه رسولُ محمد بن سليمان الوالي، فكتب له رسالةً يقول فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة، فقد طرأ لي أمرٌ فائتني من أجل أن أسألك عنه. فقلبَ الصفحة وقال: إلى محمد بن سليمان، مسَّاكَ الله بما مسَّى به أولياءه وأهل طاعته، فقد رأينا العلماءَ والناس يأتون إليهم، وهم لا يأتون إلى الناس، فإن عَنَّ لك أمرٌ فائتنا فأسأل عنه، وإذا أتيتني فلا تأتني بخيلك ورَجِلِكَ، فلا أنصح لك، ولا لنفسي، والسلام.

فأتى محمد بن سليمان فقرع الباب ودخل وجلس بين يديه، فقال له -رحمه الله تعالى: يا إمام، ما لي إذا وقفتُ بين يديك ارتعدتُ خوفًا منك؟ فقال: حدَّثنا فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ قال -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ العَالِمَ إِذَا أَرَادَ بِعِلْمِهِ وَجْهَ اللهِ هَابَهُ كُلُّ شَيءٍ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَكْنزَ بِعِلْمِهِ الكُنُوزَ هَابَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ»".

فهذا نوعٌ من صيانة العلم ومعرفة فضله، وكما قال الأول:

يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإنَّما *** رَأَوْا رَجُلاً عنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَما

أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُم *** وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

وَلَم أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا *** بَدَ مَطْمَعٌ صَيَّرتُه لِي سُلَّمَا

أَأَشْقَى بِهِ غَرسًا وَأَجْنِيه ذِلَّةً *** إِذَن فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا

أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُم *** وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

هذه بعض الآداب التي كنا نتمنى أن نتحدَّث عنها كثيرًا، لكن لعلنا -بإذن الله عز وجل- في لقاءاتٍ قادمةٍ نتحدث عن جملةٍ أخرى من الآداب التي يجب على طالب العلم أن يتحلَّى بها.

نأخذ الآن بعضَ الأسئلة حتى لا يُعاتبا إخواننا بسبب عدم الإجابة على أسئلتهم.

السَّائل الأول يقول: {يا شيخنا -أحسن الله إليك-تحدَّث عن التَّأدب مع العلماء -بارك الله فيك- بصورةٍ أوسع}.

لعلنا -إن شاء الله- في اللِّقاء القادم نتحدث عن نماذج من هذا، وكيف يكون التَّأدب مع العلماء.

السائل الثاني يقول: {ما الميزان الذي أعرف به مدى تحقق الإخلاص لديَّ؟}

ذكرنا أنَّ الإخلاص يُعرَف بأمرين:

- أن يقصد بالعلم وجه الله.

- وأن يقصد به رفع الجهل عن نفسه وعن الآخرين.

السائل الثالث يقول: {ما أهم الكتب التي يهتم بها طالبُ العلم خاصَّة، وبأيٍّ منها يبتدئ؟}

إن شاء الله من ضمن القواعد التي سنتحدَّث عنها: قاعدة التَّدرج في طلب العلم، وسنتحدَّث عن كيفية التدرج في قراءة الكتب في العقيدة، وفي الفقه، وفي التفسير، وفي الحديث، وهكذا -إن شاء الله- فحتى لا نُعِيد الكلام سنتحدَّث عنه في المستقبل.

السائل الرابع يقول: {كتمان العلم حرامٌ، ولكن بعد فعل الخير تأتي الوسوسة بالرياء، فكيف نتخلص من ذلك؟}

نتخلص من ذلك -كما ذكر العلماء- بألا يلتفت المسلمُ إلى هذه الوسوسة، فالمسلم يجب عليه أن يحذر، وأن يريد بعمله وجه الله -عز وجل- والدار الآخرة، لكن أيضًا في الوقت ذاته لا يكون هذا الأمر من مداخل الشيطان عليه حتى يصرفه عن طلب العلم.

أيضًا سؤال يقول: {كيف يُخلص الإنسانُ في طلب العلم؟}

وهذا أجبنا عليه.

وسائلٌ يقول: {ما المراجع المُقترحة لطالب العلم في أدب الطلب؟}

كتب أدب الطلب كثيرة، من أهمها: "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر، ومنها كذلك كتاب "تذكرة السامع والمتكلم" لابن جماعة، ومنها كذلك "أدب الإملاء والاستملاء" للسَّمعاني -رحمه الله تعالى- و"أدب الطلب ومنتهى الأرب" للإمام الشَّوكاني، و"أدب الدنيا والدين" للإمام الماوردي، وغيرها من الكتب، وإن شاء الله سنذكرها لكم أيضًا في لقاءاتٍ قادمةٍ.

تفضَّل يا شيخ.

{شيخ -أحسن الله إليك- هل الإخبار بالعمل الصَّالح يُعتبر مُنافٍ للإخلاص؟}

التَّحدث بالعمل الصَّالح إذا كان من أجل إظهاره للآخرين؛ فلا شكَّ أنَّ هذا يُنافي الإخلاص، ونحن بسبب ضيق الوقت لم نتحدَّث عن كلِّ ما في الإخلاص، لكن الإخلاص من الأمور التي كان السلفُ يهتمون بها ويُعانون منها.

يقول أحدُهم: "لا زلتُ عشرين عامًا أُجاهد نيَّتي حتى استقرت لي". فإذا كان يتحدَّث من أجل أن يُخبر الآخرين أنَّه يُصلي في الليل فيقول: لقد قمتُ بالصلاة كذا وكذا. فهذا يُنافي الإخلاص.

وإن كان يريد أن يُحفِّز الآخرين على العمل؛ فهذا لا بأسَ به كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ دِرْهَمٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ».

سائلٌ يقول: {ما أفضل طرق الاستفادة من الوقت واستثماره مع الشُّعور دومًا بضيق الوقت؟}

إنَّ شاء الله من ضمن القواعد -حتى لا نُكرر- التي ستأتي قاعدة مُستقلة وهي: المُحافظة على الوقت.

سائلٌ يقول: {كيف نُميز بين العلم الذي فيه إخلاصٌ أو ربما يُلتَمس أن يكون العلم لله والعلم الذي يكون لغير الله؟}

أجبنا عن ذلك فيما سبق، وطبعًا الأسئلة التي تمت الإجابة عنها لا نُكررها.

سائل يقول: {هل فرحة الطالب بطلبه للعلم تُقلل من إخلاصه؟}

لا طبعًا، بل إنَّ هذه الفرحة قد تكون من اللَّذة، ونحن تحدَّثنا عن الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام.

طيب، نأخذ اتِّصالًا من الجزائر، تفضَّل يا أخي عبد الكريم.

{السلام عليكم}.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

{بارك الله فيك يا شيخ، وأحسن الله إليك}.

الشيخ: وإليك أخي عبد الكريم.

{يا شيخ لدي سؤال: هل توجد علومٌ دُنيويَّة يجب على المسلم تعلُّمها؟}

طيب، نُجيبك -إن شاء الله.

العلم الشرعي -كما تقدم- على قسمين:

- منه ما هو فرضُ عينٍ.

- ومنه ما هو فرضُ كفايةٍ.

فالعلوم الدُّنيوية التي يعمل فيها الناس -مثل علم الفيزياء، وعلم الكيماء- هذه من فروض الكفاية التي إذا قام بها مَن يكفي سقط الإثمُ عن الأُمَّة، فيجب على الأمة أن يكون فيهم مَن يعمل في الفيزياء وفي الكيمياء وفي المجالات المختلفة؛ حتى لا يكون ضعفُ الأُمَّة من قِبَل هذا الأمر.

وإذا طلب العبدُ أيَّ علمٍ من علوم الدنيا وأراد به وجه الله -عز وجل- فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- يرفعه بهذه النِّية درجات، كما قال -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».

وكثيرًا ما يأتينا سؤالٌ يقول: يا شيخ، أنا في كلية الهندسة، وأريد أن أتركها وأن آتي إلى العلم الشرعي.

فأقول: أأنت متفوق؟

فيقول: نعم.

فأقول: إذن تخرج من الهندسة ثم اطلب العلم الشرعي بعد ذلك، والحمد لله هناك -إن شاء الله- مُتَّسعٌ من الوقت للإنسان ليُحصِّل فيه العلم، فيجمع بين الأمرين.

طيب، نأخذ سؤالًا آخر: {يا شيخ، هل أدع كلَّ الكتب وأتفرغ فقط لحفظ القرآن؟}

إن شاء الله سيأتي معنا بماذا يبدأ طالب العلم؟ فأول ما يبدأ به طالبُ العلم هو حفظ القرآن، فالإمام الشافعي -رحمه الله- يقول: "مَن حفظ القرآنَ عظُمت قيمتُه".

سائل يقول: {أرجو توضيح طريقة الحفظ}.

أيضًا لدينا -إن شاء الله- من القواعد: قاعدة بعنوان: حفظ العلم، وسنتحدَّث عنها بشيءٍ من التفصيل -إن شاء الله.

{يا شيخ، إذا تعلم الشخصُ العلم مثلًا لدخول جامعة، أو حفظ القرآن لدخول وظيفة، فهل يحصل له شيءٌ؟}

يعني يحفظ القرآنَ في كليةٍ من أجل أن يُقبَل فيها؟

{نعم}.

هنا تأتي قضية، فالإنسان إذا كانت نيَّته في الأساس نية سليمة، وهو يُريد أن يدخل في هذه الجامعة فيتعلم العلم الشرعي ويكتسب؛ فهذا تَبَعٌ لنيته الطيبة -إن شاء الله- في البداية، وهو يُحسِّن نيته في هذا الأمر.

أمَّا إذا كان قد أنشأ نيةً من البداية وهو يريد بها غير وجه الله -عز وجل- فتكون وبالًا عليه.

فالإمام ابن رجب -رحمه الله- في كتابه "جامع العلوم والحكم" ذكر أنَّ دخول الرياء على العمل على أقسامٍ:

فإن كان من أصله –يعني الرياء من أصل العمل- فهذا لا شكَّ أنَّه يُبطِل عمل صاحبه.

الأمر الثاني: أن يُشارك في أصله، فإن شاركه في أصله فهو يبطل كذلك.

الأمر الثالث: أن يكون خاطرًا ويدفعه، فهذا لا يضره -إن شاء الله.

الأمر الرابع: أن يكون أصلُ العمل لله، ثم يدخل الرياءُ فيما بعد؛ فهذا يُؤجَر على نيَّته في الأساس، ويأثم على بقية عمله، أو ينقص من الأجر بقدر ما عمل.

طيب، سؤال أخير كان على كتاب "حلية طالب العلم" للشيخ بكر أبو زيد.

هو من الكتب المُهمة أيضًا في طلب العلم، وكذلك كتاب "تعليم المتعلم طرق التعلم" للإمام الزَّرنُوجِي، فكان العلماءُ لاهتمامهم بهذا الموضوع الذي نطرحه -وهو أدب الطلب- يُفردون كتبًا تُدرَّس في المساجد، وكان من بينها "تعليم المتعلم طرق التعلم" للإمام الزَّرنُوجي -رحمه الله.

أسأل الله -عز وجل- بمنِّه وكرمه أن يُوفِّقنا وإيَّاكم لما يُحبّ ويرضى، وأن يجعل خيرَ أيامنا آخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

http://islamacademy.net/cats3.php