الحقوق محفوظة لأصحابها

سعد الشثري
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

أما بعد..

فأهلا وسهلا ومرحبا بكم في لقاء جديد من لقاءاتنا في شرح كتاب الورقات في علم الأصول.

عندما تحدث مسائل جديدة لم تكن معروفة في الزمان الأول، أو في زمن النبوة، وأحد أمرين: إما أن نقوم بالنظر في عمومات الأدلة، فنطبق تلك العمومات على الوقائع الجديدة.

مثال ذلك: لما جاءنا في عصرنا الحاضر بعض أنواع المخدرات الجديدة، التي لم تكن موجودة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأخذنا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل مسكر حرام» أن هذه الأنواع المخدرة من المسكرات، وبالتالي قلنا أنها حرام، أخذا من عموم هذا الحديث.

الطريق الثاني: أن يكون هناك حُكم مقرر في الشريعة يماثل هذه المسألة الجديدة، والواقعة الحادثة.

في علة الحكم الشرعي، فنقوم بإلحاق هذه المسألة الجديدة بتلك المسألة المنصوصة.

مثال ذلك: لما قال قائل بأن الخمر حرام، والهيروين تماثل الخمر في كونها مُسكرة، فحينئذ نقيس الهيروين على الخمر فنقول بتحريمها.

ومن أمثلة ذلك: أن يقول قائل بأن المساجد في عهد النبوة كانت مفروشة ببعض أنواع التراب، فثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على حصير، فنأخذ منه جواز الصلاة على هذه الفُرش الحديثة، هذا يُسمى قياسا.

هذا القياس مبني على أربعة أشياء:

- الأول: الأصل، وهو المسألة التي ورد حكمها في الشرع، وهي هنا الصلاة على الحصير.

- وعندنا فرع، وهي المسألة الجديدة الحادثة، وهي الصلاة على أنواع الفُرش الحديثة.

- وعندنا هنا حكم، وهو الجواز.

- وعندنا علة، بأن الجميع مما يُفرش، ويمكن أن يُصلَّى عليه.

والفقهاء مختلفون في القياس، هل هو دليل مستقل، بحيث إننا نثبت به الأحكام على جهة الاستقلال، أو أن القياس طريق من طرق فهم النصوص الشرعية.

ولعل الأظهر أن القياس طريق من طرق فهم النصوص الشرعية؛ لأن القياس لا يستقل بالحكم، و إنما القياس يُلحق الحادثة الجديدة بالحادثة المنصوص على حُكمها.

والقياس في اللغة، قد يُطلق على التقدير، يُقال: قاس الجرح أي قدره وعرف مقداره.

وقد يُطلق القياس على المساواة، ولذلك يُقال: فلان يقاس بفلان، أي إنه يساويه.

وأما تعريف القياس في الاصطلاح:

فقد عرفه المؤلف فقال: (أما القياس فهو رد الفرع -أي المسألة الجديدة- إلى الأصل -وهي المسألة المنصوص عليها- بعلة).

يعني بوصف مؤثر بالحكم، يوجد في الأصل ويوجد في الفرع.

(تجمعهما في الحكم) أي الحكم الشرعي.

وقوله هنا: (رد الفرع) أي إرجاع وإعادة الفرع الجديد إلى الأصل، أي إلى أصل قد تُكلم بحكمه وورد بحكمه دليل شرعي، بسبب علة، (بعلة) أي بوصف مؤثر في الحكم يجمع بين الأصل والفرع، (تجمعهما في الحكم).

ونمثل لذلك مثال: ما حكم شرب الشاهي؟

الشاهي لم يكن موجودًا في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن كان يوجد في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض الأشربة التي يشربونها منها ما هو حار مثل الحساء، ومنها ما هو بارد مثل أنواع العصير.

فنقيس هذا المشروب الجديد على ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحكم الشرعي وهو الجواز.

ما العلة وما الوصف الجامع؟

كلاهما شراب طاهر لا مضرة فيه، فأخذ الجميع حكما واحد.

إذن العلة هذا وصف، يجمع بين الأصل والفرع، وهو الذي يعول عليه في باب القياس.

والحكم قد يكون حكما تكليفيًّا، هي الأحكام الخمسة السابقة: الواجب، والحرام، والمكروه، والمندوب، والمباح.

وقد يكون من الأحكام الوضعية، كالصحة والفساد الشرط، المانع، العلة، السبب، العزيمة، الرخصة.

نمثل لهذا بمثال:

لو قلت بأن عقد البيع يصح بواسطة الكلام بين المتجاورين الحاضرين، فيصح بالكلام بين المتباعدين اللذين يَسمع بعضهما كلام بعض، كما في الهاتف، الآن إجراء عقد البيع في الهاتف، هذه مسألة جديدة، فنقيسها على إجراء عقد البيع في المجلس الواحد، بجامع أنَّ الجميع بيع مبني على التراضي بين البائع والمشتري.

إذن: عرفنا القياس، وعرفنا أن القياس مكون من أربعة أركان:

أصل - فرع - علة - حكم.

نأتي بمثال جديد، مثال آخر حتى يُفهم ونطبق عليه هذه الأصول.

لو قدر أن شخصًا أخذ مسدسا وقتل به آخر، بالتالي هل نقول هنا: يثبت القصاص أو لا يثبت؟ ما حكم هذا الفعل؟

قد يقول قائل: هذا المسدس لم يكن موجودًا في عهد النبوة، وبالتالي الأصل في الأشياء الإباحة، نقول لا: هنا يوجد دليل قياس، وهو أن الشرع منع من القتل بالآلات الموجودة في ذلك الزمان، ويشمل جميع الآلات؛ لأنها تماثلها في الحكم والعلة.

وبالتالي نثبت القصاص في هذه المسألة، وهي القتل بالمسدس.

أين الأصل؟ القتل بالسيف.

أو الفرع: القتل بالمسدس.

الحكم: التحريم أو وجوب القصاص.

العلة: قتل عدوان عمد.

أو نقول: بأن كلا منهما آلة نافذة في الجسم حادة -مثلا-، أو نقول: كلاهما آلة تزهق الروح، فهذه علة تجمع بين الأصل والفرع.

المؤلف هنا قال: رد الفرع، كأنه يرى أن القياس من عمل الفقيه القائس، وهذا أحد المنهجين في هذا الباب، ومنهم من يقول: القياس أصلا سواء وجد القائس أو لم يوجد.

نمثل بمثال آخر:

لو جاءنا سائل وقال: ما حكم الاتصال بواسطة الجوال؟

الجوال هذه مسألة جديدة، فنقول هذا الجوال بمثابة الحديث المباشر بين اثنين، وبالتالي نُلحق الكلام في الجوال، ونجعله الفرع، بالكلام المباشر، الذي نجعله أصلا، في الجواز بجامع كون الجميع كلامًا.

مثال آخر:

لو جاءنا إنسان وقال: أنتم تفعلون أمرا منكرا لم يكن يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، تقدمون على بدعة من البدع، تركبون السيارة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يركبها؟

ماذا تقولون؟

نقول: هذه السيارة مسألة جديدة، فنبحث لها عن مماثل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو ركوب البعير مثلا أو ركوب الفرس.

فحينئذ نقيس ركوب السيارة على ركوب الفرس بجامع كون الجميع ركوبًا، والحكم هو الإباحة.

أين الأصل؟

ركوب الفرس.

أين الفرع؟

ركوب السيارة.

أين الحكم؟

الجواز والإباحة.

ما العلة؟

كل منهما آلة تنقل الإنسان من مكان إلى آخر، أو كل منهما مركوب يؤدي إلى المقصود.

إذن عرفنا القياس هذا التعريف يسمونه، من أحد نوعي القياس، يسمونه قياس الطرد، ويقابله قياس العكس، لعلنا نأتي عليه في ما يأتي.

لأن القياس قياس طرد، بأن يكون الأصل والفرع لهما حكم واحد، لاشتراكهما في العلة، كما هنا.

وقد يكون هناك قياس عكس، وهو أن يتضاد حكم الأصل مع حكم الفرع؛ لتنافيهما في العلة.

ويمثلون له بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: «نعم، أرأيتم إذا وضعها في حرام، أيكون عليه وزر؟» قالوا : نعم، قال: «فكذلك إذا وضعها في حلال يكون له أجر».

فهذا قياس عكس استخدمه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

هذا أحد التقسيمات، تقسيم القياس إلى قياس طرد وقياس عكس، أحد التقسيمات في القياس.

هناك تقسيم آخر: وهو تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام، باعتبار الجامع الذي يجمع بين الأصل والفرع:

الأول: قياس العلة.

بأن يكون الجماع بين الأصل والفرع علة، ما هي العلة؟ وصف ظاهر منضبط يحصل من تركيب الحكم عليه مصلحة.

مثال ذلك: لما قُلنا المخدرات حرام، قياسا على الخمر، بجامع الإسكار، ما العلة ما الجامع هنا؟ الإسكار، الإسكار إذا بنينا الحكم عليه وهو التحريم، يصلح منه مصلحة أو لا يحصل؟ يحصل، فهذا يقال له علة، ومن ثم القياس الذي معنا قياس علة.

النوع الثاني: قياس الدلالة.

بأن يكون الجمع بين الأصل والفرع بوصف ليس علة، لكنه ملازم للعلة، أو مشتملا عليه أو نحو ذلك.

مثال ذلك: لو قال لنا قائل بأن السيارة يجوز الركوب عليها قياسًا على البعير، بجامع أن كلًا يؤدي إلى المقصود، فهنا كونه يؤدي إلى المقصود هذا نتيجة، وبالتالي هذا عند كثير من أهل العلم يقول: هذا قياس دلالة.

ومن أمثلته مثلًا: لو قال لنا قائل بأن الخمر -مثلًا- حرام فنقيس عليها النبيذ، بجامع وجود الرائحة الكريهة في كلٍ منهما.

هذه الرائحة الكريهة هذا وصف ملازم ليس هو العلة، ومن ثمَّ قد يقول كثير من أهل العلم بأن هذا وصف دلالة.

إذن هذه أمثلة له.

النوع الثالث: قياس الشبه، وهو الجمع بين الأصل والفرع بوصفٍ ليس علة وليس مستلزمًا للعلة، وإنما هو وصف غير مؤثر ولا ملازم لوصف مؤثر.

مثال ذلك: اختلف الفقهاء في مسّ الذكر هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟

عند الجمهور يقولون: مس الذكر ينقض الوضوء، وعند الحنفية يقولون: مس الذكر لا ينقض الوضوء.

فلو قال أحد فقهاء الحنفية: أنا عندي دليل قياسي يدل على أن مسَّ الذكر لا ينقض الوضوء. ما هو دليلك؟ قال: الذكر آلة للحرث، فنقيسها على الفأس، والفأس لا ينتقض الوضوء بمسه فكذا الذكر.

أين الأصل؟

الفأس.

الفرع: الذكر، مسّ الذكر.

الحكم: عدم انتقاض الوضوء.

العلة: آلة للحرث.

فهنا كونه آله للحرث ليس وصفًا مؤثرًا للحكم، وليس وصفًا مناسبًا لتشريع الحكم، ولا مستلزمًا لوصف مناسب لتشريع الحكم.

ونأتي بمثال آخر: من المسائل التي وقع فيها الخلاف: مسألة الوضوء بالخل، الخل يقول الجمهور: لا يجوز الوضوء به، والوضوء إنما يكون بالماء.

الحنفية قالوا: يجوز الوضوء بالخل.

كان من أدلة الجمهور: أن قالوا بأن الخل يُقاس على السمن، السمن لا يجوز الوضوء به بالاتفاق، قالوا: فنقيس الخل على السمن بجامع كون كل منها لا تجري فيه السفن، ولا تُبنى عليه الجسور والقناطر، ولا يسبح فيه السابحون. هذه أوصاف.

إذن الأصل هنا ما هو؟

السمن.

الفرع: الخل.

الحكم: لا يتوضأ به.

العلة: لا يسبح فيه، ولا تبنى عليه القناطر، ولا تجري فيه السفن.

هذه الأوصاف هل هي مؤثرة في الحكم؟ غير مؤثرة، فليست عللًا.

هل هي مستلزمة لوصف مؤثر في الحكم؟ ليست مستلزمة لوصف مؤثر في الحكم، وحينئذٍ نقول بأن هذه الأوصاف ليست أوصافًا مناسبة ولا مستلزمة للمناسبة، فيكون القياس قياسًا من قياس الشبه.

إذن: هل قياس الشبه من الأقيسة الصحيحة؟

جمهور أهل العلم قالوا بأن قياس الشبه لا يصح التعويل عليه؛ لأن الشبه في الصورة الظاهرة لا يستلزم منه الشبه في الحكم، ولذلك نجد بعض الأشياء تتشابه في صورتها وتختلف في أحكامها.

مثال ذلك: المذي لا يوجب الغسل وهو نجس، ويماثله في الصورة والشكل المنيّ الذي يُوجب الغسل وهو طاهر عند أحمد والشافعي، فحينئذٍ نقول: هذا شبهه ومع ذلك لم يتماثل الحكم؛ لأن الشريعة لا تُعوّل على مجرد التشابه في الصورة الظاهرة، وإنما تُبنى الأحكام فيها على المعاني والعلل المتعلقة بالأوصاف التي يحصل من ترتيب الأحكام عليها مناسبة.

قال المؤلف: (فقياس العلة).

هذا هو النوع الأول. ما هو قياس العلة؟

الذي يكون الجامع فيه وصفًا مناسبًا لتشريع الحكم ويكون منضبطًا.

قال: (فقياس العلة ما كانت العلة فيه موجبة للحكم).

يعني أن العلة تؤثر في الحكم، وينتج الحكم بناء على العلة.

هذه اللفظة: (ما كانت العلة فيه موجبة للحكم) هذه ما تسير مع مذهب الأشاعرة؛ لأن الأشاعرة يقولون: العلل ليست مؤثرة في الأحكام، وإنما هي علامات مُظهرة للحكم لكنها غير مؤثرة.

طيب.. قوله هنا: (موجبة) معناه أنها تؤثر بنفسها، وهذا مذهب المعتزلة في هذا الباب.

أهل السنة يقولون: العلل مؤثرة في الأحكام لكن لا بنفسها ولا بذاتها، وإنما بجعل الله لها كذلك.

ومن ثمَّ فنقول بأن قياس العلة: هو ما كانت العلة فيه مؤثرة في الحكم بجعل الله -عز وجل- وليس بذاتها.

إذن: عرفنا مناهج العلماء في حقيقة العلة.

الأشاعرة يقولون: العلة غير مؤثرة، وإنما العلل مجرد أمارات مُعرّفة بالحكم الشرعي.

بينما المعتزلة يقولون: العلل مؤثرة بنفسها في الحكم الشرعي.

وأهل السنة والجماعة يقولون: العلل مؤثرة لكن ليس بنفسها، وإنما بجعل الله لها كذلك.

قال: (وقياس الدلالة) هذا هو النوع الثاني: (هو الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر)، المراد بالنظيرين: المتشابهين أو المتماثلين.

والنظيران في لغة العرب: هما المتشابهان في الصورة دون الحكم، وليس هذا مراد المؤلف هنا، إنما مراد المؤلف بالمتناظرين المتشابهان أو المتماثلان.

بدأ يُعرّف قياس الدلالة، فقال: (قياس الدلالة: أن تكون العلة دالّة على الحكم) يعني غير مؤثرة فيه، وإنما تدل عليه.

فجعل الجامع في قياس الدلالة وصفًا غير مؤثر ولا موجب، وإنما يكون دالًّا عليه.

وتقدم معنا أن جمهور أهل العلم يرون أن قياس الدلالة هو الجمع بين الأصل والفرع بوصف مستلزم للمناسبة وليس مناسبًا في ذاته، ومثلنا لذلك بما لو تمّ القياس -قياس الفرع على الأصل- بأثر من آثار العلة.

مثال ذلك: قبل قليل قلنا إن المخدرات تُقاس على الخمر بجامع الإسكار، الإسكار الذي هو تغطية العقل هذا وصف مؤثر في الحكم، لكن لو جاء بوصف من آثار هذا الوصف.

مثال ذلك: لو قال المخدرات حرام قياسًا على الخمر؛ لأن شاربها يتصرف تصرفات المجانين، تصرفات المجانين هذه أثر، وليست علة موجودة عند وجود أصل الفعل الذي حكمنا عليه، ولذلك قلنا هذا قياس دلالة.

قياس الدلالة يرى جمهور أهل العلم حجيته، ولكنه أضعف من قياس العلة.

ثم قال المؤلف: (وقياس الشبه)، هذا هو النوع الثالث، (هو الفرع المتردد بين أصلين فيُلحَق بأكثرِهما شبهًا)، كلمة "الشبه"، و"قياس الشبه" تطلق عند الأصوليين في معانٍ متعددة:

- من ذلك: إلحاق الفرع بالأصل بناء على الصورة الظاهرة التي لا تأثير لها في الحكم، وليست مستلزمة للو صف المناسب، وهذا المعنى من معاني قياس الشبه هو الذي يناسب ذكره في هذا التقسيم.

- المعنى الآخر: أن يكون هناك إلحاق للفرع بالأصل الأكثر شبهًا به، بأن يكون الفرع مترددًا بين أصلين فنقوم بإلحاق الفرع بأكثرهما شبهًا به.

مثال ذلك: ما حكم أكل الجمل؟ مباح. ما حكم أكل الحمار؟ حرام، الحمار الأهلي. ما حكم أكل الخيل؟

قال الحنفية لا يجوز.

وقال الجمهور: يجوز.

هنا الخيل متردد بين الجمل الذي يجوز أكله وبين الحمار الذي لا يجوز أكله، فيأتي الفقيه وينظر هل الخيل أكثر شبهًا بالجمل أو أكثر شبهًا بالحمار؟ فيأتي ويُعدد الصفات التي يشتبه فيها الخيل بالجمل، ثم يُعدد الصفات التي يلتحق فيها أو التي يشابه فيها الخيل الحمار، ثم بعد ذلك يُقارن بينهما فيُلحق الخيل بأكثر هذين الأصلين شبهًا به. هذا المثال واضح أو نأتي بمثال آخر؟

يعني مثلًا: الجمل في الغنيمة يُقسم له كالخيل، الخيل يجوز بيعه، الحمار يشابه الخيل في كونه واطيًا يُمكن الركوب عليه بدون إسناد، وهكذا.

طيب.. نأتي بمثال آخر: عندنا مثلًا لو جاءنا أصل جديد، لو جاءنا مثلًا المملوك -العبد المملوك- هل نلحقه بالحر أو نلحقه بالبهيمة؟ هناك أشياء يشبه فيها المملوك البهيمة، مثل كونه لا يبيع، مثل كونه ما يمكن أن يُباع، وكذلك هناك أشياء يشبه فيها الحر، في كونه مثلًا يُطلق زوجته، ومثال ذلك أيضًا: أن المملوك تجب عليه التكاليف الشرعية، فبالتالي عندما تأتينا مسألة جديدة للملوك، هل يحق للملوك أن يُطلق زوجته بدون إذن السيد؟

من قال: نلحقه بالبهيمة، قال: لا يحق له أن يطلق زوجته إلا بإذن السيد.

ومن قال: لا، نلحقه بالحر، قال: بأننا نجيز طلاقه ولو لم يأذن فيه السيد.

إذن: عندنا ثلاثة أنواع من أنواع القياس:

النوع الأول: قياس العلة، وهو الجمع بين الأصل والفرع بوصف مناسب لتشريع الحكم.

وهذا النوع من أنواع القياس -قياس العلة- اتفق القائلون بالقياس على أنه حجة شريعة؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد استعمل القياس في مواطن كثيرة، ولأن الصحابة أجمعوا على استعمال القياس، ولأدلة أخرى تُذكر في هذا الباب.

بنما يرى فقهاء الظاهرية بأن القياس -قياس العلة- ليس حجة. لماذا؟ قالوا: لأن الله -عز وجل- يقول: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [النساء: 59]، هل ذكر القياس؟ ما ذكر القياس.

أجاب الجمهور عن هذا بجوابين:

الجواب الأول: أننا عندما نرد مسألة حجية القياس إلى الكتاب والسنة، نجد أن الكتاب والسنة قال بحجية القياس في مواطن من آيات الكتاب التي جاءت بأن هذه الشريعة مبنية على الميزان.

الدليل الثاني قالوا: المسألة الجديدة عندما تأتينا فنحن نقوم بردها للكتاب والسنة بمعرفة ما يماثلها في العلة، فإن تنازعنا في مسألة جديدة رددناها إلى الله ورسوله إما بلفظهما وبكلامهما، وإما إلى معنى كلامهما.

ولذلك فإن مذهب الجمهور أقوى من مذهب الظاهرية في هذه المسألة.

الأركان الأربعة للقياس لكل واحد منها شروط، ذكر المؤلف لكل نموذج شرط لكل ركن من هذه الأركان.

قال: (من شرط الفرع أن يكون مناسبًا للأصلي)، المراد بهذا: أن تكون العلة التي من أجلها ثبت الحكم في الأصل موجودة في الفرع.

لو قلت مثلًا: البُـر يحرم الربا فيه لأنه مكيل، فأقيس عليه البطيخ، ماذا تقولون؟ لا يصح؛ لأن البطيخ ليس مكيلًا، وإنما يُباع بالعدد، فحينئذٍ لا يصح هذا القياس. لماذا؟ لأن الفرع ليس مناسبًا للأصل، لا توجد فيه العلة التي من أجلها ثبت الحكم في الأصل.

كذلك يشترط، قال: (ومن شرط الأصل) هذا شرط آخر في القياس.

(من شرط الأصل)، الأصل هو المسألة المنصوص عليها التي يُقاس عليها، مثل ما قلنا المخدرات تقاس على الخمر. أين الأصل؟ الخمر.

يشترط في الأصل: أن يكون حكمه ثابتًا بدليل، لو كان الأصل غير ثابت الحكم فلا يصح أن نقيس عليه.

مثال ذلك: لو قال قائل بأن ركوب السيارة حرام، فنقيس عليه ركوب الطائرة، فنقول: أصلًا حكم الأصل ما ثبت، وبالتالي لا يصح أن تقيس عليه هذا الفرع.

إذن: لا بد أن يكون حكم الأصل ثابتًا له دليل، وثبوت دليل الأصل إما أن يكون بواسطة الإجماع.

مثال ذلك: أجمع الفقهاء على جواز ركوب البعير، فنقيس عليه ركوب السيارة. هنا الأصل مُجمع عليه.

مثال آخر: أجمع الفقهاء على أن الماء إذا تغيَّر بنجاسة فإنه يحرم استعماله، فيقاس عليه الخل المتغير بالنجاسة فلا يجوز استعماله.

هنا الأصل ما هو؟ الماء المتغير بنجاسة.

ما حكمه؟ لا يجوز استعماله.

ما دليله: الإجماع.

فهنا الأصل ثبت بواسطة الإجماع.

قد يثبت حكم الأصل بواسطة دليل نصي من الكتاب أو السنة، ونمثل لذلك بقوله -تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ﴾ [المائدة: 90]، فيقاس عليه المخدرات.

مثال آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البُر بالبُر ربا»، هنا الأصل وهو البُر منصوص على حكمه في الحديث، فلا يجوز أن تعطيه بُرًا ثم يدفع لك بُرًّا بكمية أكبر من الكمية الأولى، فهذا حرام، منصوص عليه في الحديث، فنقيس عليه الأرز والذرة، بجامع كون كلٍّ منهما مكيلًا مطعومًا، فحينئذٍ نقول بأنه الأصل نقيس عليه، ومن ثمَّ جاز لنا أن نثبت الحكم بواسطة القياس.

قد يكون الحكم في الأصل متفقًا عليه بين الخصمين، فحينئذٍ هل يصح أن يكون الأصل ثابتًا بواسطة الاتفاق بين الخصمين؟

قال بعض الفقهاء نعم، لأن الخصمين اتفقا على شيء فجاز لهما أن يُلزم كل واحدٍ منهما الآخر بذلك.

ومثال ذلك: أن يقول القائل: السفرجل يحرم فيه الربا على مذهبي ومذهبك، صحيح هناك فقهاء يرون أن الربا لا يجري فيه، لكنني أنا وإياك نتفق على تحرم الربا في السفرجل، فلا يجوز أن أبيع سفرجل لك وتعطيني سفرجل أكثر منه.

فيقول قائل: أقيس على هذه المسألة مثلًا الكيوي أو البخاري، فحينئذٍ الأصل هل هو مُجمع عليه؟ ليس مجمعًا عليه، هل هو منصوصٌ عليه؟ ليس منصوصًا عليه؛ وإنما متفق عليه بين الخصمين.

بعض أهل العلم قال: يجوز أن يكون الأصل متفقًا عليه بين الخصمين ولو لم يدل عليه دليل آخر -كما هو ظاهر كلام المؤلف.

ومنهم من يقول: لا يصح القياس على أصل لم يثبت فيه إجماع ولا نص، ولو كان متفقًا عليه بين الخصمين.

وبعض أهل العلم قال: يجوز الاعتماد على ذلك في باب المناظرات، لكنه لا يجوز الاعتماد عليه في باب النظر وإثبات الحكم ابتداء.

ونعلم من هذا: أنه لا يصح أن نثبت أصل القياس بواسطة قياس آخر، مثال ذلك لو قلت: البُر يجري فيه الربا، فأقيس عليه الذرة، وأقيس على الذرة الأرز، فمثل هذا لا يصح، يعني العلة إذا كانت في القياسين واحدة فقس الأرز على الأصل الأول مباشرة، وإذا كانت العلة مختلفة في القياسين؛ فإنه لا يصح القياس حينئذٍ. تحدَّث في مكبر الصوت..

{أحسن الله إليك، هل يُقاس الأرز على..}.

الشيخ:

نقيس الأرز على البُر مباشرة، لا يصح أن نقيس الأرز على الذرة ثم نقيس الذرة على الأرز، لأمه إذا كانت العلة واحدة فلنقس على الأصل الأول مباشرة، وإذا كانت العلة مختلفة لم يصح القياس.

طيب.. قال: (ومن شرط العلة) من شروط العلة: الاطراد، (أن تطرد في معلولاتها، فلا تنتقض لفظًا ولا معنى).

المراد بهذا: ذكرنا أن أركان القياس أربعة: أصل وفرع وحكم وعلة.

العلة: يُشترط في الوصف ليكون علة أن يكون مُطردًا، بمعنى: أننا كلما وجدنا الوصف وجدنا الحكم معه، وكلما تخلَّف الوصف تخلَّف الحكم معه.

لو وجدنا في بعض المواطن أن الوصف موجود والحكم ليس بموجود دلَّنا هذا على أن الوصف ليس بعلة، إذ لو كان الوصف علة للزم عليه أن يوجد الحكم معه.

إذن: المراد بالاطراد أنه لكما وجدت العلة وجد الحكم.

مثال ذلك: أننا في الشريعة نجد أن الإسكار علة للتحريم، كلما وُجد إسكار وجدنا التحريم، فتكون العلة مُطردة.

فإن قال قائل: تنتقض العلة عندي في مسألة وهي: الغاصّ، فمن غصَّ ولم يجد ما يسيغ به الغصة إلا الخمر، فإنه حينئذٍ يجوز له شرب الخمر، أليس كذلك؟

فهنا وُجدت العلة هي الإسكار ولم يوجد الحكم وهو التحريم.

فنقول: هنا العلة لم تطرد، لماذا؟ لوجود أحد الموانع الذي يمنع من تأثير العلة.

فهنا العلة موجودة وهي الإسكار والحكم ليس موجدًا وهو التحريم. لماذا؟ لوجود مانع يمنع من ثبوت الحكم بهذه العلة في هذه المسألة، وهو الغصَّة.

قال المؤلف: (فلا تنتقض لفظاً أو معنى).

اللفظ: كما مثلنا له قبل قليل.

والمعنى: يسميه البعض الكسر، بحيث توجد الحكمة التي من أجلها شُرِع الحكم ولا يوجد الحكم.

مثال ذلك: المسافر يجب عليه أن يصوم أم يجوز له الفطر؟

الجواب: يجوز له الفطر.

ما العلة: العلة هنا السفر، هذا وصف منضبط ظاهر يحصل من ترتيب الحكم عليه مصلحة.

طيب.. والمشقة ما دخلها في هذا الباب؟ المشقة نقول: حكمة، والمشقة قد توجد في بعض المواطن ولا يوجد الحكم معها.

البنَّاء يبني في الدور السابع عشر والخباز عليهما مشقة، ومع ذلك لا يجوز لهما الفطر، بل مشقتهما أعظم من مشقة المسافر بالطائرات، فهنا حكمة الحُكم موجودة في الخباز وهي المشقة، والحكم -وهو جواز الفطر- لم يوجد، هذا يسمى الكسر.

إذن: الكسر: أن توجد الحكمة ولا يوجد الحكم.

جمهور أهل العلم على أن الكسر لا يُلتفت إليه، ولا يقدح في العلة، ولو كانت الحكمة قد وُجدت في محل ولم يوجد الحكم، فهذا لا ينقض ولا يقدح في الحكمة ولا في العلة.

كذلك من شروط القياس: أن يكون الحكم مماثلًا للعلة في النفي والإثبات.

القياس ينقسم إلى أربعة أنواع -من جهة النفي والإثبات:

القسم الأول: أن تكون العلة مثبتة والحكم مثبتًا.

مثال ذلك: الإسكار علة للتحريم، مثبتان أو منفيان؟ مثبتان، هذا جائز بالاتفاق.

النوع الثاني: لو كانا منفيين كما لو قال: ليس مسكرًا فليس حرامًا، هنا العلة منفية والحكم منفي، فبالتالي يصح هذا القياس.

النوع الثالث: أن يكون الحكم منفيًا والعلة مثبتة.

مثال ذلك: لو قال: هذا الشراب مُسكر فلا يجوز شربه. هنا منفي، لا يجوز.

بعض أهل العلم منع من هذا النوع من أنواع القياس، قال: لا بد من التوافق بين العلة والحكم في النفي والإثبات.

وآخرون قالوا بأنه يجوز لأنه يتمكن من قلب الحكم المنفي إلى أن يكون حكمًا مثبتًا، فبدل أن يقول: لا يجوز، يقول: يحرم. فهنا يكون مثبتًا.

ولعل القول بجواز ذلك هو الأرجح من أقوال الأصوليين.

كذلك لا بد من التساوي بين الأصل والفرع في الحكم، فلا تقول: الأصل حرام فيكون الفرع مكروهًا أو العكس.

مثال ذلك: ما حُكم الدخول بالرجل اليسرى إلى المسجد؟ أجيبوا، مكروه.

لو قال قائل: الدخول إلى المسجد بالرجل اليسرى مكروه فيكون الدخول للكعبة بالرجل اليسرى حرامًا.

نقول: لا يصح القياس هنا، لماذا؟ لأن الحكم في الأصل ليس مماثلًا للحكم في الفرع، ولا بد من التساوي بين الأصل والفرع في الحكم.

طيب.. أيضًا قال: (والعلة هي الجالبة، والحكم هو المجلوب للعلة).

هذه المسألة هي التي ذكرتها قبل قليل من كون العلة هل هي مؤثرة في الحكم أو مجرد علامة وأمارة للحكم؟ وإذا قلنا بأن العلة مؤثرة، هل هي مؤثرة بنفسها أو بحكم الله -عز وجل- لها.

قلنا: بأن الناس يسيرون على ثلاثة مناهج:

المنهج الأول: الأشاعرة يقولون: العلة غير مؤثرة في الحكم، وإنما هي مجرد علامة وأمارة فقط.

القول الثاني: أن العلة مؤثرة بنفسها في الحكم، وهذا قول المعتزلة، وهو الذي سار المؤلف.

والقول الثالث يقول: العلة مؤثر في الحكم لا بنفسها، وإنما بجعل الله لها كذلك.

فالمؤلف يقول: العلة هي الجالبة للحكم، فلم يسر على طريقة الأشاعرة في قولهم بأن العلل غير مؤثرة.

وبعد ذلك قال: (والحكم هو المجلوب للعلة).

تلاحظون هنا أن المعتزلة يقولون: العلة تجلب الحكم وجوبًا على الله؛ لأنهم يرون أنه يجب الأصلح، يجب على الله فعل الأصلح، ومن الأصلح أن تكون العلة مؤثرة في أحكامها وجوبًا.

وأهل السنة يقولون: العلل مؤثرة أو تجلب الحكم تفضلًا من الله -جل وعلا-، والله -جل وعلا- لا مكره له ولا موجب له.

وبهذا ننتهي من أحكام القياس على وِفق ما ذكره المؤلف، وهناك أحكام متعددة للقياس يذكرها علماء الأصول، وإنما مراد المؤلف هنا أن يورد عددًا من مسائل القياس بدون أن يستوعبها.

من المسائل مثلًا: هل يجري القياس في الحدود؟

قال الحنفية: لا يجري القياس في الحدود؛ لأن الحدود لا تثبت بالشبهات.

والجمهور يقولون: تثبت الحدود بواسطة القياس.

نمثل لهذا بمثال: لو قُـدِّر أن أحدًا من الناس تمكَّن من الدخول في الشبكة إلى بعض المصارف، فسحب بعض الأموال من حساب أحد الأشخاص فوضعه في حساب له أو في حساب شخص آخر، ففي هذه الحال هل نقول: هذا سارق يثبت في حقه التحريم، ويثبت في حقه وجوب القطع فتقطع يده أو لا؟

نقول: التحريم لا شك فيه لأنه أخذ مال والله -جل وعلا- قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم﴾ [النساء: 29]، فهذا الآية بعمومها تشمل هذا الحكم.

لكن القطع، هل هو سارق أو ليس بسارق؟ على مذهب الجمهور يقولون: هو سارق؛ لأنه قد أخذ المال من حرزه، بعضهم يقول هذا بطريق اللغة، وبعضهم يقول: هذا بطريق القياس، ومن ثمَّ يُثبت حكم القطع فيه.

آخرون قالوا: بأن هذه المسألة لا قطع فيها. لماذا؟ قالوا: لأنها ليست هي المنصوص عليها، ولا يصح إثباتها بالقياس؛ لأن الحدود عندنا لا تثبت بواسطة القياس، هذا من يقوله؟ هذا مقتضى مذهب الحنفية الذين يرون أن القياس لا يجري في الحدود.

وأما على مقتضى مذهب الجمهور: فإنهم يثبتون الحد في هذه المسألة.

إذن: هذا نموذج من مسائل القياس التي لم يذكرها المؤلف.

انتقل المؤلف بعد هذا إلى الكلام عن الحظر والإباحة، يعني هل الأصل في الأشياء هو الإباحة حتى يرد دليل يدل على المنع منه؟ أو أن الأصل فيها الحظر والمنع؟

قبل ورود الشرائع، اختلف الناس في حكم الأفعال قبل ورود الشرع، فقالت طائفة: كان حكم الأشياء قبل ورو الشرع على الإباحة؛ لأن الله -عز وجل- قد خلق هذه الأشياء لحكمة، ولا حكمة لخلقها إلا أن ينتفع بها الخلق، ولا يتمكنون من الانتفاع بها إلا إذا كانت مباحة.

إذن عرفنا هذا القول الأول أن حكم الأشياء قبل ورود الشرع هو الإباحة.

القول الثاني يقول بأن حكم الأفعال قبل ورود الشرع: الحظر والتحريم؛ لأن هذه المخلوقات مملوكة لله -عز وجل- ولا يصح التصرف في ملك الغير إلا بإذن الله -عز وجل-، وبالتالي قبل ورود الشرائع لم يأتِ إذن.

الأولون قالوا عن هذه الحجة بأن الانتفاع بهذه لأشياء لا يُضرُّ بمالكها، فهو بمثابة الاستظلال بظل الجدار، انتفاع بملك الغير والمالك لا يتضرر من الانتفاع به وهو مباح.

والأولون قالوا بأن هذا الحكم بعد ورود الشرع، ونحن نتباحث فيما قبل ورود الشرع.

إذن: ماذا ترجحون؟ هل حكم الأفعال قبل ورود الشرع هو الإباحة؟ أو أن حكم الأفعال قبل ورود الشرع هو الحظر والتحريم؟ تكلم باللاقط، نعم.

{ ... على لإباحة}.

الشيخ:

على الإباحة، من يؤيده يرفع يده. طيب..

من يتبنى القول الآخر أنه على الحظر؟ ما في أحد!

هناك طائفة ثالثة...، هذا فعلكم لا يصح، لماذا؟ لأنكم استعجلتم في الترجيح، المسألة قد يكون فيها أقوال أخرى غير المذكورة، فعندما لا تنظرون إلا إلى هذين القولين المذكورين قد تقعون في الخطأ؛ لأن الراجح والصواب هو قول آخر.

هنا طائفة قالوا: الآن نبحث في حكم الأفعال قبل ورود الشرع، والحكم الشرعي ما هو؟ خطاب الشرع. فكيف يكون هناك حكم وخطاب قبل أن يرد الحكم والخطاب، ولذلك قالوا: لا حكم لها.

وهناك طائفة رابعة قالوا بأنه لا يوجد زمان قبل ورود الشرائع، منذ خلق الله آدم أمره ونهاه، ولذلك قال -تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النحل: 36]، إذن: ما من أمة إلا وفيها رسول، فدلَّ هذا على أنه لا يصح أن نقول في هذه المسألة بأن الأفعال قبل ورود الشرع على الإباحة أو على الحظر، لأنه أصلًا لا يوجد حكم، لا يوجد زمان قبل ورود الشرائع.

انتهى وقت هذا اللقاء، ولعلنا -إن شاء الله- تعالى نعود إلى الكلام عن الحظر والإباحة في لقائنا القادم باختصار، اسأل الله -جل وعلا- أن يوفقنا وإياكم لخيري الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا وإياكم من الهداة المهتدين، كما اسأله -جل وعلا- أن يفتح على قلوبنا، وأن يملأ قلوبنا من التقوى والإيمان.

اللهم احقن دماء المسلمين واجمع كلمتهم على الحق، وولِّ عليهم خيارهم واجعلهم مُحكِّمين لكتابك، عاملين بسنة نبيك.

هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

http://islamacademy.net/cats3.php