الحقوق محفوظة لأصحابها

محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صاحبته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .

أيها الأخوة الكرام ، أشكر لجميعة الرشيد الخيرية هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى الحسن الظن بي ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم ، وإن وجدتم فيما سألقيه بعض الفائدة فالفضل لله عز وجل ، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل .

اختلاف واقعنا عن واقع الغرب :

أيها الأخوة الكرام ، النقطة الدقيقة الأولى : أن الغرب مجتمع يختلف عن مجتمع المسلمين ، مجتمع بعيد عن الضوابط والقيم التي يؤمن بها المسلمون ، من هذا البعد ، ومن هذا التفلت نشأ واقع يختلف عن واقع شبابنا في عالم المسلمين ، فنحن مشكلتنا نستورد مشكلة من الغرب ، ثم نبحث لها عن حلٍّ ، نحن في حياتنا آية كريمة تبين معنى المراهقة :

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ﴾

( سورة الكهف الآية : 13 )

فتوة :

﴿ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

( سورة الكهف )

العالم الغربي عالم متفلت ، ينشأ من هذا التفلت سلوك منحرف هذا السلوك يبدأ في سن المراهقة ، فنحن توهمنا ، أو أوهمونا أن كل أمراضهم هي الأصل ينبغي أن نستوردها ، أن نبحث عن حلول لها ، لا والله ، لو أن المجتمع الإسلامي طبق منهج الله عز وجل يمكن أن أقول وأنا واثق مما أقول أن هذه المشكلة أصلاً لا وجود لها ، لأن الإنسان أودع الله فيه الشهوات ، وما أودع الله في الإنسان الشهوات إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات .

الشهوة حيادية ترقى بنا أو تهوي بنا :

إذاً هي سلم نرقى بها ، والشهوة نفسها يمكن أن تكون دركات نهوي بها ، سلم نرقى بها ، أو دركات نهوي بها ، بتعبير آخر الشهوة حيادية ، أضرب لكم مثلاً ذكرته كثيراً :

زرت جاراً لي من كبار علماء دمشق ، قال لي : عندي ثمانية و ثلاثون حفيداً ، ثلاثة عشر منهم من حفاظ كتاب الله ، وعشرة أطباء ، خطر في بالي هذه الموازنة ، هذا الكم من الأحفاد المتفوقين ، الأطباء ، حفاظ كتاب الله ، وبناته وأزواجهن ، وأولاده وزوجاتهن ، هذا الكم الكبير أساسه علاقة جنسية ، أليس كذلك ؟ هذه العلاقة جعلت هذا الكم الكبير من الفتيات والشباب ، المؤمنين والمؤمنات ، وحفاظ كتاب الله ، والأطباء والمهندسين ، وفي أي بيت دعارة في علاقة جنسية ، أرأيتم إلى هذه الشهوة ؟! يمكن أن ترقى بنا إلى أعلى عليين ويمكن أن تهوي بنا إلى أسفل سافلين ، الشهوة حيادية .

تماماً كالبنزين في السيارة ، إذا وضع في السمتودعات المحكمة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولّد حركة نافعة أقلتك أنت وأهلك إلى الزبداني ، أما إذا صُبت هذه الصفيحة من البنزين على المركبة أعطيتها شرارة أحرقت المركبة ومن فيها .

الشهوة كالبنزين ، حيادية سلم نرقى بها ، أو دركات نهوي بها .

أمر الله عز وجل ليست حدّاً لحرية الإنسان ولكنه ضمان لسلامته :

بالمناسبة : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل قناة نظيفة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمان ، في الإسلام تنظيم ، لابدّ من توضيح :

متى تلغى المراقبة ؟ حين يتعلم هذا الشاب أن أمر الله ليست حداً لحريته ولكنه ضمان لسلامته ، ما في إنسان على وجه الأرض إلا يحب وجوده ، ويحب سلامة وجوده ، ويحب كمال وجوده ، ويحب استمرار وجوده ، هذه جبلة في الإنسان ، فإذا قنع الشاب أنه إذا غضّ بصره عن محارم الله ارتقى عند الله ، ما من شيء أحب إلى الله من شاب تائب ، إن الله يباهي الملائكة بالشاب التائب يقول : انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ، الشاب التائب شيء ثمين جداً .

فحينما ينشأ الشاب في أسرة مؤمنة ، يتلقى التعليم الصحيح ، يا بني أوامر الله ليست حداً لحريتك ، ولكنها ضمان لسلامتك ، أضرب مثلاً :

تمشي في الفلاة فإذا لوحة كتب عليها حقل ألغام ممنوع التجاوز ، أيها الإنسان إذا قرأت هذه اللوحة هل تشعر بحقد على من وضعها ؟ لا ، تشعر بامتنان ، لأن هذه اللوحة ليست حداً لحريتك ، ولكنها ضمان لسلامتك .

تطبيق منهج الله عز وجل في حياتنا يبعدنا عن المشاكل :

أخوانا الكرام ... أخواتنا الكريمات ... الإنسان يتحرك وفق تصوره دائماً ، فإذا أعطى الأب ابنه التصور الصحيح انضبط الابن ، فنحن نتوهم لابدّ من فترة في حياة الشاب ، سوف ينحرف ، سوف تطيش سهامه ، سوف يضطرب ، سوف يكون ردّه عنيفاً ، هذا مجتمع الغرب ، مجتمع التفلت ، مجتمع المواقع الإباحية في الانترنيت ، مجتمع الفضائيات الفاسدة ، مجتمع المجلة الساقطة ، مجتمع المرأة المتبرجة ، طبعاً هذا المجتمع يفرز مراهقة ، أنا لا أتكلم بالمثاليات ، نحن عندنا في الإسلام شيء دقيق اسمه الواقعية المثالية ، أو المثالية الواقعية ، المثالية في الإسلام واقعية ، مطبقة ، ورواد المساجد الملتزمون بدعوة الله عز وجل منضبطون أشد الانضباط .

أؤكد لكم وأنا أعني ما أقول يمكن لو طبقنا منهج الله في حياتنا ، لو أن الآباء أحسنوا تربية أولادهم ، لو أن المدرسة أحسنت تربية الشباب ، لو أن الإعلام كان موجهاً توجيهاً صحيحاً ، لو أن البيت كان واعياً جداً ، أقسم لكم بالله ولا أبالغ ، وليس من عادتي أن أبالغ هذه المشكلة تختفي من حياتنا .

أولادنا الورقة الرابحة الوحيدة في أيدينا فعلينا الحفاظ عليهم :

أيها الأخوة الكرام ، النقطة الدقيقة أنه لم يبقَ في أيدي المسلمين من ورقة رابحة إلا أولادهم ، الأولاد يعني المستقبل ، الأولاد يعني أن تستعيد الأمة دورها القيادي ، الأولاد يعني أن تعتز هذه الأمة بمستقبلها إن شاء الله .

فلذلك مهمة تربية الأولاد تعد أكبر مهمة أمام الآباء والأمهات ، بل أمام القائمين على التربية والتعليم في العالم الإسلامي .

هناك نقطة دقيقة جداً وهي كنت أقولها دائماً : يمكن أن نقابل القنبلة الذَّرية بقنبلة الذُّرية ، مجتمع متفلت ، الشهوات مستعرة ، الفتن يقظة ، التفلت في الانضباط ، مواقع ، مناظر ، مجلات ، قصص ، أصدقاء سوء ، شاب في ريعان شبابه استيقظت عنده الشهوات ، فبدأ يبحث عن إروائها بلا ضابط ، وبلا قيد ، وبلا شرط ، هذه المراهقة في المجتمعات الغربية نحن نستورد المشكلات ، ونبحث عن حلول لها أما لو طبقنا منهج الله عز وجل ، وكم من أسرة منضبطة ما شكا الأب ولا الأم المراهقة إطلاقاً ؟.

المراهقة في المجتمعات الغربية :

هذا الذي أتمنى أن يكون في بادئ هذه المحاضرة من تعريف المراهقة ، شاب لم يتلقَ توجيهاً صحيحاً ، في مجتمع متفلت ، الشهوات مستعرة ، الفتن يقظة ، كل شيء غير معقول ، وغير صحيح يمكن أن يصل إليه ، والأب غافل ، والأم غافلة ، في هذا المجتمع يمكن أن تنشأ مشكلة اسمها المراهقة ، يعني شاب منحرف فقط ، أو شاب فاسق ، أو شاب سفيه ، أما نحن عندنا :

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

(( أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ، أحب الكرماء ، وحبي للفقير الكريم أشد ، وأبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ـ هذه المراهقة المتأخرة ، بالخمسين ـ وأبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي أشد ، وأبغض المتكبرين ، وبغضي للفقير المتكبر أشد ، أبغض البخلاء وبغضي للغني البخيل أشد ))

[ ورد في الأثر ]

ابن أحب فتاة في العالم الغربي ، فاستأذن والده بالزواج منها ، قال له الأب : لا يا بني ، إنها أختك وأمك لا تدري ، أبوه كان زير نساء ، أحب فتاة ثانية فاستأذن والده فقال : إنها أختك أيضاً وأمك لا تدري ، أحبّ الثالثة استأذن والده للزواج منها ، قال له : لا يا بني إنها أختك أيضاً وأمك لا تدري ، فضجر هذا الشاب وحدّث أمه بما جرى مع أبيه قالت له : خذ أياً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري .

هذه مراهقة ، هذه المراهقة في بلادهم .

أخطاء الأبناء بسبب جهل الآباء فالأبوة مسؤولية كبيرة جداً :

أخوانا الكرام ، القصة واقعية ، رجل من أبناء هذه المدينة ، أرسل ابنه إلى أمريكا ليدرس ، يبدو أن هذا الابن أحبّ فتاة من هذه البلاد رائعة الجمال ، أحبها حباً جماً ، فلما عرض على والده الزواج منها أقام عليه الدنيا ، وهدده أن يتبرأ منه ، وأن يحرمه من كل شيء ، بعد شهر أرسل الابن رسالة إلى والده ، يا أبتِ لو أنها أسلمت هل توافق ؟ قال له : أوافق ، فاختل توازن الشاب من الفرح ، ما الذي فعله ؟ اشترى عشرة كتب باللغة الإنكليزية عن الإسلام ، والقرآن ، والسنة ، والسيرة ، والفقه ، قال لها : إن قرأت هذه الكتب وأسلمت أتزوجك ، وهي تحبه أيضاً ، هي ذكية جداً طلبت إجازة أربعة أشهر حتى تقرأ الكتب قراءة دقيقة ، بعيدة عن ضغوط هذا الشاب ، ومضت عليه هذه الأشهر الأربعة كأربع سنوات ، فلما انقضت اتصل بها ، فسمع الخبر الذي اختل له توازنه ، قالت له : لقد أسلمت ولكن لن أتزوجك لأنك بحسب ما قرأت لست مسلماً ، هذه المشكلة .

المراهقة شاب شارد ، متفلت ، لا يوجد ضوابط ، الشهوات يقظة ، الفتن مستعرة الوضع العام متفلت ، طبعاً استيقظت شهواته ، وبحث عن إرواء هذه المتعة بشكل مشروع أو غير مشروع ، هذا بشكل أو بآخر مراهق .

الإنسان إذا تفلت تتغير أخلاقه ، ويصبح قاسياً ، ومتطاولاً على أهله ، أنا مضطر أن أقول هذه الكلمة هي مؤلمة لكنني أنطلق دائماً من أن الحقيقة المرة أفضل مرة من الوهم المريح ، الحقيقة المرة : معظم أخطاء الأبناء بسبب جهل آبائهم ، الأبوة مهمة كبيرة جداً الإنسان أحياناً يتزوج وينجب أولاداً فقط ، هذا الابن يحتاج إلى توجيه ، يحتاج إلى توعية ، يحتاج إلى تدريس من مستوى رفيع ، يحتاج إلى متابعة ، يحتاج إلى عناية ، فحينما تحقق نجاحاً في كل شيء ، وتخسر أولادك لم تحقق شيئاً .

أنا كنت في أمريكا بعهد كلينتون ، قلت لهم : لو بلغت منصباً ككلينتون ، وثروة كأوناسيس ، وعلماً كأنشتاين ، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس .

أشقى الناس من لم يكن ابنه كما يتمنى :

أؤكد لكم أن الشقاء الذي يعانيه الأب حينما يرى ابنه متفلتاً صعب أن يوصف ، لا يوصف ، أشقى الناس ، فالذي يريد أن يسعى بأسرته عليه أن يعتني بأبنائه .

زارنا عالم من علماء الخليج ويحمل اختصاصاً نادراً في صناعة القادة ، أخبرنا أنه ما لم تعتنِ بابنك من السنة الأولى وحتى السابعة لم تستطع أن تجعله كما تتمنى ، وقال كلمة باللغة الخاصة بهم قال : بعد سبع سنوات العوض بسلامته .

فحينما يكون الطفل صغيراً ينبغي أن نعتني به ، بأخلاقه ، بعاداته ، بوسائله ، بدراسته ، بتهذيبه ، حتى إذا كبر يكون هذا الابن كما نتمنى ، وبعيد عن مشكلة المراهقة .

المحاضر :

الأصل الأوربي أيها السادة ، المراهق الغربي الذي حدثنا عنه أستاذنا أصل ثابت ، شبابنا في محضر آخر ، وفي بيئة أخرى

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

وننتقل مع أستاذنا إلى المحور الثاني هو أننا نطلب منه أن يسلط لنا بعض الضوء عن الإمكانيات العقلية والعلمية والجسدية والنمو في هذه المرحلة ، وكيف يتعامل الآباء مع هذا التطور ، وهذا التغير ؟.

على الإنسان أن يصادق ابنه دائماً :

الدكتور راتب :

لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه ، أي كن صديقاً له .

هناك مرحلة لا يصح فيها أن تؤدبه إطلاقاً ، طفل صغير ، هناك آباء لو أن ابنهم بكى في الليل يضربه ، عمره سنتان ، لاعب ولدك سبعاً ، أما من سبع سنوات إلى أربع عشرة سنة تكلم كلمة غير صحيحة ، كلمة غير لائقة ، معه حاجة ليست له ، يجب أن تبالغ بتأديبه ، لكن بعد أن بلغ الرابعة عشرة شعر بكيانه ، لا هو راشد يرضيك ، ولا هو صغير تعلمه ، أثناء شراء الألبسة يقول لك : هناك سن محير ، وهذا السن بعد الرابعة عشرة يحير ، تعالمه كراشد يخيب ظنك ، يعامله كطفل لا يحتمل .

لذلك هنا جاء التوجيه وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه .

بطولة الإنسان أن يُحترم و يُحب بين أولاده لا أن يحترم فقط :

أنا أقول دائماً الثقافة الإسلامية ، أو بتعبير آخر الثقافة الشرق أوسطية الأب محترم ، لكن البطولة لا أن تكون أباً محترم أن تكون أباً محبوباً ، أؤكد على هذه الحقيقة ؛ كل أب وكل أم محترمان في ثقافتنا ، القرآن يؤكد ذلك ، وعاداتنا ، وتقاليدنا ، لكن البطولة لا أن يحترمك أبناؤك أن يحبوك ، يعني إذا أتيت إلى البيت يجب أن يكون العيد ، هناك عيد لأب سيء حينما يخرج ، فالعيد حينما تدخل لا حينما تخرج ، هناك أب يكون العيد بعد الخروج ، تنفس الصعداء خلصنا منه ، وهناك أب العيد يكون مع الدخول .

الحقيقة صعب تتصوروا أن النبي عليه الصلاة والسلام يؤكد أن الخيرية المطلقة للمؤمن في البيت ، لأنه خارج البيت بالتعبير العصري "بزنز" ، تتأنق ، تبتسم ، تصافح ، ينحي نصفين ، مصلحتك ، من أجل مكانتك ، بالبيت لا يوجد قيود ، تجده بالخارج عصفور بالبيت والعياذ بالله .

فالنبي الكريم يقول :

(( خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي ))

[أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]

يقول عليه الصلاة والسلام :

(( أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً ، من أن أكون لئيماً غالباً ))

[ ابن عساكر عن علي بسند فيه مقال كبير ]

المودة و الحب أساس الحياة الأسرية السعيدة :

بالمناسبة : بيت فيه مودة ، بيت فيه حب ، بيت فيه تسامح ، بيت فيه هدوء ، بيت فيه رعاية للأولاد ، أنا لا أتحدث عن المال إطلاقاً يكون أصغر بيت يقدر بستين متراً ، الأثاث متواضع جداً ، الأكل متواضع جداً ، لكن فيه حب ، وهناك بيت أربعمئة متر ، السُباب والعداوة والبغضاء لا يحتمل ، فأنا أتمنى بيت فيه جنة ، و يجب أن يكون البيت جنة ، وبيدك تفعل هذا .

هناك دائماً تصورات غير صحيحة ، أنه بعد فترة تصبح الحياة مألوفة جداً بل مملة ، لا ، يمكن أن تكون الحياة في البيت فيها الحب ، وفيها الود ، وبتنامٍ مستمر ، الحب تصنعه أنت ، بيدك أن يكون الحب في بيتك مستمراً .

والله أجمل جلسة يجلسها الأب والأم مع أولادهم ، في مداعبة ، في طرفة لطيفة ، في تعليق لطيف ، في سؤال عن دراسته ، في أطرف شيء اليوم سمعه بالمدرسة ، فالمشكلة أن الشاشة ألغت الأب ، ألغت الأم ، ألغت الأسرة ، الوضع بالبيت لا يرضي أبداً ، أما حينما يكون البيت فيه انضباط ، فيه لقاء ، فهو بيت رائع .

أنا كان لي درس بجامع سعد كان عن الحوار فقط ، الحوار مع الأولاد ، أكثر الآباء يعطي أوامر ، ويسب ، ويذم ، آباء محترمون ، لهم مكانة اجتماعية ، ببيته فقط أوامر ، وقمع ، وأنت حمار ، وأنت لا تفهم ، ما هذا الكلام ! ما هذا البيت ؟ بيت فيه ود ، فيه حب ، هذا البيت ينشأ الطفل عنده حاجات عاطفية رويت في هذا البيت .

درسنا بالجامعة أنه حتى الأم حينما ترضع ابنها بقسوة ، تسمم خلصني ، ينشأ ابنها قاسياً ، الابن بحاجة إلى حب .

البيت المنضبط بيت شبيه بالجنة :

أنا مرة لفت نظري إلى حاضنة ، فيها ثقبان ، سألت عنهما فقال لي الطبيب : هذا الطفل الصغير بحاجة إلى أن توضع عليه يد ، وأن تمس جلده ، فتح ثقبين حتى الممرضة تمس الطفل ، فالطفل آكل ، شارب ، نائم ، لابس ، لا يكفي ، يحتاج إلى من يحضنه ، يحتاج من يقبله ، يحتاج من يحمله ، يحتاج من يداعبه ، يحتاج من يمشي على أربعة ويركب ابنه فوقه .

هكذا النبي فعل ، سيد الخلق وحبيب الحق ، أثناء الصلاة تأخر في السجود كثيراً ظنوه قد مات ، شخص رفع رأسه وجد الحسن فوقه ، فقال النبي الكريم : كرهت أن أعجله .

عندك إمكان أن تكون هكذا في البيت ؟ إن كنت هكذا لم يعد هناك مراهقة ، يلتغى الموضوع كله ، أما المواضيع المستوردة الهجينة ليست من أخلاق المسلمين ، شاب عندما أنت علمته يا بني هذه الشهوات لا يوجد حرمان بالإسلام كل شيء له وقت ، عندما يعرف أنه لا يوجد حرمان ، ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، مستحيل أن ينتهي ، اطمأن .

هناك غض بصر ، والبيت منضبط ، ليس هناك ثمانمئة محطة بالصحن ، أربعمئة إباحية ، الابن منضبط ، والأب منضبط ، والبيت في تدين ، في صلاة ، ما في مراهقة ، أنا هذا إيماني وأنا لا أبالغ ، وأنا لست حالماً ، هناك أسر كثيرة هكذا .

والله هناك أسر سمعت عنها الاستيقاظ قبل الفجر بساعة ، يصلون قيام الليل ، يقرؤون القرآن ، يصلون الفجر ، ويجلس الطالب على دروسه ، والأم تهيئ الطعام والشراب وينطلقون إلى أعمالهم ، هناك انضباط عجيب بالبيت ، الأب قائد ناجح ، والأم صالحة جداً البيت يصبح جنة ، ما الذي يمنع أن تكون بيوتنا كلها جنات ، بيدنا والله ، والدخل ليس له علاقة ، البيت صغير ، والدخل قليل ، والأكل خشن ، فيه حب ، الحب يغني عن كل شيء .

المحاضر :

أتوجه الآن بالسؤال إلى الآباء والأمهات كم كتاباً قرأتم عن تربية الطفل ؟ وهو ما يشير إليه الأستاذ ، عن نمو هذا الطفل من الطفولة إلى الرجولة ؟.

الالتفاف والانفضاض :

الدكتور راتب :

الآية الكريمة :

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 159 )

هي معادلة رياضية الاتصال بالله الحقيقي ، إنسان مستقيم ، له اتصال يشتق من الله الرحمة ، هذه الرحمة تنعكس ليناً ، هذا اللين يسبب التفاف الناس حولك ، مدير جامعة ، مدير مستشفى ، قائد ، وزير ، مدير مدرسة ، أب ، أم ، معلم ، أي منصب قيادي إذا كنت متصلاً بالله امتلأ القلب رحمة ، وانعكست الرحمة ليناً ، اللين سبب التفاف الناس حوله .

الآن :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾

لو كنت منقطعاً عن الله امتلأ القلب قسوة ، والقسوة انعكست غلظة ، والغلظة سببت انفضاضاً ، هذا القانون ينطبق على الآباء ، والأمهات ، والأبناء ، وعلى المعلمين ، والمدرسين ، وعلى أي منصب قيادي ، لك اتصال بالله ؟ تشعر برحمة ، الرحمة تنقلب إلى لين ، اللين يسبب التفافاً ، فأنت بين الالتفاف والانفضاض .

العمل عبادة :

لا يوجد ابن إلا ويرى والده محباً له ، مهتماً بمستقبله ، حريصاً على نجاحه ، حريصاً على مستقبله

الإنسان عبد الإحسان .

(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ))

[حديث قدسي رواه البيهقي عن عمير بن وهب]

هذا الكلام يسوقني إلى فكرة ليس لها علاقة باللقاء ، العمل عبادة ، الشاب عندما يتقن عمله يكون دخله معقولاً ، يغطي حاجات أولاده ، حاجات زوجته ، ماذا قال الصحابي الجليل ؟ حبذا المال ، أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي ، أما أب مهمل لعمله ، إهماله شديد ، لا يحب المال ، ليس معه مال ، بابا أريد كومبيوتر ، ما معي ، ما معي ، ما معي ، ما معي ، مل من أبيه ، له صديق منحرف غني التصق به ، طبعاً أطعمه طعاماً طيباً ، وأخذه نزهات ، لكن علمه عادات سيئة جداً .

فلما الأب يتقن عمله ، ويسعى إلى رزق حلال ينفق على عياله ، كأنه في عبادة .

أقول لكم مرة ثانية : حرفتك ، أو مهنتك ، المهنة خدمة الزوجة ، كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله ، نحن عندنا خطأ شائع ، يقول مثلاً : الطبيب الإخصائي أي يخصي ، يقول لك هذا الإنسان محترم ، من الحرمان ، يقول : فلان مولع ، أي ثور أحمر ، عندنا أخطاء شائعة كثيرة جداً .

فالإنسان حينما يتقن عمله ويؤمن حاجات أولاده أصبح العمل عبادة ، بمعنى حرفتك التي تحترفها ، إذا كانت في الأصل مشروعة ، وسلكت بها الطرق المشروعة ، وابتغيت منها كفاية نفسك ، وأهلك ، وخدمة الآخرين ، ولم تشغلك لا عن عبادة ، و لاعن عمل صالح ، انقلبت إلى عبادة ، ما قولك أن كل واحد منا حرفته عبادة ، إذا أتقنها ، وخدم بها المجتمع ، وساهم في بناء أمته ، وكسب المال ، وأنفقه على عياله ، الإنفاق على العيال صدقة من أعلى أنواع الصدقة ، وأن تضع اللقمة في فم زوجتك ، هي لك صدقة ، في بعض الأحاديث يراها يوم القيامة كجبل أحد .

الود الأسري وإتقان العمل أحد أسباب إلغاء سن المراهقة :

هذا الود الأسري ، وإتقان العمل ، أحد أسباب إلغاء سن المراهقة ، في إتقان للعمل في دخل معقول ، الدخل المعقول يحل مشاكل الابن ، طلب كومبيوتراً جاهز ، له غرفة خاصة ، ثيابه في الشتاء جيدة معقولة ، أنا لا أطلب الرفاه إطلاقاً ولا الترف ، محرم هذا يعني له معطف في الشتاء ، يستطيع أن يأكل أكلاً معقولاً ، مع أنه في أسعار مرتفعة جداً الأب يعمل ، والله أشعر أحياناً أن هذا الذي يسعى لكسب رزق أولاده بطريق مشروع ، والله في عبادة مستمرة .

لذلك أيها الأخوة الأمور متداخلة ، المراهقة متعلقة بالدخل ، متعلقة بالإنفاق ، متعلقة بأب واعٍ ، متعلقة بأب متفهم ، مثلاً :

يذهب الأب لمكان بعيد ليأتي بأموال ، ترك زوجته وأولاده ، بالطريق أولاده ، يرجع معه ثمن بيت لكنه خسر أولاده .

النجاح لا يسمى نجاحاً إلا إن كان شمولياً :

أنا أقول لكم كلمة دقيقة الآن : أنا لا أؤمن بنجاح جزئي ، النجاح شمولي ، النجاح الشمولي أساسه أربع فقرات ، أن تنجح مع الله معرفة ، وطاعةً ، وقرباً ، هذا أول نجاح ، وأن تنجح مع أهلك وأولادك ، أنا لا أتصور أن إنساناً ناجحاً مع الله بيته خرب ، بيته في مشكلات ، بيته في عداوة ، في بغضاء ، في تفلت ، ناجح مع الله ناجح في بيته ، وناجح بعمله ، وناجح بصحته ، أربعة أشياء ، أي خلل في أحدها ينعكس على الثلاثة ، خلل حتى بالصحة ينعكس على عبادتك ، على بيتك ، وعلى عملك ، خلل بعملك ، تأخرت ساعة أهانك مدير المدرسة ، تبقى مزعوجاً شهراً ، انعكس على بيتك ، يدك والضرب ، زعجك المدير ، لأنك أنت تأخرت .

الخلل بالعمل ، أو بالبيت ، أو بالصحة ، أو بعلاقتك مع الله ينعكس على الثلاثة فاعتقدوا معي جازمين ليس هناك نجاح جزئي ، النجاح الجزئي لا يسمى نجاحاً أصلاً ، لا يكون النجاح إلا شمولياً .

المحاضر :

قد يظن الشاب ، أو قد تظن الشابة ، أن معارضتها ، أو معارضته لوالديه هو إثبات لذاته ، فتختلف وجهات النظر ، وهنا يأتي دور الأب العاقل كيف يعالج هذا الموضوع بحكمة ؟ كنت أقرأ عن علماء التربية يقول : ما المانع أن أخاطب هذا الولد وقد خالف رأيي بأمور لنتعلم أن الاحترام يولد الاحترام ، أقول له : وجهة نظرك جيدة ، إلا أني أرى غير ذلك ، أو بعبارة أخرى ، علينا أن نتفق أن آراءنا مختلفة في هذا الموضوع ، أفضل من الشتائم ، أو أن نقول لا بأس أن يكون لكل منا رأيه في هذا الموضوع ، أو أن نقول إني لا أرى الأمر كما تراه ، وهذا من حقك ، اختلاف وجهات النظر ظاهرة صحية ، ولكن كيف تعالج ؟ وكيف أصل بهذا الولد إلى جادة الأمن والأمان ؟ دون أن ينفر فلا يعود أبداً ، نريد في المحور الرابع أن نقف مع شيخنا على نماذج متميزة من التاريخ أو من واقعنا المعاصر ، ثم نسأل أنفسنا هل عاش هؤلاء مرحلة المراهقة ؟.

كلما صحت عقيدة الشاب صحّ عمله :

الدكتور راتب :

شاب عمره سبعة عشر عاماً ، عينه النبي صلى الله عليه وسلم قائداً للجيش ، من جنوده أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، هذا الشاب سيدنا أسامة ، كان يركب الناقة وسيدنا الصديق يمشي ، قال له يا خليفة رسول الله : لتركبن أو أنزلن ، قال له : والله لا ركبت ولا نزلت ، وما عليّ أن تغبر قدماي ساعة في سبيل الله .

الآن هذا الشاب قائد ، سيدنا الصديق بحاجة لسيدنا عمر ، قال له : يا أسامة أتأذن لي بعمر ؟ هذا النظام ، الآن معه الهمبرغر وذاهب إلى الملعب ، اختلف الوضع شاب قائد جيش عمره سبع عشرة عاماً !.

صدقوا أيها الأخوة شباب المسلمين في عصور الازدهار كانوا آيات تدل على عظمة الله ، شهد الله الآن أحياناً أدخل إلى مسجد كله شباب ، أرى عدداً كبيراً من الشابات المؤمنات الطاهرات العفيفات المحجبات ، هذه ظاهرة طيبة جداً الآن ، نحن عندنا تصور غير صحيح ، نظن أن الشاب همه أن يتزوج فقط ، والشابة همها أن تتزوج ، لا ، هناك هموم ثانية ، أحياناً الشاب يحمل همّ أمته ، والشابة تحمل همّ أمتها أحياناً ، هذا شيء يرفع من مستوى الشباب ، فكلما صحت عقيدة الشاب صحّ عمله ، وكلما تلقى توجيهاً صحيحاً صار بطلاً ، مثلاً : من منا يصدق أنه إلى جانب رسول الله غلام صغير ، جاءت ضيافة ، بحسب توجيه النبي من حقّ الصغير أول شيء ، قال له سيد الخلق ، حبيب الحق ، سيد الأنبياء والمرسلين يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ قبلك ؟ قال له : لا والله هذا حقي ، هذا لمن التوجيه ؟ هذا التوجيه لنا ، نمّى له شخصيته ، استأذنه ، وضعه إلى جانبه .

قبل أن آتي كنت في درس بمسجد ، إنسان بعيد عن اللباقة ، دخل ليصلي في المسجد ، كان هناك صف واحد فقط ، إلى جانبه طفل صغير فدفعه نحو الخلف ، لا يوجد صف ثانٍ ، هذا الطفل يقسم بالله ترك الصلاة خمسة و خمسين عاماً ، لم يدخل إلى المسجد إلا بعد خمسة و خمسين عاماً .

هناك قصة بالمقابل ابن صغير والده اشترى له حذاء جيداً على العيد ، دخل إلى الجامع ، سُرق ، صار يبكي ، أخذه رجل وقور إلى محل أحذية ، اشترى له حذاء أجمل من حذائه السابق ، يقسم بالله ما ترك الصلاة بحياته ، المعاملة واحدة ، هذا الطفل كيف النبي احترمه ، كيف النبي كرمه .

الإسلام انضباط و حبٌّ :

أنا أرى أنت حينما تحترم ابنك أحياناً تحترمه تسأله ، ما قولك بابا نعمل هكذا ، أنا أحب أن أسمع رأيك ، بماذا شعر ؟ أما إذا قلت له اخرس أنت لا تفهم ، هكذا الآباء ، أي أب هذا ؟ ابنك هذا ، نعم بابا طمئني عنك ، أما كلام عنيف !! .

والله أنا سمعت طالبة قالت لها معلمتها أنت حمارة ، تعقدت ، عشرون سنة هذه الكلمة حطمتها ، لا يصح أن تقول هذا الكلام ، والله يوجد كل كلمة تعد جريمة .

(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاٍ ))

[ الترمذي عن أبي هريرة ]

كلمة واحدة ، عفواً ، قصيرة السيدة عائشة قالت عن صفية أنها قصيرة ، الآن يشرحوها مليون تشريح ، قصيرة ، قال : يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ، هذا الإسلام ، الإسلام انضباط ، بيت منضبط لا يوجد فيه مراهقة ، بيت فيه حب ، نحن نفهم الحب بعيد الحب مثلاً ، الحب ضمن الأسرة مهم جداً .

مرة كنا بجامعة دمشق بكلية التربية ، أنا علّمت فيها ثلاثين سنة ، أحد كبار المدرسين الدكتور فاخر العاقل ، أحيل على التقاعد الآن مريض عافه الله ، فأقيم له احتفال ضخم جداً ، فقال كلمة مفادها : أي إنسان لا يشعر بحاجة إلى أن يُحِب ، ولا بحاجة إلى أن يُحَب ليس من بني البشر ، هذا الحب يجب أن يكون في البيت ، لأن البيت أقرب شيء لك .

مساواة النبي عليه الصلاة والسلام في الحب بين الحسن بن علي و أسامة بن زيد :

المحاضر :

أستاذنا جزاه الله خيراً ، وأريد أن أعود معكم إلى سيدنا أسامة لنربط بين أسامة وبين الحب ، أسامة بن زيد والده زيد بن حارثة ، وأمه أم أيمن ، بركة الحبشية ، ويقول الرواة : إنه كان أسود أفطس الأنف كأمه ، رضي الله عنه وعنها ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في السيرة يمسكه مع سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه وعن أبيه وعن أمه ، وكان أبيضاً وأزهر كجده عليه الصلاة والسلام ، ويضمهما إلى صدره قائلاً : اللهم إني أحبهما فأحبهما ، هذا أسامة ، هذه بطولة أسامة ، الذي قاد الجيش وهو ابن سبعة عشر عاماً ، لأنه نشأ على حب النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو يدعو له : اللهم إني أحبه فأحبه ، صلى الله عليه وسلم ، وهو سيد المربين .

المساواة في المعاملة بين الأولاد :

الدكتور راتب :

أريد أن أعلق تعليقاً ، أحياناً يكون في البيت ولدان ، ولد ذكي ، وجميل الصورة ، والثاني أقل ذكاء وأقل جمالاً ، وأحياناً معه قليل من الغلاظة ، أنت كمؤمن عليك أن تعامل الاثنين نفس المعاملة ، تقبل الاثنين ، تحضن الاثنين ، تشم الاثنين ، تعطي الاثنين ، بهذه الطريقة تلغي له هذه العقدة ، أما أكثر الآباء يهتم بالابن الذكي قليلاً ، أو الذي صورته جميلة ، أو عينه عليه دائماً ، بابا أكلت ؟ والثاني تاركه ، أنت بهذا حطمت الثاني ، أنت مؤمن ، لا يمكن أن تميز واحداً على واحد بقبلة إطلاقاً ، يجب أن تكون عدلاً تماماً .

في بعض الروايات وضع سيدنا أسامة على إحدى رجليه ، وسيدنا الحسن على الثانية ، ما في نسبة بالشكل بينهما ، ضمهما وشمهما .

أحياناً هناك بنت أقل جمالاً من أختها ، إذا سمعت كلمة قاسية من أخوتها الذكور يجب أن تقيم القيامة عليهم ، لا يوجد أي تعليق على الشكل إطلاقاً ، تعليق على السلوك فقط ، هذه أشياء أساسية بالبيت ، أب عادل ، أم عادلة ، برعاية فائقة يلغي كل العقد عند أولاده الأب ، تلتغى العقد كلها ، و إلا كلها تصبح عقداً .

المحاضر :

كلما سمعنا نستفيد أيها الأخوة أننا أمام مرحلة المراهقة ، نصنفها كأنها حياة بناء وإنتاج ، وليست مرحلة تشتت ولا مرحلة ضياع ، نحن لنا قدم نتكلم بلسان أخواني وأخواتي من الشباب ، لنا قدم في المستقبل ، قدم في الحاضر ، وأعيننا ترنو إلى المستقبل ، أهم مشكلات المراهق عند من اختص بذلك الحب ، إضاعة الوقت ، نظرة من حوله له ، بكلمات سريعة أستاذنا كيف نوجه أخواننا من المراهقين ، وأخواتنا من المراهقات ؟.

الحب قيمة واسعة جداً و له وقت معين :

الدكتور راتب :

يعني إذا قلنا الحب له وقت معين ، لا أعني أن أغيب الحب ، الحب قائم ، لكن نحن كلمة الحب نفهمها فهماً محدوداً جداً بعلاقة لا ترضي الله ، ليس هذا هو الحب ، الحب ما كان وفق منهج الله عز وجل ، أنا لما أعطي ابني قناعات ، أعطي حباً بالبيت لا يحتاج الشاب إلى حب آخر ، بأول حياته أمه قاسية جداً عليه ، أمه مشغولة مع الجيران ، مشغولة بحظوظها الشخصية ، تهمله ، ودائماً لسانها قاسٍ عليه ، سُباب ، بحاجة إلى أثنى تقول له أنا أحبك ، هو بأول سن والدته كافية ، لو شعر بحب من والدته ، وعطف ، واهتمام ، عنده حاجة تحققت ، أما لا يجد كلمة طيبة بالبيت ، قال لي شخص ابني يأتي الساعة الثانية إلى البيت ، بعد ما فهمت وضعه بيته جحيم ، قلت والله معه حق يأتي الساعة الثانية ، لا يوجد كلمة طيبة بالبيت ، فينبغي أن يكون في البيت كلام طيب ، وحب ، والحب غذاء أساسي .

أنا أرى عندما يعرف الشاب أن هذا الحب إذا كان بالوقت المناسب ، وبالوضع المناسب يثمر عطاء كبيراً ، والآن وقت بناء الذات ، هذه المعاني يجب أن يقولها الأب لابنه معقول إنسان بالعشرين نزوجه ، ما في إمكانية ، عندما نحن نوجهه توجيهاً دينياً صحيحاً ، نعلقه بقيم عالية جداً ، ونقول هذا الوضع له وقت ، لا تطلبه قبل أوانه ، يقبل معك ، أما لا يعرف شيئاً ، الله فطره على حب الأنثى فقط ، يسمع كلمة من إنسانة تجده اختلف الوضع .

أنا أقول لكم بصراحة : قلّما يجلس الآباء مع أولادهم ، وقلّما تجلس الأمهات مع بناتها ، يعني آكلة ، شاربة انتهى ، أكلوا ؟ أكلوا ، تعشوا ؟ تعشوا ، كتبوا ؟ كتبوا ، أما الابن ما وضعه ؟ ما علاقته ؟ لا يوجد شيء من هذا .

أنا أرى أن موضوع الحب ليس شرطاً أن يكون بين شاب وأنثى مبدئياً ، الحب قيمة واسعة جداً ، إن كان بيت فيه حب الحاجة تأمنت ، فالزواج له وقت ثانٍ .

المحاضر :

نحرص عليه من باب الحلال ، الأمر الثاني إدارة الوقت أيها الأخوة ، قرأت لبعض علماء الغرب يقول : إن الذين تعودوا السمسرة لا يستطيعون أن يستمعوا صوت أقدام الوقت وهو يمضي ، لأن حياته تافهة ، لا قيمة لها ، ويمضي الوقت وقت البناء ، وقت العمل ، دون أن يسمع لأقدامه صوتاً وهو يمشي فنصيحة لأخواننا عن إدارة الوقت .

إدارة الوقت :

الدكتور راتب :

أنا أؤمن أنه من أدق التعاريف للإنسان أنه وقت ، تعريف الإمام الحسن البصري الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، أنت وقت ، والوقت إما أن ينفق استهلاكاً ، أو أن ينفق استثماراً ، معظم الناس أكلنا ، شربنا ، نمنا بعد الظهر ، جلسنا ، سهرنا ، تنزهنا ، عملنا عزيمة ، صار بالخامسة والسبعين ، جاءت الأزمة القلبية إلى المستشفى إلى القبر ، ليس مستعداً للآخرة ، عندما تعرف أنك أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك ، أخطر مفهوم الإنسان وقت ، بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك .

لذلك بطولتنا أن نعد أعمارنا عداً تنازلياً ، ذهبت إلى حمص ، مئة و ستون ، مئة و أربعون ، مئة و عشرون ، مئة ، ثمانون ، ستون ، بعدها خمسة ، حمص ترحب بكم ، نفس الشيء عمرك ، أنا كم يوم بقي لي ، كم سنة ؟ كل واحد ، هناك أشخاص تعمر ، كم يوم ؟ كم سنة ؟ لا تقل : عمري خمسة و ستون ، لا ، كم سنة بقي لي ؟ ماذا أفعل بهذه الأيام ؟ فالوقت أساسي جداً ، إما أيها الأخوة ، ينفق استهلاكاً كشأن معظم الناس ، أو أن ينفق استثماراً .

إنفاق الوقت استهلاكاً أو استثماراً :

ما معنى إنفاق استثماري ؟

﴿ وَالْعَصْرِ﴾

( سورة العصر )

أقسم الله بمطلق الزمن ، بهذا المخلوق الأول ، الذي هو في حقيقته زمن ، أقسم له فقال :

﴿و العصر* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾

( سورة العصر )

جواب القسم أيها الإنسان أنت خاسر ، لماذا يا رب ؟ قال : لأن مضي الزمن يستهلكه فقط مضي الزمن ، لذلك تلافي الخسارة :

﴿ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

( سورة العصر )

ما لم تبحث عن الحقيقة ، وما لم تعمل وفقها ، وما لم تدع إليها ، وما لم تصبر على البحث عنها ، والعمل بها ، والدعوة إليها فأنت خاسر ، هذه السورة كما قال عنها الإمام الشافعي لو تدبرها الناس لكفت .

أخوانا الكرام ، مفهوم الوقت حضارة ، الوقت ثمين جداً ، وهو كالسيف إن لم تقطعه قطعك .

المحاضر :

أستاذنا عند هذه النقطة ، بعض علماء بغداد "علماء السلف" يقول : فهمت سورة العصر من بائع متجول في شوارع بغداد كان يبيع ، القضية الأخير نظرة من حولنا بالنسبة للمراهق ، كيف ينظر الناس إليه ، وكيف يهتم بهذه النظرة ؟.

الأب الواعي عليه استيعاب أخطاء أبنائه و مساعدتهم على عدم تكرارها :

الدكتور راتب :

الأب عندما يكون واعياً جداً ، أفقه واسع ، وأبنه أخطأ ، الخطأ يجب أن يستوعبه ، أما على كل خطأ في تعليق صار هناك شرخ بين الأب وبين ابنه ، أحياناً السكوت على خطأ الابن أفضل من أن تحاسبه عليه ، وأحياناً عد الخطأ شيء طبيعي .

أنا مرة أذكر إنساناً توظف بوظيفة ، فأخطأ فقال له مديره : لا ، الوضع طبيعي ، لكن لا تعيدها .

عود نفسك البطولة ، ليست البطولة أن تكون مخطئاً ، البطولة ألا تبقى مخطئاً ، ليست البطولة أن تجهل ، الخطأ أن تبقى جاهلاً ، فإذا تعاملت مع ابنك ممكن يغلط ، ممكن يجهل ، فالخطأ يصحح ، والجهل يصحح بهذا الشكل .

العقل أصل بالدين :

هناك شبهة كبيرة جداً ، وخطيرة جداً في العالم الغربي ما في منع أذكرها ، أحياناً يظنون الشاذ عنده جينات شاذة ، لذلك الآن يعاملونه معاملة عادية جداً ، كلينتون قبل ما تنتهي رئاسته ألقى قنبلة علمية ، لما وصلوا إلى خارطة الجينات ، ماذا قال ؟ قال : لا علاقة للجينات بالسلوك ، واضحة ؟ لا علاقة للجينات بالسلوك ، لو شخص جيناته غلط ، كيف الله يحاسبه ؟ هل يوجد معك دليل إيماني ، إنسان أعطاه الله جينات شاذة وقام شذ ، والله عاقبه ، الكلام غير منطقي ، العقل أصل بالدين ، فقال : هذه الخارطة الجينية تؤكد أنه لا يوجد علاقة أبداً بين الجينات والسلوك ، إذا صدقناها يجب ألا نعاقب المجرم ؟!

المحاضر :

فضيلة الدكتور إذا كنا ننتقد الغرب كل هذا النقد الشديد ، ونلصق به كل مشكلاتنا هل بقي من شيء نستفيد منه من هؤلاء ، نستفيد منها ، ولا تضرنا وكيف ؟.

ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء :

الدكتور راتب :

أحد كبار المفكرين سُئل ماذا نأخذ وماذا ندع من حضارة الغربيين ؟ فقال : نأخذ ما في رؤوسهم ، وندع ما في نفوسهم ، إحساسنا ملكنا ، وإحساسهم ملكهم ، والثقافة قاسم مشترك بيننا .

والله كنا بألمانيا وزرنا كنيسة كبيرة ، يقول لنا رئيس الكنيسة : لكم فضل علينا حضارتنا منكم ، كان واقعياً ، فنحن لنا فضل على الأمة .

لذلك قالوا : ثقافة أية أمة ملك البشرية جمعاء ، لأنها بمثابة عسل استخرج من مختلف زهرات الشعوب ، على مرّ الأجيال ، وهل من العقل إذا لدغتنا جماعة من النحل أن نقاطع عسلها ؟ لا نأخذ عسلها .

المحاضر :

أستاذ عندنا سؤال من مراهق يسأل الحب بين شاب وبنت حرام لماذا ؟.

الحب قبل أوانه مشكلة :

الدكتور راتب :

في منهج الله عز وجل افعل ولا تفعل ، الحب قبل أوانه في مشكلة ، صار في تعلق شديد ، لأن الله عز وجل أودع في كل شاب محبة للأنثى ، أودع في نفس الأنثى محبة للشاب ، هذا الحب مبرمج في الإسلام على الزواج ، الزواج في مستقبل ، في أولاد ، أول المحاضرة قلت : هذا العالم الذي تزوج ،عنده ثمانية و ثلاثون حفيداً ، ثلاثة عشر حفيداً منهم حافظ لكتاب الله هذه العلاقة أساسها زواج ، وفي أي بيت دعارة علاقة جنسية ، فالحب قبل أوانه له مشكلات ، وسائل وإمكانيات الزوج غير متوفرة .

المحاضر :

نصيحة أخيرة للمفكرين والمربين .

نصيحة أخيرة للمفكرين والمربين :

الدكتور راتب :

أخطر فئة عندنا هي الشباب ، يريدون أربع حاجات ، يحتاجون فرصة عمل ، وزواجاً ، وبيتاً ، ما لم يسعَ الجميع مسؤولين وأولياء أمور إلى تأمين زواجهم ، وبيتهم ، وفرصة عمل لهم (للشباب والشابات)فهناك مشكلة كبيرة جداً ، والأغرب من ذلك نسبة العنوسة في سوريا 50% ما لم نسعَ إلى تزويج الشباب والشابات ، ونؤمن بيوتاً وأعمالاً عندنا مشكلة كبيرة جداً تنتظرنا ، هذه كلمة أقولها هي حقيقة مرة ، لكن لابدّ من أن أقولها .

خاتمة و توديع :

المحاضر :

جزاكم الله خيراً ، في ختام هذه الجلسة الطيبة المباركة أريد أن أختم بإشارة قرآنية بدأها شيخنا جزاه الله خيراً بوصف المراهقة بالفتوة بقول الله تبارك وتعالى :

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

أنا أريد أن أقف معكم لدقيقتين فقط كيف تحاور هؤلاء الفتية في سورة الكهف عندما استفاقوا من نومهم ، وحاور بعضهم كيف تكون أخلاق الفتوة في الإسلام ، قالوا :

﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾

( سورة الكهف )

في رسائل ربنا يصف حال الفتية المؤمنين

﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾

الشاب المسلم لا يعتمد على غيره

﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾

من مالكم لا من مال غيركم ،

﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ﴾

أعاد الضمير على الله تبارك وتعالى فنعمة نستدل بها على المنعم ،

﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾

ذوق وأدب ،

﴿ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾

حيطة وحذر ، هذه أخلاق الشباب الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى .

أسأل الله أن يعصم شبابنا ويحفظ فتياتنا ، ويقر أعين الآباء والأمهات بذلك ، وجزى الله أستأذنا الكريم خير جزاء على ما أتحفنا به ، وإلى لقاء قريب قادم أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

والحمد لله رب العالمين

http://nabulsi.com/blue/ar/art.php?art=3199&id=189&sid=800&ssid=860&sssid=870