الحقوق محفوظة لأصحابها

سعد الشثري
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

أما بعد:

فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم في لقائنا الرابع من لقاءات قراءاتنا في كتاب الورقات في علم الأصول.

سبق أن ذكرنا أن علم الأصول يُبحث فيه ما يصح أن نستدل به على الأحكام، ما الذي يكون دليلًا صحيحًا؟ وما هو الذي لا يصح أن يُستدلُّ به؟

وكذلك في علم الأصول نبحث قواعد الفهم والاستنباط، كيفية تفسير ألفاظ القرآن والسنة؟

وكنا درسنا في اللقاء السابق ما يتعلق بالأوامر والنواهي، مثل قوله -عز وجل- ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43]، هذه أوامر، ما معناها؟ ما مُفَادُها؟ أخذناه في اللقاء السابق.

كنا قد ابتدأنا بالكلام عن العام، ونعيد الكلام فيه، إذن: الكلام الآن في مبحث العام والخاص.

العام والخاص نوعان من أنواع الكلام، بحيث إذا جاءنا لفظ عام في الكتاب أو السنة نقوم بجعل الحكم الذي يتعلق بالعام مستغرقًا لجميع الأفراد، بخلاف ما إذا جاءنا لفظ خاص، نمثِّل لذلك بمثال.

جاءنا في النصوص الشرعية يقول الله -عز وجل- ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: 11]، "أولاد" هنا من ألفاظ العموم، هل هو لبعض الأولاد أو لجميع الأولاد؟ لجميع الأولاد، هذا يسمى لفظا عاما، لماذا؟ لأنه استغرق جميع ما يصلح له.

لكن لو قال مثلًا: "أعطِ أولادًا"، هذا اللفظ لفظ خاص، يصدق على بعض الأفراد دون جميعهم، لما قال -جل وعلا-: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92]، ﴿رَقَبَةٍ﴾ عام يشمل جميع الرقاب أو هو خاص؟

كـ ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة: 89]، ﴿مَسَاكِينَ﴾ نطعم جميع المساكين أو بعض المساكين؟ بعض المساكين. هذا من ألفاظ الخصوص.

إذن: العام والخاص نوعان من أنواع الألفاظ، بحيث إذا جاءنا لفظ عام فإننا نجعل حكمه يستغرق جميع الأفراد التي تدخل تحت ذلك العام، أما إذا جاءنا لفظ خاص فحينئذ لا نجعل الحكم شاملًا لجميع الأفراد، وإنما يكون لبعض الأفراد دون بعضها الآخر.

واضح هذا الكلام، هذا من أجل أن نفهم الكتاب والسنة، ونفهم كلام الناس، لو جاءنا صك من المحكمة، لو جاءنا وصية، لو جاءنا وقف.

لو قال مثلًا في الوقف: "غلة الوقف تُصرف لأولادٍ من أولادي"، فحينئذٍ هذا اللفظ خاص ليس بعام، وبالتالي يجوز تخصيص بعض الأولاد بغلة الوقف.

لكن لو قال: "تُصرف غلة الوقف لجميع أولادي"، فحينئذٍ لا بد من استيعاب جميع الأولاد بذلك الوقف.

عرَّف المؤلف "العام" فقال: (وأما العام فهو ما عمَّ شيئين فصاعدًا)، هذا في اللغة، (من قوله عممتُ زيدًا وعمرًا بالعطايا) يعني شملتهما بالعطاء.

(وعممتُ جميع الناس بالعطايا)، بعضهم أو جميعهم؟ الجواب: الجميع، فهذا من ألفاظ العموم.

العموم إذن: لفظٌ مستغرق لجميع ما يصلح له.

قال المؤلف: (الألفاظ الدالة على العموم أربعة:)، إذا جاءنا واحد منها فإننا نقول بأن الحكم يشمل جميع الأفراد.

- الأول: الاسم الواحد المُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية.

مثال ذلك: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38]، "السارق" لفظ مفرد أو جمع؟ واحد، لكنه مُعرَّف بـ(أل) التي للاستغراق، فيشمل جميع الأفراد.

﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [العصر: 2]، ﴿الإِنسَانَ﴾ لفظ مفرد، مُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية، فيشمل جميع الأفراد، أفراد الإنسان إلا ما أُخرِج بالاستثناء في قوله: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، الآية. هذا ماذا؟ من ألفاظ العموم.

مَن يأتي لنا بلفظ عموم مفرد مُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية تفيد العموم؟ نعم.

{قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ [النور: 2]}.

الشيخ:

﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا﴾.

﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ﴾ [النساء: 34] ، هذا خطأ؛ لأن "رجال" جمع، ونحن نقول: الاسم الواحد، هذه الآية تدخل في النوع الثاني.

- النوع الثاني: اسم الجمع المُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية، مثلما مثَّلت، "رجال" جمع مُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية فيُفيد العموم. هل هذا لبعض الرجال أو لجميع الرجال؟ لجميع الرجال.

قال تعالى: ﴿إِنَّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ [الأحزاب: 35]، "مسلمين" جمع معرَّف بـ(أل) فيفيد العموم.

وكذلك لو كان مُعرَّفًا بالإضافة، مثل: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: 11]، "أولاد" جمع مضاف إلى معرفة فيُفيد العموم.

- النوع الثالث: الأسماء المبهمة، يعني لا تدل على ذات بعينها، هو اسم لكنه لا يدل على عين بذاتها، فهذا يُقال له: أسماء مبهمة.

مثال ذلك: لفظة "مَنْ" فإنها من ألفاظ العموم، ليست "مِنْ"، "مِنْ" هذا حرف جر، "جاء مِنْ السوق" هذا لا يدخل معنا، يعني الحرف، نتكلم عن أي شيء؟ عن الأسماء، أما الحروف فلا تدخل معنا.

مثال ذلك: قوله -عز وجل-: ﴿لِلَّهِ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ﴾ [يونس: 66]، هذا عام، كأنه قال: جميع مَنْ في السماوات وجميع مَنْ في الأرض.

هل هناك أحد في السماوات أو في الأرض ليس لله؟ لا، فهذا من ألفاظ العموم. وهذا يسمونه اسم موصول بمعنى الذي.

كذلك قوله -عز وجل-: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، "مَنْ" هذه خاصة بالرجال أو تشمل النساء؟ عامة، هل هي للمسلمين فقط؟ نقول: لا، للجميع، فهذا اللفظ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾، "مَنْ" اسم مبهم، ومن ثمَّ يكون من أسماء العموم.

مثل قوله -عز وجل-: ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [البقرة: 245]، هل هذا خاص بالأغنياء؟ لا، يشمل الفقراء.

هل هو خاص بالرجال؟ لا، إذن هذا من ألفاظ العموم.

مثال ذلك أيضًا لفظة "ما" إذا كانت اسمًا فإنها تفيد العموم.

مثال ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا فرغ من التشهد؛ فليدعُ بما شاء»، بـ "مَا" يعني بكل ما يشاء، "مَا" هنا اسم موصول، اسم من الأسماء المبهمة فيفيد العموم، وبالتالي يجوز له أن يدعو بأمور الآخرة وبأمور الدنيا، ويجوز له أن يدعو بألفاظ القرآن وبغير أدعية القرآن، وبالأدعية المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبغيرها؛ لأن "ما" هنا من ألفاظ العموم.

مثل قوله -عز وجل-:﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]، "مَا" هنا اسم مبهم للجزاء، فيشمل العمل القليل والعمل الكثير، ويشمل عمل السِّر وعمل العلانية.

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ [النساء: 126]، هل نقول بأن المراد به الحيوانات فقط؟ نقول: لا، لفظ "مَا" اسم مبهم، فتكون عامة، فتشمل جميع ما في السماوات.

والغالب أن "مَنْ" تُستعمل فيمن يعقل، له عقل، و"ما" تُستعمل فيمن لا يعقل.

وتلاحظون أن "مَا" في بعض الأحوال تأتي وهي حرف، فلا تفيد العموم، لأن الكلام هنا المفيد للعموم هو في الأسماء، أما في الحروف فإنها لا تفيد العموم.

ومن أمثلة ذلك: "ما" النافية، "ما" النافية هذه لا تفيد العموم.

مثال ذلك لو قلت: "ما جئتُ إليكَ اليوم"، هنا "ما" نافية، فلا تفيد العموم.

قال المؤلف: (وأي في الجميع)، يعني فيمن يعقل، وفيمن لا يعقل.

مثال ذلك: قوله -عز وجل: ﴿أَياًّ مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى﴾ [الإسراء: 110]، كأنه قال: بأي اسم دعوتموه.

والقول بأن "أي" تفيد العموم هو قول كثير من الأصوليين، ولعل الصواب: أن "أي" لا تفيد العموم، وإنما تفيد الإطلاق، ولذلك قال: ﴿أَياًّ مَّا تَدْعُوا﴾، يعني بأي اسم فلله الأسماء الحسنى.

من ألفاظ العموم، من الأسماء المبهمة: "أين" التي تُستعمل في المكان، "أين أنتم الآن".

﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ المَوْتُ﴾ [النساء: 78]، كأنه قال: في كل مكان تكونون يدرككم الموت.

وقوله -عز وجل-: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ [التكوير: 26]، أي: أي مكان، كل مكان تذهبون إليه فإن الله -عز وجل- قادر عليكم.

وقوله -جل وعلا-: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ﴾ إلى أن قال: ﴿أَيْنَ مَا كَانُوا﴾ [المجادلة: 7]، يعني أي جميع الأمكنة التي يكونون فيها فإن الله يعلم ما يسرونه وما يعلنونه، ويكون معهم بعلمه.

﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: 115]، مثال صحيح، يعني كل وجهة تتوجهون إليها عند خطئكم في معرفة القبلة في البرّية ونحوها؛ تُقبل صلاتكم.

ومثله أيضًا: "متى" التي تُستعمل في الزمان، فإنها تفيد العموم.

وقد يمثلون له بقوله ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ﴾ [يونس: 48]؛ أي نسألكم عن جميع الأوقات، أي وقتٍ منها سيقع الوعد الذي ذكرتموه؟.

و"متى" بعض أهل العلم قد يقول بأنها من أدوات الإطلاق، والجمهور على أنها من أدوات العموم.

تقول: "متى تزرني أُكْرِمُكَ"، يعني في جميع الأزمنة أُكرمُكَ متى زرتني، فهذا من ألفاظ العموم.

كما تقدَّم أن "مَا" قد تُستعمَل في الاستفهام، وقد تُستعمَل في الجزاء، وقد تُستعمَل موصولة.

مثال الموصولة: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ﴾ [النساء: 126]، ما تحتاج إلى جواب، ولم يُعلَّق فعل بفعل، هذا اسم موصول.

قد تكون "مَا" في الاستفهام وتكون مفيدة للعموم، كقوله تعالى ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾ [طه: 17]، أي أسألك عن جميع ما في يدك، فهذا "ما" استفهامية.

وقد تكون "ما" للجزاء، أو يسمونه بعضهم: "الشرطية"، وهي التي يُربَطُ فيها فعل بفعل، ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾ [البقرة: 197]، يعني جميع ما تفعلونه يعلمه الله، هنا رُبط ﴿تَفْعَلُوا﴾ بـ ﴿يَعْلَمْهُ﴾، فكانت "ما" الجزائية، "ما" الشرط.

﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [الحشر: 5]، هذا "مَا" الشرطية.

كما أخذنا من أدوات العموم: قال ماذا؟ (وألفاظه أربعة:)

- الاسم الواحد المعرف بالألف واللام.

- الثاني: الجمع المعرف بهما.

- الثالث: الأسماء المبهمة.

- النوع الرابع: النكرة في سياق النفي، وهي قوله: (ولا في النكرات)، فإذا جاءت نكرة في سياق النفي؛ فإنها تفيد العموم.

مثال ذلك قولك: "لا إله إلا الله".

لا: أداة نفي.

إله: نكرة في سياق النفي فتكون مفيدة للعموم، كأنه قال: أنفي ألوهية جميع الآلهة إلا ألوهية رب العزة والجلال، هذا من ألفاظ العموم.

﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ﴾ [يس: 30]، "رسول" نكرة في سياق النفي "مَا" تفيد العموم. جميع الأنبياء وُجدَ من يستهزئ بهم.

مثال آخر في النكرة، قول الله -عز وجل-: ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾ [الجن: 18]، "أحد" نكرة في سياق النهي فتفيد العموم، وبالتالي لا يجوز أن نتوجه بالدعاء للأنبياء، ولا للأولياء، ولا للملائكة، ولا للصالحين، ولا لعلية القوم، ولا للملوك، ولا للرؤساء، وإنما تكون عبادتنا لله وحده، دعاؤنا لله وحده بدلالة هذه الآية.

طيب.. إذن كم عددٍ ذكرَ؟ أربعة أصنافٍ.

هناك أصناف أخرى من ألفاظ العموم لم يذكرها المؤلف مثل: "كل"، و"جميع".

"كل" من ألفاظ العموم، قال تعالى ﴿فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: 30]، هنا ثلاثة ألفاظ من ألفاظ العموم ﴿المَلائِكَةُ﴾ جمع مُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية، ﴿كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾.

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ [الأعراف: 158]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ﴾، ﴿النَّاسُ﴾ اسم جمع مُعرَّف بـ(أل)، و﴿رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾، ﴿جَمِيعاً﴾ هذا من ألفاظ العموم.

ومنه أيضًا: "كافة"، فهذه من ألفاظ العموم.

إذن: هذه ألفاظ العموم، وذكرنا الجمع المُعرَّف بالإضافة.

قال: (والعموم من صفات النطق)، ما يكون من الناس قد يكون أفعال بالجوارح، وقد يكون اعتقادات بالقلب، وقد يكون أقوال باللسان "نُطْق".

العموم من صفات الأقوال التي تكون باللسان، واضح هذا؟

إذن: الأفعال التي نفعلها بجوارحنا هذه لا توصف بأنها عامة، لكن لو تكلمت بفعل، قلت مثلًا: ذهب أو يذهبون. قد تكون مفيدة للعموم بوجهٍ آخر سنأتي إليه.

الكلام تعرفون أنه على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: حروف، مثل: "في - عن - على - ما (النافية) - مِنْ" هذه لا تفيد العموم، الحروف لا تفيد العموم بنفسها.

والنكرة في سياق النفي ليس العموم مستفاد من حرف النفي، وإنما مستفاد من التركيب بين النكرة والنفي.

النوع الآخر: ما يتعلق بالأسماء، العموم في الأسماء، وأغلب الأنواع السابقة أسماء، ولذلك قد تكون مفرد وقد تكون جمعًا.

إذن: الأسماء هي المعنية بمباحث العموم.

النوع الثالث من أنواع الكلام: الأفعال، وليس المراد ما تفعله الجوارح، وإنما النطق بالفعل.

النطق بالفعل:

- إما أن يكون فعلًا مثبتًا، مثل: "جاء زيد"، فهذا لا يفيد العموم.

- وإما أن يكون فعلًا منفيًا، فهذه الأفعال المنفية تفيد العموم إذا حُذِفَ متعلقها، كما لو قال: "لا تجلس" معناه في أي مكان في أي زمان.

لو قال الشارع: "لا تقتل" هنا حُدِّد المكان؟ ما حُدِّد، يعني في جميع الأمكنة.

حُدِّدَ الزمان؟ لم يُحدَّد في جميع الأزمنة وجميع الأمكنة.

حُدِّدَ مَنْ يتوجَّه إليه القتل؟ لم يُحدَّد، فيشمل الجميع إلا ما استُثنِي.

حُدِّدَ الآلة؟ لم تُحدَّد الآلة، ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: 151]. إذن: لم تُذكر الآلة، فتشمل جميع الآلات.

الأفعال المنفية أو التي نُهيَ عنها ولم يُذكر المُتعلَّق فيها تُفيد جميع الأفراد، جميع المتعلَّقات.

لو قال قائل: النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذهب إلى اليمن. في أي سنة هذا الكلام؟ جميع السنوات، لأنه فعل منفي، حُذِفَ متعلَّقُه، فيفيد جميع السنوات.

طيب.. قال المؤلف: (ولا تجوز دعوى العموم)، ما معنى العموم؟ استغراق جميع الأفراد.

(في غيره) يعني في غير الألفاظ السابقة التي ذكر الملف أنها أربعة، ونحن وضعنا الخامس.

(في غيره من الفعل)، الأفعال التي تكون بالجوارح لا تفيد العموم.( وما يجري مجراه).

قال المؤلف: (والخاص يقابل العام)، العام يستغرق جميع الأفراد، بينما الخاص يكون لبعض الأفراد دون جميعها.

والخصوص قد يكون خاص بفرد، يكون خاص من جميع الجهات مثلما تقول: "جاء زيد"، "زيد" واحد، هذا خاص. هل يحتمل أنه زيد وعمرو؟ ما يحتمل. هذا خاص.

وهناك خاص نسبي، وهو الذي أضيف إلى العموم فيه قيْد، ومن أمثلته المطلق، عندما تقول: "جاء رجال".

ننظر عدد من الأسئلة ثم نعود.

علاء من مصر يقول: ما الفرق بين العموم والإطلاق؟

العموم: يستغرق جميع الأفراد، كما تقول: "جاء الرجال"، كل الرجال.

"خلق الله الرجال" بعضهم أم جميعهم؟ جميعهم.

لكن عندما تقول: "جاء رجال"، جميع الرجال أم بعضهم؟

إذن: الأول عام، والثاني مطلق.

العموم له الصيغ السابقة، والمطلق يكون نكرة في سياق الإثبات، لو قال: "أطعم عشرة مساكين"، هل تطعم جميع المساكين؟ إذن: ليس عامًّا لأنه خاص بأفراد، عشرة مساكين. هل حدَّدهم؟ لو حدَّدهم أصبح خاصًا.

طيب.. يقول أبو أنس: هل المغمى عليه يُعدّ..

هذا تكلمنا عليه.

سارة من السعودية تقول: النكرة في سياق النفي لا تقتصر على "لا" كما في المتن.

نعم، قد تكون أداة النفي "ما"، قد تكون "ليس"، وقد تكون هناك "خلا" ونحو ذلك.

طيب.. يقول السائل: هل الأفعال لا تقع بموقع العموم إلا في النكرة؟

تقدم معنا البحث في الأسماء، وذكرنا تقسيماتها.

أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- هل تفيد العموم أو الخصوص؟

نقول: لا تفيد العموم، وتُحمل على أقل درجاتها، مثال ذلك: جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة فصلَّى، هل هذا يفيد عموم جميع أنواع الصلوات؟ نقول: لا.

إذن: نحمله على أي أنواع الصلوات؟ على أقلها درجة، وهي النفل المطلق.

قال المؤلف: (والتخصيص تمييز بعض الجملة)، يعني إذا كان هناك لفظ عام شمل جميع الأفراد، ثم بعد ذلك أحد هذه الأفراد وضعنا له حكم مستقل، هذا نسميه تخصيصًا.

مثال ذلك: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾، ﴿الإِنسَانَ﴾ مفرد مُعرَّف بـ(أل)، فكأنه قال: جميع أفراد الإنسان في خسارة.

ثم خصَّص فقال: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، فهؤلاء -هذا الصنف- قد خُصِّصوا من الحكم العام، الحكم العام ما هو؟ الخسارة لجميع أفراد الإنسان، إلا الذين آمنوا وأصحاب هذه الصفات.

إذن الخاص له حكم مستقل يُخالف حكم العام.

التخصيص قد يكون بأداة متصلة في نفس الخطاب الذي كان فيه العام، مثل: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، في نفس الخطاب، هذا يسمونه: مُخصِّص متصل بنفس الكلام.

قد يكون هناك مُخصِّص منفصل يكون فيه كلام آخر.

مثال ذلك: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر»، «صلاة» نكرة في سياق النفي فتفيد العموم، جميع أنواع الصلوات، ما يجوز تصلي بعد الفجر.

«لا صلاة بعد العصر»، هذا عموم.

ثم جاءنا في حديث آخر «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها؛ فليصلها إذا ذكرها»، لو قُدِّرَ أنه نام، ولما استيقظ صلى العصر، فلما فرغ من صلاة العصر تذكر أنه لم يُصلِّ صلاة الظهر، يصليه أم لا يصلي؟

طيب الحديث يقول «لا صلاة بعد العصر»، لكن ماذا؟ خصصه حديث آخر، وهو «مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها». طيب.. واضح هذا؟

إذن: هذا المُخصِّص متصل أم منفصل؟ منفصل في خطاب مستقل.

مثال ذلك يقول الله -عز وجل-: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]، هذا في الزكاة، إذا حدت الحبوب؛ وجبت الزكاة فيها.

هذا ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ يشمل القليل والكثير، يشمل جميع الأصناف، فجاءنا في الحديث «ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة» فقلنا بأن الآية يُراد بها ما كان أكثر من خمسة أوسق. لماذا خصَّصنا عموم الآية؟ لورود الحديث. هل هذا مُخصِّص متصل أو منفصل؟ منفصل.

المتصل: الاستثناء، استثناء مثل ماذا؟ أداة "إلا"، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.

مَنْ يأتي لنا بمثال آخر للاستثناء؟ ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾ [البقرة: 249].

مَنْ يأتي لنا بمثال آخر؟ طيب.. إذن هناك أمثلة كثيرة.

كذلك قد يكون التقييد بالشرط، التخصيص قد يكون بالشرط، قال تعالى ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: 6]، "أنفقوا عليهن" هنا عامة، لكنه خصَّصها بواسطة الشرط، خصَّصها بالشرط.

قال: (والتقييد بالصفة)، هذا نوع ثالث من أنواع المُخصِّصات المتصلة، ولعل -إن شاء الله- يأتي الكلام فيها.

مثال التخصيص بالصفة قوله -عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، "الناس" عامة تشمل القادر والعاجز، ثم خُصِّصت بقوله ﴿مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾.

النحاة يسمون هذا بدلًا، والأصوليون يدخلونه في اسم الصفة.

عرَّف المؤلف الاستثناء، فقال: (والاستثناء إخراج ما لولاه)، يعني ما لولا الاستثناء لكان داخلًا في حكم العام.

عند الأصوليين: أن الاستثناء يُبيِّن أن المستثنى لم يدخل في المستثنى منه، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، هذا مُخصص متصل بواسطة الاستثناء.

عند النحاة يقولون: أن الاستثناء إخراج بعض الأفراد من العام، من المستثنى منه.

عند الأصوليين يقولون: لا، الاستثناء يُبيِّن أن بعض الأفراد أصلًا لم تدخل، لأن الله -عز وجل- يعرف أن هذه الأفراد لم تدخل في حكم العام، ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، الذين آمنوا لم يدخلوا في الخسارة، ولذلك قال: (إخراج ما لولاه لدخل ذلك المستثنى في اللفظ العام).

عندما تقول: "لزيد عليّ مائة إلا عشرين" كم يكون عليك؟ يجب عليك أن تدفع ثمانين، لماذا؟ لماذا لم تجب المائة؟ لوجود التخصيص بالاستثناء.

قال: (وإنما يصح الاستثناء بشروط أن يبقى من المستثنى منه شيء)، لو قال: "له عليَّ مائة إلا مائة" كم يكون الواجب عليه؟

خطأ عليكم، يبقى عليه مئة كاملة، لماذا؟ لأن الاستثناء هنا لم يصح، ومن شرط الاستثناء أن يبقى شيء في المستثنى منه بعد الاستثناء.

ولذا قال: (وإنما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه شيء)، فلو قال له: "عليَّ مائة إلا مائة"، قلنا: الاستثناء هذا بالطل، وتجب عليه مئة كاملة.

لكن لو قال: "له عليَّ مائة إلا عشرين" وجب عليه أن يدفع ثمانين وصح الاستثناء.

لكن لو قال: "له عليَّ مائة إلا سبعين"، كلام المؤلف أنه يصح، يعني قال: (أن يبقى للمستثنى منه شيء).

والجمهور يقولون: لا بد أن يبقى من النصف فأكثر.

الشرط الثاني في شروط الاستثناء: أن يكون الكلام متصلًا.

عبد الحكيم قال: "لزيد عليّ مائة" وسكت، بعد أسبوعين قال: "إلا عشرين"، يُقبل منه؟، نقول: الاستثناء هذا لا يُقبل. لماذا؟ لأنه لم يتصل بالمستثنى منه.

بعض أهل العلم قال: يصح إن كان في المجلس.

وبعضهم قال: يصح إلى شهر.

لكن الصواب: أنه لا بد أن يكون متصلًا بالكلام من أجل أن يؤدي معناه.

قال المؤلف: (ويجوز).

هناك شرط ثالث لا يراه المؤلف، وهو: أن يكون الاستثناء من الجنس، بحيث يكون المستثنى منه يُماثل المستثنى.

مثال ذلك: تقول: "جاء الرجال إلا زيدًا"، "زيد" من الرجال أو ما هو من الرجال؟ إذن: من جنسهم؛ فيصح الاستثناء.

لكن لو قلت: "جاء الرجال إلا حمارًا"، هذا من غير الجنس. المؤلف يقول: يصح.

قال: (ويجوز الاستثناء من الجنس ومن غيره)، لو قال مثلًا: "لزيد عليّ مائة ريال سعودي إلا عشرين جنيهًا مصريًّا"، يصح أو لا يصح؟

على مذهبكم لما قلتم: لا يجوز الاستثناء من الجنس، لا يصح، وبالتالي يجب عليه جميع ما ذكر من المائة ريال.

على كلام المؤلف: يصح الاستثناء، وبالتالي نخصم قيمة الجنيهات من الريالات. واضح ثمرة المسألة؟

قال: (ويجوز تقديم الاستثناء على المستثنى منه)، تقول: إلا زيدًا جاء القوم"، وهكذا أيضًا في الشرط والصفة.

إذن: هذا هو النوع الأول مما يتعلق بالكلام عن..

لماذا اختار المؤلف أنه يجوز الاستثناء من غير الجنس؟ لقوله -عز وجل-: ﴿فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 30]، إبليس من الملائكة؟ ليس منهم، لقوله -عز وجل-: ﴿إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50]، فهنا إبليس ليس من الملائكة، ومع ذلك استُثني من الملائكة، فاختار المؤلف أنه يصح الاستثناء من غير الجنس.

الجمهور يقولون: بأن الاستثناء هنا بمعنى الاستدراك، كأنه قال: "لكن إبليس أبى".

النوع الثاني من المخصصات المتصلة: الشرط، والمراد بالشرط هنا: الشرط اللغوي لأداة من أدوات الشرط مثل: "إن - متى - أين - ما" ونحو ذلك.

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7]، هذا شرط.

والشرط يتقيد الحكم فيه بمحل الشرط، لو قال: "أعطِ الحاضرين إن فهموا الدر"، معناه: أنني أستثني وأخصص مَن لم يفهم الدرس فأقول بأنه لا يأخذ العطاء، "أعطِ مَن حضر إذا فهم الدرس"، "من حضر" هذه هي عامة تشمل جميع الأفراد، يعني من الأسماء المبهمة، "إذا فهم الدرس"، هذا استثناء، أخرجنا بعض الأفراد منها.

قال: (ويجوز أن يتأخر الشرط عن المشروط)، مثل قوله: "سأكرمك إن جئتني".

(ويجوز أن يتقدم الشرط عن المشروط)، فتقول: "إن جئتني أكرمتك".

النوع الثالث: قال: التقييد بالصفة. فحينئذٍ هذا من مخصصات العموم، ومثَّلنا له بقول الله -عز وجل-: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، وبقوله: ﴿وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ﴾ [النساء: 23]، أي زوجات أبنائكم، "حلائل" أضيفت إلى الأبناء، الإضافة عند الأصوليين نوع من أنواع الصفة، وبالتالي يختص المحرمات بحليلة الابن دون حليلة غيره.

هناك صفات يسمونها صفات كاشفة غير مُقيِّدة، وبالتالي هذه لا ذكرت لفائدة أخرى غير التقييد والتخصيص.

طيب.. لو قُدِّر أنه جاءنا خطابان، أحدهما عام أو مطلق لم يُخصَّص ولم يُقيَّد بالصفة، والثاني قُيِّد بها.

مثال ذلك: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يُمسكن أحدكم ذكره بيمنه»، وفي الحديث الآخر: «لا يُمسكن أحدكم ذكرَه بيمينه وهو يبول»، جاء جملة حالية، عند الأصوليين يسمونها صفة، فبأي الحديثين نعمل؟

نقول: يُمنع من الإمساك باليمين مطلقًا أو حال البول؟

إذن: هنا وردنا دليلان: أحدهما مُقيَّد، والآخر مُطلَق. فهل يُحمل المطلق على المقيد أو لا يُحمل؟

«لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه»، ما قال: وهو يبول.

الحديث الثاني قال: «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول». فهل النهي خاص بحال البول أو هو عام لجميع الحالات سواء في حال البول أو غيرها؟

نقول: مثل هذا على أنواع:

- النوع الأول: إذا اختلف الحكم لم يصح تقييد المطلق بالقيد، إذا اختلف الحكم.

- 2-: إذا اتحد الحكم والسبب حُمِلَ المطلق على المقيد.

- الثالث: إذا اتحد الحكم واختلف السبب.

نأتي بأمثلة:

في المثال السابق..، نأخذ أسئلة أم نأخذ؟ ما رأيكم؟

نأخذ الأخ عبد الكريم من الجزائر، تفضل يا عبد الكريم.

{السلام عليكم}.

الشيخ:

وعليكم السلام ورحمة الله.

{يا شيخ: بارك الله فيك وأحسن الله إليك، شيخ، فيما يخص ألفاظ العموم، ذكرت الأسماء المبهمة، أرجو أن توضح لنا-بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا}.

الشيخ:

كلمة "أسماء" تقابل الأفعال وتقابل الحروف.

مبهمة: يعني أنها لا تدل على ذات بعينها، وإنما تشتمل صورًا كثيرة، مثل "ما - من"، إذن: هذا معنى قولنا "أسماء مبهمة". الأسماء المبهمة تفيد العموم.

طيب.. قلنا بأنه إذا وردنا دليلان، أحدهما مطلق والآخر مقيد، فلا يخلو الحال من ثلاثة أشياء.

الأمر الأول: أن يتحد الحكم والسبب، مثاله المثال الذي قبل قليل معنا، اتحد الحكم والسبب.

مثال ذلك: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن لم يجد النعلين فليلبس الخفين»، وفي الحديث الآخر: «مَن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين».

فهنا دليلان: أحدهما مطلق «فليلبس الخفين» ولم يأمره بقطع من أسفل من الكعبين.

وفي الحديث الآخر: «وليقطعهما أسفل من الكعبين»، فحينئذٍ نقول: يمكن الجمع، فيحمل المطلق على المقيد.

بعض أهل العلم قال بأننا نعمل بالمتأخر.

ولعل الأظهر في مثل هذا: أنه نحمل المطلق على المقيد، كما في الحديث السابق «لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه» نقيده بلفظة «وهو يبول»، فيكون التحريم مقتصرًا على حال البول.

الحالة الثانية: أن يختلف الحكم، ففي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد.

مثال ذلك: في كفارة الظهار ذكر الله -عز وجل- عتق الرقبة، ثم صيام شهرين متتابعين، ثم إطعام ستين مسكينًا.

في كفارة القتل: ذكر الإعتاق وصيام شهرين ولم يذكر الإطعام. هنا السبب مختلف، هذا قتل وهذا ظهار، والحكم مختلف، هنا لم يُذكَر الإطعام وهناك ذُكر الإطعام، فبالتالي لا يُحمل المطلق على المقيد. فكفارة القتل ليس فيها إطعام.

لماذا لم نحمل المطلق على المقيد هنا؟ لاختلاف الحكم.

النوع الثالث: أن يتحد الحكم ويختلف السبب.

مثال ذلك: في كفارة القتل فقال: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92]، وفي كفارة الظهار قال: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: 3]، ولم يذكر "مؤمنة".

الحكم واحد وهو وجوب الإعتاق، والسبب مختلف، ظهار وقتل. جمهور أهل العلم يقولون: بأنه يُحمَل المطلق على المقيد.

آتي لكم باختبار للجميع، يقول الله -عز وجل- في آية الوضوء: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ﴾ [المائدة: 6]، قيَّدها بكونها إلى المرافق.

وفي التيمم قال الله -جل وعلا: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم﴾ [المائدة: 6]، هل قيَّدها بـ ﴿إِلَى المَرَافِقِ﴾؟ لم يُقيِّدها، هل يُحمل المطلق هنا على المقيد أو ما يُحمل؟ مَن يُجيب؟ مَن يُجيب أنتم يا أهل الشاشة؟

ننظر: الحكم واحد أم مختلف؟ هنا وجوب..، السبب مختلف، هنا تيمم ووضوء، لكن الحكم هل هو مختلف أو لا؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فقال طائفة: الحكم واحد، لأن كل منهما طهارة، فلما اتحد وجوب طهارة، اتحد الحكم، يُحمل المطلق على المقيد، بالتالي يقولون: التيمم يكون إلى المرافق، وهذا مذهب -أظنه- المالكية والشافعية.

وآخرون قالوا: الحكم مختلف، هنا وجوب غسل، وهنا وجوب مسح، والمسح يختلف عن الغسل، وبالتالي لا يُحمل المطلق على المقيد.

لماذا اختلفوا؟ للاختلاف في الحكم، هل هو حكم واحد أو أن الحكم مختلف؟

لعلنا في بقية الوقت ننظر إلى بعض الأسئلة.

يقول: هل .. مناط الحكم، سنأخذه -إن شاء الله- فيما يأتي.

قوله -عز وجل- ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ﴾ [القيامة: 1].

هذا للأصوليين فيها بحث كثير، هل "لا" زائدة، أو أنها نافية، أو أنها مثبتة.

طيب.. مثال للمخصص المتصل، مَن يأتي لنا بمثال لمخصص متصل؟

﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.

هل يُحكم للمطلق على المقيَّد على كل حال؟ وإذا كان المقيد أصعب، هل يُمكن الأخذ بالمطلق الأسهل لأنه أيسر؟

نحن نفهم الكتاب والسنة بلغة العرب، فالقرآن عربي، والسنة عربية، وبالتالي هذه القواعد قواعد الفهم نأخذها من الكتاب والسنة.

بعد ذلك أورد المؤلف أمثلة للمخصصات المنفصلة.

النوع الأول: تخصيص الكتاب بواسطة الكتاب، يعني تأتينا آية قرآنية عامة، ثم تأتينا آية قرآنية في موطن آخر خاصة.

مثال ذلك: يقول الله -جل وعلا: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، أوجب الله على كل مطلقة، لأن "مطلقات" جمع معرَّف بـ(أل) فيفيد العموم، كأنه قال: "كل مطلقة عليها أن تجلس العدَّة ثلاثة قروء.

هذا اللفظ يشمل المدخول بها وغير المدخول بها، لكن جاءتنا آية تدل على أن الزوج إذا لم يدخل بالزوجة فلا عدَّة عليها ولو طلقها، فلو عقد على امرأة ثم طلقها قبل الدخول فلا عدَّة عليها، لقوله -عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الأحزاب: 49]، فعموم الآية الأولى خصصناه بالآية الثانية.

ومثل قوله -عز وجل-: ﴿وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]، فالمطلقة الحامل لا تكتفي في عدتها بثلاثة قروء، وإنما لا بد أن تنتظر حتى تضع الحمل.

النوع الثاني: تخصيص الكتاب بالسنة، فتأتينا آية عامة، ثم يأتينا حديث يخصصها. ومثَّلنا له بقوله -عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾ [البقرة: 267]، من ما، "ما" هنا اسم مبهم فيفيد العموم، جميع ما خرج من الأرض.

ثم جاءنا في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة»، فخصصنا ما كان أقل من خمسة أوسق، فهذا تخصيص الآية القرآنية بواسط حديث نبوي.

وكذلك قوله -عز وجل-: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ [التوبة: 34]، "الذهب" جنس أو مفردة؟ على قولين:

- مُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية فيفيد العموم، القليل والكثير.

وجاءنا في الحديث أن الزكاة في الذهب لا تجب إلا إذا كان أكثر من النصاب، عشرين مثقالًا فأكثر، أكثر من تسعين جرام.

النوع الثالث: أن يأتينا سنة عامة ثم تأتينا آية تخصصها.

مثال ذلك: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «اتقِ الله حيثما كنت»، توجب التقوى بجميع الأفعال التي تحصل بها التقوى، حتى ولو كنت عاجزًا على الفعل الذي تتقي به.

ثم جاءتنا في الآية: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]، فخصصنا عموم الحديث بواسطة الآية.

النوع الرابع: أن يأتينا سنة عامة، ثم تأتينا سنة خاصة، فنحكم بالحكم الخاص في محل الخصوص، ونقول بأن بقية أفراد العام على العموم.

مثال ذلك: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيما سقت السماء العشر» «فيما»، "ما" هنا اسم مبهم، أوجب العشر في جميع ما سقت السماء من الحبوب والثمار.

ثم جاءنا في الحديث «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة»، فقلنا: ما دون خمسة أوسق يُعمَل فيه بالحديث الخاص، وما كان أكثر من ذلك يُعمَل بالحديث العام فيه.

النوع الخامس: تخصيص النطق بالقياس، بأن يكون عندنا آية قرآنية أو حديث نبوي عام يشمل جميع الأفراد، ثم أحد الأفراد يكون له مثيل قد خُصِّص، فنحكم بالتخصيص في ذلك اللفظ.

مثال ذلك: جاءنا النطق قول الله -عز وجل: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ﴾ [البقرة: 275]، "البيع" مُعرَّف بـ(أل) الاستغراقية فيُفيد العموم.

ثم جاءنا في الحديث أن بيع التمر بالرطب حرام، يسمونها "المزابنة".

التمر: هو التمر المكنوز المصفوف.

والرطب: هو الذي جُنيَ حديثًا، لا زال على نضارته لم يُرصّ، هذا نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم.

فنقول: الآية ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ﴾ خُصِّصت بواسطة الحديث، ثم نقيس على بيع الرطب بالتمر بيع العنب بالزبيب، فنخصص عموم الآية بواسطة القياس، فنقول: بيع العنب بالزبيب لا يجوز قياسًا على بيع التمر بالرطب، فخصصنا عموم الآية بواسطة القياس.

وأكثر أهل العلم يرون أن تخصيص الآيات والأحاديث بواسطة القياس جائز، وطائفة منعوا من ذلك.

والصواب: القياس إذا كان منصوصًا على علته جاز التخصيص، تخصيص العموم به، وإلا لم يجُزْ.

قال: (ونعني بالنطق قول الله -عز وجل- وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم)، يعني لما ذكر قبل قليل ما يتعلق بتخصيص النطق بالقياس، قال: مرادي بكلمة النطق ما يتعلق بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية.

أخذنا قبل قليل: تخصيص العموم بواسطة أقوال الصحابة، أو سنأتي إليه فيما يأتي، وهناك خلاف لعلنا نُرجئ البحث فيه عند الكلام عن حُجيَّة قول الصحاب.

الباب الآتي في المجمل والمبين.

المجمل: هو الذي لا يُعرف معناه، ماذا نفعل به؟ نتوقف فيه حتى يأتي مُبيِّن يوضحه.

مثال ذلك: قوله -عز وجل-: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]، "حقه" ما مقدار الحق؟ مجمل، نحتاج إلى حديث يوضحه، وضحه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فيما سقت السماء العشر، وفيما سُقيَ بالنضح نصف العشر»، فهنا إجمال الآية تم تبيينه بواسطة ماذا؟ الحديث النبوي.

ومثله قوله -عز وجل: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]، ما المراد بالقروء؟

القروء في لغة العرب: قد يُطلق على الطهر، وقد يُطلق على الحيض. إذن هذا مجمل يحتاج إلى مفسر يفسر القرء.

لعلنا -إن شاء الله- نأتي إلى المجمل والمبين في درسنا القادم.

اسأل الله -جل وعلا- أن يوفقكم لخيري الدنيا والآخرة، كما اسأل الله -جل وعلا- أن يرزقكم علمًا تقومون به حياتكم، وترضون به ربكم -جل وعلا.

هذا واسأل الله -جل وعلا- للمشاهدين التوفيق لخيري الدنيا والآخرة، اللهم املأ قلوبهم من التقوى والإيمان والسرور برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أمِّن المسلمين في جميع البلدان، اللهم أمِّنهم على أموالهم وأعراضهم ودمائهم وسائر ممتلكاتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

هذا وأسأل الله -جل وعلا- أن يجزي إخواننا الذي ساهموا في إنتاج وإخراج هذا اللقاء وهذا الدرس، كما أسأله -جل وعلا- أن يصلح أحوال الأمة، هذا والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

http://islamacademy.net/cats3.php