الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمينوالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلاً بكم وحلقة جديدة من حلقات : "عُمر صانع حضارة" ونحن الآن في الحلقة الرابعة والعشرين :أي ليلة من الليالي الوترية فهي ليلة الخامس والعشرين، لعلها تكون ليلة القدر: هل الجميع على أهبة الاستعداد والنوايا؟ لليلة القدر معانٍ غير عادية: إذ أن الحديث التي ترويه السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم قائلة: " يا رسول الله أرأيت إن أدركت ليلة القدر، فبماذا أدعوفي هذه الليلة وما هو الدعاء الأفضل؟ فيرد النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أدركتي ليلة القدر فأكثري من قول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"

العفو..

فلتراجع معي الحديث من بدايته، هناك كلمة واحدة فقط تتكرر على مدار الحديث ككل: عَفُو - تحب العفو - فاعف: الحديث والدعاء كليهما يشتملا على ذات الكلمة، ما هو المغزى وراء ذلك: هذه الليلة هي ليلة عفو، ليلة القدر هي ليلة يعفو فيها الله عن عباده، والعفو درجة أعلى بكثير من المغفرة، فالمغفرة تعني عدم إنزال العقاب بك والذنب فيها موجود، فهناك فارق في أن تأتي يوم القيامة ومعك صحيفة السيئات الخاصة بك : فعل كذا في يوم كذا... الخ وفي نهاية الصحيفة: فلان غفر الله له: ماذا يعني ذلك؟ أن فلان لن تتم معاقبته بينما الذنب مازال موجوداً، وماذا عن العفو: تم تقطيع الصحيفة، العفو يعني المسح، الطمس والإزالة، لم يحدث شئ مما سبق، أنت تمضي العام بأكمله تطلب المغفرة من الله ولكنك في ليلة القدر تطلب منه العفو: " يارب اعف عني" لماذا؟ لأنها ليلة عفو: وكأن شيئاً لم يكن، وماذا عما اقترفته من ذنوب: تم محوها ، والملائكة: تم محوها من سجلات الملائكة، وماذا عن يوم القيامة: لم تحدُث. إذن لن أُسأل عنها يوم القيامة: لا فقد عفا الله عنك في ليلة القدر وهي ليلة عفو، هل تستطيع أن تتخيل مدى عظمة هذه الليلة؟ وماذا عن الكبائر: لا يوجد، هذا هو العفو: درجة أعلى من المغفرة.

ولهذا يأتي العفو في القرآن مصاحباً للذنوب الكبيرة:فبنو اسرائيل عبدوا العجل ويقول تعالى:" ثم عفونا عنكممن بعد ذلك" لأن العفو أعلى درجات المغفرة، وهو من الإنسانية أيضاَ، فبدلاً من أن تمضي في طريقك ومعك العديد من الذكريات المؤلمة: وكأنك تحمل حقيبة ملأى بالحجارة والأشواك فوق رأسك، ما عليك سوى أن تفتح هذه الحقيبة وتفرغ ما بها: أنا سامحت. تلك هي أخلاق المسيح وأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم: العفو هو الإنسانية.

إنسانية عُمر..

تدور حلقة اليوم عن الحضارة التي من أجل أن تبدأ وتستمر يجب أن يحظى فيها الإنسان بالتقدير، فالإنسان غال وعُمر الإنسان لديه غالٍ للغاية، وقد كان لعُمر قصة مشهورة في ليلة القدر، فكلما هلت ليلة القدر كان عُمر يخطب في الناس: " أيها الناس كلكم مني في حِل، أنا سامحتكم جميعاً وتصدقت بعِرضي عليكم" لماذا لأنه يعلم أهمية ليلة القدر وما يقوم به عُمر لابد أن نقوم به جميعاً، هل تريد أن تدرك ليلة القدر: عليك بالعفو عن أكثر من تُكن له شعوربالكراهية من الناس بل وتخبره بذلك أيضاً في اتصال هاتفي : يا فلان لقد جرى بيننا كذا وكذا وأنا عفوت عنك والسلام عليكم. وبعد أن تنتهي من هذه المهمة على الهاتف تقول: يارب أنا عفوت فلتعف أنت عني.

عُمر بن الخطاب الإنسان لديه غالٍ ويحترمه للغاية، يُقدره ويخاف على شعوره، أريد أن أختم هذه الافتتاحية بهذه القصة الجميلة لتعرف قيمة الإنسان لدى عُمر، بينما عُمر يسير في الطريق يوماً رأى رجلاً يُزاحم الطريق ولا يدع أحداً يمر ويسير في منتصف الطريق بل ويتحدث مع المارة، وكان مع عُمر عصاه فضربه به وقال له: وسِع من طريق الناس، فرد الرجل: أوجعتني، ثم مضى الرجل في حال سبيله. ثم مر عام وبينما كان عُمر يسير في الطريق وجد الرجل، فسأله: هل تريد أن تحُج؟ قال الرجل: نعم، فسأله: أمعك مال؟ قال الرجل: لا، فأجابه عُمر: عندي مالُ لحِجك، ودلف عُمر داخل بيته وأتى الرجل ببعض المال وقال له: اخرج فحُج، فسر الرجل أيما سرور، ثم قال عُمر: انتظر أتدري لما فعلت معك ذلك؟قال الرجل: لا، قال عُمر: لأني ضربتك من سنة ضربة أوجعتك. قال الرجل: يا أمير المؤمنين والله كنت قد نسيتها وما تذكرتها الآن إلا لما ذكرتني أنت. فقال له عُمر: أما أنا فوالله ما نسيتها من سنة، هل تعرف أن تكون بهذا القدر من العفو والتقدير؟ هناك العديد من السيدات قمن بضرب فتيات يعملن لديهن أو تسببن لهم في بعض الأذى، وبعضهن قادم من بلاد أجنبية وآسيوية، وكم لاقوا منهن من تعذيب وبكاء، بينما عُمر ضرب رجلاً بعصاهومازال يذكر هذه الحادثة على الرغم من أن الرجل أخبره أن نسيها تماماً، فقال عُمر: أما أنا فما نسيتها خذ هذه النقود لك كتعويض، على سبيل المثال مثلما تقوم الدولة بتعويض شخصٍ ما عن فترة قضاها في أحد المعتقلات وكان يتم تعذيبه، ولكن التعويض هنا عن شيئ هين : وهي ضربة بالعصا: قرر عُمر بعدها تعويضه بالحج وليس على حساب الدولة بل على حسابه هو!

احترام وتقدير عُمر للإنسان..

أريد أن أخبركم أننا في هذه الحلقة سنرى عُمر في مكانين مختلفين وهما مصر والشامحيث سنشهد مدى احترامه وتقديره للإنسان وكيف يسامحه، يعفو عنه ويُقدر أخطائه ويتعامل معه برحمة، يحظى الإنسان بالتقدير في حضارة عُمر بن الخطاب، هل يحظى الإنسان بذات التقدير في حضارتنا والله لو لم يكن كذلك لن تقوم لنا قائمة، وسنعرف قدر تقدير عُمر للإنسان بعد ذلك في مصر بعد الشام على الرغم من كون عدم دخول الإسلام في هذه البلاد.

تكمن قمة الحضارة في أن تحترم الإنسان وما هي القيمة من ورائها إذا لم تعمل على تقديره، احترامه، إسعاده ومنحه حريته وتقديره الشخصي لذاته؟

تفهم عُمر ذلك جيداً فهو لا يعمل على بناء حضارة تتكون من مبانٍ، طرق وفتوحات وأموال ولكنه يبني حضارة تحترم الإنسان وتقدره، نحن هنا في الشام بأحد الأماكن، فكان عُمر في الشام يُفكر في الإنسان على الرغم من عدم إسلام أهل الشام بغض النظرعن دينهم أو ماهيتهم، هل هم من الفاتحين أم أهل البلد العاديين، كان الإنسان هو محوراهتمامه وأدى ذلك إلى أن يقوم عُمر بخمسة أعمال أولها: عندما أرسل له معاوية بن أبي سفيان وكان والياً على الشام حينذاك يُخبره : أننا يا أمير المؤمنين نواجه خطر الغارات من الروم علينا عن طريق البحر والمسافة بيننا وبين صقلية قصيرة للغاية، ثم أضاف بقوله وكأنه صورة تعبيرية عما يريد إبلاغ عُمر به : نحن نسمع نباح الكلاب الخاصة بالرومان بينما نحن هنا في صقلية، ويجب أن نعبر البحر بالجيش ونحاربهم هناك في أرضهم، والأمان لدى عُمر بالغ الأهمية ولكن المسلمين ليسوا على قدر الاستعداد المطلوب بعد للعبور وخوض المعارك الحربية، فشعر عُمر بالخوف ورفض قائلاً: لا والله لا أحمل فيه مسلم أبداً، والله لروح مسلم أعز علي من كل ما حوت بلاد الروم، لك أن تتخيل علو قدر الإنسان لدى عُمر، هل تعرف عدد القتلى من جراء حوادث السيارات أو القطارات التي تدهس الكثيرون في بلادنا وهو أمر معتاد، وماذا عن المستشفيات وكيف يموت الناس بداخلها بصورة متكررة.

بالنسبة لعُمر الأمر مختلف: فالإنسان وكرامته لا تُقدر بثمن، وما الحضارة سوى احترام للإنسان والمحافظة عليه، نحن أحياناً نذهب لبعض البلاد الأجنبية وننبهر بمستوى الأمان لديهم والدقة المتناهية في الحفاظ عليه، كان عُمر على هذه الشاكلة. أول أعماله رفضه اشتراك المسلمين بالمعارك الحربية حتى يكونوا على قدر تحمل تبعاتها ولذلك لم يبدأ المسلمون في خوضها إلا في عهد عثمان بن عفان. أما العمل الثاني الذي أولاه اهتمامه هو السجون حيث أرسل له معاوية مرةً أخرى يطلب منه بناء سجون بالشام حيث زاد معدل الجريمة هناك ولابد من إقامة السجون ولكن كيف سيتم احترام الإنسان داخل السجون؟ فأجابه عُمر بأن يتم بنائها في أماكن تحترم الإنسان حيث الهواء النقي، وأن يتحلى مأمور السجن بالحزم، الرحمة والأمانة حيث لا يقبل بالرشاوي ويؤمَن له رزق يوم وليلة داخل السجن كما كان يأكل في بيته، حتى أن هناك من أخبره أن الناس ستترك منازلها وتُقيم بالسجون لتتناول الطعام الجيد، ثو وضع النقطة الرابعة وهي: يُفصل داخل السجن بين الرجال والنساء، وبين أصحاب الديون والتهم التي تتعلق بالشرف: كرامة الإنسان حتى بداخل السجون، وهذه الظروف بالطبع مختلفة تماماً عما يحدث في سجوننا في الوقت الحاضر.

العمل الثالث أنه قام بتعيين قاضي لكل مدينة مثل حمص، دمشق، الأردن لكل واحدة قاضيها المستقل، ثم أرسلوا له يخبرونه أنه سيدفع رواتب كثيرة هكذا للعديد من القضاة وليكتفي بقاضٍ واحد في دمشق، فيرد عُمر بقوله: لا والله لا يتحرك صاحب مظلمة من بلد إلى بلد ليحصل على حقه والله لأرسلن له من يحصل له على حقه، هو يهتم بكرامة الإنسان حتى في التقاضي ونحن لدينا العديد من القضايا تظل لسنوات عدة، هل عرفتم ماهي الحضارة الآن: كل ما يقوم به عُمر بن الخطاب هو الحضارة، علينا أن نقوم بالتعديل في السجون، روح الإنسان والقضاء.

العمل الرابع كان السجلات للنساء والأطفال ليرسل إليهم رواتب شهرية حيث قال: أخشى على نساء الشام وأخشى على أطفال الشام أن يظلمهم الرجال، فقام بتأمينهن لأن كرامة النساء كرامة مخصوصة، فقرر للمرأة الشامية: 500 خمسمائة درهم والمولود بالشام 300 ثلاثمائة درهم، والمولود الذي يُفطم: 200 مائتي درهم واللقيط بلا أب أو أم بالشام : 300 ثلاثمائة درهم.

ما هذا العطاء المادي ولماذا يفعل ذلك؟ إنه احترام للإنسان حتى لا يظلمها أحد، ستقول هذا هو العدل، الرحمة، إقامة حضارة ، تعايش ولكنه قام بكل ذلك لغير المسلمين أيضاً، وآخر ما قام به عُمر بن الخطاب كان للمسيحيين بالشام، كانت هناك سيدة عجوز قابلها عُمر في درعا في طريقه إلى الشام فيسألها: أم آن لكي أن تُسلمي؟ فإن الله بعث محمداً بالحق، وهي كانت تسأله عن طلبٍ لها، فقالت: ألا تعطيني حقي حتى أُسلم؟ ، فقال عُمر: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله لا إكراه في الدين هذه حاجتك. ثم تركها وقال: اللهم لا تحاسبني على ذلك فوالله ما أردت أن أُكرهها، ما هذه الإنسانية؟

عندما كان بالشام أتوا له بعبد وقالوا له: هذا ليخدمك يا أمير المؤمنين، فنال إعجاب عُمر لأمانته ومهارته في العمليات الحسابية، فقال له: هل لك أن تُسلِم فإني أريد أن أوليك شيئاً في الزكاة لا يتولاه إلا مسلم، فقال: لا، فقال عُمر: لكأني أكرهتُك؟ هذا هو ديننا السهل السمح. قال: لا، فقال له عُمر: اذهب أنت حر لعل الله يحاسبني أني قد لوحت لك بالإكراه. حضارة عظيمة هل نستطيع بناء حضارة مثلها حيث تحترم السجون الإنسان، روح الإنسان مُكرَمة والقضاء يحترم الإنسان والمرأة والطفل يلاقوا التكريم؟

لقد احترم عُمر بن الخطاب جميع الأديان والعقائد وكرَمها، احترام الإنسان هو سر الحضارة وسر بقائها..

احترام عُمر للإنسان المصري

ولنذهب الآن إلى مصر بلد الحضارة وعُمر يعي ذلك جيداً، فالإنسان المصري معدنه أصيل ويعلم جيداً أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأهلها خيراً، وعُمر قارئ للقرآن ويرى اسم مصر يتكرر فيه فهي مذكورة 25 خمسة وعشرين مرة به وقصة سيدنا موسى عليه السلام بمصر وقيام الحضارات، الصراعات من أجل السلطة والظلمن الصراعات السياسية والصراع الاقتصادي لسيدنا يوسف عليه السلام.

وأول ما بدأ به عُمر لتكريم الإنسان المصري: هو يتفهم طبيعة المصريين لذا اختار قبائل يمنية للذهاب مع عمرو بن العاص لفتح مصر لأن اليمن أهل حضارة ومصر أرض حضارة: وفي تعاملهما سوياً سيكون هناك نوع من الاحترام، إنه حقاً بعيد النظر. وثاني الأمور في مصر هي أنه بالنسبة للمصريين هم شعب محب للترفيه، الضحك وإلقاء النكات، وهل الترفيه ضد الإسلام؟ عٌمر بن الخطاب متفهم للنفس المصرية والشخصية المصرية، هناك العديد من الكتب التي تناولت الشخصية المصرية ولكن عُمر كان الأقدرعلى فهم الشخصية المصرية. أمر عُمر عمرو بن العاص بالآتي: أقِم راحات بين المدن وضع فيها الزبيب وضع فيها الطعام ليأكل منها الناس إذا انتقلوا بين الطرق. كان أول من أقام استراحات على الطرق، هل عرفنا الآن ما معنى كلمة حضارة: هي لا تعني أناس يعملون بالليل والنهار، بدأ عُمر إقامة الاستراحات مع المصريين، الذين احترمهم ومنع هدم الكنائس: وهو أول من قال: لا تُهدَم كنيسة. وأول من قال: عاملوا أقباط مصر كأهلكم وعشيرتكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصانا بهم، لقد وصل الاحترام إلى أقصى مدى في قوله كأهلكم وعشيرتكم، كما أعاد الأنبا بنيامين رئيس الكنيسة المصرية إلى مصر والمطرود من الرومان وهم على ذات دينه ولكن بمذهب مختلف. ويقول لعمرو بن العاص: لا تفعل شيئاً إلا وأنت تشاور الأنبا بنيامين واطلب منه أن يكتب لي ما الذي يُصلِح مصر ويُعمرها ولا يُخربها. ويجيبه الأنبا بنيامين بخطاب.

هناك حضارات في العالم في وقتنا الحاضر لو قُتِل أو تم أسر أي فرد منهم ينقلب العالم رأساً على عقب، أما نحن فيموت لدينا الكثير على الطريق في حوادث السيارات ولا نُحرك ساكناً: لأن الإنسان بلا أهمية أو تقدير. أعرف شخصاً لديه ابنته الطفلة دخلت إحدى المستشفيات وهي على شفا الموت وهو ملياردير، أبلغوه بسرعة إرسال مبالغ مادية إلى المستشفى فأرسل 500 خمسمائة جنيه، وهي تحتاج 20000 عشرين ألف جنيه وعندما سألوه لماذا لم ترسل مبلغاً أكبر من ذلك كان جوابه: هذه هي قيمة الإنسان في بلادكم، أنا أقوم بسرد هذه القصة لأقول لكم أن الحضارات تُقاس بقيمة الإنسان.

كتب عُمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص: لا يحجزك عني ماء ولا نهر ولا بحر لأنه في حال حدوث كارثة سألحق بك مع جيش أخر لأن الإنسان غالي. ليلة القدر تعلمك العفو لترد بيننا الإنسانية والكرامة، من منا يستطيع أن يحذو حذو عُمر؟ هنا قصة شهيرة يُظهر فيها عُمر تقديره للإنسان وكلنا يعرفها عندما كان يسابق ابن عمرو بن العاص ابن أحد الأقباط حيث انتصر على ابن عمرو بن العاص وسبقه، فاغتاظ ابن عمرو بن العاص وأمسك بسوطه وضرب المصري قائلا: " أنا ابن الأكرمين" والمصري يعرف أن هنا عُمر الذي يحترم الجميع وإنوا على غير دينه فيذهب إليه من مصر إلى المدينة ويخبره بما جرى. ثم يستدعي عُمر عمرو بن العاص وابنه ويعطي السوط لابن المصري ويقول له: اضرب ابن الأكرمين، ويقوم المصري بضربه ثم يقول له عُمر: أدرها على صلعة عمرو، فيقول إنما ضربني ابنه وليس عمرو، يقول عُمر: إنما ضربك بسلطان أبيه اضرب عمرو. ثم يقول عُمر مقولته المأثورة:" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" لا يوجد ميثاق للأمم المتحدة أو أي من دساتير العالم شهِد كلمة أعرق من كلمة عُمر الذي يحترم الإنسان، شكراً يا سيدنا عُمر لقد تعلمت منك البشرية قيم كبيرة وهذه هي الحضارة ليتنا نقلد عُمر.

عرفت البشرية عبر تاريخها عدة حضارات لملايين السنين تشعر وكأن هناك قطار يحمل حضارات وتنزل منه حضارات أخرى ولكن هذا القطار كان يتوقف في محطات أساسية عبر البشرية: مثل محطة اكتشاف النار، اكتشاف الكتابة ومحطة دولة الرومان. أنا أدعي أن أهم محطات قطار الحضارة التي عمت فيها الفائدة وتم شحنه وسار بقوة كبيرة : محطة عُمر بن الخطاب والتي بدأها النبي صلى الله عليه وسلم، والذي شهِد أعظم الحضارات وأقوى قطارات الحضارة والتي عمل على اتمامها عُمر بن الخطاب لأنها حضارة احترمت الإنسان وتعاملت معه على أنه مُقدِر، مُحترم وذا قيمة ونحن نسمع الآن عن حضارات احتلرمت الإنسان ولكن أفضلها كانت حضارة الإسلام: حضارتك يا رسول الله حضارة أسسها عُمر، وعندما أُهدرت قيمة الإنسان في عالمنا العربي والإسلامي سقطت قيمة حضارتنا ولن تعود إلا بعودة الاحترام للإنسان.

هل تعلم ما علاقة ذلك بليلة القدر؟ فليلة القدر هي ليلة مغفرة فكل ما فات يُمحى ليعاودك الشعور بالاحترام مجدداً، أنت تشعر بما اقترفته من ذنوب سنغفرها لك جميعاً ولتقم للصلاة ليغفر الله لك: أنت الآن مُحترم ومُقدَر، كنت أظنها ليلة للصلاة فقط، لا أنت الآن تحررت: أنت حر، طليق، محترم، ليلة القدر هي ليلة الاحترام فلتتوبوا جميعاً اليوم. صلوا واحترموا غيركم واشعر وأنت تصلي وتتوب أنك تعيد احترامك لبداية صناعة الحضارة لأن قيام الحضارات هو نفس محترمة وشعب محترم وجيل شباب محترم.

قام بتحريرها: قافلة التفريغ والإعداد بدار الترجمة

Daraltarjama.com©جميع حقوق النشر محفوظة

يمكن نشر ونسخ هذه المقالة بلا أي قيود إذا كأنت للاستخدام الشخصي وطالما تم ذكر المصدر الأصلي لها أما في حالة أي أغراض أخرى فيجب أن يتم الحصول على موافقة كتابية مسبقة من إدارة الموقع

للاستعلام:management*daraltarjama.com