الحقوق محفوظة لأصحابها

عمرو خالد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم، ونكمل سوياً الأيام الأخيرة من "الجنة في بيوتنا"، وهذه الحلقة لها خصوصية.. حيث نتحدث عن ليلة السابع والعشرين، وهي _عند أغلبية العلماء _ ليلة القدر. والحقيقة لي ثلاثة مطالب من الأسر: من الآباء والأبناء، من الأزواج والزوجات، ومن الشباب وإخوتهم. في هذه الحلقة نوجه حديثنا إلى أب وابن، نتحدث إلى أم وابنها وابنتها، نتحدث إلى زوجين، نتحدث إلى عائلة، نتحدث إلى الجميع، ونطلب منهم ثلاثة مطالب، ولكن سنعرض ذلك أثناء حديثنا عن ليلة القدر وثوابها لنربطها بعضها ببعض.



معنى خاص:

أحب أن أبدأ بمعنى خاص بهذه الليلة: يصطفي الله سبحانه وتعالى ويختار من يشاء من البشرية، واصطفى منهم الأنبياء، واصطفى من الأنبياء أولي العزمِ من الرُسل، واصطفى سيدنا موسى عليه السلام وجعله كليم الله، وقال له: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ...)(طـه: من الآية13)، وقال له: (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي...)(الأعراف: من الآية144)، اصطفى مريم: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:42)

واصطفى من الأنبياء كلهم مُحمَّداً صلى الله عليه وسلم، وكما قال رسول الله: (أنا سيد وَلَدَ آدم ولا فخر)، فهو المُصطفى صلى الله عليه وسلم. واصطفى من الملائكة جبريل عليه السلام، واصطفى من الأماكن عرفة، واصطفى من الشهور رمضان، واصطفى من الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة، واصطفى من الليالي في كل سنة ليلة القدر.



لماذا أقول ذلك كله؟ لأسألك: هل سيصطفيك الله وعائلتك ويبلغكم ليلة القدر؟ فالله لا يصطفي أحداً ولا يختار إلا لخصلة خيرٍ فيه. تعالوا نبدأ من هذه الليلة بجمع شمل العائلة، فنُصطفى لليلة القدر، تعالوا ننسى الإساءات، ونبدأ بأنفسنا، ونذهب للمِّ الشمل، ما رأيك أيتها الزوجة الصالحة أن تنسي كل إساءة وقعت من زوجك هذه الليلة، وتذهبي إلى الله بهذه النية الخالصة، وتتوددي إلى زوجك وتسامحيه، وكذلك أنت أيها الزوج، فليلة القدر تحتاج إلى نفوس مستعدة لاستقبالها لتُصطفى.



لماذا سميت بليلة القدر؟

كلمة القدر آتية من المنزلة، من الرفعة، من المكانة. ليلة القدر ليلة عظيمة وقدرها كبير، وقد سميت بذلك لسببين:

1- لأن منزلتها عظيمة جداً، وانظر معي لهذه الآيات الكريمة: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(القدر:1-3)، ولاحظوا معي أن كلمة "القدر" وحدها جاءت ثلاث مرات، فلو علمتم مقدار ثوابها وما سيعطيه الله لكم لاستعددتم لها كعائلة مترابطة تستيقظ لربها، وتعفو بعضها عن بعض، وتجتمع على الخير.

2- لأن في هذه الليلة تُقدَّر أرزاق وآجال وأحوال العباد من شقي أو سعيد. صحيح أن ذلك قد كُتب في اللوح المحفوظ، وكُتب عند الله في الأزل، لكن قيل إن هذه الليلة ينزل الله فيها أقدار العباد للعام القادم، ولذلك تقول الآية: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(الدخان: من الآية3-4) فكيف تحب أن ترى بيتك وأسرتك العام القادم؟



في رحاب السورة:

دعونا نعيش سوياً مع هذه السورة المباركة، سورة القدر التي خُصصت من أجل هذه الليلة، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر:1-4)، وكلمة "تنزَّل" هنا أي أن حشوداً من الملائكة تنزل إلى الأرض، كما تنزل الأمطار بغزارة، كذلك الملائكة تنزل بغزارة في هذه الليلة نزولاً خاصاً. ومن الروح؟ هو جبريل عليه السلام، وقد نزل على جميع الأنبياء بالرسالة، نبي بعد نبي حتى آخر الأنبياء مُحمد صلى الله عليه وسلم لمدة 23 سنة، وكانت آخر مرة لنزوله يوم وفاة النبي، إلا أنه كان ينزل مرة واحدة في السنة في ليلة القدر ليتفقد القرآن الذي نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتفقد بيوت المسلمين من أمة مُحمد صلى الله عليه وسلم. فهل تحب أن تزورك الملائكة في هذه الليلة؟ وانظر إلى ختام السورة الرقيق: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر:5)، هذه ليلة سلام من الله، ليلة سلام من الملائكة، ليلة يريد فيها الله السلام بين الناس، ليلة ليس فيها شَحناء، ليلة يُسالم الله فيها عباده، ليلة يُسالم فيها الملائكة الناس. والليلة حتى مطلع الفجر، فلا يتصور البعض أنها نصف ساعة أو شيء عابر يحدث وينتهي...فمن ينوي ويبدأ السلام في هذه الليلة؟



الطلبات الثلاثة:

ولنأت الآن إلى الطلبات الثلاثة التي أريدها منكم:

1- هي ليلة سلام، فهل تستطيع أن تُسالم عائلتك؟ بالله عليك انس ما فات.. بالله عليك سالم زوجتك، وأنتِ كذلك، اذهب إلى أبيك وأمك وأرضهم ليغمرك سلامٌ من الله.

2- اعبدوا الله سوياً، صلوا سوياً واقرأوا القرآن سوياً، وادعوا الله سوياً أن يجمع شمل العائلة. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين الأوائل من رمضان بصلاة ونوم، فإذا جاءت العشرة الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله.

هذه ليلة عفو، يعفو فيها الله تبارك وتعالى فاعفوا بعضكم عن بعض في هذه الليلة ليعفو الله عنكم... سامح أيها الزوج، وسامحي أيتها الزوجة، سامح أيها الأب، وسامح أيها الابن. أورد أبو يعلى في مسنده والحاكم في (المستدرك) عن أنس رضي الله عنه قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه.

فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟

قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة عز وجل، فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي.

قال الله عز وجل: أعط أخاك مظلمته.

فيقول: يا رب لم يبق من حسناتي شيء.

قال: يا رب فليحمل عني من أوزاري.

ففاضت عين النبي صلى الله عليه وسلم بالبكاء، ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناس فيه إلى أن يحمل عنهم من أوزارهم.

فيقول الله عز وجل للمطالب: ارفع رأسك فانظر الى الجنان.

فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة، وقصوراً من ذهب مكللة باللؤلؤ، لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟

قال الله: هذا لمن أعطاني الثمن.

قال: يا رب فمن يملك الثمن؟

قال: أنت تملكه.

قال: بماذا يارب؟

قال: بعفوك عن أخيك.

قال: يا رب قد عفوت عنه.

قال الله عز وجل: خذ بيد أخيك فادخل الجنة.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، فإن الله عز وجل يصلح بين المؤمنين يوم القيامة».



ثواب ليلة القدر:

خمسة أشياء هي ثواب ليلة القدر:

· أولاً: خير من ألف شهر.

· ثانياً: مغفرة كل ما فات من الذنوب.

· ثالثاً: إجابة الدعاء.

· رابعاً: العتق من النار.

· خامساً: العفو من الله.

ولكي تنال هذه الثواب عليك أن تُسالم عائلتك بنفسية جديدة من أجل أن تكون الجنة في بيوتنا بحق.



الثواب الأول أنها ليلة خير من ألف شهر:

فالعبادة في هذه الليلة كما لو كنت تعبد الله 1000 شهر، تساوي 84 سنة، أي متوسط عمر الإنسان، فهذه الليلة أعظم أجراً وثواباً من عمرك كله، فتقبيلك ليد أمك في هذه الليلة كأنك بار بها طيلة 84 سنة، دمعة من خشية الله كأنك بكيتً طيلة 84 سنة، صدقة في هذه الليلة كأنك تتصدق طيلة 84 سنة، وإن تصدقت على أحد من أقاربك فكأنك تصدقت عليه ضعف الـ84 سنة، وسيصبح أجرك أجرين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لأن فيها ثواب صلة الرحم وثواب العطاء. تخيل أن توضع 84 سنة في ميزان حسناتك!

الثواب الثاني: مغفرة الذنوب:

(من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)، من يصلي التراويح، من يصلي التهجد ليلاً من أجل الله محتسباً الثواب والأجر غفر الله له كل ما فات وحتى الكبائر، وأصبحت صحيفتك بيضاء.

الثواب الثالث: إجابة الدعاء:

لدرجة أن بعض العلماء يقولون إن الدعاء في هذه الليلة أحب من الصلاة... بالطبع سنفعل الاثنين، ولكن انظر إلى السيدة عائشة حينما سألت النبي صلى الله عليه وسلم ماذا تفعل لو أدركت ليلة القدر، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: قولي اللهم إنك عفوٌ تُحب العفو فاعف عني.

الثواب الرابع أنها ليلة عتق من النار:

والحديث يقول: (ولله عُتقاء من النار في رمضان وذلك كل ليلة)، وهذه الليلة من المغرب إلى الفجر أكثر ليلة في العام كله يُعتق فيها الكثيرون، ويقول الله: يا ملائكتي اكتبوا عائلة فلان عتقاء من النار... تخيل دموع الفرحة! أحلى ليلة في حياتك هي تلك التي يعتقنا الله فيها من النار... أرأيتم كم هو الثواب عظيم؟

الثواب الخامس أنها ليلة عفو:

فهي ليلة إزالة لكل ذنبٍ ارتكبته، وهناك فرق بين المغفرة والعفو، فالمغفرة هي أن يسترك الله سبحانه وتعالى في الدنيا، ولا يعذبك في الآخرة على ما أذنبت، وأما العفو كأنك ما اقترفت ذنباً أبداً.



مثال توضيحي للمغفرة والعفو:

ينادى الله يوم القيامة على عبدٍ من عباده، فيقول له: ادن مني يا عبدي، فيدنو العبد، فيُرخي الله عليه سِتره، ويقول له الله: أتذكر ذنب كذا، ؟، أتذكر ذنب كذا، ؟، حتى يظن العبد أنه هالك، فيقول له الله تبارك وتعالى: سترتها عليك في الدنيا، وها أنا أغفرها لك اليوم... ماذا تسمي ذلك؟! مغفرة أم عفواً؟ هي مغفرة لأنه ذكره بذنوبه، وماذا عن العفو؟ أنك لم تقترف ذنباً قط، وصحيفة ذنوبك قد مُزقت وأصبحت بيضاء، حتى أنك تنسى ذنبك، وكذلك تنساه الملائكة.. .



أدعو الله سبحانه وتعالى أن يعين بيوتنا على تنفيذ هذه الأشياء، وصلي الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: http://www.amrkhaled.net/articles/articles2782.html